2012/11/30

أمّا قبل ... أما بعد


أما قبل :
تابعت كما تابع كثيرون غيري ما حدث يوم أمس من منع الكاتبة السعودية المقيمة في دبي "بدرية البشر" صاحبة رواية "هند والعسكر" من دخول البلاد ، كما تابعت آراء الكثيرين والذين انقسموا بين مؤيد يرى أن في هذا الإجراء انتصار للعقيدة السليمة والتي خدشتها "بدرية" في روايتها "هند والعسكر" ، وبين معارض يرى أن هذا الأمر معيب في بلد المؤسسات والديموقراطية .
من جهتي أعلم يقيناً مدى ما تحمله بدرية البشر من أفكار أراها مخالفة للشريعة الإسلامية لا سيما ما ورد في روايتها "هند والعسكر" والتي فشلت فشلاً ذريعاً في تبرير ما جاء فيها من أخطاء خلال اتصالها الهاتفي ببرنامج "توك شوك" مع المتألق محمد الوشيحي وكان أجمل ما قالت هو : "أعوذ بالله أن أتطاول على الذات الإلهية" ، لكنني في المقابل أرفض رفضاً قاطعاً الانتقائية والمزاجية والفردية في اتخاذ قرارت المنع من دخول البلاد ، وما ذلك إلا لأنني أعلم علم يقين أن مثل هذه القرارات "خبط عشواء" إن أصابت اليوم من يستحقها فستصيب غداً من لا يستحق مثل هذا المنع وحينها سأكون أول المدافعين وأول والواقعين في شرّ "تناقضي" ، لذلك يجب أن يكون المنع ضمن قواعد وأسس ثابتة لا خاضعاً للمزاجية والانتقائية ، خصوصاً وأن أبواب الكويت كانت مشرعة لمن تعتبر "بدرية" نقطة في بحرهم اللجي المتلاطم بالطوام ، وما زيارة "الصدر" عنّا ببعيد .
أما بعد :
اليوم سيكون هناك "مسيرة" مشهودة بلا شكّ ، لأنها مرخّصة وتم الإعداد لها جيّداً ، ولأنها تأتي "بعد" حلقة توك شوك النارية مع مسلّم البراك والذي زأر فيها بكل ما أوتي من قوّة وبين بعضاً من تخبّطات وتناقضات الحكومة في تعاطيها مع بعض القضايا لا سيما القضايا التي يكون طرفاً فيها مسلّم البراك نفسه ليوضّح أن المقصود هو شخص مسلّم البرّاك لا شئ غيره ، ولأنها تأتي "قبل" الانتخابات ذات الشكل الجديد والمثير للجدل بيوم واحد ، ويرغب المقاطعون للانتخابات أن يوصلوا أصواتهم عن طريق هذه المسيرة "المرخّصة" لا عن طريق صناديق الاقتراع ، لذا أرجو من الله عزّ وجل أن يلهم اصحاب القرار للنظر إلى الحشود التي سيضيق بها الأفق على أنها استفتاء "غير رسمي" على مرسوم تغيير الأصوات ، لعلّ الله عزّ وجلّ أن يؤلف القلوب ويوحّد الصفوف .
قبل الختام :
في كل سنة " انتخابات" ، يرقبون بعيون ملؤها الحزن ، وقلوب ملؤها القهر ، يملكون صوت المطالبة بالحق لكنهم لا يملكون صوتاً يمكّنهم من إيصال من ينصفهم أو يساهم في إنصافهم إلى كرسي البرلمان ، فيبقون أسرى في سجون المتابعة فقط ، تطربهم وعود بعض المرشّحين ، ويزعجهم وعيد البعض الآخر ، يقلقهم الخوف ويقتلهم الحزن ، ولا يملكون حيال ذلك كله إلا الجلوس في الزوايا المظلمة والبكاء على مستقبل بلد يحبونه بكل ما أوتوا من قوة ، لكنه لا يبادلهم ذلك الحب بنفس تلك القوة ، إنّهم "البدون" .

2012/11/27

من هم الرّبِع ؟!


بعض الأسئلة تكمن صعوبة الإجابة عليها في سهولتها ، وذلك لأن الكلمات تقف حينها استحياء أو جبناً – قل ما شئت - على بوابة الأفواه حين ينتدبها سؤال هو أبسط مما نظن ، لكنّ الإجابة عليه في زمن "المطّاعات" يجعله من الصعوبة بمكان ، حتى تتبرأ منك حينها كل بنات الشفاة ، وكأن ليس بينك وبينها علاقة قط .
في ليلة ذات "جرأة"  - وأقول جرأة ولا أقول شجاعة لاختلاف المعنى في كلا المفردتين رغم تشابههما في أذهان كثير من الناس – قام شاعر "نصف شجاع" بصياغة بعض ما يتكرر طرحه دائماً على أفواه الناس بفضل ما حباه الله عزّ وجلّ من موهبة تصيّر الكلام ذهباً موزوناً ، هذا الشاعر لم يأتِ بجديد ولم يأتِ بمفيد ، وجُلُ ما فعله هو العويل على وزن التفعيلة بدلا من العويل نثراً على وضع بات من قبيل المضحك المبكي لأن شرّ البلية ما يضحك .
"لا تشتري ماطور وتجهّز خيام
دام الخلا مملوك للربع بصكوك"
نقطة وانتهى السطر ! ، هكذا ظنّ الشاعر ، بيت شعر يفوت ولا حدّ يموت ، ولكنه قد خاب ظنّه ، لأنه لم يدر في خلده بالتأكيد بأن هذه النقطة ستكون نهاية لبيته ، وبداية لخراب بيته – ربما - ، لأنها فتحت عليه باب سؤال لا يحتاج مزيد علمٍ بقدر ما يحتاج إلى مزيد شجاعة ارتدى منها الشاعر إزاره ليستر عورة جبنه ولكنه نسي أن يرتدي رداءه ، ليصبح نصف شجاع و نصف جبان في الوقت ذاته ولك عزيزي القارئ أن تنظر لأي النصفين من الجسد أردت العاري أو المستور  ، ومن وجهة نظري فإنني أرى أن الإنسان إذا لم يمتلك القدر الكافي من الشجاعة فسكونه خير له من حركة إلى الأمام سرعان ما يعقبها رجوع مخزٍ إلى الوراء ، يضيع بعدها المرء مشيته ومشية الحمامة .
"من هم الربع ؟!" سؤال بسيط جدّاً ، لكن البحث عن إجابته لا زال جارياً ، ولا بأس من الاستعانة بالعلامة "قوقل" وابن عمّه "قوقل ايرث" لأنهما من النوع الذي لا يعترف بأن من قال لا أدري فقد أفتى ، بل هما من النوع الخنفشاري مجاوب مجاوب كفرد حمزة ثاير ثاير ، ولا يوجد عندهما "لحية مسرّحة" !
كثير من الطيور المغردة حاولت الإجابة على ذلك السؤال ، بعضها حام حول الحمى على طريقة وين إذنك يا جحا ، وبعضها كانت شجاعة لكن من وراء جدر "أسماء مستعارة" ، وهي شجاعة وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع بقدر ما تكون فشّة خلق لصاحبها يعود بعدها وهو يظن بأنه قد "جاب راس الدريعي" .
لا يزال شاعرنا صامتاً ، ولا يزال السائل ينتظر جوابه ، ولا يزال الكثيرون يحاولون الإجابة عن هذا السؤال السهل "الممنوع" الإجابة عليه ، وحتى نجد إجابة لسؤال السائل "من هم الرّبع؟!" فإنه يتوجب على البعض في مكان ما في هذه المعمورة أن يأخذوا بنصيحة شاعرنا "نصف الشجاع" وأن لا يتعبوا أنفسهم بشراء ماطور وخيام ، لأنّ "الخلا" وعلى حدّ وصفه "مملوك للرّبع بصكوك" .

2012/11/23

حتى أنتِ يا سميّة ؟!


ينتابني الذهول حين أمعن النظر في بعض الأشخاص الموالين لجهة ما والذين نصبوا أنفسهم للدفاع عنها والتحدث بلسانها في كل صغيرة وكبيرة ، وسبب ذلك الذهول هو أن كل تلك الشخصيات أجد بينها قاسماً مشتركاً وهو خلوّ رؤوسهم من الحكمة والحصافة وخلو ألسنتهم من الفصاحة واختيار الألفاظ المناسبة ، ودائماً ما "تجيب العيد" وتتسبب في تأليب الناس على تلك الجهة حمقاً منها فيكونون كمن : أراد نفعاً فضرّ من غير قصدٍ // ومن البرّ ما يكون عقوقا ، وكأن تلك الجهة بالفعل قد عجزت عن إيجاد حليف أفضل من الموجود حالياً ، أو أنها تعتمد على المثل القائل : "الجود من الموجود" ، وتستعير عبارة الرمز النصراوي عبدالرحمن بن سعود رحمه الله لتقول : النصر بمن حضر .
بعض الجبناء يغريهم نوم الأسد في عرينه فينهالون عليه بالسبّ والشتم والتطاول وهو عنهم في شغل فالنوم سلطان ، ولكنهم يحكمون على أنفسهم بالإعدام "أكلاُ" حين يغريهم نوم ذاك الأسد أكثر وأكثر ليتقدم أشقى القوم فيلطمه على وجهه لطمة توجعه فتوقظه ، فيبدأ بالاقتصاص منهم واحداً تلو الآخر وعندها لن يكون الترتيب بحسب الإساءة بالطبع بل سيكون بحسب الأسمن والأكبر وزناً ولا عزاء للمربربين ، ولهذا قالوا قديماً "إيّاك أن تصفع أسداً نائماً" !
حين اختلى أصدقاء يوليوس قيصر به في قصره ليقتلوه ، وحين انهالت خناجرهم تنهش من جسده ، وحين كان يهمّ بمفارقة الدنيا على إثر خيانة أصدقاء الأمس وأعداء اليوم ، طعنة واحدة فقط من بين كل تلك الطعنات هي التي آلمته أشد الألم ، وفتكت به أشد الفتك ، إنها طعنة بروتس الذي أحسن إليه يوليوس قيصر كثيرا ، ومنحه الثقة المطلقة وأحاطه بالحب الكبير ، حتى قال يوليوس قيصر - وهو مقبل على الموت - جملته الشهيرة التي أصبحت مضرب مثل فيما بعد : "حتى أنت يابروتس" ؟! .
"حتى أنت يابروتس"؟! ، قالها يوليوس قيصر حين سقط قناع بروتس وبدا وجهه الحقيقي ، ويحقّ لكل أحد أن يقولها لمن نال ثقته وحظى بتأييده وحبّه ، لكنه في ليلة ذات غباء ، سدّد له طعنة لا سلّمه الله بعدها إن سلم منها المطعون ، وعلى الباغي تدور الدوائر .
في مضارب بني "تعس" حاولت سمية ذات يوم أن تستدرج عنترة بعبارة "اشرب ياكاويني" بعد أن هيأت له كل ما يريد من الأصفر والأحمر والاقحواني والمودماني ، لكنّ عنترة أبى لأنه أراد أن يشرب بالعزّ كأس الحنظلِ ، فأثبت لها بأنه أسد وإن طالت نومته فإنه إن استيقظ سيستيقظ أسداً ولن يصيّره طول نومه قطّاً أبداً ، وأّنه لا تغريه الملذّات ولا المكرمات ، وأن "الكرامة" والمروءة تلصق به كما تلصق البمبرة في الرخام الأملسِ ، وأن الرضوخ والخنوع يبعد عنه كبعد العبدلي عن خطّ وفرةِ ، وأن مصير كلّ من يراهن على صبر أسد مصفوع على وجهه رفسة كرفسة الحصان في بطن قطوةِ ، وأن عبارات السبّ والشتم من قبل سميّة وأشباهها لن تؤثر فيه وسيواجهها مستعيراً عبارة يوليوس قيصر الشهيرة ولكن بتهكم وسخرية هذه المرة قائلاً "حتى أنت ياسميّة"؟!

2012/11/16

اختلف معي واحترمني !


لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ
أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
المتنبي
لاتناقض إطلاقاً بين مفردتي "الاختلاف" و "الاحترام" ، وواهم من ظنّ بأن العلاقة بينهما كعلاقة الملائكة مع الشياطين إذا حضر أحدهما هرب الآخر ! ، ومخطئ من ظنّ بأن الإختلاف مع المقابل مسوّغ لعدم احترامه والتنقص منه وتسفيه رأيه وأن الاختلاف في الرأي يجب ألاّ يبقي للود بقيّة ! ، فالاختلاف في الرأي شئ والاحترام المتبادل شئ آخر ، ولعدم الاحترام أسباب كثيرة جدّا ليس من بينها بالتأكيد الاختلاف في الرأي .
من حقك أن تختلف معي في الرأي ، ولكنك يجب أن تعي أن من حقي عليك أيضاً أن تعاملني وتعامل رأيي باحترام ، وأن تبادلني الرأي بالرأي لا أن تبادلني الرأي بالسباب والشتم والتنقص وعدم الاحترام ، فالحجة إنما تقارع بالحجة والرأي إنما يواجه بالرأي وكل من عدل عن ذلك ففيه من فرعون موسى شبه حين حاوره موسى فقال له : (أولو جئتك بشئ مبين) ؟! ، فطلب فرعون حينها ما يحق له أن يطلبه وهو الحجة والدليل والبرهان فقال : (فأت به إن كنت من الصادقين) ، فلما قدم له موسى ما لديه من حجج وبراهين ومعجزات ربّانية ، عدل فرعون عن مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي – وأنّى له ذلك - إلى أسلوب التخويف والتهديد والاستهزاء والسخرية فقال : (إن هذا لساحر عليم) وقال : (لئن اتخذت إله غيري لأجعلنك من المسجونين) ، وغيرها من العبارات التي حكاها الله عزّ وجلّ لنا في كتابه الكريم ، والخلاصة أن أسلوب العدول عن مقارعة الحجة بمثلها هو أسلوب فرعوني لا يليق بمن يدّعي صبحة وعشياً أنه يحترم الرأي الآخر وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية .
تصيبني الدهشة حين أرى التسفيه وعدم الاحترام للرأي المخالف ، وتصيبني الدهشة بشكل أكبر وبصورة أعظم حين يكون هذا الرأي المخالف مبنياً على أسس شرعية وأدلة قوية مبناها الكتاب والسنّة وأقوال سلف الأمّة حتى بدأت أتيقن بأن هذا الأمر مقصود لعلم المخالفين بقوة تأثير الرأي المبني على أسس شرعية في آراء العامّة والذين وإن قصّروا كثيراً في حق الله عزّ وجلّ إلا أنهم يأرزون إلى الرأي الشرعي عند اتخاذهم القرار كما تأرز الحية إلى جحرها ، ولهذا كان تشويه هذا الرأي بصورة أكبر وبطريقة أشدّ وما الحملة التي يتعرض لها أصحاب هذا الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي إلا صورة حية من صور التشويه المتعمد لأصحاب الرأي الشرعي المخالف ، حتى أصبحنا نسمع البعض يطلق عليهم أوصاف كعلماء السلطة وأصحاب الفتاوى المستأجرة وغيرها من أوصاف دافعهم في إطلاقها هو تشويه صورة أصحابها لثني الناس عن الأخذ برأيهم لا أكثر .
اعلم – رحمك الله – بأنه ليس لأحد حق الوصاية عليك في ابدائك رأيك واتخاذك قرارك ، لذلك لا تكن ضيق الأفق وتظن أن كل رأي مخالف لرأيك سيقوم بأخذك من تلابيبك إلى حيث يريد صاحبه فتبادر إلى أن "تتغدى" بصاحبه قبل أن "يتعشى" بك هو ، فإنما هي دلالة النصح والإرشاد وعلى الله الهداية والتوفيق ، فقل ما شئت ودع غيرك يقل ما يشاء في حدود المتعارف عليه شرعاً وعرفاً فإن أعجبتك بضاعته فاشترِ منها بالقبول ما تشاء ، وإلا فإنه يسعك أن تكون من الذين يتفرجون ولا يشترون كما أنه بوسعك أن تغادر السوق باختيارك وأنت تقول لمن فيه (لكم دينكم ولي دين) ، وأما إن كنت من الباعة فاحذر أن يكون شعارك "الزين عندنا والشين حوالينا" واعلم بأن الله قسم الأرزاق ، وقسم العقول أيضاً ، وأن الناس حتى لو لم يرضوا بما قسم الله لهم من أرزاق إلا أنهم بالتأكيد قانعون بما قسم الله لهم من عقول .

