2012/11/30

أمّا قبل ... أما بعد


أما قبل :
تابعت كما تابع كثيرون غيري ما حدث يوم أمس من منع الكاتبة السعودية المقيمة في دبي "بدرية البشر" صاحبة رواية "هند والعسكر" من دخول البلاد ، كما تابعت آراء الكثيرين والذين انقسموا بين مؤيد يرى أن في هذا الإجراء انتصار للعقيدة السليمة والتي خدشتها "بدرية" في روايتها "هند والعسكر" ، وبين معارض يرى أن هذا الأمر معيب في بلد المؤسسات والديموقراطية .
من جهتي أعلم يقيناً مدى ما تحمله بدرية البشر من أفكار أراها مخالفة للشريعة الإسلامية لا سيما ما ورد في روايتها "هند والعسكر" والتي فشلت فشلاً ذريعاً في تبرير ما جاء فيها من أخطاء خلال اتصالها الهاتفي ببرنامج "توك شوك" مع المتألق محمد الوشيحي وكان أجمل ما قالت هو : "أعوذ بالله أن أتطاول على الذات الإلهية" ، لكنني في المقابل أرفض رفضاً قاطعاً الانتقائية والمزاجية والفردية في اتخاذ قرارت المنع من دخول البلاد ، وما ذلك إلا لأنني أعلم علم يقين أن مثل هذه القرارات "خبط عشواء" إن أصابت اليوم من يستحقها فستصيب غداً من لا يستحق مثل هذا المنع وحينها سأكون أول المدافعين وأول والواقعين في شرّ "تناقضي" ، لذلك يجب أن يكون المنع ضمن قواعد وأسس ثابتة لا خاضعاً للمزاجية والانتقائية ، خصوصاً وأن أبواب الكويت كانت مشرعة لمن تعتبر "بدرية" نقطة في بحرهم اللجي المتلاطم بالطوام ، وما زيارة "الصدر" عنّا ببعيد .
أما بعد :
اليوم سيكون هناك "مسيرة" مشهودة بلا شكّ ، لأنها مرخّصة وتم الإعداد لها جيّداً ، ولأنها تأتي "بعد" حلقة توك شوك النارية مع مسلّم البراك والذي زأر فيها بكل ما أوتي من قوّة وبين بعضاً من تخبّطات وتناقضات الحكومة في تعاطيها مع بعض القضايا لا سيما القضايا التي يكون طرفاً فيها مسلّم البراك نفسه ليوضّح أن المقصود هو شخص مسلّم البرّاك لا شئ غيره ، ولأنها تأتي "قبل" الانتخابات ذات الشكل الجديد والمثير للجدل بيوم واحد ، ويرغب المقاطعون للانتخابات أن يوصلوا أصواتهم عن طريق هذه المسيرة "المرخّصة" لا عن طريق صناديق الاقتراع ، لذا أرجو من الله عزّ وجل أن يلهم اصحاب القرار للنظر إلى الحشود التي سيضيق بها الأفق على أنها استفتاء "غير رسمي" على مرسوم تغيير الأصوات ، لعلّ الله عزّ وجلّ أن يؤلف القلوب ويوحّد الصفوف .
قبل الختام :
في كل سنة " انتخابات" ، يرقبون بعيون ملؤها الحزن ، وقلوب ملؤها القهر ، يملكون صوت المطالبة بالحق لكنهم لا يملكون صوتاً يمكّنهم من إيصال من ينصفهم أو يساهم في إنصافهم إلى كرسي البرلمان ، فيبقون أسرى في سجون المتابعة فقط ، تطربهم وعود بعض المرشّحين ، ويزعجهم وعيد البعض الآخر ، يقلقهم الخوف ويقتلهم الحزن ، ولا يملكون حيال ذلك كله إلا الجلوس في الزوايا المظلمة والبكاء على مستقبل بلد يحبونه بكل ما أوتوا من قوة ، لكنه لا يبادلهم ذلك الحب بنفس تلك القوة ، إنّهم "البدون" .

2012/11/27

من هم الرّبِع ؟!


بعض الأسئلة تكمن صعوبة الإجابة عليها في سهولتها ، وذلك لأن الكلمات تقف حينها استحياء أو جبناً – قل ما شئت - على بوابة الأفواه حين ينتدبها سؤال هو أبسط مما نظن ، لكنّ الإجابة عليه في زمن "المطّاعات" يجعله من الصعوبة بمكان ، حتى تتبرأ منك حينها كل بنات الشفاة ، وكأن ليس بينك وبينها علاقة قط .
في ليلة ذات "جرأة"  - وأقول جرأة ولا أقول شجاعة لاختلاف المعنى في كلا المفردتين رغم تشابههما في أذهان كثير من الناس – قام شاعر "نصف شجاع" بصياغة بعض ما يتكرر طرحه دائماً على أفواه الناس بفضل ما حباه الله عزّ وجلّ من موهبة تصيّر الكلام ذهباً موزوناً ، هذا الشاعر لم يأتِ بجديد ولم يأتِ بمفيد ، وجُلُ ما فعله هو العويل على وزن التفعيلة بدلا من العويل نثراً على وضع بات من قبيل المضحك المبكي لأن شرّ البلية ما يضحك .
"لا تشتري ماطور وتجهّز خيام
دام الخلا مملوك للربع بصكوك"
نقطة وانتهى السطر ! ، هكذا ظنّ الشاعر ، بيت شعر يفوت ولا حدّ يموت ، ولكنه قد خاب ظنّه ، لأنه لم يدر في خلده بالتأكيد بأن هذه النقطة ستكون نهاية لبيته ، وبداية لخراب بيته – ربما - ، لأنها فتحت عليه باب سؤال لا يحتاج مزيد علمٍ بقدر ما يحتاج إلى مزيد شجاعة ارتدى منها الشاعر إزاره ليستر عورة جبنه ولكنه نسي أن يرتدي رداءه ، ليصبح نصف شجاع و نصف جبان في الوقت ذاته ولك عزيزي القارئ أن تنظر لأي النصفين من الجسد أردت العاري أو المستور  ، ومن وجهة نظري فإنني أرى أن الإنسان إذا لم يمتلك القدر الكافي من الشجاعة فسكونه خير له من حركة إلى الأمام سرعان ما يعقبها رجوع مخزٍ إلى الوراء ، يضيع بعدها المرء مشيته ومشية الحمامة .
"من هم الربع ؟!" سؤال بسيط جدّاً ، لكن البحث عن إجابته لا زال جارياً ، ولا بأس من الاستعانة بالعلامة "قوقل" وابن عمّه "قوقل ايرث" لأنهما من النوع الذي لا يعترف بأن من قال لا أدري فقد أفتى ، بل هما من النوع الخنفشاري مجاوب مجاوب كفرد حمزة ثاير ثاير ، ولا يوجد عندهما "لحية مسرّحة" !
كثير من الطيور المغردة حاولت الإجابة على ذلك السؤال ، بعضها حام حول الحمى على طريقة وين إذنك يا جحا ، وبعضها كانت شجاعة لكن من وراء جدر "أسماء مستعارة" ، وهي شجاعة وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع بقدر ما تكون فشّة خلق لصاحبها يعود بعدها وهو يظن بأنه قد "جاب راس الدريعي" .
لا يزال شاعرنا صامتاً ، ولا يزال السائل ينتظر جوابه ، ولا يزال الكثيرون يحاولون الإجابة عن هذا السؤال السهل "الممنوع" الإجابة عليه ، وحتى نجد إجابة لسؤال السائل "من هم الرّبع؟!" فإنه يتوجب على البعض في مكان ما في هذه المعمورة أن يأخذوا بنصيحة شاعرنا "نصف الشجاع" وأن لا يتعبوا أنفسهم بشراء ماطور وخيام ، لأنّ "الخلا" وعلى حدّ وصفه "مملوك للرّبع بصكوك" .

2012/11/23

حتى أنتِ يا سميّة ؟!


