2013/11/30

"ذبّان" الكثيري !

تحت رماد تناقض المواقف يُرى وميض جمر المصالح ، وبين تبدل الأقوال بلاتوضيح ؛ يتضح الارتكاز على ذاكرة الجماهير الضعيفة نسبياً ، وبين المبالغة في المدح والفجور في القدح ؛ ترقد المباديء الهلامية التي يحييها التصفيق والتطبيل ؛ ليرقص المتابع المنصف على صوت قرع طبولها مذبوحاً من ألم الحسرة .
شاعر "كثيري" يقف معتذراً أمام رئيس مجلس الوزراء السابق ، تائباً آيباً يلقي باللائمة على زمرة ضالة أضلته عن معرفة الحق حتى هداه الله ليسوق قرابين الشعر أمام الرئيس السابق علّها تشفع له ، حتى هذه اللحظة يبدو المشهد عاديّاً جدّاً ، ولا شيء فيه يثير الحفيظة ، فلكل إنسان الحق في اتخاذ الموقف الذي يتناسب مع قناعاته ، واتباع الرأي الذي يدين الله عزّ وجلّ به ، وكان أحد السلف يقول : " إني لأرى الرأي اليوم وأعود عنه غداً وأرى الرأي غداً وأعود عنه بعد غدٍ" ، ولا يعيب الإنسان كائناً من كان عودته عمّا يراه باطلاً إلى ما يراه حقّاً ، بل هذا دأب الصالحين على مرّ الأزمان ممن يعرضون أقوالهم وآراءهم كل يوم على ميزان الحق ليعرفوا مدى قربها أو بعدها عن الصواب ، ولله درّ أبي الحسن الأشعري الذي صعد على المنبر ليخلع ثوبه أمام الناس معلناً أنه خلع مذهب الأشاعرة كما خلع ثوبه .
لكن لا تغترّ عزيزي القاريء ، فالمشهد الحقيقي لم يكن بذات الجمال الذي ذكرته أعلاه ، وصوت رنين المصالح الذي كان يعلو من بين الأبيات أسمع من به صمم ، ورائحة الفجور في الخصومة مابين الشاعر وأصدقاء الأمس الذين انقلبوا عليه ليصبحوا أعداء اليوم كانت تزكم الأنوف .
نقطتان مهمتان أردت أن أتناولهما بالطرح مما قرأته بين ثنايا تفاصيل القصة أعلاه :
الأولى : أن مبدأ التزلف من أصحاب الأموال والنفوذ عبر الثناء الكاذب المتشكل على هيئة شعر وإن كان هو دأب الشعراء منذ القدم إلا أنه يفقد ما تبقى للشاعر من رصيد هيبة واحترام في قلوب متابعيه ، حتى وإن اعترفوا بشاعريته إلا أنهم لا ينكرون تذللـه وخضوعه ، وهذا يشبه قول الشاعر خلف مشعان : "من ذلّ لو قالوا سلم يبقى بنظرتهم ذليل" ، كذلك من تذلّل وإن قالوا عنه شاعر نحرير سيبقى في نظرة الجماهير ذليل ، والجماهير بدأت تمتعض وتبدي امتعاضها من هذا السلوك المشين الذي يجعل من صاحبه في عيون الناس "مسّاح جوخ" .
وإن عبارات كـ "خذني بحضنك" و "بردان" و "ياحاتم" و "الكفّ النداوية" عبارات لا يمكن أن نفهم منها إلا معاني "الشحذة" التي تسترت بوزن وقافية وهي شبيهة "بشحذة" ابن الذيب لابن مكتوم : "خذني من البدي عندك في القمارة" و "ياطويل العمر ماعندك عمارة ؟!" وقول ابن حمري : "ياسيدي سلطان لا تلحاني" ، والتاريخ يسجل وكلٌّ يقدّم ما يرتضيه لنفسه .
كما أن الشاعر أخطأ حين نال من أصدقاء الأمس ليرضي أصدقاء اليوم ، وكان بإمكانه أن يبدي اعتذاره شعراً ويسطر فيه ما دفعه للرجوع إلى الحق - من وجهة نظره - دون أن يسيء لأصدقاء الأمس ، ولكنه لم يفعل أيّاً من الحسنيين فلا سلم منه أصدقاء الأمس ولا هو بيّن لأصدقاء اليوم سبب رجوعه  وتبدّل آرائه ويادار ما دخلك "شعر" ! .
الثانية : أن مبدأ الفجور في الخصومة مع كونه صفة من صفات المنافقين كما صحت بذاك الأحاديث ، فهو أيضاً صفة لاتنفك عن النزاع السياسي في الكويت ، فكلا الطرفين لا يتورع عن استخدام كل الأسلحة المتاحة ، ولا يمانع من الضرب تحت الحزام ، وتجييش الشبيحة ليشنّوا حرباً شعواء الخاسر فيها لا يسلم على عرضه ناهيك عن أي شيء آخر ، ومن علامات الفجور في الخصومة هو ماتعرض له الشاعر الكثيري من عبارات السب والشتم والطعن في العرض مما نال من عائلته وقبيلته أيضاً لاسيما من عراة الأخلاق الذين يتسترون خلف الأسماء المستعارة التي لا تستر عورات أخلاقهم ، كما أن هذه الحادثة بيّنت لنا جليّاً أننا نتساهل كثيراً في إطلاق عبارات المدح والثناء المبالغ فيه على من يتفق مع آرائنا ابتداءً حتى نجعل منه البطل الذي لايشق له غبار أو الشاعر الذي لا يجارى نظمه أو المحامي الذي ينتصر للمباديء والقيم حتى إذا ما نكص على عقبيه رحنا نبحث عن عبارات قدح بحجم عبارات المدح تلك علّها تنسي المتابعين ما قلناه سابقاً وتستر شيئاً من عورة سذاجتنا التي تكشفت ، و "الكثيري" كان نموذجاً لهذا التخبط في المدح ومنح الألقاب فما ناله من مدح وقدح من كلا الطرفين عند مدحه للنائب السابق مسلم البراك لايقل عما ناله من قدح ومدح من كلا الطرفين أيضاً عند مدحه لسمو رئيس مجلس الوزراء السابق .
تمر الحوادث تلو الحوادث وما إن ننشغل بحادثة وتنقضي إلا ونصبح على أخرى حتى أصبحنا نكره الهدوء ونعشق الصراخ والعويل ، والأهم من هذا كله أننا مع كل حادثة يتبين لنا بأن مشكلتنا أخلاقية بالدرجة الأولى ، وأن الترسبات التي تخلقها فينا مثل هذه الحوادث لن ينتهي أثرها سريعاً ، فطوبى لمن كان له عدو منصف عاقل ولا عزاء لمن ابتلي بعدوّ فاجر لا يراعي فيه إلاًّ ولا ذمّة .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/21

ليبرالي بدويّ !

قبيح جدّا منظر السرج على ظهور البقر ، ولا يقلّ قبحاً عنه منظر الأفكار الليبرالية وهي تلحس مخّ ابن البادية ذاك الذي نشأ في بيئة محافظة ومتّزنة ورأس ماله دينه وسمعته وشرفه ، دون أن يكدّر صفو ذلك كله زحام الحاضرة واختلاط أهلها وتنوع ثقافاتهم ، وما أقذر محاولة الوصول إلى الممنوع شرعاً أو عرفاً عبر انتهاج أفكار لايبدو أن صاحبها مقتنع بها أصلاً ولكنها ليست إلا مطيّة للوصول لهدف غير سامٍ أو حقنة لإراحة الضمير مما يرتكب مملوءة بعقار "كيفي لبرالي" !
ونظراً لأنه "ياشين شيء ما يشابه أهله" ؛ نجد منظر الليبرالي البدوي قبيحاً جدّاً إذا ما قورن بجميع الليبراليين في هذه المعمورة ، فوجهه ولهجته وسحنته وآخر اسمه كلها توحي إليك بأنّه يجب أن يكون مابينه وبين ترّهات الليبراليين كما بين المشرق والمغرب ، ولكنّ حاجة في نفس "مخبول" هي التي دفعته لاعتناق هذه الأفكار التي لو نطقت لتملّصت منه وفرّت من رأسه فرار السليم من المجذوم .
نجد الليبرالي البدوي لايمارس ليبراليّته إلا خارج بيئته ومحيطه الأسري ، فكل قواعده غير قابلة للتطبيق على الأقربين الذين هم أولى بالمعروف ، ولعلّ هذا إقرار ضمنيّ منه بأن ما يحمله من فكر هو إلى المنكر أقرب منه للمعروف ، وهو يحاول أن يكون شاعريّاً أديباً رومانسيّاً يستيقظ على أصوات فيروز وأم كلثوم ، ويستلذّ بفناجيل القهوة التركية مصحوبة بأبيات نزار ومظفّر وأحمد مطر ، وينام على قرع كؤوس الشراب وعلى أغنيات عبدالحليم وعبدالوهاب ، ولكن محاولاته تبوء بالفشل دائماً وتجرّ أذيال الخيبة وراءها فكل ماسبق ليس له "معشّى" في بيئته البدوية ، ومن حوله لا يعطون "سدّاح" الليبرالية فرصة إثبات جدارته أقصد دشارته ، وكل مطربيه السابقين يتساقطون واحداً تلو الآخر أمام أغنية لمزعل فرحان أو محاورة لمستور ولايهون الميزاني ! ، أما قرع الكؤوس فلا يستطيع تطبيقه على كؤوس ملئت لبناً ! ، وتجده يحاول التعبير عما يجول في صدره بأسلوب أدبي راقٍ - بظنّه - فإذا به يرجع بسوء الأدب وقلة الحياء وسواد الوجه ، ولطالما "جاب العيد" دون أن يشعر في عبارة ظنّ أن المنفلوطي سيغبطه عليها وهو في قبره ، وتجده يفرح بزلات المتدينين ويتخيلها باباً يلج منه نحو الطعن فيهم فإذا هو بغبائه يطعن في الدين نفسه دون أن يشعر ولربما وقّع على ورقة خروجه من الدين دون أن يشعر ، وهو - الليبرالي البدوي - بكل بساطة ؛ حاول أن يكون غيرَه فعاد أسوأ مما كان ، فجعل من نفسه أضحوكة يتابعه الآخرون ليضحكوا عليه وليحمدوا الله على نعمة العقل والهداية في حين لايفرق هو لغبائه المفرط بين من يضحك له ومن يضحك عليه .
في كتابه "محاولة ثالثة" لخّص الكاتب محمد الرطيّان حياة الليبرالي البدوي بسخرية في مقال احتواه ذلك الكتاب عنون له بـ "مذكرات داشر سابق" ليتحدث فيه عن "الداشر" السابق والليبرالي الحالي "دحيّم" والذي وصف فيه بداية اعتناقه لليبرالية بعد اعتناقه لكثير من الأفكار قبل ذلك فقال : "وفي ليلة ليلاء غاب فيها القمر النجدي ، وهبّت فيها رياح غربيّة غريبة ، اجتمعنا في إحدى الاستراحات ... دون أن نشعر أصابتنا الحساسيّة الجديدة ، ولفرط ما أصابنا من هذه الحساسية السياسية أخذنا نهرش ونهرش ونهرش ، حتى وصل الهرش إلى المخّ ، فتفتّق الذهن عن فكرة جديدة ، وفجأة ... تلبرلنا ! " .
هذه باختصار طريقة اعتناق الليبرالي البدوي لليبراليّة والتي كانت مرحلة لما بعد الدشارة التي تلاها الهرش ، والتي استطاع أن يمارس فيها دشارته ذاتها ولكن تحت مسمى "ليبرالي" و "مثقّف" ، ليجد من يصفق له ويضحك له لكنهم بالتأكيد أقل بكثير ممن يصفق يديه أسى على حاله ويضحك عليه .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/19

استمتعوا بالموت !

في خضم المعاناة التي عاشها ويعيشها المواطن الخليجي في المملكة العربية السعودية والكويت جرّاء الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال اليومين الماضيين والتي لم تجد لها مصرفاً يكفيها فقررت أخذ جولة في الشوارع والساحات إلى أن تجف على راحتها وعلى أقلّ من مهلها ؛ يطلّ من نافذة تويتر "مغرد مشهور" يحظى بعدد كبير من المتابعين وبعدد قليل من كرات الدم الحمراء في وجهه ؛ ليضع صورة لمواطن إماراتي يمارس هواية ركوب الجت سكي في شوارع عجمان فرحاً بالسيول والأمطار - على حدّ وصفه - ويذيّلها بعبارة مفادها استمتعوا بالسيول بدلاً من التحلطم على البنى التحتية في بلدانكم .
أتفهم تماماً موقف ذلك المغرد لأنه ينطلق من منطلق شرعي وهو عدم استغلال مثل هذه الكوارث في تأليب الناس على ولاة الأمور لأن هذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة ولكنه أخطأ تماماً في التعبير هذه المرّة  فهذا لايعني إبداء الامتعاض من الوضع المزري الذي وصلت إليه دولنا مع مقدرتها على أن تكون أفضل حالاً مما هي عليه الآن لو تخلصت من الفساد المالي والإداري المسيطران عليها ، وهذه المقدرة الهائلة لا تخفف من لومنا لها بل تزيده كما قال الشاعر :
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمامِ
ولو أنا صاحبنا طالب متابعيه تصريحاً بما يريد بدلاً من استخدام عبارة استمتعوا لكن خيراً له وأكثر احتراماً لعقول الآخرين ، ولو أنه انطلق من منطلق ديني بتذكير الناس بالدعاء في هذه اللحظات التي يستجاب فيها الدعاء بدلاً من العويل الذي لن يجدي شيئاً ، أو خوّفهم بآيات الله عز وجلّ الكونية وجنوده التي لا يعلمها إلا هو سبحانه ليعودوا إليه ، أو ذكّرهم بالسنن الواردة في المطر من دعاء نزول المطر وغيره لعذرته ، ولكنه لم يترك لي مجالاً لالتماس العذر له حين طالب الناس بالاستمتاع - على حد تعبيره - بالسيول على غرار ما فعله ذلك المواطن الإماراتي .
استمتعوا - رحمكم الله - كما أمركم - حفظه الله - وأنتم ترون مياه الأمطار تغزو بيوتكم وتتلف أثاثكم وممتلكاتكم ، استمتعوا - رحمكم الله - وأنتم ترون سياراتكم تجرفها السيول ، استمتعوا - رحمكم الله - وأنتم تسمعون أخبار الموتى غرقاً ممن جرفتهم السيول وتسألون الله العلي القدير ألا يكونوا من أقربائكم ، استمتعوا - رحمكم الله - وأنتم تشاهدون الموت يجوب شوارعكم على هيئة مياه غاضبة ، استمتعوا - رحمكم الله - وأنتم تموتون أيضاً ، وابتسموا حال موتكم حتى إذا ما وجد أقرباؤكم جثثكم قالوا : مات مبتسماً - رحمه الله - من شدة الاستمتاع .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/16

الراسبون في اختبار الرميثية

في هذه الحياة ؛ كثيرون يدّعون الذكاء والفطنة ، والحرص على النفس وصونها عن الخطأ ، والالتزام بخط السير الذي يرتضيه الإنسان لنفسه ، والمواظبة على أداء الواجبات المنوطة بهم مما يجعلك تظنهم من الفائقين المتميزين عن أقرانهم ، ولكنهم - ومع الأسف - يرسبون في أول اختبار لكل ادّعاءاتهم السابقة ويغرقون في شبر ماء تناقضهم الممجوج لتسقط عنهم ملابس الكذب والزور التي يلبسونها فتظهر لنا عوراتهم واضحة جليّة ، ولا تنفعهم بعدها محاولة سترها بأوراق أشجار أعذارهم الواهية .
أحداث البارحة التي جرت في الرميثية - بغض النظر عن كل شيء - لم تكن من وجهة نظري سوى اختباراً قصيراً فاجأ به المعلّم طلّابه المتحذلقين الذين كانوا يتباهون أمام أقرانهم بشطارتهم وتفوقهم ، والاختبار رغم قصره وسهولته إلا أن عدد الراسبين فيه كان مهولاً جداً ولم ينجح فيه سوى من صمت وقدّم ورقة الاختبار فارغة إلا من عبارة "اللهمّ سلّم سلّم" .
البارحة اختلطت الأوراق وطاشت العقول وسقطت الأقنعة وتبدلت الشعارات ، فالذين كانوا يفرحون بضرب القوات الخاصة لمسيرات كرامة وطن واعتصامات السفارات ويرونها تخل بالأمن ؛ رأيناهم يؤيدون بل ويحضرون مسيرة قامت لغرض طائفي ، ويكتوون بنار القنابل الدخانية التي أضحكتهم سابقاً ، والذين كانوا ينتقدون اعتصام مقاهي الفساد في الجهراء بحجة أن أسبابه دينية وأن قضايا الوطن أهم رأيناهم البارحة يصفقون لمن خرج في مسيرة لغرض ديني - من وجهة نظر من خرج - وليس لأجل قضايا الوطن فما الذي تغير بالله عليكم سوى أنهم ظنوا أن مثل هذه المسيرات قد تخدم توجههم ، ورأينا ثلّة من شباب الحراك ممن يدّعون الإصلاح ومحاربة الفساد يتنادون بسخرية ومن باب مزح برزح بـ "ولّعها شعللها" في مشهد يعكس قلة وعي هؤلاء الشباب بنتائج الأمور وما سيؤول إليه الحال فيما لو ولعت وشعللت فعلاً ، كما رأينا بعضهم يتحول فجأة ويتقمص دور مباحث أمن الدولة عن طريق نشر تغريدات لمغردين فسروها على أنها مسيئة للذات الأميرية وهم الذين كانوا ينتقدون مثل هذا التصرف وينتقدون تفسير النوايا سابقاً ، ورأينا بعض من كان يضرب الوحدة الوطنية في مقتل عن طريق ضرب القبائل ومكونات المجتمع يتباكى البارحة - بعد غياب - على إثارة مثل هذه النعرات وكأن ما كان يقوم به سابقاً عمل وطني جليل، ورأينا بعض القنوات التي كانت تحارب كل مسيرة يقوم بها شباب الحراك سابقاً تقوم بنقل حيّ ومباشر لتلك المسيرة ، ورأينا بعض النواب الذين مارسوا هوايتهم المحببة وهي التكسب كيف اشتاطوا غضباً من أجل كيربي تم هدمه ولم يؤثر فيهم عشرات الألوف من البشر الذين يعيشون في بيوت أغلبها من الكيربي في تيماء والصليبية ، ورأينا بعض أصحاب اللحى ممن أطلق للسانه العنان غير آبه بما يقول متناسياً أن للكلمة خطراً كبيراً على المجتمع وأن الفتنة النائمة قد توقظها كلمة حقّ يراد بها باطل ! .
مصيبة عظمى حين يفعل اختبار "فتنة" قصير كل هذا ، وطامة كبرى حين يثور مجتمع كامل من أجل أي سبب ليتبادل التهم ويتراشق الشتائم ، وكأنه يبحث عن جنازة "فتنة" يشبع فيها لطماً ، ولكننا لا ننكر أيضاً أن مثل هذه الأحداث مفيدة جداً لنا لأنها تساهم في سقوط الأقنعة الزائفة وتهافت الشعارات الكاذبة لتمحص المجتمع من كثير من الذين يقتاتون على مثل هذه الأحداث ولتبين لنا مدى هشاشة "عظام" هذا المجتمع الذي ربما - وأقول ربما - إن لم تتم معالجة هشاشته سريعاً سيصاب بكسر في عموده الفقري .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/10

ولادة فرج ...!

كان يقضي تلك الساعات الصعبة بين ذهاب وعودة أمام باب غرفة العمليات مطرقاً رأسه وكأنه يقوم بعدّ بلاط الممرّ واحدة واحدة ولا يرفع رأسه إلا ليلقي نظرة على ساعة الحائط المعلقة ليعرف كم مضى من عمره وكم بقي من صبره !
كل ما سبق هو الشيء الوحيد الذي كان يبدو لكل من كان يعاين ذلك المشهد فلم يكن يبدو من الرجل إلا قلقه وذهابه وعودته في الممر ونظراته لعقارب ساعة كأنه يخشى أن تلدغه ، لكن شيئاً آخر كان يحمله ذلك الرجل ولم يكن يبدو للأخرين ؛ إنه ذكريات عام كامل كان قد مرّ به من لدن قراره الزواج وحتى صراخ زوجته الحامل نتيجة آلام حادة في بطنها قرر على إثرها الطبيب إجراء عملية قيصرية لها ، عام كامل يمرّ الآن في مخيلته بمرّه ومرّه إذ لاحلو فيه وكأنه قام بعمل رجيم ضد السعادة فتجنب اللحظات الحلوة ! ، عام كامل من المشاكل الزوجية المتشكلة نتيجة الفقر والعوز والعجز أمام طلبات زوجة عاشت في بيت فقير مع والد فقير تشبثت في أول زوج تقدم لخطبتها ظناً منها أنه سيكون طوق النجاة الذي سيصل بها إلى بر الغنى ، ولكنها انصدمت بفقر لا يختلف كثيراً عن ذلك الفقر الذي عاشت في كنفه منذ الصغر فباتت تخلق المشاكل تلو المشاكل فلاشيء في بيت الزوجية يستحق أن تحافظ عليه ، عام كامل يمر في مخيلته منذ معاناة أول حصوة إيجار لشقته الصغيرة وحتى أصبحت تلك الحصى بعد تجمعها جبلاً من المشقة يقبع على كاهله ، وعام كامل من العمل الشاق المتعب الذي يبدأ منذ الصباح وينتهي بعد المساء والذي لم يكن ليقبل به لولا خطوته غير المدروسة لدخول القفص وقبوله الزواج ، عام كامل قضى أغلبه في مراجعات للحصول على حكم من المحكمة بإثبات زواجه وكأنه قد واقع زوجته على قارعة الطريق كما يفعل الساقطون ، عام كامل من التفكير في المستقبل والخوف من المجهول، عام كامل قضى أشهره الأولى في التفكير بعدم الإنجاب حتى لا يجني على أحد بعده وحتى لا يُرزق بطفل تبدأ أولى خطوات معاناته مع استخراج شهادة ميلاد له ، عام كامل من الركض خلف سراب المانشيتات والجري خلف مواعيد عرقوب والتي لم يكن ليأبه بها لولا كونه ربّ أسرة كما يصفونه ، عام كامل كانت بدايته في ديوانية متهالكة لعقد قران على يد شيخ مسجد بعشرين ديناراً وهاهي نهايته تتمثل في الوقوف بقلق أمام باب غرفة العمليات في انتظار الخبر ، وكأنه وعلى غرار الأفلام المصرية حين كان الدكتور يخرج من غرفة العمليات ليقول للأب "إحنا اضطرينا نضحي بالجنين عشان الأم تعيش" كان يتمنى أن يحضر إليه الدكتور ليقول له "إحنا اضطرينا نضحي بالأم والجنين عشان الأب يعيش" ! ، ولكنه في لحظات قلقه ذاك تأتيه البشارة من الممرضة : "مبروك جالك ولد ... حتسميه أيه ؟!" فيرد وهو مطرق رأسه : سمّوه "فرج" !


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/01

كنوز في سلّة المهملات !

وماللمرء خير في حياةٍ
إذا ماعُدّ من سقطِ المتاعِ

قطريّ بن الفجاءة

كثيراً ما نستغني عن أشياء ثمينة نجهل أو نتجاهل قيمتها الحقيقية ، ولطالما قاومنا رغبتنا بالتخلّص من أشياء هي عديمة النفع لنا من وجهة نظرنا عن طريق الصبر على الاحتفاظ بها وتخزينها لعلّنا نقتنع بمدى نفعها لنا وأهميّتها لدينا ولكن بلاجدوى ، حتى تجدنا نلقيها في أقرب سلّة مهملات مع أول لحظة نضيق بها ذرعاً من كثرة الأشياء المخزّنة لدينا دون أن نستفيد منها ، لنعقد حينها جلسة مفاضلة بين تلك الأشياء لاختيار الأول ولوجاً منها لسلّة المهملات وأحيانا وعلى طريقة "خلالات العبد" تجدنا نستغني عنها جميعاً دون أن نشعر لتمتلىء سلّة المهملات لدينا بما لا يعني شيئاً بالنسبة لنا ولكنه قد يشكّل كنزاً ثميناً لدى الآخرين وحينها نضرب أخماساً بأسداس ونحن نرى مهملاتنا تتحوّل إلى ذهب خالص في أيدي الآخرين ولاتَ حين مندم .
هذا هو بالضبط ما تقوم به الكويت مع كثير من المبدعين والعباقرة والموهوبين والمتميزين في شتى المجالات من البدون حين تلقيهم في سلّة مهملاتها غير مبالية بهم لأنها تراهم في عين البصر لا البصيرة عديمي الفائدة مرتزقة لا ولاء لديهم همّهم الأكبر المشاركة في خيرات البلد ، حتى إذا ما أتت دولة أخرى لسلّة المهملات تلك واختارت منها ما يناسبها وبأقل تكلفة بل وبالمجّان أحياناً لتستفيد منه ولتعيد صياغته من جديد لتضع بعد موهبته أو حرفته تلك اللقب الجديد ليسمى حينها بـالشاعر "السعودي" و اللاعب "القطري" والبروفيسور "الأمريكي" والمستشار "الكندي" والدكتور "البريطاني" وهكذا ... على مرأى ومسمع من بلدهم الأم الذي لم يؤمن بموهبتهم وألقاهم مختاراً في سلّة مهملاته .
قد يغضبك هذا الوصف أخي البدون وقد تراه قاسياً بعض الشيء ولكنه والحق أقول لن يكون أقسى من الظروف التي يتعرض لها البدون كل يوم في هذا البلد الذي يقابل العطاء بالجحود ويقابل التضحية بالنكران ويقابل الولاء بالتسفيه ويقابل المحبة بالمضايقة والعشق بالتطفيش ، فقل لي بالله عليك أيهما أقسى ؟! .
كان البدون ولا يزالون كنوزاً قيّمة الثمن احتضنتها سلّة مهملات الوطن الذي لم يؤمن بما لديهم حين راهن الآخرون عليهم ليكسبوا الرّهان وليرفعوا رايات تلك البلدان التي آمنت بما لديهم عالية خفّاقة وليحققوا لها المكاسب تلو المكاسب ولو التفتنا لماحولنا من بلدان شقيقة لوجدنا أن غالبية المبدعين والمتميّزين فيها هم من أبناء هذا. الوطن الذين كانوا حبيسي سلة المهملات ، وإن أكثر المستفيدين بالطبع من هذه الكنوز هم الجيران السعوديون وكما قال الأستاذ محمد الوشيحي سابقاً "عليهم بالعافية" .


منصور الغايب
@Mansour_m