2012/11/09

نيوتن ملعون الخيّر !


رجوتك مرةً وعتبتُ أخرى

فما أجدى الرجاءُ ولا العتابُ

حافظ إبراهيم

يقذف كرة اللهب من يديه بقوة كبيرة باتجاه جدار صامت اعتاد على طرق المسامير في جسده لسنوات طويلة ، مسمار يتلوه مسمار والجدار يتألم ويتوجع ولكن بصوت منخفض حتى لا يزعج ذاك القاذف ، ثمّ يتوقع احتضان الجدار لتلك الكرة الملتهبة من باب "إذا ما طاعك الزمان طيعه" ، ولكنه يفاجأ بكرة اللهب ترتد إليه بذات القوة لكن في اتجاه معاكس لاتجاهها الأول التي أطلقت منه ، لا باختيارها بل رغما عنها ، فالعقل والعلم يقولان أنها يجب أن ترتدّ ، ونيوتن - عليه من الله ما يستحق - يقول : لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومضادة له في الاتجاه .

يزينون لك فعل السوء بكل ما أوتوا من قوة ويجلبون بخيلهم ورجلهم حتى إذا ما وجدوا منك ساعة غضبة قالوا "هيت لك" يريدونك أن تفضّ بكارة العقل والحكمة فيظفروا منك بمزيد تشويه لسمعتك عبر أبواقهم الفاسدة ، لكنك تتذكر وتفكر مليّا ثم تقول : "معاذ الله" إنه وطني الذي أحسن إليّ صغيراً وينتظر مني ردة فعل حسنة مساوية لإحسانه في الحسن ومضادة له في الاتجاه ، فتهرب منهم إليه فيقدون ثوبك من دبر لأمر دبّر بليل ، حتى تصبح ولا حيلة لك إلا أن تقول : "ربّ السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه" ، فتبحث عن شاهد منصف من أهلهم فلا تجد لأن الطيور على أشكالها تقع ، ولأن هدفهم الأسمى أن تنحني لهم فتقول لسماسرتهم "أذكرني عند ربك" .

سيناريو يتجدد ، ومشاهد باتت محفوظة لكثرة التكرار ، وجمل حفظها المشاهدون رغماً عنهم ، فليس بالإمكان أكثر مما كان ، ولأن "المخرج عاوز كده" فيجب أن يحصل ما يريده ، ولأنه لا بديل لحسام حسن سوى حسام حسن كما يقول المصريون فعلينا أن نستمتع لمشهد حسام وهو "يجيب" فينا الأهداف تلو الأهداف ، موقنين من أنه في النهاية لا بد وأن "يجيب" فينا العيد ! ، ليبقى الحال على ما هو عليه وعلى المشهد أن ينتهي بالطريقة التقليدية دوماً ما لم يكن للمشاهدين رأي آخر .

فحذارِ أيها القاذف ولا يغرنّك كثرة القائلين لك بعد كل قذفة "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" فإنهم إنما أرادوا أن يخدعوك ليظفروا منك بشئ يريدونه فاحذرهم ، ولا تلعن الكرة المسكينة فإنها لاحول لها ولا قوة ، ولا تلعن الجدار المسكين فإنما هو مجموعة أحجار عرتها السنون العجاف والمسامير المؤلمة من جميع مشاعر الحب والود ، ولا تلعن نيوتن بالتأكيد فليس له ذنب في كل ما يحصل لأنه إنّما أخبرك الخبر اليقين ، وما أخبرك به ليس إلا قانونه الثالث ، ولو أنك اطّلعت على قانونه الأول الذي يقول : ( يظل الجسم على حالته الحركية إما السكون التام أو التحريك في خط مستقيم بسرعة ثابتة ما لم تؤثر عليه قوة تغيره من هذه الحالة ) لعلمت بأن نيوتن ليس إلا "ملعون خيّر" .

2012/11/02

يداك أوكتا وفوك نفخ


مخطئون هم حين أخبروك بأن النار لا تحرق إلا رجل "واطيها" ، فنار الفتنة ياعزيزي لا تعترف بهذا الأمر إطلاقاً وهي مختلفة عن كل النيران في العالم ، وهي نار تظل نائمة خامدة تنتظر من يوقظها لتبشرّه بلعن الناس له ، وهي إن استيقظت  قلبت عاليها "واطيها" ولم تكتفِ برجل "واطيها" فقط ، وهي إن أتت لا تأبه بوجود الصالحين لأنها متيقنة من كثرة الخبث الذي تسبب في ايقاظها ابتداءً .

لأننا نتجاهل دوماً بأن النار تأتي من مستصغر الشرر ، غفلنا أو قل تغافلنا عن كثير من الشرر المتطاير من هنا وهناك والذي صادف في طريقه قلوباً قابلة للاشتعال حزناً وكمداً ، وإشعال ما حولها من أجساد صيرتها الحوادث المتعاقبة والفتن المتوالية كالهشيم يقول للنار هيت لك ، ولا يرد يد "مُشعل" أبداً ، حتى أصبحنا على شفا حريق قد يخلده التاريخ كما خلّد حريق لندن ، غير أن حريق لندن كانت تجدي معه دلاء الماء ، بينما حريقنا إن حدث لا ينفع معه إلا بحرٌ من الحكمة لا تكدّره دلاء السفهاء .

على نغمة سمفونية "اللي من ايده الله يزيده" أصبحنا نرى "الديك يرقص مذبوحاً من الألمِ" ، وعلى جرّة ربابة "وعلى نفسها جنت براقش" الحزينة أصبحت براقش ولا بواكي لها ، بل تكاد تقتل نفسها من شدة البكاء والحزن ، غير أنها تسلي نفسها بقول الخنساء : "ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي" .

كأحجار الدومينو أصبح البعض يقع في مزبلة التاريخ حجراً يتلوه حجر ، تزاحموا على أبواب المصالح فنسوا أن يجعلوا بينهم مسافة كافية تجنبهم شرّ توالي الوقوع إن وقع كبيرهم الذي علمهم "النهب" ، فأصبحوا يسندونه من كل جهة لأنهم علموا أن بوقوعه يكون وقوعهم المدوّي ، وببقائه يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر أن "يطلب الله"  ويغسل يده من "نايد الناس" فضلاً عن "الرفيج الموالي" .

انا شخصيّا لا أقول أبداً بأن أصحاب الحناجر الرنّانة الصادحة ليل نهار هم الأجمل صوتاً بين مطربي بلدي ، ولكنني على ثقة بأنهم أصواتهم ليست نشازاً على الأقل ، وأنني يجب علي أن أستمع لوصلتهم الغنائية لحين انتهائها ، ثم يلزمني التصفيق لهم بحفاوة نظير ما بذلوه من جهد ، ثم أطالبهم بعد ذلك أن يعطوا الخبز لخبازه حتى لو أكل نصفه ، فنحن مشتاقون "حدّ الدعسة" لخبز لذيذ يشبع نهم جوعنا طوال هذه السنوات العجاف .

ختاماً ياعزيزي ... ألا زلت تظن بأن النار التي تريد أن تشعلها لن تحرق إلا رجل واطيها ؟! كلا والذي قال : "أفرأيتم النّار التي تورون" ، فنارك هذه إن اشتعلت فأول غذاء لها سيكون ثوبك الذي ألبسك الله إيّاه ، وحينها لن ينفعك بكاء ولا ندم ، وستتذكر حينها دعوة كل مظلوم سرت بليل ، وسنجتمع حينها حولك لا لنعزيك ولا لنصبرك بل لنقول لك بتهكم وسخرية وتقريع : "يداك أوكتا وفوك نفخ" .