2011/10/28

خطاب عبدالجليل ... وشعارات المتلونين ...

يرتقي منبره ليلقي كلمته الأولى بعد هلاك القذافي فتنتكس رؤوس الطغاة من المحيط إلى الخليج ويتساءلون فيما بينهم : من التالي ؟! ، يبدأ كلمته بشكر الله عز وجل ويخرّ ساجداً فترتعد فرائص الذين يجبرون الشعوب على السجود لهم من دون الله عز وجلّ ويعلمون حينها أن الملك لله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ، ويعزّ من يشاء وإن كان في ظاهره ذلّ وتمريغ للوجه في التراب ، ويذلّ من يشاء وإن كان في ظاهره عزّ في القصور الفارهة .
يقف شامخاً كالطود ليلقي كلمته فتسبح العقول في الفضاء عائدة إلى عصر النبوة حيث خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع والتي أتت بعد أن هلك الطغاة واستتب الأمر ، والتي قرر فيها أن أحكام الجاهلية قبله كلها موضوعة تحت قدمه ، فيصدح بها عالياً "ألا إن كل شئ من أمر الجاهلية موضوع" ثم يردفها بثانية "ألا إن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عمي العباس" ثم يعززها بثالثة "ألا إن دماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم ربيعة" ، هي لبنات من لبنات تأسيس الدولة بعد أن ولّت الجاهلية إلى غير رجعة .
بنفس تلك اللبنات أراد مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي في ليبيا أن يبني ليبيا الجديدة ، ليبا الحرة ، ليبيا عمر المختار ، ليبيا المسلمة المعتزة بإسلامها ، ليبيا الفتاة التي شاخت بسبب هول ما رأت من ظلم القذافي ، فأعلنها أيضا مدوية لتصمّ آذان كل طاغية مناوئ لدين الله بأن كل القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية إبان حقبة القذافي فهي موضوعة تحت الأقدام ولا كرامة لها .
سيحاول عبدالجليل ومن معه اتمام بنيان ليبيا بمثل تلك اللبنات ، ولكنني أجد أنه من الصعب أن يكمل ذلك البنيان تمامه مع وجود كثير من معاول الهدم التي يحملها من لايريد أن تقوم للدين قائمة :
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
وأعتقد بأن الأعداء سيجلبون بخيلهم ورجلهم ليحولوا دون قيام ليبيا مسلمة وسيتحرك الغرب قبل الشرق لإجهاض هذا المشروع الذي لايزال جنينا في رحم المجلس الانتقالي ، وسيساعدهم في ذلك بعض المتلونين ممن أيّد الثورة ابتداء والذين لم تعجبهم مخرجات هذه الثورة فأصبحوا يظهرون لها العداء بعد شوطٍ طويل من التأييد ، وأظنهم سينجحون .
لقد ساهم خطاب عبدالجليل بإسقاط الأقنعة عن وجوه بعض من أيد الثورة ظانّا أن نتائجها ستوافق هواه ، كما ساهم بتهافت الشعارات الزائفة عن احترام خيارات الشعوب والمتضمنة العديد من الاستثناءات الغير معلنة ، حتى أصبحنا نرى العديد من السهام توجه صوب تلك الثورة باكراً بعد نجاحها بتشويه صورة قادتها تارة ، وبتشويه صورتها هي بالكلية تارة أخرى متذرعين بتصرفات فردية لبعض أفرادها من الظلم تعميمها على الثورة ككل ، وباتوا يروجون بأن الثورة الليبية لم تكن ثورة دينية ابتداء ولو أنهم أمعنوا النظر منذ البداية في وجوه أولئك الشباب ، في لحاهم ، في تكبيراتهم المتتالية ، في ابتسامات شهدائهم لعلموا أن الثورة كانت دينية من بدايتها .
وأما من يدعي أن الثوار لا يمتلكون حق تحديد مصير ليبيا والليبيين من بعدهم فأقول له : إن كان هؤلاء الأبطال لا يمتلكون الحق فمن الذي يمتلك الحق ؟! ، إن كان الذين حملوا أكفانهم على أيديهم وواجهوا الرصاص بصدور مشرعة لا يمتلكون الحق فمن الذي يمتلك الحق ؟! ، هل ياترى الجبناء الذين اعتادوا على قطف ثمار الثورات التي يقودها الشجعان هم من يمتلكون الحق في تحديد مصير ليبيا ما بعد القذافي ؟! ، الجواب واضح بين لكل منصف ، والأيام حُبلى.

منصور الغايب

2011/10/25

حجٌّ ... أم ذبحٌ ... إسلامي ؟!

حجٌّ ... أم ذبحٌ إسلامي ؟!

ياراحلين إلى منىً بقيادي
هيجتموا يوم الرحيل فؤادي

حاول عزيزي القارئ أن تقتطع جزءاً من وقتك وتتجه صوب مقارّ حملات الحج الكويتية لتسأل عن أسعار الحج مع تلك الحملات لموسم الحج هذا العام ، ولتطّلع على بعض خفايا الأمور هناك مما لم يكن يخطر لك ببال ، ولا تنسَ أن تأخذ معك حبتين "بنادول" فالصداع سيلازمك مع أول مقرّ ، كما لا تنسَ أن تأخذ معك صديقاً لك يقوم بدور "التفريق" بينك وبين من ستتشاجر معهم حتماً من أصحاب تلك الحملات أو موظفيها .
رائحة الغش والفساد تنبعث وبقوة من بعض تلك الحملات ، وفي كل عام ترتفع الأصوات تلهج بالشكوى ولكن لا حياة لمن تنادي ، بل مباركة وزارة الأوقاف لتلك الممارسات تكاد تكون واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار وذلك بالسكوت غير المبرّر عن ممارسات تلك الحملات التي لا يقرّها شرع ولا عرف .
بعض أصحاب تلك الحملات – مع الأسف الشديد -  أرادوا أن يشوهوا سمعة اللحى وأصحاب اللحى ، فستروا تلك الممارسات بلحى مصطنعة لا تعبر عن صلاح حال ولا تبشر بحسن مآل ، بل وضعت كطُعم لاقتناص السذّج من الناس ، وبعبارة بسيطة عامية هي لحىً " مانبتت على طهارة " .
فأسعار تلك الحملات خيالية لا يصدقها عاقل ولا يقدر عليها إلا من أغناه الله عز وجلّ ووسّع له في رزقه ، ولا أجد مبررا لها لا سيما إذا ما قورنت بأسعار الحملات في الدول الأخرى القريبة ، ناهيك عن أنها لا تتناسب مع الخدمات المقدمة غالباً وإن حاول أصحابها تغطيتها بالوعود الكاذبة التي سرعان ما تتلاشى وتصبح نسياً منسياً مع أول قدم لك تطأ أرض المشاعر .
كما أن بعض الحملات أصبحت تتاجر باسم الدين وباسم خدمة الحجاج وباسم مساعدة الناس على تأدية مافرضه الله عليهم من حج بيت الله الحرام ، وتزين مقارّها بالآيات الدالة على وجوب الحج وعظم أجره ، والأحاديث المرغبة في الحج المبينة لعظيم ثوابه ، وهم أبعد ما يكونون عن هذا المقصد النبيل ، فالمشهد الأوحد الطاغي هناك والواضح لكل ذي بصيرة هو محاولة التكسب قدر الإمكان من تلك الحملات وبات ذلك هو هاجسهم الوحيد .
بعض أصحاب تلك الحملات يعمد إلى تأجير حملته في الباطن بمبلغ 40 ألف دينار كويتي تقريباً ولايهمه حال من قام بتأجير الحملة وهل هو من أهل الصلاح أم لا وهل سيديرها وفقاً للشرع والقانون أم لا؟ ،  فكل ما يهمه هو أن يقبض منه ذلك المبلغ لفترة شهرين تقريبا هي فترة ما قبل وأثناء وما بعد موسم الحج فقط ، وبما أن المستأجر قام بدفع ذلك المبلغ فهو يسعى جاهداً لتعويضه بأي صورة كانت سواء كانت شرعية أو غير شرعية فالمهم هو الربح المادي وإن حاولوا إظهار غير ذلك وهذا ما يبرر وجود الفساد المشتري في بعض الحملات حيث أن من يديرها مستأجر وليس من أصحاب الحملة فلا هو يهمه سمعة الحملة ولا هو يخاف من مخالفة وزارة الأوقاف له .
وبعض الحملات تقوم بمخالفة القانون والتزوير وذلك عن طريق بيع ورقة تصدر من الحملة لأشخاص لا ينوون الحج مع الحملة نفسها بل بعضهم لا ينوي الحج مطلقاً ، ولكنهم يشترون تلك الورقة من أجل الحصول على إجازات حج من مقار أعمالهم وكل ذلك بثمن باهض طبعاً مقارنة بورقة يستطيع أن يبيع منها ما يشاء من عدد ، وبعض الحملات يقوم ببيع تصاريح الدخول إلى المشاعر المقدسة إلى بعض الحملات غير المرخصة من أجل أن يتمكنوا من دخول المشاعر دون مضايقة الجهات المسؤولة هناك وهذا أمر مخالف للقانون أيضا ويعرقل سير العمل هناك ، وكل ذلك بثمن باهض ايضاً .
كما أن بعض الحملات تقوم بالإعلان عن وجود أشخاص يقومون بالحج نيابة عن الكبير والعاجز وكل ذلك بمبالغ خيالية أيضاً ، يكون للحملة النصيب الأكبر من ذلك المبلغ ويعطى للحاج بدلا عن ذلك الشيخ الهرم أو العاجز مبلغا بسيطاً ، وبعضهم يأتي بحاجّ بديل "محترف" من الخارج أقلّ في الكلفة المادية فيضع في الإعلان أن من سيقوم بالحج بدلا عن العاجز بعض طلاب العلم من مكة المكرمة !! .
أما عن البدون وحالهم مع حملات الحج فحدث ولا حرج ، فإن أصحاب تلك الحملات باتوا يعشقون الرقص على جراح المكلومين من البدون ، ويعدّونهم وجبة دسمة لهم ، فهذه الفئة وسائل التكسب من خلالها كثيرة ، فبدلاً من أن تكون تكلفة حج البدون أقل من غيره مراعاة لحالتهم المادية ، فإنك تجد تكلفة حجهم تزيد عن تكلفة حج غيرهم بما لايقل عن 200 دينار أو تزيد ، ويتحججون بأن العدد محدد من قبل السفارة السعودية والراغبين في الحج من البدون كثُر لذلك نقوم برفع السعر ، كما أن بعض الحملات تقوم باستخراج رقم موحد للبدون بمبالغ مادية كبيرة أيضاَ وذلك عن طريق استخراج جواز حج لهم دون أن يذهبوا إلى الحج بل من أجل استخراج الرقم الموحد فقط ، وبعض الحملات تعمد إلى المتاجرة بفيزا الحج وبيعها على البدون بمبلغ يتجاوز 300 دينار ، وأحيانا تكون تلك الفيزا مزورة ، أو أنها فيزا للزيارة وليست للحج وهو نوع من أنواع الغش والتلاعب أيضاً ، وأنا هنا أوجه كلامي لسفارة المملكة العربية السعودية في الكويت التي تقف عاجزة عن السيطرة على تجّار الفيزا الذين باتوا يسيؤون لسمعة السفارة في الكويت ، وإن كانت السفارة لا تدري فتلك مصيبة ، وإن كانت تدري فالمصيبة أعظم .
أرأيت عزيزي القارئ عظم الفساد المستشري في تلك الحملات ؟!
هل عذرتني عندما قلت لك لا تنسَ أن تأخذ معك حبتين بنادول ؟!
بإمكانك الآن أن تأكل الحبتين وتشرب بعدها كوب ماء ثم تنتقل معي لخاتمة المقال .....
الحج عمل من الأعمال التي رتب الله عز وجل عليها الأجر العظيم ، وبشّر فيه النبي صلى الله عليه وسلم من حجّ بلا رفث ولا فسوق بأنه يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، والحجاج هم ضيوف الرحمن ، يعتقهم سبحانه من النار يوم عرفة ويرضى عنهم ، أفلا يخشى القائمون على تلك الحملات من دعوة تستجاب فيهم من بعض الحجاج الذين يظلمونهم ويستنزفون أموالهم بلا مبرر ويتاجرون بشعيرة من أعظم شعائر الله عز وجل ، ألا يخشى القائمون على تلك الحملات أن يكونوا بعملهم ذلك من المنفرين عن الحج والله تعالى يقول (وأذّن في الناس بالحج) ، ألا يخشى القائمون على تلك الحملات أن يكون لسان الحجّاج العائدين من المشاعر المقدسة " ياربّ توبة من ذي النوبة " !! ، لذلك يجب أن تتظافر الجهود من الجميع للقضاء على ذلك الطمع وذلك الجشع ، ويجب أن يكون لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دور فعّال في الحد من طمع وجشع أصحاب تلك الحملات ، وأن يكون لحج بيت الله مكانته العالية ومقصده النبيل دون محاولة تشويهه أو التكسب من خلاله .

منصور الغايب

2011/10/19

العزاء في سليّل الجهراء

العزاء في سليّل الجهراء

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا

حين تصل عزيزي القارئ إلى مجمع تجاري بالقرب من منتجع سياحي وترى في حديقة المجمع التجاري شباباً يقومون بعرض عضلاتهم فيما يسمى ظلما بكمال الأجسام على نغمات الموسيقى الصاخبة فاعلم بأنك في الجهراء الحبيبة وفي منتجع سليّل الجهراء بالتحديد .
القائمون على منتجع سليّل الجهراء – هداهم الله – لم يقدروا للاسم الذي يحمله المنتجع قدره ، ولم يعرفوا أنه سمي على مكان له قيمة في تاريخ الكويت ، ولم يراعوا في مبادئ الأخلاق والأعراف إلاًّ ولا ذمّة حين ضربوا بكل ماسبق عرض الحائط .
القائمون على منتجع سليّل الجهراء – هداهم الله – أرادوا أن يضحّوا قبل أن يحل عيد الأضحى خشية أن ترتفع أسعار الأضاحي ، فقدموا كبشين أقرنين أحدهما كتب عليه (الحرام) والآخر كتب عليه (العيب) وذبحوهما بسكين المجاهرة ، فأصبحوا لاهم من الذين يخافون ولا هم من الذين يستحون ، بل أخالهم كتبوا على بوابة المنتجع عبارة "اللي اختشوا ماتوا" !! .
ماحدث ويحدث في منتجع سليّل الجهراء منذ فترة ليست بالبعيدة لا يرتضيه منصف يعرف لأهل الجهراء خصوصية تمسكهم بالعادات والتقاليد وشدة غيرتهم على محارمهم ، وما حصل في يوم الجمعة الماضي ماهو إلا كالقشة التي قصمت ظهر الجمل ، فجمل روّاد سليّل الجهراء قد ضاق ذرعاً بكثرة ما حُمّل ، فالموسيقى الصاخبة التي أصبحت علامة بارزة لهذا المنتجع وما يحويه من مرافق أصبحت وسيلة طرد لا جذب لأهالي الجهراء ، بل إن تلك الموسيقى الصاخبة لا تتوقف حتى في رمضان شهر الحير والبركة بل تجدها تنافس أصوات أئمة المساجد وهم يتضرعون لله بالدعاء أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين ويقينا شرّ الفتن ماظهر منها وما بطن ، وأما التجمعات الشبابية التي أصبحت هاجساً يخيف كثيراً من العوائل ويثنيهم عن الذهاب للمنتجع دون رادع يردعهم لا من قبل رجال وزارة الداخلية ولا من قبل إدارة المنتجع ، ومعارض التسوق اللتي تتصدرها صورة الممثلات المكرّمات من قبل القائمين على تلك المعارض تتقدمهن صورة ملك الافتتاحات - اللي ما يتسماش - والتي يقوم بعملها القائمون على المنتجع أسبوعيا لتنفيع أصحاب تلك المعارض غير مهتمين بمدى تقبل العوائل لتلك المعارض التي باتت تضايقهم حين قضائهم بعض الوقت في المنتجع ، ناهيك عن أن المنتجع لا يحتوي على مسجد ولا يرفع فيه صوت الأذان ، والمصلى الموجود صغير ولا يتسع إلا لعدد قليل من المصلين ، ولولا وجود بعض المحاضرات الدينية من فترة لأخرى في القرية الترفيهية لقلنا ما رأينا فيه من خير .
لقد خاب ظن أهل الجهراء حين توسموا في منتجع سليّل الجهراء خيراً وظنوا أنه سيكون المتنفس الوحيد لهم في المحافظة بعد أن ذهبت مطالبهم بإنشاء واجهة بحرية أدراج الرياح ، فهاهم يعودون مرة أخرى للمطالبة بمتنفس يأمنون فيه على نسائهم وأعراضهم من أي مضايقة أو تحرش .
والسؤال الذي يتبادر للذهن هنا هو : لماذا الجهراء بالذات ؟! هل لأنها الحلقة الأقوى من حلقات تمسك المجتمع بعاداته وتقاليده بشهادة الجميع ، وإن كسرت فما بعدها أيسر منها ؟!
هل لأن القائمين على منتجع سليل الجهراء ليسوا من أهل الجهراء ولا يعرفون الخصوصية التي يتمتع بها أهل الجهراء ومدى حرصهم وغيرتهم على محارمهم ؟!
الجواب لك عزيزي القارئ ...
وأما الأخوة الرياضيون المشاركون في مسابقة كمال الأجسام فأقول لهم : إننا نعرف طيب مقصدكم وحسن نيتكم في هذه المشاركة ، ولكن ما هكذا تورد الإبل ، فاتقوا الله في أنفسكم ولا تكونوا أداة في يد غيركم ممن يريدون هدم الأخلاق والفضيلة تحت ذرائع شتى على رأسها الحرية في ممارسة الأنشطة الرياضية ، واعلموا أن مثل هذه الرياضات مكانها الصالات المغلقة في الأندية الرياضية .
وللأخوة الذين هبّوا لانكار المنكر غيرة على دين الله أولا ثم على محارمهم أقول : الحكمة الحكمة والرفق الرفق فماكان الرفق في شئ إلا زانه ، ومانزع من شئ إلا شانه ، وحذار أن يتسبب إنكاركم للمنكر في حدوث منكر أكبر من الأول ، واعلموا أنكم في بلد مؤسسات وقوانين ، كما أرجو ألا تشنعوا على من خالفكم الرأي في مسألة مقاطعة المنتجع حتى يعتذر لأهالي الجهراء ، وألا تجعلوا من تلكم المقاطعة حدّا فاصلاً بين الرجولة والدياثة وبين نصرة الدين وخذلانه ، واستمروا في اتخاذ موقف حازم مما حدث فإن تساهلتهم اليوم فأبشروا بالمزيد مما يسوؤكم .
ولمن شنّع على من قام تسجيل موقف حازم تجاه تلك الحادثة حتى لا تتكرر ، وتحجج بحجج هي أوهن من بيت العنكبوت ، مختبئاً خلف نصوص عامة يحفظها من الدستور ، أقول له : إن الحريات لا تعني الانسلاخ من الدين ولا من القيم ، كما أن الحريات لا تعني التعدي على حريات الآخرين بإقامة ما لايحبذون رؤيته في العراء على مرأى الجميع ، وإن الدستور الكويتي قد حضَّ على الاهتمام بالنشء والأسرة مع الحفاظ على القيم والأخلاق ، فقد جاء في المادة (9) " الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن ، يحفظ القانون كيانها ويقوي أواصرها " ، وجاء في المادة (10) " ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي " ، وجاء في المادة (49) " مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة واجب على جميع سكان الكويت " ، فهذه هي مواد الدستور الذي راعى الجانب الأخلاقي وجانب الآداب العامة ولم يهملهما .
وإني لأعجب أشد العجب من أناس تتركز عندهم الحريات في مافيه معصية الله عز وجل فتراهم يعتبرون لبس المايوه من الحرية الشخصية وفي الجانب الآخر يرون لبس النقاب تخلف ورجعية ، فأين إيمانكم الباطل بالحريات ؟! .
ختامها مسك :
قال تعالى : " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون " .



منصور الغايب

2011/10/18

شكراً "بو عسم" ...

شكراً "بوعسم" ،،،
يلتقط القلم فيتنفس المكلومون الصعداء ، يخرج سيجارته – كفاه الله شرّها - فتشرئب له أعناق المضطهدين ، يقبل فنجان قهوته بقوة ويرتشف منه خلسة بعض القهوة دون أن يشعر به الفنجان أو نشعر به نحن ، فتلوح في الأفق بارقة أمل لمقالة رائعة كان ينتظرها المظلومون ، فتلك هي طقوسه التي حفظناها منه من خلال متابعة تغريداته .
لايمسك القلم كما نمسكه نحن ، بل أخاله يمسكه كما يمسك أحد الفنانين التشكيليين ريشته ليرسم لنا لوحة لا يمكن أن نعي ما تضمنته دون أن ندخل في حالة اللاشعور ونغوص في أعماقها ونسبر أغوارها ، وأخاله أحيانا يمسكه كما يمسك قائد فرقة الأوركسترا عصاه التي ليس له فيها مآرب أخرى ، فيحركها لتتراقص الحروف وتشكل سعيدة كلمات حق بدت متآخية في أجمل جمل لتشكل أجمل مقطوعة يسمعها كلّ من لم يصمّ الباطل أذنيه .
ذاك هو المبدع " بوعسم " الذي أحببناه بهذا الاسم وسيبقى هذا الاسم عالقاً في أذهاننا حتى بعد كشفه الستار عن اسمه الحقيقي ، وكشفه اللثام عن وجهٍ طفولي ممتلئ حلماً لكنه يبعث برسالة للخصوم مفادها " اتق شرّ الحليم إذا غضب " .
يجبرنا عند الدخول إلى " سبر " أن نرفع أصواتنا قائلين ونحن ندخل بقدمنا اليمنى : السلام عليكم دار قومٍ مبدعين ، أنتم السابقون إلى الإبداع وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ،
كما يجبرنا أن نلتفت فور دخولنا لـ "سبر" جهة يمين الشاشة علّنا نرى صورته التي تبشّرنا بقدوم مولودة جديدة له فنبادره القول بورك لك في الموهوب من الابداع وشكرت الواهب الذي وهبك هذا الإبداع ورُزقت متابعتنا .
في مقاله الأخير المعنون بـ " طفل بدون طفولة " تفوق الرائع "بوعسم" حتى على نفسه حين تكلم بوجدانية بحتة ، وتقمص الدور بشكل يعجز عنه جميع الممثلين ولا أعني هنا بالطبع الممثلين على الشعوب فهم فشلة حتى في التمثيل .
قرأت مقالته المذكورة فخلته لفرط المعاناة التي جسدها لنا في مقالته لا يحمل شهادة ميلاد ويستعيضها بورقة حمراء كبيرة الحجم تسمى بلاغ ولادة تثبت أنه مولود ذكر فقط ، وخلته من هواة الهروب من الدوريات عبر الأزقة والشوارع الضيقة لأنه لا يحمل رخصة قيادة ، وخلته من هواة الجلوس على الرصيف لا للعب البلوت بل لبيع الرقي والطماطم ليسد بها حاجته فهي خير من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه ، وخلته قد تخرج من ساحات مدارس مشاعل الجهراء والطليعة والأهلية التي تعتبر المدارس الحكومية إذا ما قورنت بها فنادق ذات خمس نجوم .
كل ذلك قد يكون تبادر لذهن كل من لايعرف "بوعسم" ، وماذلك إلا بسبب المصداقية التي احتوتها مقالته وحجم المعاناة التي جعلنا نشعر بها ونحن نشاهد الصورة ونغلفها بجميل حروفه .
قد تكون حروف أصحاب القضية أكثر ألماً وأقوى شرحاً لحجم المعاناة التي يعيشونها ليل نهار ، ولكن الرائع "بوعسم" بمقالته تلك جعلنا نشعر بأنه من أصحاب تلك القضية ، فشكرا "بوعسم" لأنك أجبرت عيوننا على أن تذرف الدموع في زمن جفت فيه المآقي ، وشكراً "بوعسم" لأنك لم تبحث عن تصفيق يصم دويه الآذان بقدر ما كنت تبحث عن كلمة حق أمام إعلام جائر ، شكراً "بوعسم" لأنك جسدت لنا كيف يكون الحق واضحا في زمن الزيف وضوح الشعرة السوداء في مفرق شيخ هرم قد شاب شعره ، شكراً "بوعسم" وهذا الشكر ليس مني فقط بل هو أمانة حملني إياها جلّ من واجهتهم ممن أثرت فيهم مقالتك ، ومن لم يبح بذلك منهم فإني قد قرأته في أعينهم .
شكرا ياصديقي
منصور الغايب

2011/10/14

المواقف الثابتة محل احترام

الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أولاً وهي المحلّ الثاني
المتنبي
جميل أن ترى اهتمام البعض ممن يتبوؤون منصبا سياسياً أو منزلة دينية أو أدبية أو حتى من عامة الشعب بقضايا أمته وقضايا وطنه ، جميل أن تراه يحمل همّ مشاركة الآخرين همومهم وغمومهم ، وجميل أن تراه يمارس إنسانيته الخالية من الرتوش ومواد التجميل مع من يحتاجون إليه ، وجميل أن يحاول التخفيف عن مسكين مكلوم ومضطهد مظلوم بحسب استطاعته ، وأن يجلب بخيله ورجله من أجل أن يناصر قضاياهم الحقة ، وأن يحشد الصفوف للقيام بالمظاهرات ، ويحث الحناجر لتصدح في الندوات ، ويرفع اللافتات والشعارات ، ويكتب المقالات في الصحف والمجلات ، ويستحث المحابر ويعتلي المنابر ويحاول جاهدا رفع الظلم عن المظلوم والأخذ على يد الظالم .
كل ماذكرته آنفاً جميل ومدعاة فخر لمن يقوم به ، لكن غير الجميل أن يقتصر كل ما سبق من نصرة ودعم وتأييد ورفع للظلم وأخذ على يد الظالم على فئة دون أخرى ، وعلى قضية دون قضية ، وعلى بلد دون بلد ، لاعتبارات طبقية أو عنصرية أو مذهبية ، أو لأنها في نظره قضية ذات مكاسب محدودة ، أو لأنه يراها قضية خاسرة حتى لو كان يؤمن بأحقية أصحابها .
ذلك الكيل بمكيالين والنظر بمنظارين قد يفقد الإنسان مصداقيته في الدفاع عن بعض القضايا وقد يكشف شيئاً من قبيح وجهه الذي حاول ستره ببعض المواقف النبيلة مع قضايا أخرى ، فالحناجر التي صدحت في عديد الندوات مابالها أصابها الخرس حين احتاج إليها بعض المستضعفين ؟! ، والأقلام التي كان مدادها البحر وهي تكتب عن بعض القضايا ، مابال حبرها قد جف لقضايا أخرى حقة ؟! ، والقضايا التي رفعت غضبا للنفس ضد قنوات أو صحف أو كتّاب ، ما بالها افتقدتها ساحات القضاء انتقاما لله وانتصارا لعرض رسوله حين نال منه السفهاء ؟! ، والخطب الرنّانة التي كانت تلقى من على المنابر ويتفاخر أصحابها بقرارات وقفهم ، مابالها احتجبت حياءً حين رفعت امرأة مضطهدة تعيش بين ظهرانيهم لافتة كتب عليها " وا إسلاماه " ؟! ، وقوافل الخير التي سيرت لنصرة بعض أخوتنا ، مابالها نست أن تتوقف في محطة المساكن الشعبية في الصليبية وتيماء وملاحق بيوت جليب الشيوخ وبيوت القصر في الجهراء لعلها تسد جوع جائع أو تنفس كربة مكروب ؟! .
إن السير في طريق مستقيم بلا اعوجاج لدليل واضح على مصداقية في الطرح وثبات في الموقف واعتزاز بالرأي ، ومدعاة لاحترام صاحبه وإن اختلفت معه ، وإن السير في طريق معوجّ لدليل على اعوجاج في فهم صاحبه وانحراف في نظره ، ودليل على تلونه بحسب المصالح ، حاله كحائل القائل :
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ
وإن ألاقي معدّياً فعدناني
وإن المواقف الثابتة لا تزعزعها رياح المصالح ، والمبادئ الحقة لا تؤثر فيها عوامل تعرية الأخلاق ، والمصداقية في الطرح لا يعكر صفوها زمن الزيف ، وإن القضايا الحقة وإن بدت خاسرة فإنها هي من سيربح في النهاية وعند الله تجتمع الخصوم .
ختامها شعر :
إذا ما الدهر جرّ على أناسٍ
كلاكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
ذو الإصبع العدواني
منصور الغايب

2011/10/10

الفقير والمسكين ... مفهوم يجب أن يتغير

إذا لم تجد ما يبتر الفقر قاعدا = فقم واطلب الشيء الذي يبتر العمرا
المتنبي

لطالما أثار استغرابي تعريف الفقير والمسكين في كتب الفقه التي قرأتها أو قُرأت في حضرتي، ولطالما استوقفني ذلك التعريف كثيراً، وأخذت أقلب النظر فيه محاولاً تطبيقه على الواقع الذي أعيشه فلم أستطع إلى ذلك سبيلاً!

جاء في كتب الفقه أن الفقير هو من لا يجد قوت يومه، والمسكين هو من يجد نصف قوت يومه؛ لذلك بدأ الله عز وجل في كتابه بالفقراء قبل المساكين في الآية التي بينت مصارف الزكاة، قد يكون هذا التعريف صالحاً لمكان غير مكاننا وزمان غير زماننا، ولكنني لا أجده صالحاً لزماننا الذي أصبحت فيه الضروريات أكثر من أن تحصى، وتجاوزت فيه الحاجة مسألة الطعام وقوت اليوم.

وإنني أجدني حين أقتنع بتلك التعريفات مجبراً على أن أنادي بأعلى صوتي قائلاً: "ياقوم ياقوم! ليس في بلدي رجل فقير ولا امرأة مسكينة" ولكن هذا القول ضربٌ من الخيال.

أعتقد أن مفهوم الفقير والمسكين يجب أن يكون أشمل وأعمّ مما جاء في كتب الفقه الإسلامي؛ حتى لا يتحجج أناس بحجج واهية يبغون من خلالها أن يحرموا أناساً من تلك الزكوات والصدقات؛ ففقير اليوم يختلف كلياً عن فقير الأمس، ومسكين اليوم لا يتشابه مطلقاً مع مسكين الأمس، ففقير اليوم هو من لايجد راتباً "ميسوراً" يغنيه ولا بيتاً "واسعاً" يؤويه، فقير اليوم هو من له ولد يمدّ عينيه إلى ما في أيدي أولاد الناس من ألعاب ولا يستطيع أن يجلب له من ألعاب العصر التي تقرّ بها عينه، فقير اليوم هو من لا يستطيع دفع الرسوم الدراسية لأبنائه باكراً فلا يسلم أبناؤه من إهانات وإحراجات أمام زملائهم، قد تؤثر على تحصيلهم العلمي، ومسكين اليوم هو من لا يستطيع جعل بناته في يوم العيد كفراشات تتطاير من زهرة إلى زهرة فرحات بجديد ثيابهن وجميل تسريحتهن، ومسكين اليوم هو من أيس منه أولاده؛ فأصبحوا لا ينتظرون عودته إلى البيت محملاً بأنواع الحلوى، فهو لا يستطيع أن يعود حتى بخفي حنين!، ومسكين اليوم هو من لا يستطيع أخذ أولاده للتنزه واللعب وأكل الوجبات كحال أي طفل في بلدهم، ذاك هو فقير الألفية الجديدة، ومسكين القرن الحادي والعشرين، الذي غفل عنه تعريف الفقير والمسكين الذي ذكرته آنفا.

وإني لأعجب أشد العجب من تصرفات بعض من وُكل إليه أمر توزيع الصدقات على المحتاجين حين يجعل من المظهر الخارجي وحده مقياساً للحكم على المحتاجين؛ فتجده يحرم امرأة من تلك الصدقات؛ لأن في أصبعها الوسطى خاتماً من ذهب، لعله آخر ذكرى طيبة من زوج قد مات كان هو المعيل الوحيد، ويحرم منها شابّا محتاجاً؛ لأنه يلبس شماغ البسّام آخر بصمة، لعله هدية قريب حاجّ أو صديق معتمر، ويحرم منها رجلا كبيرا؛ لأن ثوبه حسناً ونعله حسنة والله جميل يحب الجمال، ويحرم منها من لديه سيارة جديدة، وكأنه قد أوحي إليه أنه اشتراها كاش!

والأعجب من ذلك، أن يعمد بعض من وُكل إليه أمر توزيع الصدقات أو بعض المتصدقين أنفسهم إلى تلك الصدقات، فيشتري بها طعاماً، ويقوم بتوزيعه على المحتاجين، وكأن المهمّ هو أن يملؤوا بطونهم بالطعام، فلا اعتبار لعدم قدرتهم على دفع الإيجارات المتأخرة، ولا اعتبار لرسوم الأبناء الدراسية التي أثقلت كاهلهم، ولا اعتبار لملابس أبنائهم الرثة التي لا يلبسها أقرانهم عادة، وقد يتحجج بعضهم بحجج واهية ليس آخرها بالتأكيد "أخشى إن أعطيته مالاً أن يصرفه في الحرام"!

تلك المفاهيم التي لا تتناسب مع عصرنا ومصرنا يجب أن تتغير، وتلك النظرة الضيقة لمفهوم الفقير والمسكين التي ينظر بها بعض من وكل إليه أمر توزيع الصدقات يجب أن تتغير، ومفهوم المجتمع للفقير والمسكين يجب أن يتغير حتى يأخذ الفقير والمسكين حقهما.

قبل الختام:
اللهم ارحم عبدك الشيخ مصطفى العراقي صاحب الصوت الشجي، والخلق السوي، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله.
 
منصورالغايب