2012/02/25

مدحٌ وقدح

جميل جدّا أن تقول للمحسن أحسنت دون أن تبالغ بمدحه والثناء عليه ، وجميل أن تقول للمسئ أسأت دون أن تنال من شخصه وتصب جام غضبك فوق رأسه وتنعته بأقذع الألفاظ وأبشعها ، فالاعتدال مطلوب في كل الأحوال ، وأرانا أحوج مانكون إليه في هذه الحالة ، لما يترتب على مثل هذه الأفعال من تأثير في نفس الممدوح والمقدوح ، فالإطراء والمديح المبالغ فيه قد يجعل من الشخص الممدوح شخصاً متكبراً لا يرى إلا نفسه ولا يعتدّ بجهود الآخرين من حوله فيرفع شعار "ما أريكم إلا ما أرى" وهذا الأمر مهلكة له ، والقدح المصاحب للألفاظ السيئة والمتضمن الطعن في شخص المقدوح والنيل منه ومن أسرته أو قبيلته ، وتجاوز ذلك إلى الطعن في نيته وتأويل كل عمل صالح قدمه فيما سبق إلى أنه حق أريد به باطل وعدم الاعتداد بكل ماقدم ويقدم وما سيقدم للآخرين ، كل ذلك يجعلنا نصنع إنسانا لا يعي ولا يسمع نصائح الآخرين مستقبلاً لأنه يراها حرباً موجهة ضده لا تريد له الخير بقدر ما تريد الثأر منه فيزداد في خطئه ويجمع الظلمات بعضها فوق بعض ويرفع شعار "أنا الغريق فما خوفي من البللِ" .

إن المتتبع لما شغلت به الساحة المحلية في الكويت من قضية استجواب الدكتور عبيد الوسمي الذي كان سيقدمه لرئيس مجلس الوزراء ، ليعلم حقّا مدى التخبط الذي نعيشه في إطلاقنا للأحكام على الآخرين وأننا نحكّم عاطفتنا أكثر مما نحكّم عقولنا وأننا نستعجل في إصدار الأحكام بناء على كلمة أو صورة أو حتى نظرة ! ، فالهجوم العنيف الذي طال الدكتور عبيد الوسمي بدءاً من لقطة مصافحته لنبيل الفضل والتي حمّلت أكثر مما تحتمل لدرجة أننا سمعنا من يقول بأن الأمور خلف الكواليس بخلاف ماهي عليه على خشبة المسرح ، وانتهاءً بقضية إعلانه عن تقديم استجواب لم يقدم أصلاً لكنه تسبب في شق صفوف المتتبعين إلى صنفين وثالث أقل عدداً من أن يذكر ، فقسم قاتل "مع" بكل ما أوتي من قوة ، وقسم قاتل "ضد" بكل ما أوتي من قوة أيضاً ، وقسم ثالث قليل عدد أفراده هم الذين انتبهوا إلى حجم الهوة بين من كان "مع" وبين من كان "ضد" ، وأن من كان "مع" اليوم لا يمانع بأن يكون في الغد "ضد" وبكل ما أوتي من قوة أيضاً ومن أجل موقف واحد قد يكون فهم على غير مراده ، والعكس بالعكس أيضاً ، وأكبر دليل على ذلك ردّات أفعال المتابعين للقاء الدكتور عبيد في قناة الرأي والذين كالوا له المديح رغم أنهم كادوا أن "يكفروه" سياسياً بعد عزمه تقديم الإستجواب أو بعد صورة مصافحته للفضل .

كما أن من المعيب أيضاً أن يتجاوز القدح الفاعل نفسه ليبلغ من أيده أو من عارضه على فعله ليسقط أيضاً بالكلية ، وما الحملة التي تعرض لها الإعلامي والكاتب محمد الوشيحي نتيجة انتقاده للدكتور عبيد ، إلا دليل واضح لما أردت أن أقوله .

ينبغي علينا أن ندرب أنفسنا على النقد بعقلانية فنمدح بتعقل ونقدح بتعقل مؤثرين مصلحة البلد على كل مصلحة ، ناوين صلاح الممدوح أو المقدوح لا فساده بإفراط في المدح أو القدح ، كما ينبغي علينا التروي عند إطلاق الأحكام على الآخرين فلسنا في مجال إلزام على إطلاق حكم على أحد ، ولنتذكر أن أكثر ما يكب الناس على وجوههم في جهنم حصائد الألسنة .

قبل الختام : أبارك لإخواني المعتقلين في قضية مظاهرات البدون وقضية الوطن ، على خروجهم بكفالة مالية ، كما أتوجه بالشكر الجزيل لكل من تبرع لتحصيل مبلغ الكفالات عن المعتقلين البدون الذين يقاتلون من أجل الحصول على قوت يومهم فضلا عن أن يستطيعوا توفير مثل هذا المبلغ ، وأخص بالشكر الدكتور عبيد الوسمي وفقه الله وجريدة سبر الإلكترونية على ما قدموه من تبرع .



منصور الغايب

2012/02/24

سيدي القاضي



سيدي القاضي ... ربما اختلط عليك الأمر ، أو أن الصورة لم تصلك على حقيقتها ، أو أنك توهمت أن هؤلاء الشباب الذين يقفون في قفص "الكرامة" أمامك يريدون إيقاع السوء بالبلد ، والإضرار بمصالحه ، والخروج على القانون ، وانتهاك حرمة البيوت ، وإزعاج السلطات ! ، كلا ياسيدي القاضي فكل ذلك غير صحيح ، فهم لم يرتكبوا جرماً سوى أنهم طالبوا بحقهم المسلوب منذ خمسة عقود ، أرادوا العيش بكرامة ، حاولوا إيصال رسالتهم بكل رقي واحترام ، أطلقوا حمائم أحلامهم في سماء البلاد ليخبروكم بأنهم لا زالوا يحلمون بأحلام وردية رغم كل تلك الكوابيس التي مرّت بهم في حياتهم ، قالوا لكم بصوت عالٍ "سوف نبقى هنا" ليخبروكم بأن الأرض أرضهم والمكان مكانهم حتى لو لم يمتلكوا بذلك صكّ ملكية ، نثروا لكم الورود ليخبروكم بأنهم يسعون جاهدين لزراعة الورود على جنبات طريق الوطن نحو العلياء ، تبرعوا بدمائهم الزكية ليذكروكم بأن دماء آبائهم وأجدادهم الطاهرة هي التي روت هذه الأرض الطيبة لتنبت لكم أجيالا ريحها طيب وطعمها طيب ، رفعوا صور صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي العهد ليجددوا ولاء لا يشابهه ولاء فهو ولاء لا يتأثر بمبدأ الأخذ والعطاء ، والبرّ والجفاء ، ولا يرتبط بأوراق وثبوتيات شخصية ، رفعوا أعلام الكويت ليخبروكم بأنها وطنهم الذي لم تستطع دبابات العدو أن تنتزع حبه من قلوبهم في أحلك الظروف ، رددوا النشيد الوطني ليخبروكم بأنه من السهل أن تحفظ الكلمات لكن من الصعب أن تشعر بها وأنت ترددها ، هذا هو جرمهم يا سيدي القاضي ، فاقضِ ما أنت قاضٍ .
سيدي القاضي ... لو كلفت نفسك عناء النظر في أعينهم لأخبرتك الخبر ، ولو استعنت بطبيب قلب ليقرأ لك ما تقوله نبضات قلوبهم لأخبرتك الخبر ، ولو استعنت بمختبر لتحليل كريات دمائهم لأخبرتك الخبر ، هم ثلة لا تختلف عن إخوانهم الذين افترشوا ساحة الإرادة وساحة قصر العدل ودخلوا بيت الأمة ، فكلهم شباب امتطوا العزة في زمن الضعف والخور ، وركبوا أمواج الكرامة حين اكتفى غيرهم بالوقوف على الشواطئ خوفاً ، وبادروا بأنفسهم لمّا رأوا الأمر لا يحتمل مزيد انتظار ، وأن الخوف من صعود الجبال يؤدي بهم إلى المكث بين حفر الامتهان ما بقوا ، هذا هو جرمهم يا سيدي القاضي ، فاقض ما أنت قاض .
سيدي القاضي ... لو سمحت لصمتهم أن يتحدّث لعرفت أنهم يقولون وهم صامتون "تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنّا سارقين" ، ولعلمت أنهم خير من يطبق قول الشاعر : بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ، فحب كويتهم في قلوبهم لا يوصف ، ولتيقنت أن جرمهم الوحيد أنهم "بدون" مواطنة ، "بدون" عيش كريم ، "بدون" احترام لإنسانيتهم ، لكنهم ليسوا "بدون" وطن ، هذا هو جرمهم الوحيد يا سيدي القاضي ، "فاقضِ ما أنت قاضٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا" .
قبل الختام :
إذا جار الأمير وحاجباه = وقاضي الأرض أجحف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل = لقاضي الأرض من قاضي السماء
(.....)

منصور الغايب

2012/02/16

علّمني ... شقول ..!!


.
.
.


هذا أنا محتار ...


علّمني شقول !


وشّ أسويلك ...


عشان تحبّني ...


.
.
.


وردتك ...


لاخفت يلحقها ... ذبول ...


اعتبرني ... ماي ... وأسرع صبّني ..


.
.
.


ما أبي من شفتك  ...


هرج معسول ...


سبّني ...


إن كان تقدر ...!!


سبّني ...


.
.
.


خلّني أهواك ..


في كل الفصول ...


وعن هجير البعد ..


"تكفى" ...


غبّني ...


.
.
.


منصور

هلا فبراير ... هلا بدون


في شهر فبراير من العام الماضي خرج المئات من الكويتيين البدون للتظاهر في تيماء والصليبية والأحمدي من أجل المطالبة بالحقوق الإنسانية من استخراج عقود زواج وشهادات ميلاد ووفاة واستخراج رخص قيادة وغيرها ، والتي أقرت فيما بعد عن طريق الجهاز المركزي تحت مسمى " امتيازات " هرباً من تسميتها بحقوق كانت مسلوبة من فئة عانت الأمرين على مدى عقود ، في تلك الفترة علت صيحات الاستهجان والامتعاض في آن واحد من قبل البعض ، منتقدين خروج تلك الفئة في شهر فبراير بالذات والذي يشهد احتفال الكويت بيومي الاستقلال والتحرير ، كما يشهد مهرجان هلا فبراير والذي يقصد بعض السيّاح الكويت لحضور فعالياته .
في هذا العام وفي فبراير أيضاً وفي أمسنا القريب ، اجتمع بعض الكويتيين في ساحة الإرادة وراحوا يطلقون عبارات السبّ والشتم وجمل التهديد وإهدار الدماء ، وافقهم من وافقهم وانتقدهم من انتقدهم ، لكن الغريب في الأمر أن أحداً من المنتقدين لهذا التجمع لم يذكر مسألة أنه في شهر فبراير شهر الخير على كويتنا الحبيبة ، شهر الاستقلال والتحرير ، شهر ضيوف الكويت ، وكأن ما حدث في ساحة الإرادة هو أحد فعاليات مهرجان هلا فبراير لا أكثر !
في فبراير من العام الماضي رفعت أعلام الكويت ، ورُدّد النشيد الوطني ، وعلت عبارات التمجيد للكويت ولسمو الأمير حفظه الله ، ومع ذلك طعن البعض في وطنية هؤلاء الشباب وولائهم واتهموهم بأنهم يريدون الإساءة للكويت في شهر أعيادها لا المطالبة بحقوقهم كما يزعمون !.
وفي فبراير من هذا العام لم نرَ شيئاً من ذلك كله بل رأينا السب والشتم ومحاولة شقّ صف وحدة الشعب على الهواء مباشرة وينقل للعالم أجمع عبر بعض القنوات ، ولم ينطق أحد ببنت شفة عن وطنية المجتمعين ولم يتعرض أحد لنياتهم .
يبدو أننا نمارس "الإرجاء" في مسألة الوطنية والإنتماء والولاء تجاه أمّنا الكويت ، فالكويتي ذو الجنسية لا يضرّ ولاءه أي فعل يصدر منه ، ولا يخدش وطنيته أي فعل ، حتى لو كانت النوايا واضحة ، والغبار منجلٍ عن سوء القصد .
يبدو أنّا أصبحنا نهوى هدم مبادئنا مبدأً تلو مبدأ مع كل حدث تمرّ به كويتنا الحبيبة ، وأن الكيل بمكيالين والنظر بمنظارين ، أصبح هو السمة البارزة لدى الغالبية ، وأن التجرد من الهوى والتعصب للرأي ، والنظر بعدل والحكم بإنصاف ، أصبح عملة نادرة اليوم ، وأصبحنا نسترق السمع علّنا نسمع أن في المكان الفلاني رجل منصف .
شطحة : في نظر الفلكيين سنة 2012 سنة "كبيسة" ، في نظر الحكّام سنة 2011 هي السنة "كبيسة" .

2012/02/11

كاشغري والمسوّغون !


فمن يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواءُ
حسان بن ثابت
يُسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتقص من قدره من قبل "قزم" أراد أن يسلك أقصر طريق للشهرة ، فإذا به يسلك أسرع طريق لمزبلة التاريخ ، أراد أن يقدم الأدب بصورة مختلفة بزعمه ، فإذا به يقدم قلة الأدب بأبشع صورة ، أراد أن يجعل من نفسه بحسب تعبيره ندّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا به أحقر من أن يواجه محبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أن يكون جديراً باعتبار نفسه ندّا له ، أراد أن يشكك في وجود الله عزّ وجلّ ، فإذا به يجعلنا نشك في وجود عقله ، أراد أن ينزل من قيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإدعاء أنه يكره تلك القداسة حوله ، فإذا به يحيي تلك القداسة في قلوب محبيه حقّا ومتبعيه صدقاً دون أن يشعر ، أراد أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وإذا به يؤذي نفسه .
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها
فما أضرّ وأوهى قرنه الوعلُ
يهبّ الغيورون دفاعا عن حبيبهم وقرة أعينهم أبي القاسم صلى الله عليه وسلم من كل حدب صوب ، ومن كل قطر ومصر ، فالدفاع عنه صلى الله عليه وسلّم لا يحتاج مزيد علم بقدر ما يحتاج مزيد حبّ له وعرفانٍ بفضله على هذه الأمّة ، والملفت للنظر والمضحك المبكي هي تلك الأصوات التي تعالت تدافع عن ذلك "القزم" مؤولة لكلامه تارة ، ومطالبة باستعمال الشفقة معه تارة أخرى ، ومثيرة أحاديث جانبية الهدف منها تهوين الخطأ في عيون المحبين لمقام النبوة ، وعجباً ما نشاهد ونسمع ونقرأ للبعض ممن كانوا بالأمس يسوغون للبعض مخالفة القانون واستعمال كافة الأساليب لحفظ جنابهم من سُبّة جاهل ، وهم اليوم يتقاعسون عن الدفاع بل ويسوغون لمن انتقص لمقام النبوة ، بالأمس هرعوا يجلبون بخيلهم ورجلهم يتنادون فيما بينهم لينالوا من "القرني" بسبب سرقة فكرية وهم يقولون "لا تيأس" و "لاتسرق" أيضاً ، واليوم عجزوا أن يقولوا لمن نال من مقام النبوة "لا تسبّ" ، بالأمس لم يذعنوا لمن طالبهم باحترام القانون وترك ردات الأفعال الغاضبة تجاه "جاهل" و "غير نبيل" ، واليوم ينادون بتحكيم صوت العقل ، فالمنتقص منه هو أبو القاسم صلى الله عليه وسلّم وليس فلان بن فلان ممن يجلونهم ويوقرونهم ، وليتهم على أقل الأحوال طالبوا بتحويله إلى القضاء ليحكّم فيه الشرع ، ولكنهم سارعوا إلى سكب دموع التماسيح مطالبين بالعفو عنه والاكتفاء بعبارة "لاتعينوا الشيطان على أخيكم" ولا أدري هل تشفع هذه العبارة لمن ينال من أعراضهم هم ، وتثنيهم عن الوقوف في قاعات المحاكم ؟! .
في بلادي ..
احذر تسبّ القبايل
احذر تسبّ العوايل
بين طًرفة وانتباهتها ... تشوف من الهوايل
لكن تسبّ النبي وعرض النبي ...
أمر اعتيادي ..
تلقى منهو يذود عنّك ويتحجج ...
إنك مثقف وصاحب فكر ... متحرر ...ريادي
وإن بغيت تذود عن عرضه .. يصحّون المبادي
"طزّ" في كل المبادي
في بلادي
فعذراً يارسول الله عن تقاعسنا ، مع علمنا بأنك غني عنّا وعن نصرتنا وكيف لا وقد قال عنك ربك عزّ وجلّ (إلا تنصروه فقد نصره الله) ، وعذرا أيّها الدنماركيون فقد شُغلنا عنكم بدنماركيي بلادنا ، فبعد " خاسر" بُلينا بـ "جمرة" ، وصدق من قال : "من دون صهيون بذّتنا صهاينّا "
لا أخفيكم أنني تعجبني وأفرح كثيراً بردّات الأفعال الشعبية الغاضبة في مثل هذه القضايا وفي مثل هذه الأمور كالطعن في مقام النبوة والمساس بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، ليس من باب التشمت بالمخطئ حاشا لله ، ولكن من أجل توجيه رسالة واضحة لمن يحمل ذات فكره ويجبن أن يدلي بذات دلوه ، وليُعلم أن نار الدفاع عن المسلّمات لا زالت حية متقدة في قلوب الكثيرين من أبناء الأمة .
في الختام ، اعلم أنه بقدر ما يكون امتعاضك وتمعّر وجهك وتعكر مزاجك حين يمس مقام النبوة ويطعن في مسلّماتك ، بقدر ما يكون لك من الإيمان في قلبك ، وبقدر ما يعجبك فعل الرجل المخطئ وبقدر دفاعك عنه ، بقدر ما تكون شريكا له في ذات الجرم ، فاعرض نفسك في ميادين الاختبار واقتص الحق من نفسك .

2012/02/05

كلنا ذوو "عنصرية" !

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

عمرو بن كلثوم

غضب كثيرون بل وانفجروا غضبا وتناثرت شظايا ذلك الغضب فأحرقت ماحولها ، وتوالت ردات الأفعال الغاضبة كموجات هزة أرضية أعقبها تسونامي من التصريحات المؤيدة والمعارضة لردات الأفعال تلك ، والمضحك في الأمر أنه لا شئ جديد بعد كل تلك الضجّة ، فقد عاد الجميع إلى بيوتهم لينعموا بليلة هادئة ويا دار ما دخلك شرّ وعلى المتضرر الصبر إلى أن يحين وقت شتيمة أخرى !.

هونوا عليكم يا سادة ، فلاشئ يدعو إلى كل هذا الغضب السافر ، فالعنصرية داء يعاني منه الجميع في هذا البلد بلا استثناء ، بدءً من عنصرية أصحاب الأموال تجاه الفقراء وانتهاء بعنصرية الفقراء فيما بينهم ، ناهيك عن العنصرية بين الحضر والبدو ، وبين الحضر والحضر ، وبين البدو والبدو ، ولا عاقل يستطيع أن ينكر وجود مثل هذه العنصرية في مجتمعنا ، وكل ما في الأمر أن المجتمع ينقسم إلى قسمين رئيسيين وثالث لا بواكي له ، فالقسم الأول هو قسم يصرح بتلك العنصرية المقيته بل ويمارسها عياناً وأصحابه تفوح من أفواههم رائحة النفايات أجلّكم الله ، وقسم ملئ بالعنصرية من الداخل ولكنه يجبن أو يستحي – اختر ما شئت – من إبداء تلك العنصرية على الملأ ، فتجدها تتضح في اجتماعاته الخاصة مع أبناء عمومته ، أو عبر فلتات لسانه ، أو ما لا يخضع لسيطرة عقله من تصرفات جوارحه ، ليتبين لنا قبيح طبعه الذي حاول أن يستره بجميل تطبعه ، ولكن خاب مسعاه ، والقسم الثالث هم الذين يحاولون القضاء على هذا المرض الفتّاك وحماية المجتمع منه وهم قلة قليلة ، غرباءُ من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ، ومن يردهم أكثر ممن يستقبلهم ، وكيف لا فهم أناس مصلحون في قوم سوء كثير !!

العنصرية يا سادة لا تنحصر في سبة جاهل أو شتيمة جويهل ، بل هي أشد وأنكى من ذلك ، العنصرية بحر متلاطم الأمواج وكل يسبح فيه بقدر عنصريته ، أنت يا من أغضبتك إساءات ذلك الجاهل هل سألت نفسك عن رأيك حين يكون الحديث إلى حيث تشير البوصلة دائماً ؟! ، وأنت يامن تغضبك التفرقة العنصرية هل سألت نفسك عن موقفك من توحيد الجنسية ، ومن تجنيس البدون ؟! ، وأنت يامن أغضبك بعض السباب هل سألت نفسك عن موقفك حين يسئ إليك وافد آسيوي ، وهل تكون ردة فعلك بنفس القوة التي لو أساء فيها إليك مواطن ؟! وأنت يامن أغضبك الشتم هل سألت نفسك من الذي قسم الناس إلى "شيوخ ورعيان" وهذا مو من ثوبنا وهذا مو من ملبوسنا ، وهذا مرده إلى كذا وهذا مرده إلى كذا ؟! ومن الذي يطلق النكات على بعض القبائل ويصفهم ببعض الأوصاف ويلمزهم بتقليد لهجاتهم ؟!

كل ذلك عنصرية بغيضة وإن سميناها بأسماء أخرى ، لكن حقيقتها ثابتة لا تتغير ؟ وهي إزدراء المقابل والنظر إليه باستصغار واعتباره من منزلة هي أقل من منزلتنا وتسفيه رأيه وعدم إعطائه حقوقه وتقسيم الناس إلى أقسام بعضهم مرضي عنهم وعليهم ، وبعضهم من المغضوب عليهم والضالّين .

لو تفكرنا جيدا ببعض تعاملنا مع الآخرين وبعض نظراتنا تجاههم لوجدنا أننا ننضح عنصرية بشكل مهول ، ونحاول أن نتستر خلف بضع كلمات نظن أنها تخفي تلك الحقيقة السيئة عن مجتمع باتت العنصرية تنخر فيه ، بل لعلها السبب الرئيسي في كثير من المشاكل التي تعصف بالبلد ، وأن كل ما نتعرض له من سباب وشتم فإنما هو بضاعتنا قد ردّت إلينا ، فلنقتص الحق من أنفسنا وليبدأ كل منّا بمعالجة نفسه من هذا المرض الخبيث بتذكير نفسه أن الناس سواسية كأسنان المشط وأن مقياس الكرامة يكون بالتقوى والقرب من الله لا بشئ آخر .

قبل الختام ... أتذكر طرفة سمعتها عن رجل سألوه عن أكثر ما يبغض في هذه الحياة ؟ فأجاب بقوله : العنصرية والعبيد ! ، هذا بالضبط ما يلخص المقال أعلاه .



منصور الغايب

خشمك عوج !!


ماينسينا الخطا حب "الخشوم"
                              وما يطهرك المطر عشرين عام
                                                                   خالد الفيصل

للخشم (الأنف) مكانة معنوية كبيرة لدى بني البشر، فهو يعتبر من أعز الأعضاء في جسم الإنسان وباستعمال مفردته يعبر عن كثير من الأمور؛ إن رضاً أو سخطاً، فالخشم أحد مكامن العزة في جسم الإنسان، ولولا ذلك لما كان الخشم أول عضو يضعه الإنسان في التراب عند سجوده معبّرا عن تذللـه وخضوعه وخشوعه لله عز وجل واستكانته وحاجته وقلة حيلته وفقره إليه سبحانه وتعالى، ولفظة الأنف وهو الخشم في اللغة الدارجة جاءت في السنة المطهرة أيضاً كدليل على الترغيم فقد جاء في الحديث (رغم أنف امرئ أدرك أبويه ولم يدخل الجنة..... الحديث) وجاء أيضاً (وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبي ذر..... الحديث) وما استعمال مفردة الأنف هنا إلا أنها تشكل جانبًا معنويًا مهمّا لدى الإنسان، والخشم علامة للعزة والرفعة والأنفة ولعلّ هذه المفردة الأخيرة ما سميت بذلك إلا اشتقاقاً من الأنف وهو الخشم باللغة الدارجة، والإنسان المتكبر في اللغة الدارجة يوصف بأنه "رافع خشمه" علامة على تكبره وازدرائه للآخرين، والخشم هو أول ما يتبادر للمرء أن يشير إليه حين يطلبه عزيز أو يحتاج إليه قريب فتجده دون أن يعدّ للسؤال جوابا يقول : "على هالخشم" رغم أنه لا علاقة ظاهرة بين استجابة الطلب وتحقيقه وبين الخشم إلا أن تكون المكانة الكبيرة التي يحظى بها الخشم لدينا، والخشم أحد الأعضاء التي إن أكرمت دلّ ذلك على إكرامك للشخص المقابل، لذلك يبادر البعض إلى قول عبارة "عليه الشحم" حين يشير إنسان إلى خشمه ولا تستغرب من اقتران الإكرام بالشحم فنحن قومٌ لا نشعر بارتفاع مقياس الكرامة لدينا إلا مع ارتفاع معدل الكوليسترول في أجسامنا ، وقبلة الخشم طريقة للسلام لدى البعض ، وقبلة الخشم وسيلة اعتذار وكسب ود المقابل لدى البعض أيضاً، وتستعمل كذلك مفردة الخشم في بعض من أمثالنا الشعبية الدارجة، ففي المثل "إذا انطق الخشم دمعت العين" دليل على التلاحم بين الناس وتأثرهم بما يجري لبعضهم كما تتأثر العين وتدمع عندما يضرب الخشم.

يتبين مما سبق ذكره وغيره مدى المكانة المعنوية والحسية التي يتمتع بها الخشم في مجتمعنا، وماحداني لكتابة هذه الأسطر هو ما ينتشر حالياً على الألسن لدى كثير من الناس عندما تنصحه بالتصويت للرجل المناسب الذي يتمتع بالصفات الطيبة التي تؤهله للدخول في البرلمان والجلوس على كرسي المجلس كنائب عن الأمة، فيجيبك دون تفكير مسبق مستعيراً المثل الشعبي "خشمك عوج مالك غيره" كناية عن أنه سيختار ممثل قبيلته لا محالة وإن كان فيه من سيء الصفات ما يزكم الخشوم جميعًا، وإن كان قبيضاً لا يخشى في القبض لومة لائم، يشفع له في ذلك فقط أنه ابن عمه ومن قبيلته وأنه خشمه الذي وإن كان أعوجاً فليس له غيره بزعمه!!

مثل تلك الحجج الواهية ماهي إلا ذريعة يتذرع بها من لا يريد الخير لهذا الوطن، ولا يريد للأفضل أن يصل إلى البرلمان، ولا يهمه نوعية من يصوت له بقدر اهتمامه بكونه ابن قبيلته أو أحد مخرجات فرعية القبيلة.

ياعزيزي، إن كان خشمك أعوجاً فدعه عنك، واختر عضواً آخر من جسدك؛ لتصوت له في البرلمان، فكلنا هنا في هذا الوطن جسد واحد، والعوج الذي في أنفك إن لم تقومه وتعالجه فلا ينفعه ولا ينفعك إكرامك له، ودمتم ودامت خشومكم على شحم.

 منصور الغايب