2012/06/30

طوفان جاي من عند الله !


لا عدا الشرُّ من بغى لكما الشرَّ

وخصَّ الفسادُ أهلَ الفسادِ

المتنبي

في مسرحية (غربة) وقف المختار المتسلط الظالم المستغل لأبناء (الضيعة) والذي يعمد على إغراقهم في الجهل والفقر والبطالة لأنه يؤمن بمقولة روزفلت : (إن الجهل والبطالة هما الركائز الأساسية التي تبنى عليها الأنظمة الديكتاتورية) ، وقف يوجه خطاباً إلى شعبه المسكين والذي جاء إليه يشكو من الفيضان الذي يدمر محاصيلهم الزراعية في كل عام مع مطالبتهم المستمرة للمختار بأن يضع سدّا يحمي المحاصيل ، فما كان من المختار الظالم إلا أن أجاب بجواب يخجل منه إبليس حين قال لكبيرهم : ( لا لا ، لا تكفر يا إبني ،هذا طوفان جاي من عند الله ، كيف بدّي أحط بوجهه سدّ ؟! ) ، فما كان من كبيرهم إلا أن استغفر وتاب .

بمثل هذه العقليات ربما تدار الأمور في بعض البلدان وقاعدة (اللي يجي من الله حيّاه الله) هي السائدة ، وكلمة (خيرة) أصبحت ذريعة يتذرع بها المقصرون بدلاً من أن تكون كلمة للتصبير واحتساب الأجر بعد جهد وعمل مضنٍ لم يسعف للوصول إلى المراد لحكمة اقتضاها الله ، ويبدو أنه من المعيب أن نعالج الفساد الإداري والمالي المتفشي لأنه شئ كتبه الله علينا ، بل يجب علينا أن نكيف أنفسنا مع هذا الفساد ونتأقلم معه حتى يأتينا زمان نستغرب فيه وجودَ المصلحين .

كما أننا يجب أن ننظر إلى نصف الكأس المملوء – زعموا – حتى لو كان قد ملئ سمّا زعافاً ، فبهذه الطريقة نكون إيجابيين – يخزي العين – ولا ننتبه لحجم الفساد الذي يغطي عين الشمس ، فيجب أن نحمد الله أن وهبنا مجلس قبيضة لنميز الخبيث من الطيب ولنعلم أن اليد العليا خير من اليد السفلى وفي كلٍّ شرّ ، ونحمد الله أن مستشفياتنا هجرتها ملائكة الرحمة لتستقر فيها ملائكة الموت حتى نعيش لدنيانا وكأننا نموت غداً ! ، ونحمد الله أن نوابنا دائما يريدون الخير ولكنهم لا يبلغونه فنعذرهم ونصفق لهم وننسى وعودهم ، لنتأكد من صحة مقولة (كم من مريد للخير لم يبلغه) ، ونحمد الله أن نصف الشعب مديون لنأخذ من أموالنا صدقة فنردها إلى فقرائنا حتى نتعلم كيف يكون دهنّا في مكبتنا ، ونحمد الله على غلاء الأسعار المصاحب لارتفاع الرواتب لنعلم ماذا قصد الأولون بقولهم (خوذ من كيسه وعايده) ، ونحمد الله على وجود (بدون) يعانون ويقاسون ويستظلون بظل الأشجار من شدة الحر وهم يبحثون عن قوت يومهم عند الدوارات وجدران المدارس في بلد المليار (برميل) لنعلم أن الله عز وجل خلق وفرق وأن العين لا تعلو على الحاجب وأن الله رفع بعضنا فوق بعض درجات ليتخذ بعضنا بعضاً أرباباً ، فبهذه الطريقة تصبح البلد في أعيننا يانعة مخضرّة ، ويتحول هذا الغبار إلى أمطار ، وتلك الكثبان التي تغزو الشوارع إلى ثلوج يتلاعب بها الأطفال ، ويصبح الفساد من حولنا تبصرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، ونكثر من قول : (ياالله لا تغيّر علينا) ، ونقتنع فعلاً بأن هذا الطوفان جاي من عند الله .. فكيف بدنا نحط في وجهه سدّ .. كما قال المختار لا فضّ فوه .