ينتابني الذهول حين أمعن النظر في بعض الأشخاص الموالين لجهة ما والذين نصبوا أنفسهم للدفاع عنها والتحدث بلسانها في كل صغيرة وكبيرة ، وسبب ذلك الذهول هو أن كل تلك الشخصيات أجد بينها قاسماً مشتركاً وهو خلوّ رؤوسهم من الحكمة والحصافة وخلو ألسنتهم من الفصاحة واختيار الألفاظ المناسبة ، ودائماً ما "تجيب العيد" وتتسبب في تأليب الناس على تلك الجهة حمقاً منها فيكونون كمن : أراد نفعاً فضرّ من غير قصدٍ // ومن البرّ ما يكون عقوقا ، وكأن تلك الجهة بالفعل قد عجزت عن إيجاد حليف أفضل من الموجود حالياً ، أو أنها تعتمد على المثل القائل : "الجود من الموجود" ، وتستعير عبارة الرمز النصراوي عبدالرحمن بن سعود رحمه الله لتقول : النصر بمن حضر .
بعض الجبناء يغريهم نوم الأسد في عرينه فينهالون عليه بالسبّ والشتم والتطاول وهو عنهم في شغل فالنوم سلطان ، ولكنهم يحكمون على أنفسهم بالإعدام "أكلاُ" حين يغريهم نوم ذاك الأسد أكثر وأكثر ليتقدم أشقى القوم فيلطمه على وجهه لطمة توجعه فتوقظه ، فيبدأ بالاقتصاص منهم واحداً تلو الآخر وعندها لن يكون الترتيب بحسب الإساءة بالطبع بل سيكون بحسب الأسمن والأكبر وزناً ولا عزاء للمربربين ، ولهذا قالوا قديماً "إيّاك أن تصفع أسداً نائماً" !
حين اختلى أصدقاء يوليوس قيصر به في قصره ليقتلوه ، وحين انهالت خناجرهم تنهش من جسده ، وحين كان يهمّ بمفارقة الدنيا على إثر خيانة أصدقاء الأمس وأعداء اليوم ، طعنة واحدة فقط من بين كل تلك الطعنات هي التي آلمته أشد الألم ، وفتكت به أشد الفتك ، إنها طعنة بروتس الذي أحسن إليه يوليوس قيصر كثيرا ، ومنحه الثقة المطلقة وأحاطه بالحب الكبير ، حتى قال يوليوس قيصر - وهو مقبل على الموت - جملته الشهيرة التي أصبحت مضرب مثل فيما بعد : "حتى أنت يابروتس" ؟! .
"حتى أنت يابروتس"؟! ، قالها يوليوس قيصر حين سقط قناع بروتس وبدا وجهه الحقيقي ، ويحقّ لكل أحد أن يقولها لمن نال ثقته وحظى بتأييده وحبّه ، لكنه في ليلة ذات غباء ، سدّد له طعنة لا سلّمه الله بعدها إن سلم منها المطعون ، وعلى الباغي تدور الدوائر .
في مضارب بني "تعس" حاولت سمية ذات يوم أن تستدرج عنترة بعبارة "اشرب ياكاويني" بعد أن هيأت له كل ما يريد من الأصفر والأحمر والاقحواني والمودماني ، لكنّ عنترة أبى لأنه أراد أن يشرب بالعزّ كأس الحنظلِ ، فأثبت لها بأنه أسد وإن طالت نومته فإنه إن استيقظ سيستيقظ أسداً ولن يصيّره طول نومه قطّاً أبداً ، وأّنه لا تغريه الملذّات ولا المكرمات ، وأن "الكرامة" والمروءة تلصق به كما تلصق البمبرة في الرخام الأملسِ ، وأن الرضوخ والخنوع يبعد عنه كبعد العبدلي عن خطّ وفرةِ ، وأن مصير كلّ من يراهن على صبر أسد مصفوع على وجهه رفسة كرفسة الحصان في بطن قطوةِ ، وأن عبارات السبّ والشتم من قبل سميّة وأشباهها لن تؤثر فيه وسيواجهها مستعيراً عبارة يوليوس قيصر الشهيرة ولكن بتهكم وسخرية هذه المرة قائلاً "حتى أنت ياسميّة"؟!

2012/11/16

اختلف معي واحترمني !


لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ
أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
المتنبي
لاتناقض إطلاقاً بين مفردتي "الاختلاف" و "الاحترام" ، وواهم من ظنّ بأن العلاقة بينهما كعلاقة الملائكة مع الشياطين إذا حضر أحدهما هرب الآخر ! ، ومخطئ من ظنّ بأن الإختلاف مع المقابل مسوّغ لعدم احترامه والتنقص منه وتسفيه رأيه وأن الاختلاف في الرأي يجب ألاّ يبقي للود بقيّة ! ، فالاختلاف في الرأي شئ والاحترام المتبادل شئ آخر ، ولعدم الاحترام أسباب كثيرة جدّا ليس من بينها بالتأكيد الاختلاف في الرأي .
من حقك أن تختلف معي في الرأي ، ولكنك يجب أن تعي أن من حقي عليك أيضاً أن تعاملني وتعامل رأيي باحترام ، وأن تبادلني الرأي بالرأي لا أن تبادلني الرأي بالسباب والشتم والتنقص وعدم الاحترام ، فالحجة إنما تقارع بالحجة والرأي إنما يواجه بالرأي وكل من عدل عن ذلك ففيه من فرعون موسى شبه حين حاوره موسى فقال له : (أولو جئتك بشئ مبين) ؟! ، فطلب فرعون حينها ما يحق له أن يطلبه وهو الحجة والدليل والبرهان فقال : (فأت به إن كنت من الصادقين) ، فلما قدم له موسى ما لديه من حجج وبراهين ومعجزات ربّانية ، عدل فرعون عن مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي – وأنّى له ذلك - إلى أسلوب التخويف والتهديد والاستهزاء والسخرية فقال : (إن هذا لساحر عليم) وقال : (لئن اتخذت إله غيري لأجعلنك من المسجونين) ، وغيرها من العبارات التي حكاها الله عزّ وجلّ لنا في كتابه الكريم ، والخلاصة أن أسلوب العدول عن مقارعة الحجة بمثلها هو أسلوب فرعوني لا يليق بمن يدّعي صبحة وعشياً أنه يحترم الرأي الآخر وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية .
تصيبني الدهشة حين أرى التسفيه وعدم الاحترام للرأي المخالف ، وتصيبني الدهشة بشكل أكبر وبصورة أعظم حين يكون هذا الرأي المخالف مبنياً على أسس شرعية وأدلة قوية مبناها الكتاب والسنّة وأقوال سلف الأمّة حتى بدأت أتيقن بأن هذا الأمر مقصود لعلم المخالفين بقوة تأثير الرأي المبني على أسس شرعية في آراء العامّة والذين وإن قصّروا كثيراً في حق الله عزّ وجلّ إلا أنهم يأرزون إلى الرأي الشرعي عند اتخاذهم القرار كما تأرز الحية إلى جحرها ، ولهذا كان تشويه هذا الرأي بصورة أكبر وبطريقة أشدّ وما الحملة التي يتعرض لها أصحاب هذا الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي إلا صورة حية من صور التشويه المتعمد لأصحاب الرأي الشرعي المخالف ، حتى أصبحنا نسمع البعض يطلق عليهم أوصاف كعلماء السلطة وأصحاب الفتاوى المستأجرة وغيرها من أوصاف دافعهم في إطلاقها هو تشويه صورة أصحابها لثني الناس عن الأخذ برأيهم لا أكثر .
اعلم – رحمك الله – بأنه ليس لأحد حق الوصاية عليك في ابدائك رأيك واتخاذك قرارك ، لذلك لا تكن ضيق الأفق وتظن أن كل رأي مخالف لرأيك سيقوم بأخذك من تلابيبك إلى حيث يريد صاحبه فتبادر إلى أن "تتغدى" بصاحبه قبل أن "يتعشى" بك هو ، فإنما هي دلالة النصح والإرشاد وعلى الله الهداية والتوفيق ، فقل ما شئت ودع غيرك يقل ما يشاء في حدود المتعارف عليه شرعاً وعرفاً فإن أعجبتك بضاعته فاشترِ منها بالقبول ما تشاء ، وإلا فإنه يسعك أن تكون من الذين يتفرجون ولا يشترون كما أنه بوسعك أن تغادر السوق باختيارك وأنت تقول لمن فيه (لكم دينكم ولي دين) ، وأما إن كنت من الباعة فاحذر أن يكون شعارك "الزين عندنا والشين حوالينا" واعلم بأن الله قسم الأرزاق ، وقسم العقول أيضاً ، وأن الناس حتى لو لم يرضوا بما قسم الله لهم من أرزاق إلا أنهم بالتأكيد قانعون بما قسم الله لهم من عقول .

2012/11/09

نيوتن ملعون الخيّر !


رجوتك مرةً وعتبتُ أخرى

فما أجدى الرجاءُ ولا العتابُ

حافظ إبراهيم

يقذف كرة اللهب من يديه بقوة كبيرة باتجاه جدار صامت اعتاد على طرق المسامير في جسده لسنوات طويلة ، مسمار يتلوه مسمار والجدار يتألم ويتوجع ولكن بصوت منخفض حتى لا يزعج ذاك القاذف ، ثمّ يتوقع احتضان الجدار لتلك الكرة الملتهبة من باب "إذا ما طاعك الزمان طيعه" ، ولكنه يفاجأ بكرة اللهب ترتد إليه بذات القوة لكن في اتجاه معاكس لاتجاهها الأول التي أطلقت منه ، لا باختيارها بل رغما عنها ، فالعقل والعلم يقولان أنها يجب أن ترتدّ ، ونيوتن - عليه من الله ما يستحق - يقول : لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومضادة له في الاتجاه .

يزينون لك فعل السوء بكل ما أوتوا من قوة ويجلبون بخيلهم ورجلهم حتى إذا ما وجدوا منك ساعة غضبة قالوا "هيت لك" يريدونك أن تفضّ بكارة العقل والحكمة فيظفروا منك بمزيد تشويه لسمعتك عبر أبواقهم الفاسدة ، لكنك تتذكر وتفكر مليّا ثم تقول : "معاذ الله" إنه وطني الذي أحسن إليّ صغيراً وينتظر مني ردة فعل حسنة مساوية لإحسانه في الحسن ومضادة له في الاتجاه ، فتهرب منهم إليه فيقدون ثوبك من دبر لأمر دبّر بليل ، حتى تصبح ولا حيلة لك إلا أن تقول : "ربّ السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه" ، فتبحث عن شاهد منصف من أهلهم فلا تجد لأن الطيور على أشكالها تقع ، ولأن هدفهم الأسمى أن تنحني لهم فتقول لسماسرتهم "أذكرني عند ربك" .

سيناريو يتجدد ، ومشاهد باتت محفوظة لكثرة التكرار ، وجمل حفظها المشاهدون رغماً عنهم ، فليس بالإمكان أكثر مما كان ، ولأن "المخرج عاوز كده" فيجب أن يحصل ما يريده ، ولأنه لا بديل لحسام حسن سوى حسام حسن كما يقول المصريون فعلينا أن نستمتع لمشهد حسام وهو "يجيب" فينا الأهداف تلو الأهداف ، موقنين من أنه في النهاية لا بد وأن "يجيب" فينا العيد ! ، ليبقى الحال على ما هو عليه وعلى المشهد أن ينتهي بالطريقة التقليدية دوماً ما لم يكن للمشاهدين رأي آخر .

فحذارِ أيها القاذف ولا يغرنّك كثرة القائلين لك بعد كل قذفة "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" فإنهم إنما أرادوا أن يخدعوك ليظفروا منك بشئ يريدونه فاحذرهم ، ولا تلعن الكرة المسكينة فإنها لاحول لها ولا قوة ، ولا تلعن الجدار المسكين فإنما هو مجموعة أحجار عرتها السنون العجاف والمسامير المؤلمة من جميع مشاعر الحب والود ، ولا تلعن نيوتن بالتأكيد فليس له ذنب في كل ما يحصل لأنه إنّما أخبرك الخبر اليقين ، وما أخبرك به ليس إلا قانونه الثالث ، ولو أنك اطّلعت على قانونه الأول الذي يقول : ( يظل الجسم على حالته الحركية إما السكون التام أو التحريك في خط مستقيم بسرعة ثابتة ما لم تؤثر عليه قوة تغيره من هذه الحالة ) لعلمت بأن نيوتن ليس إلا "ملعون خيّر" .

2012/11/02

يداك أوكتا وفوك نفخ


مخطئون هم حين أخبروك بأن النار لا تحرق إلا رجل "واطيها" ، فنار الفتنة ياعزيزي لا تعترف بهذا الأمر إطلاقاً وهي مختلفة عن كل النيران في العالم ، وهي نار تظل نائمة خامدة تنتظر من يوقظها لتبشرّه بلعن الناس له ، وهي إن استيقظت  قلبت عاليها "واطيها" ولم تكتفِ برجل "واطيها" فقط ، وهي إن أتت لا تأبه بوجود الصالحين لأنها متيقنة من كثرة الخبث الذي تسبب في ايقاظها ابتداءً .

لأننا نتجاهل دوماً بأن النار تأتي من مستصغر الشرر ، غفلنا أو قل تغافلنا عن كثير من الشرر المتطاير من هنا وهناك والذي صادف في طريقه قلوباً قابلة للاشتعال حزناً وكمداً ، وإشعال ما حولها من أجساد صيرتها الحوادث المتعاقبة والفتن المتوالية كالهشيم يقول للنار هيت لك ، ولا يرد يد "مُشعل" أبداً ، حتى أصبحنا على شفا حريق قد يخلده التاريخ كما خلّد حريق لندن ، غير أن حريق لندن كانت تجدي معه دلاء الماء ، بينما حريقنا إن حدث لا ينفع معه إلا بحرٌ من الحكمة لا تكدّره دلاء السفهاء .

على نغمة سمفونية "اللي من ايده الله يزيده" أصبحنا نرى "الديك يرقص مذبوحاً من الألمِ" ، وعلى جرّة ربابة "وعلى نفسها جنت براقش" الحزينة أصبحت براقش ولا بواكي لها ، بل تكاد تقتل نفسها من شدة البكاء والحزن ، غير أنها تسلي نفسها بقول الخنساء : "ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي" .

كأحجار الدومينو أصبح البعض يقع في مزبلة التاريخ حجراً يتلوه حجر ، تزاحموا على أبواب المصالح فنسوا أن يجعلوا بينهم مسافة كافية تجنبهم شرّ توالي الوقوع إن وقع كبيرهم الذي علمهم "النهب" ، فأصبحوا يسندونه من كل جهة لأنهم علموا أن بوقوعه يكون وقوعهم المدوّي ، وببقائه يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر أن "يطلب الله"  ويغسل يده من "نايد الناس" فضلاً عن "الرفيج الموالي" .

انا شخصيّا لا أقول أبداً بأن أصحاب الحناجر الرنّانة الصادحة ليل نهار هم الأجمل صوتاً بين مطربي بلدي ، ولكنني على ثقة بأنهم أصواتهم ليست نشازاً على الأقل ، وأنني يجب علي أن أستمع لوصلتهم الغنائية لحين انتهائها ، ثم يلزمني التصفيق لهم بحفاوة نظير ما بذلوه من جهد ، ثم أطالبهم بعد ذلك أن يعطوا الخبز لخبازه حتى لو أكل نصفه ، فنحن مشتاقون "حدّ الدعسة" لخبز لذيذ يشبع نهم جوعنا طوال هذه السنوات العجاف .

ختاماً ياعزيزي ... ألا زلت تظن بأن النار التي تريد أن تشعلها لن تحرق إلا رجل واطيها ؟! كلا والذي قال : "أفرأيتم النّار التي تورون" ، فنارك هذه إن اشتعلت فأول غذاء لها سيكون ثوبك الذي ألبسك الله إيّاه ، وحينها لن ينفعك بكاء ولا ندم ، وستتذكر حينها دعوة كل مظلوم سرت بليل ، وسنجتمع حينها حولك لا لنعزيك ولا لنصبرك بل لنقول لك بتهكم وسخرية وتقريع : "يداك أوكتا وفوك نفخ" .

2012/10/19

يا ما أنت كريم يابدون !


مخطئ من ظنّ بأن "حد الجود بذل الموجود" أو كما يقول شيابنا "الجود من الموجود" أو "الماجود" على روايتين ولا يهون "القيد الأمني والازدواجية" ! ، فالكرم ليس له نهاية ، وليس له حدّ أقصى ، وعلى قدر الكرام تأتي المكارم ، وأفضل الكرم ما كان من قلة ذات اليدّ ، والكرام تغوص كل سيئاتهم في بحر جودهم ولهذا قال الشافعي :

تخلّق بالسخاء فكل عيبٍ

يغطّيه كما قيل السخاءُ

وأكرم الناس وأسخاهم بلا منازع هو سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر مع أنه كان يمر عليه الهلال تلو الهلال ولا يوقد في بيته نار ، ولله درّ أمير الشعراء حين مدحه فقال :

وإذا سخوت بلغت بالجود المدى

وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ

وكما أن هناك من الناس من هم كرماء قد جاوزوا في الكرم حدوده وعبروا منافذه بجوازات كرم دبلوماسية غير خاضعة لتفتيش النوايا ، فإن هناك من القضايا ما تكون كريمة تتجاوز في الكرم المدى ، وتصبح لفرط كرمها حاتمية رغماً عنها ، ومن تلك القضايا بلا شك ، قضية البدون والتي استفاد من كرمها الكثيرون من غير أهلها طبعاً ، فهي تعطي للأبعدين عطاء من لا يخشى الفقر ، وتقول لأصحابها "منين يا حسرة" وفي الوقت الذي تدعو فيه المتكسبين إلى موائد المنفعة التي ملئت بما لذّ وطاب من الخيرات ، نجدها تقول لأصحابها مدّوا أرجلكم على قدر لحاف "أوراقكم الثبوتية" ، وهي قضية لا ترد يد "متكسب" أبداً ، وهي من إخوان الشياطين في هذا الباب ، لكنها في المقابل تقتر على أبنائها وتتحجج بأن عين "أصحاب القرار" بصيرة لكن "أيديهم" عن إيجاد الحل قصيرة ، ليستفيد أصحاب المصالح ، وهي قضية توقد نار الأسى في صدور أبنائها ، حتى يراها المتكسبون من بعيد فيتنادون بينهم أن قد أدركتم المبيت والعشاء ، بينما هي تطبخ لأصحابها الحصى في الماء لتوهمهم بعشاء "فرج" قريب ، حتى ينالهم التعب فينامون .

