2013/03/01

بيّاع الخبل عباته !


في ظلّ سذاجة لا توصف وهي غير قابلة للانتهاء قريباً ، وتحت رعاية "خبالٍ" قلّ نظيره ، أصبحنا مؤهلين فعلاً لبيع "بشوت" قناعاتنا ، و "فروات" آرائنا مع أول نسمة دافئة ، وتغيّر في المناخ من حولنا ، حتى إذا ما استجمع "البرد" قوّته من جديد ، وكرّ علينا كجلمود صخرٍ حطّه طير "الانتباه المتأخّر" من علٍ ؛ وجدتنا أشبه برجال ثلج لا تستطيع طرد ذبابة تقع على أنفها المصنوع من الجزر .
"بيّاع الخبل عباته" ليست مثالاً يصلح إطلاقه على تبدّل الأحوال الجويّة في بلادنا فقط ممّا جعل البعض يتمسك لآخر لحظة بثوبه الشّتويّ الغامق حتى لا يصبح في عين النّاس "خبلاً" مع أول رجفة برد تباغته في المجلس ، بل هو مثالٌ يصلح أن يصبح شعاراً لجميع نواحي حياتنا حتى لا يتمكن أصحاب الكلام الدافئ والخطب المشعّة التي تشعل نار الحماس في قلوبنا ونار التصفيق في كفوفنا فنشعر معها بحرارة لا تشبهها إلا حرارة آب اللّهاب ، إلى اقناعنا كي نهرول مسرعين إلى أقرب سوق "حكي" لنقوم ببيع "عباياتنا" باكراً ثم نصبح أضحوكة في القريب العاجل .
يأخذونك إلى شطّ الوعود والأمنيات ثمّ يرجعونك منه ظمآناً قد يبست لهاتك ، لأنّهم وجدوا فيك أرضاً خصبة للتكسّب زرعوا فيها بذور أشجار الكذب وباتوا يستظلّون تحت ظلّها من حرّ شمس النقد اللّاذع تحت شعار : "أمّا هذا فقد أدّى الذي عليه" ، فحريّ بك حينها أن تلوم نفسك لأنّك كنت (كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) ولأنّك تركت لهم حبل قيادتك مرميّ على غاربك فباتوا يقودونك كما يشاؤون ، وأنت – اسم الله عليك – تردّد فخوراً "المؤمن كالجمل أينما قيد انقاد" .
آمال قتلت ، وطموحاتٌ أزهقت أرواحها على مرأى ومسمع من أصحابها ، ومشاريع حياة كثيرة باتت حبيسة الأدراج ، ومحركات بحث كثيرة عن فرج قريب باتت حبيسة انتظار ضغطة زرّ "انتر" لسنوات طويلة ، وشعر كساه البياض وجعل سواده في خبر كان ، ووجوه غزتها التجاعيد وكتبت عليها عبارات تُقرأ فلا تُنسى ، وشيوخ باتوا يردّدون "ألا ليت الشباب يعود يوماً" ، ونساء يردّدن "أعينيّ جودا ولا تنفدا" ، كلّ ذلك بسبب وعود كاذبة كانت ولا زالت تُطلق منذ عقود تخّدر الموعودين وترفع من شأن الواعد حتى إذا ما مات ووسّد الثرى قلنا : "رحمه الله اذكروا محاسن موتاكم" لنرتجف بعدها رجفة "برد" تعيد إلينا جزءاً من عقلنا الذي فقدنا تحت تأثير موجة "خبال" لنتذكّر بأنّنا قد بعنا كل عباياتنا مع أول وعد .