2012/06/22

نايف والجبال النايفات


أنام ملء عيوني عن شواردها

ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ

المتنبي

بمثل ذلك البيت وأشباهه يحق لنايف بن عبدالعزيز رحمه الله أن يتمثل ويستشهد ، فقد أغمض جفنيه رحمه الله وصار إلى جوار ربه الذي يعلم خافية الأعين وما تخفي الصدور ، وانتقل من دار الدنيا إلى أول منازل الآخرة ليقابل ربّا حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرّما .

ولي العهد السعودي الذي وافته المنية يوم أمس له مناقب جمّة لا تحصى ، ومواقف عظيمة لا تنسى ، ومآثر كريمة ستبقى بعده تروى ، قهر أعتى موجة للإرهاب في المنطقة حين ضرب بيد من حديد ، وتصدى لأقوى هجمة شرسة لو وجّهت تجاه أي دولة أخرى من دول المنطقة لدمرتها ، ولكن الله حين أراد لها أن تموت في مهدها جعلها تتجه في بدايتها صوب بلاد الحرمين لتجد أمامها باباً موصداً بإحكام اسمه نايف ، باباً تسلّح بالقرآن والسنة والذب عنهما ، وتقوى بصحبة العلماء وطلبة العلم والذب عنهم ، فكان خير معين لأهل الخير على المضي قدماً في نشر الخير .

توفي نايف بن عبدالعزيز فرأينا الفرح الظاهر في عيون ، والفرح المشوب بمكرٍ في عيون أخرى ، ورأينا الحزن الواضح في عيون ، والحزن المتصنع المتكلف في عيون أخرى ، وكل ذاك إنباء وإخبار عمّا حاك في الصدور ، ولله در من قال : ما أضمر إنسانٌ شيئاً إلا وأظهره الله على فلتات لسانه وجوارحه ، فما أكثر فلتات الألسن وسقطات الجوارح ليلة البارحة ، ولله درّ نايف بن عبدالعزيز كشفهم حيّا وميّتا .

بعض الناس قد لا تكون ممن سبر حاله في حياته ، وقد لا تكون ممن يحمل له حبّا كبيراً له في قلبك ، ولكنك ما إن ترى فرح البعض بموته ممن تعرف طريقهم ومسلكهم واعتقادهم ومنهجهم ، إلا وتتيقن بأن هذا الشخص الذي قد مات يكون على نقيض منهج هؤلاء ومسلكهم ، وعلى غير معتقدهم ومنهجهم ، وهذا ما أجده عاجل بشرى المؤمن لأمثال هذا .

من وجهة نظري فإنني أقسم الناس حيال وفاة نايف بن عبدالعزيز رحمه الله إلى قسمين كل قسم يتفرع من قسمان :

القسم الأول : من حزن لوفاة نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وهم قسمان ، فالأول منهما هم المتدينون من أهل الاستقامة وهؤلاء سبب حزنهم لأنهم يرون الرجل كان خير معين لهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة أعداء الفضيلة والذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء غالبيتهم من أصحاب المعتقد السليم والمنهج الصحيح ،  والثاني منهما هم عوام الناس ممن عايشوا سيرة هذا الرجل ويرونه السبب الأعظم بعد الله عز وجل في استتباب الأمن والقضاء على الإرهاب والعيش بسلام ، وهذان القسمان بدا عليهما الحزن الواضح لوفاة نايف بن عبدالعزيز رحمه الله ، مما جعل بعضهم يغلو فيه جاهلاً أو ناسياً عبر إطلاق بعض الأوصاف أو الشهادة له بالجنة وهذا أمر منافٍ لتعاليم ديننا الحنيف .