لا يشك كل متابع ومتتبع لقضية البدون في أن أحد أهم أسباب تعطيل حل القضية هي مدى الفائدة التي يستفيدها بعض المتنفذين من تعليق هذه القضية ، وأنها تمثل بالنسبة لهم مغارة علي بابا حيث لا يحتاجون سوى لكلمة السرّ وهي  "اخضع يابدون" حتى تفتح لهم المغارة ليأخذوا من تلك الخيرات ما شاؤوا ، تاركين الأسى والحسرة في قلوب أصحاب المغارة .

إن مسألة التكسب على ظهر قضية البدون لم تكن وليدة اليوم أبداً ، بل هي قديمة بقدم هذه القضية ، وهي ليست متوقفة على أفراد متنفذين ، بل الحكومات المتعاقبة على إدارة البلد نفسها قد استفادت من بقاء هذه القضية معلقة حتى اليوم ، من أجل الحصول على المزيد من دلاء الحليب الذي يجنونه من بقرة البدون الحلوب ، ولولا بقاء القضية معلقة بلا حلّ ، لما وجدت الحكومة من بين مواطنيها من يقبل الدخول في الجيش والشرطة في الماضي خصوصاً مع قلة عدد المواطنين وعزوفهم عن هاتين الوظيفتين ، ولولا التأخر في حل قضية البدون لأصبحت المدارس الخاصة التي امتلأت بها البلاد اليوم ملاذاً للأشباح ولتحول ملاّكها إلى أي صنعة أخرى ، ولولا التأخر في حل قضية البدون لما وجد أصحاب الشركات الخاصة أيدٍ عاملة وطنية مخلصة وبأقل الرواتب ، ولولا تأخر حل هذه القضية لما استفاد أصحاب الشقق التي لا تساوي نصف المبالغ التي توضع لها كقيمة استئجارها ، ولولا تأخر حل هذه القضية لما وجد كثير من المتكسبين من أصحاب المنابر السياسية موضوعاً يتناولونه ثم يلعقون بعده أصابعهم وهم يقولون : " كثّر الله خيرك يابدون" ، وعلى هذا كله فقس لتشاهد حجم المنفعة التي يجنيها المتكسبون من جرّاء بقاء هذه القضية معلقة .

لله درّك يا قضية البدون ، أبعد هذا الكرم الحاتمي كلّه ، تنتظرين حلّا من أناس يجنون الخير كل الخير من جرّاء المماطلة في إيجاد حل ؟!

إنها إذاً لحياة طويلة !

2012/09/22

دافع عن أحلامك


في صغري ، كنت كلّما حدثت بعض كبار السنّ عن أحلامي وأخذت أذكر لهم أدق التفاصيل في تلك الأحلام يقاطعوني متهكمين ساخرين : حاذر أن تكون مثل "أبو حصان" ! ، أتوقف بعدها عن الحديث المشوق من جهتي والممل من جهة المستمعين ربما ، لأنشغل بشئ آخر ، دون الحاجة لأن أسألهم عن "سالفة أبو حصان" لأنني مللت من سماعها كما ملوا هم من سماع حديثي عن أحلامي .

وقصة "أبو حصان" لمن لا يعرفها ، هي قصة رجل فقير كان يحدث زوجته في ليلة هادئة ساكنة عن حلمه في شراء حصان أصيل وأخذ يذكر من صفاته الحسنة وماذا سيطعمه ويسقيه وكيف سيمتطيه حتى توقف به الحديث عن حلمه/حصانه عند جزئية أين سيربطه إذا قدم به إلى البيت ؟ ، فأشارت إليه زوجته التي أحبت أن تشاركه بعض تفاصيل الحلم بأن يربطه في الشجرة الموجودة أمام البيت ، فما كان جزاؤها بعيداً عن جزاء "سنمار" ، لأن صاحب الحلم عاقبها بضربة موجعة على الرأس من "مقوار" لا يراعي في الأقربين إلاًّ ولا ذمّة ، وذلك لأنها وبحسب فهم "أبو حصان" ستتسبب في فقئ عين حصانه بسبب أغصان الشجرة إن هو طاوعها وربطه في تلك الشجرة .

قد يبدو الأمر في البداية ضرباً من الجنون ، إذ كيف له أن يغضب بسبب "حلم" لا أكثر ؟! ، ولكنني حين أفكر جيّداً أجد أنه فعل ما هو مشروع له ، بل ما هو مطلوب منه أصلاً ، وهو أن يدافع عن أحلامه ويحميها حتى لو كانت حبيسة عقله وسجينة مخيلته لا أكثر ، وأنّه إن تنازل أو تخلى عن حلمه ، فسيرضى يوماً ما بذلّ واقعه .

كثير من الأحلام التي لم ندافع عنها ولم نقاتل دونها تبخّرت وتلاشت ، ولو أننا فعلنا كما فعل "أبو حصان" ودافعنا عنها وآمنّا بإمكانية وجودها وبثّ الروح فيها لتحولت ربما إلى واقع نعيشه اليوم ، ولكننا تخاذلنا وسمحنا لغيرنا بأن يزهّدنا في أحلامنا ويجعلها تبدو أمامنا صعبة المنال وأن عشمنا بتحقيقها "عشم إبليس في الجنّة" حتى أصبحنا نقول لكل حلم يمرّ في مخيلتنا "العين بصيرة والإيد قصيرة" فاذهب إلى من يؤمن بك ويدافع عنك ويحتضنك حتى تصير حقيقة ، ولا تغضب فبين الحلم والحالم "يفتح الله" ونحن قوم لا نحسن "شراء" الأحلام ، ولكننا نتفنن في "التفرّج" عليها وهي تحلق في السماء أسرابا تذهب ولا تعود .

ألا ليت الزمان يعود يوماً لا لأحدثه بما فعل المشيب ، بل لأدافع عن أحلامي وأقاتل دونها متسلحاً بـ "مقوار" العزيمة والإيمان بمقدرتي على تحويل تلك الأحلام إلى واقع متّخذاً من ذات الرجل الذي حذروني أن أكون مثله قدوة لي في صنيعه حين غضب من تسبب زوجته في فقئ عين حصانه الذي لم يخلق بعد .

 

قبل الختام :

ياناس يا عالم .. أنا عندي أحلام

لكنّ وقتي صاير اليوم ضدّي

رغم العنا ... رغم التعب .. رغم الآلام

برفع سلاح "المرجلة" و "التحدّي"

 

منصور ...

2012/09/16

أربعون حرامي بلا علي بابا !


كما أن لكل زمان دولة ورجال فإن لكل زمان أيضاً "حرامية ولصوص" ، يتغيرون بتغير الزمان ، ويتطورون مع تطوره ، يواكبون عصر "الحرمنة" غير متناسين في الوقت نفسه أنّ "من فات قديمه تاه" فلا بأس بأن يستعينوا بحيل الماضي لسرقة الكحل من عين المستقبل ، لا يحتاجون إلى مزيد تعليم على السرقة فالمال "السايب" كثير ، ولأنهم لم يجدوا من ينهاهم عن السرقة فهم لم يكونوا بحاجة إلى وجود من يأمرهم بها ، يسري حب السرقة في دمهم ، لا يتلذذون إلا بالحرام ، ويتفاخرون في تكبير أجسادهم من أكل السحت ، وما علموا أن النار أولى بها .

لم يكن جدي كاذباً حين حدثني عن "الحرامية" الذين يسطون على "العرب" بليل وهم يخفون وجوههم ويتجنبون الليالي ذات "البدر" وواحدهم يردد "ساري وأخاف القمر يظهر عليّا" ، فجدي كان يصف حرامية زمانه ، وهو لم يكن يعلم بأنه سيأتي على الناس زمان يلبس فيه "الحرامي" أفخم البشوت وأجملها ، ويركب أفضل السيارات ، ويجلس في "صدر" المجلس ، ولا يمنع أن يجلس تحت "قبة" المجلس أيضاً ، ويتبعه "حرامية" ناشئون في رحاب السرقة ، شعارهم "بوقوا" ونحن من خلفكم ، أنتم "السارقون" وإنا إن شاء الله بكم لاحقون .

ذهب الماضي بخيره وشره ، وكما أن الجميع يردد "راحوا الطيبين" فأنا أردد أيضاً "راحوا الحرامية الطيبين" ، فحرامية ذاك الزمان أكثر شرفاً من حرامية زماننا ، فأحدهم كان يسرق "ليأكل" ، بينما "حرامي" اليوم يسرق "ليقتل" كل أمل بقيام دولة متطورة متقدمة ينعم فيها الجميع برفاهية ورغد عيش ، ويريد أن يستأثر بخيرات البلد بحعلها له هو دون غيره ، فهو إن سرق لا يبقي ولا يذر ، وكأنه يقول للأموال والمناقصات "لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا" !

لا أدري كيف يصلح الحال في بلد يكرم فيه السارق ويجلس في الصفوف الأمامية ويعلو من أجله التصفيق والهتاف ، وينشد له الحضور "احترامي للحرامي" ، بالتأكيد بلد هذا شأنه لا يصلح حاله أبداً ، وكأني بالشاعر أراد أن يقول :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا "سُرّاقهم" سادوا

لكن لعله لم يدر في خلده أن السارق قد يسوّد يوماً ما ، لذلك تجده استساغ فكرة أن يسود الجاهل قوماً لكنه ربما لم يستسغ أن يسود السارق قوماً ، أقول ربما .

يتنوع اللصوص ولا شك ، وتتنوع السرقات ولا شكّ أيضاً ، وتتنوع الضحايا ولا شك أيضاً وأيضاً ، ولكن أخس أنواع اللصوص وأحقرهم هم أولئك الذين يسرقون من المرء سنوات عمره ، يعطونه الوعود الزائفة على طبق من ذهب ، ويسرقون منه طفولته وشبابه ولا يرحمونه حال شيخوخته ، يصنعون منه صديقاً لحرّ الشمس رغماً عنه ، ويجعلون منه عاشقاً للغبار رغم أنفه ، يشغلونه بطلب قوت يومه ، حتى لا ينشغل بطلب حقّه .

وأخس أنواع السرقة هي سرقة الأحلام من مخيلة أصحابها ، وسرقة كل نظرة مستقبلية صاحبتها ابتسامة بغدٍ أفضل ، وسرقة كل أمل لاح في عين صاحبه حتى يدبّ اليأس فيه ، وينزرع في قلبه القنوط ، فيصبح باطن الأرض أحب إليه من ظاهرها ، ليمشي على غير هدف وهو يردد "ألا موتٌ يباع فأشتريه" ؟! ، وكيف لا وقد أصبح في عين نفسه من سقط المتاع ، يلوح أمام عينيه قول قطري بن الفجاءة :

وما للمرء خير في حياةٍ

إذا ما عُدّ من سقط المتاعِ

وإن أبأس الضحايا هم أولئك الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا يملكون إلا الصبر والدعاء ، أعمارهم والشيب في رؤوسهم كفرسي رهان لا تدري أيهما أسبق ، يدّخرون فرحهم ليوم قد لا يأتي ولكنّهم يمنّون النفس بقدومه ، لا يحزنهم وجود أربعين حرامي يعيثون في حياتهم فساداً ، بقدر ما يحزنهم عدم وجود "علي بابا" واحد يعيد إليهم حقوقهم ، ويخلّصهم ويخلص البلد من شرّ "الحرامية" .

 

2012/09/04

جذور البدون راسخة


تلك الأشجار الواقفة بشموخ ذات الجذور الراسخة الثابتة التي تضرب في عمق الأرض ، لا تحمل همّ محاولات اجتثاثها من تربتها الطاهرة ، بل هي تنظر بعين المشفق على تلك الأيدي المعتدية ولسان حالها : ارفق على الرأس لا ترفق على الجبلِ ! .

في العديلية مساء يوم السبت الماضي ، وعلى مسرح رابطة الأدباء تحديداً ، وفي حملة من حملات التعاطف الحق الذي تنعم به قضية البدون من بعض أصحاب القلوب الرحيمة الذين كانوا في ركب هذه القضية لأن الخاسر من تخلّف عن الركب والمحروم من حرمه الله عزّ وجل من رقة القلب والمبتلى من ابتلاه الله بالقسوة ، كانت جذور البدون أكثر رسوخاً وأكثر جمالاً هناك ، حين عبّرت عن مطالبها الحقة بأسلوب أدبي رائع ، سحر الحضور وأبهرهم ، ونال منهم عبارات الإعجاب فضلا عن صخب التصفيق المتواصل .

جذور البدون أبدعت لتؤكد للجميع أن جذورنا كجذوركم ، ومنبتنا كمنبتكم ، لا فرق بيننا وبينكم ، ولنا هنا كما لكم أنتم هنا ، ولا فضل لأحد على أحد هنا بعد التقوى إلا بالولاء لهذه الأرض ، وفي العمل من أجل الوطن .

جذور البدون العطشى لرشّة تعاطف ، حظيت برشة مطر جميلة من ابنة "المطر" الدكتورة الفاضلة فاطمة التي تعلم علم يقين بأن في كل "جذور"رطبة أجر ، فبادرت بتلك المبادرة الإنسانية الراقية لتخفف عن "جذور" البدون بعضاً مما لحق بها من جفاف ، ولتعينها على التشبث أكثر وأكثر ببارقة أمل تلوح في الأفق ، ولتسلي تلك الجذور نفسها بصوت أصبح مسموعا أو كاد أن يصبح .

مسابقتي جذور وإبداعات بدونية ، هي مسابقة كريمة من دكتورة كريمة حفرت اسمها في قلوب البدون لما وجدوا لديها من كريم تعاطف وجميل معونة ، مسابقة تكفلت فيها الدكتورة بكل شئ بدءاً من الجوائز المادية التي تكفلت بها من جيبها الخاص وانتهاءً بكل تفاصيل حفل التكريم الدقيقة منها قبل الواضحة الجلية .

لم أستغرب من حجم الإبداع الذي عرض في تلك الأمسية فرحم البدون ولاّدة للإبداع والساحة تشهد ، لكنني صدمت بصغر سنّ المبدعين وافتخارهم بحمل لواء المطالبة بحقوقهم والمدافعة عن قضيتهم ، بعد أن كان أحدهم يستحي من ذكر كلمة بدون حين يسأل عن جنسيته ، وصدمت بحجم الهمّ الذي يحمله كل منهم في قلبه ، وكيف أن هذه القلوب الصغيرة قد جعلتها المعاناة تبدو أكبر من عمرها عن طريق حروفها المليئة حزناً وأسى ، وعجبت لشدة الحب الذي يحبونه لوطنهم وأرضهم وأنه حب لا يخضع لمبدأ الأخذ والعطاء ولا يزيده البرّ ولا ينقصه الجفاء .

فشكراً جزيلاً للدكتورة فاطة المطر التي أعطت هذه الفئة المغلوبة على أمرها من وقتها وجهدها ومالها ، وشكراً لطاقم العمل المتميز الذي كان برفقتها وأغلبهم من طلابها الذين ساروا على نهج أستاذتهم في العامل مع هذه القضية ، وشكراً لكل من قدم شيئا ولو يسيراً لمناصرة البدون ، وشكراً لتلك الأقمار الجميلة من البدون التي سطعت في سماء العديلية في ليلة استحى فيها القمر من الظهور وسط حضور بهي لتلك الأقمار .

2012/08/29

حاربوا البدون بالشبهات


ليس أحد أجبن من إنسان يبطن خلاف ما يظهر ، فيفضحه الله عزّ وجلّ عبر سقطات لسانه وفلتات جوارحه فيصبح كمن يخرج من "حفرة" تصنّعه ليقع في "دحديرة" كذبه ، وليفقد رويداً رويداً قطعة من ملابس ثقة الناس به حتى تبدو عورة أخلاقه فيمشي بين الناس "هواي كما أمرتني" حاله كحال ذاك الملك في قصص الأطفال الذي ظنّ أنه يلبس لباساً فاخراً يراه النّاس ولا يراه هو حتى بات يمشي بين الناس عريانا !

قضية البدون كأي قضية حقة في هذه الدنيا الفانية ، لها أصحاب حق يطالبون بحقهم ليل نهار لا يكلّون ولا يملّون يؤمنون بأنه "ما ضاع حقّ وراءه مطالب" ولكنهم يعلمون بأنه ليس "كل مطرود ملحوق" وأن كل إنسان قد "يموت وحاجته ما قضاها" لذلك هم من أتباع المتنبي في هذا الباب وشعارهم "نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا" .

وهي – قضية البدون – كأي قضية حقة لها أنصار من غير أهلها يستحي منهم قرص الشمس ويعاني من جهدهم المضني ظلهم المسكين ، لا يدّخرون جهداً في نصرة قضية ليس لهم فيها ناقة ولا جمل ، بل جلّ ما يعنيهم هو الإنسان لا شئ غيره ، ومحاولة رفع الظلم عنه رحمةً به أولاً ، ثمّ رحمة بأنفسهم ثانياً إذ أن عواقب الظلم وخيمة والعقوبة حين تنزل تعمّ الجميع فهم يأخذون على يد الظالم وينصرون المظلوم ، ثم رحمة بوطنهم إذ لا يقوم مع الظلم حكم وكم قصم الله من ظهور القرى الظالمة حتى أصبحت أثراً بعد عين "وتلك مساكنهم" شاهدة عليهم .

وهي – قضية البدون – كأي قضية حقة لها أعداء واضحون وضوح الشمس لا يألون جهدا في عرقلة مسيرة القضية التي هي "يالله من فضلك" أبطأ من السلحفاة في زحفها ، ولا يتورعون عن الكذب وتلفيق التهم ، لا يردهم دين ولا يردعهم حياء ، تؤزهم شياطينهم إلى مضايقة هذه الفئة والتنكيل بأهلها أزّاً ، يتحكمون بأرزاق هذه الفئة المغلوبة على أمرها ومصيرها ولو استطاعوا إلى منع الهواء عنهم سبيلاً لما سبقهم إلى ذلك أحد ، وهم وإن كانوا بهذه الغاية من السوء لكنهم واضحون بائنون يحملون لواء المعاداة ولا يبالون ، لهم من الاحترام نصيب إذ أن المواقف الثابتة بغض النظر عن اتفاقك أو اختلافك معها تستحق الاحترام .

وهي – قضية البدون – كأي قضية حقة لها أعداء متسترون يلبسون ثياب التعاطف الكاذب نهاراً ويكشفون عن عورة مواقفهم ليلاً ، يحيكون التهم حياكة خيّاط ماهر ، إصاباتهم تأتي في مقتل وكلماتهم لها من التأثير ما ليس لسواها ، نظراً لاعتبارهم من المتعاطفين ظاهراً فأصبحوا في مقام "وشهد شاهد من أهلها" يكثرون الحديث عن المستحقين وغير المستحقين ولو سبرت أغوارهم لما وجدت لديهم مستحقين أصلاً ، ويكثرون الحديث عن الشرفاء وغير الشرفاء وهم عن شرف الخصومة أبعد وعن مروءة الرجال في معزل ، وهم قد يكونون نوّاباً أو كتّاباً أو شخصيات مشهورة في المجتمع أو حتى مغمورة ، شعارهم ادرؤوا "التجنيس" بالشبهات ، وحاربوا "البدون" بالاتهامات ، فتارة يجعلونهم شيعة ولاؤهم لإيران ، وتارة ينفذون أجندات خارجية ، وتارة يريدون تخريب البلد ، تارة يريدون تمزيق النسيج الداخلي ، وتارة بعثيون ، وتارة لا ولاء لهم ، وسيل جرّار من تهم لا تعدّ ولا تحصى ، لا يستطيع أصحاب الحق مجابهتها إلا بكفين ترفعان إلى السماء في جوف الليل يصحبهما صوت مبحوح أضناه الفقروالعوز يردد : "اللهم إنّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم " ، وأولئك القوم ليس لهم من الاحترام نصيب ، وهم للجبن أقرب منهم للشجاعة ، إذ الشجاعة تشمل شجاعة الرأي وأجبن الناس من جبن عن قول رأيه .

وليتّق الله في نفسه كل ناعق يهرف بما لا يعرف ، ينقل الأخبار عن هذه الفئة ويتلقفها ويزيد معها مائة كذبة ، وليخشى أن تقذف به كلماته تلك في جهنم سبعين خريفاً ، وليعلم بأن أكثر ما يكب الناس على وجوههم في جهنّم حصائد ألسنتهم ، فتثبتوا حين تسمعون منهم الخبر فهم ليسوا مصدر ثقة ، وليكن شعاركم لكل كاذب "اثبت العرش ثم انقش" واعلموا أن آفة الحديث "رواته" ، وأن "الراوي" حين لا يكون ثقة ثبتاً يكون في حديثه نظر .

واعلموا أن النور المنبعث من ثقب الباب إلى غرفتنا المظلمة ، ينبئنا بأن خلف هذا الباب يكون الفرج ، فلا تيأسوا من روح الله  ، واستمروا بالمطالبة بحقوقكم ، ولا تهتموا بهذا الجدار الذي جعلوه بينكم وبينهم ، وأبشروا فقد فتح اليوم من ردمهم قدر كبير .

2012/08/23

لكم عيدكم ولي عيد !


في كل عام يتكرر نفس السؤال لتشابه الحال ، وكثرة القيل والقال ، وانعدام الأفعال ، والسؤال هو " عيدٌ ... بأي حال عدت ياعيدُ" ، مع أن الصواب أن يسألنا العيد هذا السؤال ، ويستفسر عن أحوالنا هل تبدّلت منذ آخر زيارة له ، لأنه يعي تماماً أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وأنه سبحانه إذا أراد بقومٍ سوءاً فلا مردّ له ، وأنه لن يرفع عنّا الذل الذي سلّطه علينا حتى نعود .

العيد ببساطة هو حفل تكريم المتفوقين في رمضان ، تكثر فيه الابتسامات الضريرة ، وحدها ابتسامة المتفوقين في رمضان هي التي تجذب أنظار الحضور وعدسات "المهنئين" ، ووحدها فرحة المتفوقين في رمضان هي الحقيقية بين كومة الأفراح الزائفة هناك والتي انبنت بناء على اكتظاظ المكان بالفرح لا أكثر ، وبمجرد أن ينفض الجمع يزول ذلك الفرح الزائف وتعود "ريمة" المقصرين لعادتها القديمة .

اولئك المتفوقون علموا بأن العيد لا يكون باللبس الجديد ، وإنما العيد حقّا لمن خاف الوعيد ، وعلم أن السفر بعيد ، وأن التقي هو السعيد ، وأن الله يعطي من الدنيا ما يشاء لمن يريد ، ولا يعطي الآخرة إلا لمن ارتضى من العبيد ، فطمعوا من فضل ربهم بالمزيد .

تختلف الأعياد باختلاف المكان والزمان والحدث والأشخاص ، فلكل قوم عيد ، بل قد يكون لكل شخص عيد ، وعندها يحق للمرء أن يخاطب الآخرين فيقول : لكم "عيدكم" وليَ "عيد" .

في سوريا حين نستعد لعيدنا بجديد الثياب ، يستعدون هم لعيدهم ببيض الأكفان ، فهذا هو عيدهم الحقيقي حين يزفون إلى قبرهم ويتحصلون مراتب الشهداء ويحيون في الآخرة حياة السعداء ، وحين يكون عيد أطفالنا لايكتمل إلا  بلعبة جديدة ، يكون همّ اطفال سوريا في عيدهم أن يقضوه في حضن أمّهاتهم وآباءهم في مكان آمن من رصاصات الغدر وقنابل البطش ، فهم والله عن عيدنا في شغل ، فحقّ لهم أن يقولوا : لكم "عيدكم" وليَ "عيد" .

في بورما حين نستعد لعيدنا بابتسامات وأهازيج العيد ، يستقبلون عيدهم بصراخ وعويل ، وبكاء ليس له مثيل ، فلربما لا تغيب عليهم شمس عيدهم وهم أحياء ، وليس لهم تهمة سوى "توحيدهم" الله عز وجلّ ، وحين يلهو أطفالنا بالمراجيح ، تتأرجح جثث كبارهم على حبال المشانق ، وتتأرجح أحلام صغارهم ميتة على حبال اليتم ، فهم والله عن عيدنا في شغل ، فحقّ لهم أن يقولوا : لكم "عيدكم" وليَ "عيد" .

هنا في بلدي حين يفرح الكثيرون بقدوم العيد ، ويعدّون له العدّة بدءاً من جديد الثياب وانتهاءً برزم العيديات ، يقبع في تلك الزوايا المظلمة أناس يرشدنا إليهم أنينهم المتواصل حيث لا أضواء تسلّط عليهم ، ولا يعلم بمدى ما يقاسونه إلا الله ، أطفالهم يحتضنون الحرمان ، ويتوسدون القهر ، ويلتحفون بالأسى ، فلا ثوباً جديداً يفرحهم ، ولا لعبة جديدة تؤانس وحشتهم ، يلتفتون لكل صوت عالٍ لعلّه صوت رحيم ، حالهم كحال "تأبّط شرّاً" حين قال :

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى

وصوّت إنسانٌ فكدت أطيرُ

يبيعون أحلامهم على الأرصفة وأمام أبواب المستشفيات وفي أحضان الدوارات ، ويبعيون أيام عمرهم مقابل لقيمات يقمن اصلابهم ، لم تثنهم شمس حارقة ، ولا رياح مؤذية ، يستمدون قوتهم من قوة ارتباطهم بأرضهم ، يعلمون أن الكسب الحلال يعلي منازلهم ويعلي ذكرهم ، يقاومون بكل ما أوتوا من قوة ثورات التمني التي يفتعلها الفقر والعوز فتثور على تلك الأيدي القصيرة والعين البصيرة وكأن ابن الذيب قصدهم حين قال :

ثورة تمنّي فعّلتها الهواجيس

ثارت على قلّة كفاءة يدينه

يجمعون همّ اليوم فوق همّ الأمس على أمل ألا يباغتهم غدهم بهمّ جديد ، شبابهم يعملون في الأسواق ولا يخرجون من أعمالهم إلا حين يقبل جباههم ضوء فجر العيد ، وأطفالهم يستعدون ليوم شاقّ من العمل في بيع ما يتيسّر لهم بيعه في يوم العيد ، فهم عن عيدنا في شغل ، ويسألون الله عزّ وجلّ أن يقترب موعد عيدهم ، وها أنا ذا أسمعهم يرددون : لكم "عيدكم" ولي "عيد" !

2012/08/13

حب من طرف واحد !


نظراً لأنه "لا يعرف الحب إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يقاسيها" تبقى محاولة وصف ما يلاقيه المحبُّ من المعاناة ضرباً من الخيال ، فالكلمات لا تسعفه ، ومفردات اللغة كلها مجتمعة لا تنقذه ، وتنهيدة واحدة قد يعجز عن ترجمتها الشعر والنثر معاً ، فيعود المحب من أجل تفسير حالته وما يلاقيه إلى الكلمة الأولى وهي "الحب" ولا شئ سواه ، ليصبح كمن "فسّر الماء بعد الجهد بالماءِ" .

الحب جنون ، والجنون فنون ، وعلى هذا دأب المحبون ، وسار العاشقون ، ولأن "كلٍّ بعقله راضي" لم تثنِ "عنترة" الرماح النواهل منه ولا السيوف التي تتقاطر من دمه عن تذكر "عبلة" في ذلك الوقت العصيب بل والأدهى أن "جنونه" وصل لدرجة رغبته في تقبيل تلك السيوف لأنها ذكرته بابتسامة "عبلة" الجميلة ! ، ولذات السبب لم يهتم قيس لكونه أصبح "مجنون" ليلى ، بل إنه أرجع ذلك إلى علّته التي تكمن في قلبه "الخضر" حتى بات يدعو فيقول :

فإن تكن القلوب مثال قلبي

فلا عادت إذن تلك القلوبُ

لأنه ذو قلب أرقه الحب وأعياه السهر والتفكير في معشوقته "ليلى" ، حتى أصبحت تلك المعاناة مع طول الوقت جزءاً منه يتلذذ بها حتى لو كان الموت هو نهاية ذلك العشق ، بل إنه ذهب لأبعد من ذلك بكثير حين رأى بأن العشق الذي لا يقتل أهله عشق لا خير فيه فقال :

فما خير في عشق ليس يقتل أهله

كما قتل العشاق في سالف الدهرِ

ياساتر !!

فلا عجب إذاً أن نسمع الكثير والكثير من معاناة العاشقين المحبين رغم أن العشق والحب كان متبادلاً في كثير من الأحيان بين الطرفين ، فما بالك إن كان هذا الحب كله والعشق من طرف واحد ؟! طرف ينام ملء جفونه وطرف يسهر الليل جراء حب عائم في بحور اللامبالاة من الطرف الآخر عجز عن ايجاد مرسى له ، وجراء "مكاتيب" غرام يرسلها القلب والعيون عجزت عن إيجاد صندوق رسائل مفتوح في قلب المحبوب فباتت مهملة و"أخذها الهوا" ، هذا إذا لم يجابه ذلك السيل العارم من الحب باهتمام بسفاسف الأمور وصرف النظر عن أصل الموضوع وزبدته ، كما يقول حمد السعيد :

أنا احترق وهي ولا همّها شي

وأنا انتظر وهي تمدد سفرها

ياسعود عقب غياب شهرين شوي

جتني تشاورني بقصة شعرها !

فإذا كان الحب الأول قد أصاب بعض أهله بالجنون ، فإن هذا الحب بالتأكيد سيصيب بعض أهله في مقتل !

في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت هناك حادثة تجلى فيها كيف يكون الحب من طرف واحد حيث كانت هناك صحابية اسمها "بريرة" اشترت نفسها من سيدها فحق لها الاختيار بين أن تبقى زوجة لعبد مملوك هو "مغيث" أو أن تنفصل عنه فاختارت الانفصال عنه رغم حبه الشديد لها لدرجة أنها ردت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من أجل رجوعها إليه ، حتى جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله : إن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث ، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس : "يا عباس ، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا ؟" رواه البخاري .

ذاك هو الحب من طرف واحد ، ومنه بل من أشده ، وأقساه ، وأكثره لوعة ، حين يكون حب الأوطان من طرف واحد ، طرف يتغنى ليل نهار في حب وطنه والذود عنه وبذل الغالي والنفيس من أجله ، يقابل هذا كله بجحود ونكران وعدم اعتراف من قبل الوطن بمواطنة ذلك المحب بل يقوم الوطن باعتباره دخيلا عليه مرتزقاً لا أكثر ، ذاك هو بالضبط حال البدون المحبين لوطنهم الكويت في زمن الجحود والنكران ، وفي زمن تقريب العاقين ، وإبعاد البارّين ، في زمن إكرام السارق ، وإهانة الأمين ، حتى صار المحب لوطنه غريباً فيه ، يتمنى أن يحظى منه بوصال عفيف ، أو أن يظفر منه بنظرة رحمة يعقبها اعتراف له بحقه في المواطنة ليثبت قلبه الذي كاد أن يطير ، حتى أن البدون قاربوا على أن يتمثلوا لفرط حبهم لوطنهم ولقسوة ما يلاقونه منهم بقول "المجنون" :

فإن تكن القلوب مثال قلبي

فلا عادت إذن تلك القلوب

2012/07/30

وتأتي على قدر الكرام المكارم


على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ

وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

(المتنبي)

لا تعلّم كريماً كيف يكون "الإكرام" ، ولا تعلّم أصحاب القلوب الرحيمة كيف يكون "التكريم" ، واعلم أن مهارة "المواساة" لا يجيدها كل أحد ، وأن "الكلمة" الطيبة "توفيق" يوفق الله عز وجلّ لها من يشاء من عباده ، وأن "الطِّيب" في هذا الزمان "زرقة رمح" مهما حاولت أن تتداركه وتتظاهر به تعود منه "بخفي حنين" ما لم تكن من أهله وخاصّته .

كفرسي رهان ، تنطلق "مبرة طريق الإيمان" و "مجموعة 29" ، في سباق من أجل الإنسانية ، وخط النهاية فيه هو تكريم الفائقين البدون ، والجائزة هي الظفر باحترام الذات أولاً ، ثم تقديم ما يفرح هذه الزمرة الطيبة المباركة من أبناء الكويت ممن عانوا الأمرين حتى يتحصلوا على هذه المراكز المتقدمة ، والإنتصار للإنسانية ، وليعلم كل متابع أنه إلى الآن "ما راحوا الطيبين" وأنها "لو خليت خربت" .

رغم المحيطات الشاسعة من الإختلاف بين "المبرة" و "المجموعة" ، إلا أنهم استطاعوا أن يلتقوا على جزيرة صغيرة في تلك المحيطات تدعى "نصرة المظلوم" ، ليثبتوا بأن الأمر لا علاقة له بما عليه ظاهرك من التمسك بتعاليم الدين بقدر ما أن له علاقة بما تحمله من قلبك من اقتناع تام بمبادئ دينك وشريعتك السمحاء والتي حثت على نصرة المظلوم ومواساة المكلوم وتحسس حاجة الآخرين والوقوف معهم في كربهم والمضي معهم في قضاء حوائجهم .

في حفل تكريم الفائقين البدون الذي أقامته مجموعة 29 قبل أيام ، كانت اللمسة فيه احترافية للغاية ، وكان التنظيم واختيار المتحدثين فيه ينمّ عن متابعة دقيقة لقضية البدون وأسماء المتميزين منهم على الساحة الإعلامية ، وكان اختيار الشاعرة والأديبة سعدية مفرح لإلقاء كلمة أمام إخوانها وأخواتها الفائقين البدون وهم أبناء جلدتها بمثابة "ضربة معلم" جعلت تأثير التكريم في نفوس الفائقين البدون يأتي مضاعفاً ، لا سيما بعد جرعة أمل لا تضاهى حقنتهم بها سعدية ، وكلمات هي كشمعة أضاءت لهم عتمة طريقهم نحو تحقيق الأحلام ، وكيف لا وسعدية قد مرّت بمثل ما مرّ به هؤلاء الفائقون فهي الأولى على الكويتيين في ثمانينيات القرن الماضي مع احتلاف بسيط وهو أنه قد تم تكريمها في حينه فطوبى لذاك الزمان وصدق من قال : "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرّ منه" !

بعفويتها المعتادة ، وبحروفها التي تعود عليها متابعوها في "تويتر" كانت إطلالة سعدية في الحفل مشابهة لإطلالتها كل مساء في تويتر بعبارة "يا مساء الخير ياللي معانا" ، لتعطي إشارة إلى أنها ستكون أبعد ما تكون عن الخطب الحماسية الرنّانة وأنها ستكون أقرب ما تكون من الكلمة البسيطة الصادقة ، لتقوم بعدها ببث روح الأمل في كوكبة هي أحوج ما تكون اليوم إلى الأمل فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ، ولترمي أطواق النجاة عليهم ليتمكنوا من الخروج من بحر اليأس الذي وضعوا فيه رغماً عنهم وقيل لهم "إياك إياك أن تبتلّ بالماءِ" .

"يا مساء الخير ياللي معانا ، يامساء الوطن ، يا مساء الإرادة ، يا مساء النجاح ، يا مساؤكم انتم ، يا من صنعتم الفرق بإصراركم وبنجاحكم وبتفوقكم ، لا أقصد الطلبة المتفوقين فقط ، بل أقصد أيضا مجموعة 29 التي أصرت ونجحت وتفوقت أيضا"

بتلك الكلمات أطلت سعيدة برأسها على الحضور وكأنها محاولة جسّ نبض قبل أن تنثر ورود الأمل في أرجاء المكان وهي تقول :

"تشبثوا بالأمل ، ما عرفت أحداً تسلح بالأمل وخسر المعركة ، وما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ ، وأوصيكم بالعمل أي عمل ، لا تستهينوا بأي فرصة للعمل مهما كان ، فالعمل ليس حاجة فقط بل هو قيمة وشرف ، "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" ، ........ ولا تسمحوا لأي عائق مهما كان أن يعطلكم ، لا تسمحوا لهذه العقبة التي اسمها "بدون" أن تقف حاجزا بينكم وبين المستقبل بما فيه من إبداع وطموح ، النجاحات الصغيرة يمكن ان تتراكم لتصنعَ جبلا من النجاح يعصمكم من اليأس" .

لا أشك في أن أيّا من البدون الذين كانوا متواجدين في الحفل لم ينم تلك الليلة وابتسامته مرتسمة على وجهه من جرّاء جرعة الأمل التي تعاطاها في الحفل والتي بلا شك منحته "جوانح" ليحلق بها متناسياً همومه وأحزانه .

فشكراً من قلوب البدون التي لا يعرف نكران الجميل لها طريقاً

شكراً لمبرة طريق الإيمان

شكراً لمجموعة 29

شكراً للنشط المتألق أحمد الخليفي

شكراً للشاعرة والأديبة سعدية مفرّح

شكراً لكل من زرع بسمة في طريق البدون المليء بالأحزان .


2012/07/27

جاء رمضان لعلكم تتقون


كعادة الضيوف المحبوبين والمقربين إلى النفوس يأتي "رمضان" سريعاً دون أن تشعر به ويغادر سريعاً دون أن تشعر به فهو لا يريد أن يسبب لك مزيد إزعاج ، وكعادة الأصدقاء غير الثقيلين فهو لا يزور إلا غبّا لعله أن يزداد حبّاً ، يطلبك أن تحسن ضيافته وأن تكرمه بجميل اللقاء فتأخذه بالأحضان وتضرب على ظهره بكفك وتقول له : إننا والله لك لمشتاقون ومنذ أن رحلت عنّا آخر مرة للقياك منتظرون ، لتسمعه يقول : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون" ) .

ثمّ أجلسه حيث تشعر بأنه يليق به ذلك المجلس ، وليس أكرم له من أن تفتح له "ديوان" قلبك ليجلس في "صدر" مجلسك فينشرح بذلك "صدرك" ، وتجاذب معه بعدها أطراف الحديث ، فإن حديثه لا يمل ، ومستمعه لا يكلّ ، وكيف لا ؟! وهو كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، والأولى هي الأقرب دائما فرمضان "كريم" ، فلا تردنّ عطاياه وهباته ففيه يصدق قول الناس : "لا يرد الكريم إلا اللئيم" ، وبادره بالإكرام حتى تمتلكه شاهداً حين تحتاج لشهود فمن عادة الكريم أنك إن أكرمته ملكته "إذا أنت أكرمت الكريم ملكته" ، ورغ إلى "نفسك" لتجيء له "بعمل سمين" لعله يبيض وجهك أمامه ، وحاول إصلاح ما بينك وبينه وقل له سرّا : ليت الذي بيني وبينك عامرٌ ، ثم أردفها بأخرى علانية : إذا صحّ منك الودّ فالكل هيّنٌ ، لعلك أن تكون حينها قد بادرت باللحاق بركب المكرِمين المكرَمين ، فلا يغرنك بعدها المتخاذلون ، الذين هم في "تفريطهم" يعمهون ، وعلى عهدهم القديم قبل رمضان باقون ، وكأنهم لم يسمعوه وهو يقول : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون")

لا ترضَ منه بالقليل ، وأشبع منه نهمك على الخير ، وكن معه كما لم تكن عليه قبله ، فإنه إن ذهب قد لا يعود ، أو قد تكون أنت حينها برفقة الدود ، تتمنى لو عدت إليه يوماً واحداً لتكرمه حق إكرامه ، وتحسن إليه غاية الإحسان ، لتظفر منه بالأعطيات الجزال والتي أعلاها العتق من النيران والفوز بالجنان حين يبكي المضيعون ، ويتحسر اللاعبون اللاهون ، ويعض على أيديهم الظالمون ، لأنهم غفلوا عن قوله : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون") .

ثم اعلم أنه ضيف خفيف لا يطيل المقام يعلم أن فراقه "عيد" حقيقي لمن خاف الوعيد ، ومزيف لمن حصر معنى العيد في اللبس الجديد ، وأنك لو أقسمت عليه أو أغريته بطول المكث فلن يستجيب لك ، فهو عبد مأمور ، يأتي في وقت محدد ويغادر في وقت محدد ، ولا شيء عنده أفضل من أن تحسن وداعه كما أحسنت استقباله ، وأن تحتضنه في الآخرة كما احتضنته في الأولى ، وأن تطبع على جبينه قبلة مفادها : إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا "رمضان" لمحزونون ، لتستمع إليه يردد وهو يغادر (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون") .

ومضة :

ليكن شعارك في رمضان هذا العام مختلفاً ، وردّد مقولة الصحابي الجليل أنس بن النضر حين قال يوم بدر : والله ليرينّ الله ما أصنع ، فقل كما قال ودع الله عز وجل يفرح بصنيعك وهو سبحانه الغني عنك .

قبل الختام :

حين تمتليء مائدتك بأنواع شتى من الأطعمة والأشربة ، تذكر أن بالقرب منك من إخوانك البدون من لا يجد عشر ما تجد ، وأن الحكمة من الصيام الإحساس بشعور الفقير والظفر بعطية التقوى ، فتفقد حال إخوانك البدون ، وردد (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون")