2013/05/31

قيدٌ أمنيّ احترازيّ !


قد هوّن الصبر عندي كلّ نازلةٍ
وليّن العزم حدّ المركب الخشنِ
المتنبي

عش رجباً ترَ عجباً ، وأيّام الكويتيين البدون من حيث الأعاجيب كلها رجب ، ومطالبهم الحقّة لازالت منذ عقود طويلة ملقاة في غيابة جُبّ الإهمال تنتظر أن يلتقطها بعض السيارة الذين لم يجد الكيل بمكيالين إلى قلوبهم طريقاً ، ولم يجد النظر بعين واحدة إلى عيون بصائرهم سبيلاً ، وينظرون للإنسان كإنسان بعيداً عن مباديء التكسب والمنفعة ، ولكن مع الأسف يبدو أن كل هذه المطالب بيعت قبل التقاطها بتهاون بخس ولا مبالاة رخيصة ، وليت الذي اشتراها أكرم مثواها ، بل نراه يسيم أهلها سوء العذاب النفسي يوماً بعد يوم ، ويتفنّن في التلاعب بعواطفهم ومشاعرهم ليجسّد واقعاً حيّا ( من فرعنك ؟! قال : ما لقيت أحد يردّني ) ، وليريهم كل يوم من عجائب رجبهم التي لا تنتهي .
يطلّ علينا سعادة الوزير الموقّر ليزف لنا خبراً مفاده أن القيود الأمنية الموضوعة على فئة ليست بالقليلة من الكويتيين البدون هي إجراء احترازي ليس إلا ، لأنّ النفس البدونية والله المستعان أمّارة بالسوء أكثر من غيرها والحذر منها واجب ، ولأن البدون لا يؤمن جانبهم حتى مع إثبات أنهم الأقل عنفاً والأكثر التزاماً بالقوانين رغم توفّر دواعي الانحراف والجريمة لدى أكثرهم ، وتقييدهم بهذه القيود الاحترازية التي دمّرتهم لاشكّ بأنّه عمل وطنيّ يشكر عليه سعادة الوزير الذي اتّخذ شعار (البدون اللي ممكن تجيك منّه الريح حط له قيد احترازي واستريح) !
أعمار تضيع هدراً ، وأحلام تسرق ، وطفولة تُغتال ، ومواليد بلا شهادات ميلاد ، ووفيات بلا شهادات وفاة ، وشباب بلا عمل ، وأسر تعجز عن دفع إيجارات مساكنها ، ونساء فاتهنّ قطار الزواج وتبخرت أحلامهن بسماع كلمة ماما ، وكبار سنّ ماتوا غيظاً وكمداً وحزناً على مستقبل أبنائهم ، وحرمان يتلوه حرمان ، وظلمٌ يعقبه ظلم ، وكل هذا بسبب قيود أمنية احترازية كما أسماها سعادة الوزير الموقّر ، فياالله ... كم بقي في رجب البدون من الأعاجيب ؟! .
يوماً بعد يوم يتكشف للجميع بأن أكذوبة القيود الأمنيّة هي من صنيعة القائمين على هذا الملف منذ فترة ليست بالقصيرة ، وأنها ليست إلا ذريعة يتذرعون بها كلّما طولبوا بحلّ هذه القضية العالقة منذ عقود ، وأن رفضهم بتحويل الأمر برمّته إلى القضاء يأتي ليقينهم بأنهم خاسرون لا محالة ، وأنّهم سيعودون من ساحات القضاء بيدٍ خالية وأخرى لاشيء فيها ، فهاتِ ما عندك يا رجب البدون هاتِ ، فإنّا لأعاجيبك منتظرون ، وعلى الله متوكّلون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون .

2013/05/18

قصة معاناة قصيرة

تعرف بأنك قد وصلت من الحزن غايته حين تغبط من حولك على ابتساماتهم الصادقة وضحكاتهم الخارجة من أقصى قاع القلب وكأنها تنبئ عن قلب خالٍ من الهموم وبالٍ مرتاح من أي شيء إلا من الانشغال بكيفية قضاء الأوقات في السعادة ، فتضطرّ أن ترقص أمامهم مذبوحاً من الألمِ وأنت تردد في داخلك " أضحك مع اللي ضحك والهمّ طاويني" .
وتعرف بأنك قد وصلت من الضعف غايته حين تصبح دون أن تشعر ودون أن تختار مثاراً للشفقة وموطناً خصباً لتعاطف الآخرين لتتيقن حينها رغم نواياهم السليمة بأن الآخرين هم الجحيم كما يقول سارتر وكيف لا وهم يقتلونك ألف مرّة بنظرات التعاطف والشفقة تلك والتي قد لا تخلو أحياناً من عرض خدمات كاذب ما أطلقه صاحبه إلا من باب "أنا خويّك بالليالي المعاسير" ليظفر منك بكلمة "ونِعم" .
وتعرف بأنك قد وصلت من البخل غايته حين تعجز حتى عن تقديم ابتسامة صغيرة لابنك الذي شارف على بلوغ عامه الرابع بشهادة ميلاد عمرها سنتان ، لترى في عينيه قصة أعوامك الممتلئة حزناً وبؤساً ، وكأنك لاعب في ملعب المعاناة قد استنفد كل طاقته وصبره وبات قريباً من الإصابة بشدٍّ (عصبيّ) يردد معه مراراً وتكراراً يامثبت العقل والدين ياربّ ، ويخشى صيحات استهجان الجماهير وضحكاتهم فيردد داعياً "ياالله صبّرني على الأرض لاطيح"  ، وينظر باستمرار ناحية دكّة البدلاء الذين هم من صلبه لعلّ أحداً منهم يقفز ذات غياب وعي وحضور طنخة فيقول : أنا لها أنا لها ! ، ليكمل مسيرة المعاناة قبل نفاد دقائق الحياة .
وتعرف بأنك قد وصلت من العجز غايته حين يكون النوم هو المكان الوحيد الذي تعانق فيه أحلامك وتراها تتحقق كما تريد أنت ، تكبر أمام عينيك ترعاها بابتسامة وتحيطها بفرح حتى تؤتي أكلها في حضرتك وتتمنى أن يحصل ذلك كله قبل لحظة إيقاظ لا تراعي فيك إلاًّ ولا ذمّة ، ويكون العجز قد بلغ منك مبلغاً حين يجبرك على استجلاب أحلامك معك من بلاد الأحلام إلى بلاد الواقع التعيس لتعيش أحلام يقظة تصيّر منك مجنون "ليلة" عجز تحدّث فيها نفسك وتدخل معها في نقاشات تبدأ ولا تنتهي وتخشى بذهاب أحلام اليقظة تلك أن تذهب بما تبقى لديك من رصيد عقل ربما لايختلف كثيراً عن رصيدك المالي .
وتعرف بأنّك قد وصلت من التشاؤم غايته حين يكون دافعك الوحيد للتفاؤل هو يقينك بأنه لا شيء أسوأ من اليوم فحتماً سيكون الغد أفضل ، وهذا وإن كان في ظاهره تفاؤلاً إلا أنه في حقيقته تشاؤم قد جاوز القنطرة .
وتعرف حين تصل إلى هذه الفقرة بأنك قد قرأت قصة معاناة قصيرة بل قصيرة جدّاً لآلاف من البشر يعيشون حولك ربما كنت قبل هذه الأسطر لا تشعر بهم .

منصور

2013/05/07

ألا قبرٌ يُباع فأشتريهِ ؟!


لم يدر في خلده يوما أن يكون وطناً لقضية وقضية لوطن ، ولم يدر في خلده يوماً أن يكون ورقة توت تسقط لتكشف عورة المدّعين الذين يغضبهم خدش في دستور ولا يلتفتون لطعنة في خاصر مظلوم ، ولم يدر في خلده يوماً أن أحلامه في الحصول على وطن ستتضاءل رويداً رويداً حتى تختزل في الحصول على قبر بحجم متر معاناة في متري حرمان ، ليجسّد لنا بيت سعد علّوش واقعاً حيّاً  : أبي ليامن متّ يعطوني قبر .
عادل العنزي الذي غادر وطنه - الذي لفظه حيّا - بقلب مقبل على وطن جديد يتساوى فيها الغني والفقير والشريف والحقير في الحقوق والواجبات ، وطن تخرج فيه من بيتك مقبّلاً أولادك وأنت مطمئنّ على مستقبلهم ، وطن تعود فيه إلى بيتك وبإمكانك أن تحمل في يدك ما تسعد به أطفالك بدلاً من أن تقابل عيونهم العطشى بعيون لاشيء فيها سوى الأسى والحزن ، وطن يشاطرك أفراحك ويواسيك حال أحزانك ، وطن يحتضنك حيّا وميّتاً ، وطن يضمن لك قبراً بعد مماتك .
عادل العنزي الذي أعاشوه في وطنه ميّتاً ، ثمّ رفضوا أن يموت فيه ليعيش كذكرى أليمة في قلوب أهله ، عادل لم يرد أكثر من شخص "عادل" يحمل ملف قضيّته ، وينظر إليه كصاحب حقّ ، ولم يرد أكثر من شعب "عادل" ينظر إليه كفرد من أفراده لا كدخيل يقتنص الفرص للانقضاض على خيرات البلد ، شعب ، ينتفض من أجل الإنسان والإنسان فقط بعيداً عن أي رتوش ، ولم يرد أكثر من سياسيّ صادق يذود عن قضيّته بدلاً من أن يتكسب من خلالها ، ياااااه كانت مطالبه بسيطة جدّاً وهي اليوم أبسط فهي لا تتعدى رغبته في الحصول على قبر .
ذهب عادل وبقي جثمانه لمن بعده آية ، ذهب عادل وحتى كتابة هذه الأسطر لم يجد له قبراً في وطنه ، ولكنه بالتأكيد وجد قبراً لوطنه في قلبه ، هاهو جثمان عادل ينتظر قراراً ممن بيده القرار ولو نطق لقال : "ألا قبرٌ يُباع فأشتريهِ ؟!" .