القسم الثاني : من فرح لوفاة نايف بن عبدالعزيز وأقام المسيرات وتبادل التهاني ولمّح إلى شرعية سجود الشكر في مثل هذه المواضع ، وهم قسمان أيضاً ، فالأول منهما هم المتدينون من أصحاب المناهج المنحرفة والمعتقدات الضالة ممن اصطلح على تسميتهم في المملكة بالفئة الباغية ممن لا يرقبون في المسلمين إلا ولا ذمّة ، وممن يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وهؤلاء سبب فرحهم لما يعلمونه من أن نايف بن عبدالعزيز كان العقبة الكؤود في طريقهم نحو هدفهم وقطع السبيل دونهم ودون مبتغاهم ، والثاني منهما هم أعداء الفضيلة ودعاة الرذيلة ممن يزعجهم منظر الحجاب والنقاب ، ويؤذيهم منظر المآذن والقباب ، يدّعون حرية الرأي ويضيقون ذرعاً بكل رأي طيب ، يدّعون احترام الآخرين وهم أقل الناس احتراماً لدينهم ، بل إن بعضهم تطاول على ربه عز وجل وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء سبب حزنهم أنهم يرون نايف بن عبدالعزيز اليد الطولى التي كانت تضرب بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تدمر كل مخططات أولئك القوم مستندة إلى الدعم اللا محدود من نايف بن عبدالعزيز .

ولاشك أن بين ذانك القسمين تقبع أقسام تحكم بعاطفة أو تحكم بجهل وهؤلاء لا اعتبار لحكمهم إذ أن أي حكم لا يرتكز على أرض صلبة فهو عرضة للتغير في أي وقت كان .

توفي نايف بن عبدالعزيز وهو لا يعلم كلامنا اليوم ولا يسمع حديثنا ، وهو أحوج ما يكون اليوم إلى الدعاء ولا شئ سواه ، توفي نايف بن عبدالعزيز وما علم بحال من بكى بعده ، ولا بحال من فرح بعده ، توفي نايف بن عبدالعزيز فظنّ البعض بأنه آخر خرزة في مسبحة الرجال المنافحين عن الحق والخير وما علموا بأنه إن زال جبل (نايف) فهناك الآلاف من الجبال (النايفات) ، توفي نايف وأغمض عينيه وسيعرف مصيره في أول ليلة له في قبره ، وترك لنا السهر اختصاماً في حاله ، فكفوا يرحمكم الله ، ورحم الله نايف بن عبدالعزيز .

2012/06/17

أموال سدّ الحنَك !


فلله وقت ذوّب الغشُّ ناره

فلم يبق إلا صارم أو ضبارمُ

المتنبي

يئن (شطي) ، ويشتكي (جاسم) ، وتبكي (ريان) ، وقبلهم كثيرون ، وسيأتي بعدهم كثيرون بلاشك ، اعتدنا مؤخراً بين فترة وأخرى أن نقرأ مناشدة طفل أو شاب من البدون لا يريد أكثر من حقه في الحصول على مال أو جواز سفر للعلاج من مرض لا يرحم ضعفه وفقره في ظاهرة تسوّل أجبر البدون عليها فعدوهم ربما يتلذذ بمثل هذه المناظر ويفرح برؤيتهم يقفون في طوابير اللجان الخيرية ليشعر نفسه ولو مؤقتاً بأن الرؤوس لم تتساوَ بعد ، وأن العين لا ينبغي لها أن تعلو على الحاجب ، وأن قصار العمر يجب أن يقدموا الحديث بين يديهم بكلمة (طال عمرك) .

يشتكي أبناء البلد المخلصون الأوفياء من البدون من ضيق ذات اليد في حين تثبت الوثائق أن الملايين من أموال البلد كانت تصرف بلاحسيب ولا رقيب ، ولأناس معروفين ومغمورين ، ولأسباب معلومة ومجهولة ، وأبناء البلد المخلصون الأوفياء يكتفون بالنظر والحوقلة ، فهم أولى من غيرهم بهذا المال وكيف لا وهم من ساهم فعلا في بناء هذا البلد وحمايته والدفاع عنه منذ نهضته الحديثة .

 أبناء البدون يقاسون من أجل لقمة عيش كريمة ، لفظتهم قلوب اصحاب القرار حين احتضنتهم قلوب الدوارات ليبيعوا فيها (البَنَك) ، وطردتهم الوزارات والشركات حين آمنت بقدراتهم الأرصفة وسمحت لهم ببيع الخضار والفواكه ، لا يحمل أحدهم في جيبه دينارا واحداً ، في حين أن الملايين كانت تحول لـ(كاذب) يناقض وصفه اسمه ليزور الحقائق في جنيف ، وليظهر المظلوم في صورة الظالم ، والمغدور به في صورة الغادر ، وليعطي المتنفذين من الهبات التي إن رأتها العيون استحت عن الكلام بعدها الألسن ، وليطعمهم من وجبة (سدّ الحنك) قليلا ..... وما يخدم بخيل !!

سنون تتلوها سنون ، ولا زالت الكذبة التي يرددها البعض من أن حل قضية البدون مكلف مالياً على البلد تنطلي على السذج من الناس ، ويقتنع بها غير المتابعين للأحداث ، وإن المتابع بتمعن ليجد أن البلد أنفقت عبر بعض رؤوس الفساد فيها الأموال الطائلة ولا زالت تنفق ، من أجل محاولة تحسين صورة البلد – زعموا – في قضية البدون وتصوير البدون على أنهم ليسوا أصحاب حق ، ولو أنهم أنفقوا تلك الأموال لحل القضية لأصبحت الآن من أحاديث الماضي ، ولكانت الآن في طي النسيان ، ولكن (أليس منكم رجل رشيد) ؟!

إن شمس الحقيقة مهما غطتها غيوم الزيف والتزوير لمشرقة لا محالة ، وإن ليل الظلم والجور وقلب الحقائق مهما طال واسود جانبه ، فإن آذان الفجر قادم لا محالة ليحزن كل وسواس خنّاس ، ويفرح المضطهدون من الناس ، وإن غبار الكذب والغش والخديعة مهما طال ، فلابد للجو أن يعود صحواً على خلقته الأولى ، ولا بد لطيور المحبة أن تشدو فوق أغصانها في أعشاشها حيث مسقط رأسها ، وإن اليوم مهما طال فلابد أن يتبعه غد ، وإن سكتت الأفواه اليوم فسيختم عليها غداً لتتكلم بدلاً عنها الأيدي فتشهد بما بطشت ورشت وزورت وأخفت من الحقائق ، وعندها سيفرح المؤمنون وسيضيق ذرعاً الكاذبون الأفّاكون ، وسيعلم الذين ظلموا يومها أي منقلب ينقلبون .

2012/06/15

الطبيب السقيم !


غير تقيٍّ يأمر الناس بالتقى

طبيب يداوي والطبيب سقيمُ

(.......)

بين مطرقة إهمال المستشفيات والمستوصفات الحكومية وسندان غلاء الأسعار في المستشفيات والعيادات الخاصة ، يقبع المرضى من ذوي الدخل المحدود صابرين ومحتسبين ، ومتحملين قسراً لا طواعية لأخطاء طبية قد تودي بحياة أحدهم ، أو لدينٍ يثقل كاهلهم ماحيوا ، أو يصبحوا أسارى لجميل شخص متنفذ أسرهم بجميل علاج في الخارج وهو في الأصل حقّ مشروع لهم .

مصيبة وأي مصيبة ، حين يتخلى الأطباء عن إنسانية مهنتهم التي من أجلها وجدت هذه المهنة أصلاً ، ويصبحون كسماسرة في المستشفيات والعيادات الخاصة ، يحاولون بشتى الطرق ، شفط ما في جيب المريض من مال ، عن طريق إغراقه بتكاليف الكثير من الأشعات والمناظير والفحوصات التي يطلبونها منه من باب التأكد بزعمهم ، ويشترطون أن تكون في عيادتهم طبعاً بحجة عدم ثقتهم في الأجهزة المتوافرة في المستشفيات الحكومية ! ، ناهيك عن التكاليف الأولية من فتح ملف وطلب استشارة وأسعارها المبالغ فيها ، وانتهاء بكمية كبيرة من الأدوية تشتريها من الصيدلية التابعة لهم أيضاً تباع بأغلى الأسعار ، وليت الأمر ينتهي هنا ، بل لا بد من زيارة قادمة للتأكد من تحسن حالتك ولشفط ما تبقى من أموال في جيبك كتب لها البقاء في الزيارة الأولى ولن يكتب لها ذاك في الزياة التي تليها طبعاً ! .

وإن المصيبة العظمى حين يكون الطبيب ذو المهنة الإنسانية العظيمة مشاركاً في عملية النصب هذه ، عن طريق تخويف المريض من تردي وضعه الصحي ، وأن كل الفحوصات والتقارير السابقة التي بحوزته قام بها طبيب حمار – أجلكم الله – وبالمناسبة لا أعلم لماذا تنتشر هذه الكلمة بين الأطباء فبمجرد أن تخبره بتشخيص طبيب آخر يخالف تشخيصه إلا وقال لك : من الحمار – أجلكم الله – الذي قال لك هذا الكلام ؟! ، إضافة إلى ذلك أن بعض الأطباء أصبح مندوب مبيعات لشركات الأدوية والأجهزة الطبية ، فتجد إعلانات المنتجات الدوائية تملأ مكتبه وبعد أن يشخص حالتك الكرضية تراه يخرج لك إعلانا مطبوعاً ليضع لك دائرة على أحد الأدوية ويقول لك اشتر هذا ! ، ولا يخدم بخيل بالطبع !

إن مهنة الطب مهنة نبيلة ، تتربع على رأس هرم المهن الإنسانية التي لا تستغني عنها البشرية أبداً ، لكن بعض الممارسات الخاطئة من بعض الأطباء وليس الكل تفقدها جزءاً كبيرا من نبلها ، وجزءاً أكبر من احترام الناس وتقديرهم للممارسين لها ، وهذا ما نعيشه واقعاً اليوم من عدم ثقة الناس بالأطباء ، وعدم احترامهم ، ولطالما سمعنا عن اعتداء بعض المرضى على بعض الأطباء بالسب أو بالضرب وهذا ما لم نكن نشاهده سابقاً لما كان للطبيب من مكانة عالية لدى الناس فقدت اليوم ، حتى أصبح بعض الأطباء يعلق القرار الوزاري الخاص بمعاقبة من يهين أو يضرب طبيبا خلف ظهره ، مخاطباً الخوف في قلوب المراجعين لا الاحترام .

في قصيدته الجميلة في محبوبته ليلى قال قيس بن الملوح :

يقولون ليلى في العراق مريضة

فياليتني كنت الطبيب المداويا

وإنني لأظن قيساً لو عاش زماننا هذا ورأى إساءات بعض الأطباء وليس الكل لمهنة الطب ، لتمنى أن يكون راقياً أو حجّاماً أو حلّاقاً حتى ، أو أي شئ آخر إلا أن يكون طبيباً .... لا تغضبوا ... قلت أظنه !!

2012/06/08

مو زِلِم .... بس طول !


تلذّ له المروءة وهي تؤذي

ومن يعشق يلذّ له الغرامُ

المتنبي

بعض "الشوارب" في وجوه بعض "الذكور" ليست أكثر من علامة فاصلة بين الأنف والفم ، لا تهتز لموقف ، ولا تنتخي لقريب ، ولا تراعي وعداً ، ولا تبرّ بقسم ، وإكرامها يكون بإمرارها على أقرب حلاق في "تيماء" لا يراعي في النظافة إلاًّ ولا ذمة ، ولا علاقة له بجمعية الرأفة بالشعر ، ليقتص تلك الشوارب من جذورها ، وحبذا لو أكمل على ما أسفل منها من شفاه حتى لا تنطق مستقبلاً بأي بنت .

تلك الشوارب جُلّ ما يجيد أصحابها هو أن يقسم بحلقها إن حصل كذا وكذا ليبين عظم تقديره لشاربه ، ومستعينا به على إثبات مصداقية كلامه ، ولا يمنع أيضاً أن يكون قصده البحث عن حجة للتخلص من شاربه الذي يحمّله ربّما ما لايطيق من إحسان ظنّ الناس به!، كما فعل ذاك النائب "القلابي" الذي نذر أن يحلق نصف شاربه في حال نجاح زميلة له ، ويبدو أن الله عز وجل رحمنا من رؤية قبيح منظره بلا شارب فكتب ألا تنجح تلك الزميلة السابقة له .

لا شك بأن الفارق عظيم بين كلمة "رجل" وكلمة "ذكر" فالأولى من لوازمها وجود "الشارب" بينما لا يلزم من وجود الشارب وجودها ، والثانية لا يؤثر الشارب فيها لا وجوداً ولا عدماً ، والرجل الحق هو من تتوافر فيه صفات الرجولة كالشجاعة في قول الحق والكرم والعزة والأنفة وعدم إعطاء الدنيئة ، ومن أهمها احترام الكلمة التي تصدر من فيه ، والوفاء بالوعود التي يقطعها على نفسه ، وعدم التخلي عمّن استجار به وطلب "فزعته" ، ومعرفته لقيمة ضربه بيده على صدره أمام الجموع ، أو القسم بفعل كذا وكذا ، كما فعل كثيرون مع فئة البدون مع الأسف ثم تخلوا عنهم سريعاً غير آبهين بأنهم خالفوا بذلك أبسط مبادئ الرجولة قبل أن يخالفوا كلامهم ذاك وقبل أن يحنثوا بقسمهم ذاك ، فأين ذاك الذي قال : والله العظيم ما نخليكم ؟! ، وأين ذاك الذي قال فجراً : أمهلوني ثلاثة أيام فقط ؟! وأين ذاك الذي قال : أنتم أهلنا ولن نترككم ؟! أم أنه كلام سرى وسط صيحات حضور ظن قائله أنه لم يسمع ولن ينقل عنه ؟! ولكن قاتل الله اليوتيوب ما جعل لوجود الشهود من داعٍ !

الرجولة وصف لا يتحصل بالأمر الهين بل هو عسير إلا على من يسره الله عليه ، وأراه كان محور حديث المتنبي حين قال :

لولا المشقّة ساد الناس كلهم

الجود يفقر والإقدام قتّالُ

وعنها أيضاً عبّر ابن حوشان حين قال :

المراجل ما تهيّا هالسويّا

كود من عضّ النواجذ في سنونه

والرجولة وصف يختلف من زمان إلى زمان ولا يأتي زمان إلا وكان وصف الرجولة فيه أيسر إطلاقا على "الذكور" من الزمان الذي قبله ، فلا عجب أن يسمى كثير من "الذكور" اليوم برجال ، فهم فعلا تطابقت فيهم شروط الانضمام إلى منظومة الرجولة في هذا الزمان ، ولو أنهم عاشوا في أزمنة مضت لما وجدوا من "يسرحهم بالغنم" ولعرفوا يقينا بأنهم مو "زِلِم ... بس طول" !!

2012/06/03

أطفال الحولة مشاعل نصر


واسْتَعارَ الحَديدُ لَوْناً وألْقَى

لَوْنَهُ في ذَوائِبِ الأطْفالِ

المتنبي

لا أظن خطيباً مفوهاً مهما بلغت فصاحته وبلاغته ، ولا شاعراً موهوباً مهما بلغت مقدرته الشعرية ، ولا كاتباً مبدعاً مهما بلغ إبداع قلمه ، ولا رسّاماً متالّقاً مهما تألقت ريشته ، ولا ولا ولا ... يستطيع أن يصوّر لنا عبر ما يجيده من فنّ وموهبة تلك المجزرة التي افتعلها النظام القذر في سوريا وراح ضحيتها أطفال أبرياء في (الحولة) .

إن الخيال ليقف عاجزاً عن تخيل حال طفل بريئ وهو ينظر إلى طفل آخر ينهش سكين الغدر من عنقه ، وإن اللسان ليعجز عن التعبير بما يمكن أن يقوله ذلك الطفل وهو يرى السكين تنتقل من رقبة الطفل الذي بجانبه بعد أن فاضت روحه لتنال من رقبته هو ! ، ماذا تراه قال ؟! هل نادى على أبيه ؟! أم تراه نادى على أمّه ؟!

ذلك الطفل الذي يبكيه عدم الحصول على لعبة يحبها ، ويحزنه لدرجة الإحباط مشوار لأبويه لا يرافقهما فيه ، بماذا تراه شعر مع أول قطرة دم سقطت على الأرض ، بماذا تراه كان يفكر حينها ؟! من آخر شخص خطر على باله ومرت حروف اسمه عبر لسانه ؟! أي لعبة من ألعابه كان يود احتضانها وهو يموت ؟! أنا شخصيّا لا أستطيع التخيل ولا التعبير وإني لأعذر هرماً بقامة محمد الرطيان حين أراد أن يعبر عن مجزرة (الحولة) فاكتفى بوضع نقاط بين قوسين ليعبر عن ضياع الحروف منه ، وهل يبقى بعد تلك المجزرة من محبرة ، وبعد ذاك الجُرف من حرف ؟! فأنشدكم بالله ارجعوا لكل من ذكرتهم في بداية المقال هل يستطيع أي منهم أن يشبع نهمي بإجابة شافية على تلك التساؤلات ... لا أظن !

إن سكاكين الغدر تلك حملتها أيدٍ مهما حاول المحاولون من نسبتها إلى مذهب معين فإنني لا أراها تنتسب إلا إلى مذهب اللادين واللارحمة واللاشفقة واللاإنسانية ، ومهما حاول المحاولون نسبتها إلى حزب معين فإنني لا أراها تنتسب إلا لحزب الشيطان ، وحزب القتل والإبادة ، وحزب إنعدام الدين ، وحزب القلوب التي لا تؤمن بوجود الله فضلاً عن أن تخافه وتتقيه ، هذا هو دين تلك الأيدي التي حملت تلك السكاكين ، وهذا هو مذهبها ، وذاك هو حزبها ، فكفّوا يارعاكم الله عن مزيد محاولة لمعرفة أي شئ آخر عن تلك الأيدي .

عند الله الملتقى يا أطفال (الحولة) ، حين يجتمع الخصوم حفاة عراة غرلاً ، حين يقوم ذاك الطفل المقتول فيقول للرب جلّ وعلا وهو يشير إلى قاتله : يا ربّ سلْ هذا فيما قتلني ؟! ، حين يقتص للمقتول من القاتل ، حين تصبحون طيوراً تطير في الجنّة وتنعمون بما فيها ، حين تشفعون لآبائكم فينتفعون بشفاعتكم بعد إذن الله ، حين يقول الكافر : ياليتني كنت تراباً ، حين نطأطئ الرأس خجلاً وتطيش منّا الأعذار فلا نجد عذراً لخذلاننا إياكم .

أنتم يا أطفال (الحولة) ستكونون مشاعل النصر القادم بإذن الله ، أنتم من سينير عتمة سوريا ، وأنتم من سيحرق جسد بشّار ، أنتم من سيقض مضجعه بكوابيس ليس لها حصر ، أنتم من سيستنهض أهل سوريا صباح مساء ، أنتم الدافع لأهل سوريا من أجل مزيد عطاء ، أنتم من سيجعل من الجبان شجاعاً ، ومن الرعديد مقداماً ، ومن أصحاب المؤخرة قوّاداً للطلائع ، أنتم من سيجعل قاتلكم يعض أصابع الندم على تلك الفعلة ويقول ياليتني لم أفعل ، ولاتَ حين مندم !

يعمد بعض الناشطين في قضية البدون إلى اقتناص أي فرصة يمكنهم من خلالها تسليط الضوء على قضيتهم وتعرية أي محاولة لطمس الحقائق ، وهذا حقّ مشروع لهم ولصاحب أي قضية في اختيار ما يراه داعماً ومفيدا لقضيته ، ولكن ومن وجهة نظري فإنني أرى الزجّ بقضية البدون في مقابل ما يجري في سوريا حاليّاً ولا سيما بعد أحداث مجزرة الحولة مؤخراً لأمرٌ يسيئ إلى القضية أكثر من خدمتها ، ويفقدها كثيراً من التعاطف ، ويصرف عنها الكثير من المؤيدين والداعمين ، نعم البدون مظلومون ، نعم حقوقهم تنتهك ، نعم هم يعانون ويقاسون منذ أكثر من خمسة عقود ، نعم تسرق أحلامهم ، وتغتال فرحتهم ، لكن ما يحدث في سوريا اليوم شئ مختلف بتاتاً ، شئ لا يوصف ولا يتخيل ، فكفوا عن مزيد إساءة لهذه القضية دون أن تشعروا ، ولا تقولوا : إن نريد إلا الخير ، لأنني سأجيبكم : وكم من مريد للخير لم يبلغه ، وحذار أن تكونوا كما قال الشاعر :

رامَ نفعاً فضرّ من غير قصدٍ

ومن البرِّ ما يكون عقوقا

2012/06/01

شفيع متّزر وشفيع عريان !!


تبين لي سفاه الرأي منّي

لعمر أبيك حين كسرت قوسي

الكسعي

لا اشك في أن المتنبي حين قال : "حتى يراق على جوانبه الدمُ" كان يعي ما يقول تماماً ، لأن هناك بالتأكيد في هذه الحياة "ناس تخاف ما تختشيش" ، أناس يرهبهم منظر الدم ولا يرغّبهم منظر الورود ، تخيفهم التكشيرة ، ولا تكسب ودهم الإبتسامة ، يرون الشتيمة قوة والكلمة الطيبة صدقة تتقي بها جورهم ، يحترمون اليد التي تحمل العصا ، ولا يعيرون لليد التي تود مصافحتهم بالاً .

كلما تنفست الصعداء وشعرت ببصيص أمل يلوح في الأفق حتى ولو كان ضرباً من سراب ، أغاظهم هذا الفعل ، وأبوا إلا أن يقتلوا فرحتك تلك في مهدها ، وأن يعيدوك القهقرى ، وأن يشعروك بأن كل ما كان يثار حولك وأنك أمانة في رقبتهم ماهو إلا زوبعة في فنجان ، وأنك لا زلت تقبع في المربع الأول ، لم تمتد إليك يد "لاعب" حتى يسمح بنقلك من ذاك المربع ، وأنت – من فضل الله – لا ترد يد لامس !

سكينهم غير الحاد موضوع على رقبتك منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، فلاهو الذي قطع منك الوتين ولا هو الذي سمح لك بالتنفس بأريحية ولا هو الذي أراحك وأراح المنتظرين للدور بعدك من منظر تلك السكين المقرفة ، فلعلهم حدّوا شفرتهم وأراحوا ذبيحتهم ، ولكنها قلة الرحمة ، واضمحلال الشفقة ، وغيمة سوداء من حسد أبت إلا أن تلبد سماء قلوبهم وتحجب شمس الحق عنها .

تتوالى كتبهم السرية من أجل التضييق عليك ، متناسين أن كل ما يصيبك موجود في "كتاب" قبل أن يخلق الله الخلق ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن الأجر على قدر الصبر ، والبلاء على قدر الإيمان ، وأن "بطاقتهم الحمراء" لن تتسبب في طردك من رحمة الله ، كما أن "الخضراء" منها لن تضمن لك مكاناً في الجنة ... فعلامَ الأسى ؟!

لا يهتمون لعظم تضحياتك ، وعظيم أعطياتك ، فلا روحك أيها الشهيد دليل ولاء ، ولا أسرك أيها الأسير جميل عطاء ، ولا حبك ودفاعك عن هذا البلد يساوي شيئا أمام ما يعنونه هم من خدمات جليلة ، فتلك الخدمات التي يريدون تتجلى واضحة في "وسطٍ" يجيد الاهتزاز ويدمر كل قوانين الجاذبية ، "وتمثيل" في مسلسلات تهدم ولا تبني ، تشوه ولا تجمّل ، "وحنجرة" تجيد الغناء ولا تجيد الصدع بالحقّ ، ولا تستغرب ! ، فخدماتك "المتّزرة" لا تشفع لك ، في حين أن خدماتهم "العارية" هي خير شفيع ، ويبدو أن الفرزدق كان يقصدك حين قال :

ليس الشفيع الذي يأتيك متّزراً

مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا