مخطئون هم حين أخبروك بأن النار لا تحرق
إلا رجل "واطيها" ، فنار الفتنة ياعزيزي لا تعترف بهذا الأمر إطلاقاً وهي
مختلفة عن كل النيران في العالم ، وهي نار تظل نائمة خامدة تنتظر من يوقظها لتبشرّه
بلعن الناس له ، وهي إن استيقظت قلبت
عاليها "واطيها" ولم تكتفِ برجل "واطيها" فقط ، وهي إن أتت لا
تأبه بوجود الصالحين لأنها متيقنة من كثرة الخبث الذي تسبب في ايقاظها ابتداءً .
لأننا نتجاهل دوماً بأن النار تأتي من
مستصغر الشرر ، غفلنا أو قل تغافلنا عن كثير من الشرر المتطاير من هنا وهناك والذي
صادف في طريقه قلوباً قابلة للاشتعال حزناً وكمداً ، وإشعال ما حولها من أجساد
صيرتها الحوادث المتعاقبة والفتن المتوالية كالهشيم يقول للنار هيت لك ، ولا يرد
يد "مُشعل" أبداً ، حتى أصبحنا على شفا حريق قد يخلده التاريخ كما خلّد
حريق لندن ، غير أن حريق لندن كانت تجدي معه دلاء الماء ، بينما حريقنا إن حدث لا
ينفع معه إلا بحرٌ من الحكمة لا تكدّره دلاء السفهاء .
على نغمة سمفونية "اللي من ايده الله
يزيده" أصبحنا نرى "الديك يرقص مذبوحاً من الألمِ" ، وعلى جرّة
ربابة "وعلى نفسها جنت براقش" الحزينة أصبحت براقش ولا بواكي لها ، بل
تكاد تقتل نفسها من شدة البكاء والحزن ، غير أنها تسلي نفسها بقول الخنساء :
"ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي" .
كأحجار الدومينو أصبح البعض يقع في مزبلة
التاريخ حجراً يتلوه حجر ، تزاحموا على أبواب المصالح فنسوا أن يجعلوا بينهم مسافة
كافية تجنبهم شرّ توالي الوقوع إن وقع كبيرهم الذي علمهم "النهب" ،
فأصبحوا يسندونه من كل جهة لأنهم علموا أن بوقوعه يكون وقوعهم المدوّي ، وببقائه
يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر أن "يطلب الله" ويغسل يده من "نايد الناس" فضلاً عن
"الرفيج الموالي" .
انا شخصيّا لا أقول أبداً بأن أصحاب
الحناجر الرنّانة الصادحة ليل نهار هم الأجمل صوتاً بين مطربي بلدي ، ولكنني على
ثقة بأنهم أصواتهم ليست نشازاً على الأقل ، وأنني يجب علي أن أستمع لوصلتهم
الغنائية لحين انتهائها ، ثم يلزمني التصفيق لهم بحفاوة نظير ما بذلوه من جهد ، ثم
أطالبهم بعد ذلك أن يعطوا الخبز لخبازه حتى لو أكل نصفه ، فنحن مشتاقون "حدّ
الدعسة" لخبز لذيذ يشبع نهم جوعنا طوال هذه السنوات العجاف .
ختاماً ياعزيزي ... ألا زلت تظن بأن النار
التي تريد أن تشعلها لن تحرق إلا رجل واطيها ؟! كلا والذي قال : "أفرأيتم
النّار التي تورون" ، فنارك هذه إن اشتعلت فأول غذاء لها سيكون ثوبك الذي
ألبسك الله إيّاه ، وحينها لن ينفعك بكاء ولا ندم ، وستتذكر حينها دعوة كل مظلوم
سرت بليل ، وسنجتمع حينها حولك لا لنعزيك ولا لنصبرك بل لنقول لك بتهكم وسخرية وتقريع : "يداك أوكتا وفوك نفخ" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق