2014/05/20

شقّيت الفانيلة ؟!

في مقطع يوتيوب انتشر قبل فترة بسيطة يظهر طفلان عراقيان وهما يتشاجران ويشدان ملابس بعضهما ، ونظراً لهذا الشدّ "المتوقّع" تتمزّق "فانيلة" أحدهما فيجنّ جنوناً ويردّد على خصمه وهو يضربه : "شقّيت الفانيلة؟!" ، مجسداً صورة واقعية لردة فعل عفوية للإنسان حين يتعرض شيء مما يعتبره من المهمّات لديه للتلف والعبث على يد الغير ، ولا يخفى على متابع ما يتعرض له الشعب العراقي المسكين من مآسي ونكبات كانت كفيلة بجعل تلك "الفانيلة" أعز وأغلى ما يملك ذلك الطفل الغاضب .
تخطيء كثيراً بعض الحكومات والأنظمة حين تحاول اختبار صبر بعض الشعوب "الغلبانة" عن طريق التعرض بين حين وآخر لأغلى ما تملكه تلك الشعوب "الغلبانة" هذه الأيام وهي لقمة العيش والتي لا تأتي بالساهل غالباً ، فتقوم برفع أسعار بعض المواد الأساسية كالخبز والوقود وما شابهها في الأهمية ، ولطالما رأينا ردّات فعل غاضبة لتلك الشعوب ورأيناها كيف تدمّر كلّ ما تمرّ عليه ، وهي ردّة فعلٍ - وإن اختلفنا معها - عفوية بل لا تقلّ عفويّة عن ردة فعل ذلك الطفل العراقي الغاضب ولكنها ردة فعل بمستوى شعب غاضب ولك أن تتخيّل شعباً كاملاً يردد بصوت واحد بما معناه "شقّيت الفانيلة؟!" .
في بلادي بالكاد يتحصل البدون على لقمة عيشهم والتي يبحثون عليها في زقاق هذه الحياة الصعبة ثم يعودون بها ليحاولوا حمايتها من عوامل تعرية "الالتزامات الشهرية" والتي يكون لإيجار مساكنهم نصيب الأسد منها ، بل والمضحك "همّاً" أن هذا الإيجار غالباً ما يفوق قيمة الراتب ، وبعد كل هذه المعاناة الموجبة للغضب والسخط تأبى الحكومة إلا أن تمدّ يدها على فانيلة "ضنك" البدون "لتشقّها" عن طريق السماح لتجّار المدارس الخاصّة برفع الرسوم الدراسية ابتداءً من الموسم الدراسي القادم على أن يتحمل ربّ الأسرة البدون هذه الزيادة لا الصندوق الخيري ، فبالله عليكم كيف سيكون وقع هذا الخبر على من لايجد قوت يومه إلا بمشقّة بالغة ، وإن وجده عانى الأمرّين حتى يحافظ عليه من طمع صاحب مسكن لايرحم وصاحب مدرسة أشدّ قسوة منه ؟! ، وهل تودّون سماع البدون - بعد أن ضايقتموهم في أعز ما يملكون وهي لقمة العيش - وهم يصيحون بصوت واحد غاضب : شقّيت الفانيلة ؟! .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2014/05/16

بدون للبيع !


كم هو مؤلم حقّاً أن تشعر بأنّك همّ يجثو على صدر الوطن لايزيلك رقية راقٍ ولا دواء طبيب ولا خارطة طريق ، وكم هو مؤلم حقّاً أن تشعر بأنّك غير مرغوب بك في مكان ما كنت - لفرط جهلك - تحسبه بيتك ! ولكنك اكتشفت أن شركاءك في المسكن لايعتبرونك أكثر من دخيل عليهم يعدّون عدد اللقمات في يدك وهم يردّدون "يابخت من زار وخفّف" ، ويمنّون أنفسهم برؤيتك تحمل زوّادتك التي ليس بها سوى "قوت الأموات" ولسان حالك يقول :
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثغرِ
ليصبح حينها باطن الأرض أحبّ إليك من ظاهرها فترفع شعار "ألا موتٌ يباع فأشتريه" ، وكأن قطريّ بن الفجاءة كان يقصدك حين قال  :
وما للمرء خير في حياةٍ
إذا ما عُدّ من سقط المتاعِ .
هناك في سوق "جَمعة" الظالمين تُعرض أنت وأبناء جلدتك للبيع "ببساطة" كما تُباع الأغراض المستعملة ولكل امريء ثمنه المكتوب على جبينه بحسب ما أكل الدهر وشرب من جسده ، وبحجم ما تبقى فيه من رغبة في العيش ومقاومة "تكاليف الحياة" التي أسأمت زهير بن أبي سلمى قبله ، "والسوّامة" الذين يسيمونك سوء العذاب بنظراتهم يزيدون اشتعال النار في جسدك الذي يخجل من احتراقه جسد البوعزيزي على جلالة قدره ، وما بين البايع والشاري يفتح الله جروحك التي لاتندمل ، وهناك مكان مخصّص للمتفرجين ، وللشامتين أيضاً نصيب .
هكذا ببساطة تُذاع أخبار بين الحين والآخر عن رغبة الوطن ببيع أبنائه الذين يعتقد أنهم ليسوا من صلبه ، ومع يقيني بأنها أخبار كاذبة حين إشاعتها على الأقلّ ، لكن مطلقها لم يطلقها عبثاً وأن له مآرب أخرى من خلال ذلك ، وأن ما أطلقه اليوم ككذب قد يكون صدقاً محضاً إذا ما قوبل ببرود ردات الأفعال الشعبية أو ربما بالترحيب .... من يدري ؟!
"البدون" ياسادة ليسوا من ممتلكاتكم الشخصية حتى تقوموا بعرضهم للبيع على من تشاؤون ، ولايجوز "شرعاً" بيع ما لاتملكون ، بل البدون أنفسهم هم الذين يملكون قرار تحديد مصيرهم بالبقاء أو المغادرة هرباً من جحيم عنصريتكم ، وأظنّهم قد قالوها لكم من قبل ولا زالوا يرددونها : "سوف نبقى هنا" .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2014/05/12

لكم همّكم وله همّ !


تتعدد الهموم والحزن واحد ، وتتنوع الآلام والجرح واحد ، وتتكاثر الدموع والحسرة واحدة ، وكل الطرق تؤدي إلى لاشيء في عالم يريد منك أن تشاركه همّه بينما يقف هو موقف المتفرج عليك وأن تصارع همومك .
يلومونه لأنه لايشاطرهم همومهم تجاه الوطن الذي يحتويهم وهو الذي يعتبر نفسه أخاً لهم في المواطنة ، يسألون عن غيابه عن محافلهم ندواتهم اعتصاماتهم ساحاتهم مسيراتهم ، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء سؤال أنفسهم عن غيابهم هم عن كل ما يخصّه .
ياسادتي الكرام قد تتشابه ملامح الهموم لكن تفاصيلها حتماً تكون مختلفة ، فرفقاً بصاحبكم يرحمكم الله ، وأقيلوا عليه لا أبا لأبيكم من اللوم أو دعوه وشأنه ، فإن صاحبكم عن همومكم في همّ ، فحين تشتكون أنتم من همّ المشاكل السياسية التي تعصف بالبلد يكون همّه هو تلقّف مانشيتات الصحف لتصاريح بعض الساسة ممن يبيعون خبز الوهم للجوعى على قارعة الطريق منذ عقود ، وتتبع وعود الحكوميين منهم ممن يذهبون بك إلى النهر ثم لايسمحون لك بالشرب لتعود منه عطشاناً ، وتتبع صيحات المعارضين منهم ممن لم يجعلوه أولوية بالنسبة لهم ولا حتى ثانوية بل جعلوه قضيته كقطع غيار يستخدمونها حال الهدوء الذي يسبق عواصفهم .
وحين تشتكون أنتم من همّ المشكلة الإسكانية يكون همّه منصبّاً على كيفية تحصيل إيجار مسكنه ودفعه لصاحب البيت الجشع الذي لا يرقب فيه إلاًّ ولا ذمّة قبل أن يدخل الشهر الجديد ليبدأ ذات الهمّ من جديد وتبدأ معه مرحلة تجميع الإيجار الذي هو أساساً يفوق راتبه وهذا لغزٌ لا يفهمه إلا من عاشه ! ، كما أنه يحاول ألا ينسى أن يدعو الله في كل صلاة أن يعمي بصر صاحب البيت عن عدّ أولاده لأنه في بلدنا أصبح الإيجار مرتبط بعدد الأولاد ولا عزاء للصين ! .
وحين تشتكون أنتم من همّ المشكلة التعليمية وضعف التعليم يكون همّه هو كيف يوفّر ما يحتاجه أبناؤه من لوازم مدرسية أصبحت تثقل كاهل أصحاب الرواتب العالية فكيف بمن راتبه لا يتجاوز الثلاثمائة دينار ، حاملاً في الوقت ذاته همّ حثّ أولاده على المواصلة في التعليم وعدم الاستسلام للسؤال الذي يراود كل أبناء جلدتهم وهو : وماذا بعد الدراسة ؟! .
وحين تشتكون أنتم من همّ الغلاء وضعف الرواتب يكون همّه هو منصبّاً على الدعاء بألا يطرد من وظيفته البسيطة التي لا يجد معها أي أمانٍ وظيفي فقرار طرده خاضع لمزاجية مسؤوله مهما كانت وظيفته فقد ينام موظّفاً ويصبح عاطلاً ، وهو في الوقت ذاته يحمل همّ التفكير في أنه سيظل يعمل ويعمل ويعمل حتى يوسّد في التراب دفيناً إذ لا تقاعد يلوح في الأفق يمكنه أن يتمتّع به كباقي البشر .
أرأيتم ياسادة كيف أنه أشغله همّه عن همومكم ؟! ، ولعلّ وجه التشابه الوحيد بين همّه وهمومكم أن كلّكم يشتكي وطنه ، لكن الفرق هو أنكم تشتكون وطناً يماطل في إعطاء حقوقكم ، بينما يشتكي هو وطناً يجحد حقوقه أساساً ، فرفقاً به وهو الذي عاش خمسة عقود "بدون" أمل ، ويتمنى أن يعيش ما تبقى من عمره "بدون" ألم ، واعلموا أن لكم "همّكم" وله "همّ" .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2014/05/10

تحت تأثير الحمّى !


أصدق الكلمات هي تلك التي تخرج رغماً عنّا حتى لو حاولنا إغلاق جميع المنافذ في وجهها ، وحتى لو حكمنا عليه بالسّجن المؤبد في قلوبنا ، وهي التي تكتبنا قبل أن نكتبها وترسمنا قبل أن نرسمها ونراها تنساب من رؤوس الأقلام بنعومة قل نظيرها وبعفوية قلّ مثيلها ، وأكذب الكلمات هي تلك التي تعرض على لجان التفتيش في العقل مراراً وتكراراً فتحسب عدد حروفها وطريقة تشكيلها وتُعرّضها للشطب تارة وللتعديل تارة أخرى حتى تعود بلا لون ولا طعم ولا رائحة وتصبح قوالب جامدة كتلك التي نسمعها في نشرات الأخبار .
الأقلام / لوحات المفاتيح ودودة مع من يتواصل معها دائماً ويتعاهدها بالزيارة وحسن العشرة ، ولكنها سريعة التنكّر لمن يبتعد عنها طويلاً ويهمل التواصل معها والاطمئنان عليها حتى يصل بها الحال إلى أنها لاتستجيب له حين يعطيها الأوامر بترجمة ما في القلب والفكر ، لذلك لا تحسن ظنك بقلمك الذي هجرته طويلاً وحاول العودة إليه رويداً رويداً فإن مثلك كمثل لاعب الكرة إذا هجرها لفترة يستحيل عليه الرجوع لسابق مستواه سريعاً .
دائماً اعتبر كل فكرة تراودك ضيفاً عزيزاً عليك فأحسن استقباله ، وقم بحق ضيافته ، واذبح له أسمن ما لديك من إبداع ، وقدّم له ما لذّ وطاب من الكلمات الجميلة والعبارات الرائعة ، فإن الأفكار إذا لم تحسن استقبالها أو تأخرت في ذلك تغادر سريعاً وربما لا تعود أبداً .
حين كتابتك كن على سجيّتك وطبيعتك وإياك أن تحاول أن تكون غيرك لأنك إن حاولت فعل ذلك فشلت وعدت أسوأ مما كنت تظنّ نفسك عليه حتى تصبح كالغراب الذي أضاع مشيته ومشية الحمامة ، ولا تجهد نفسك وحرفك بتغطيتهما بغطاء المثالية لأنك مهما فعلت ذلك فضحتك زلات لسانك وخربشات قلمك على حين غرّة ولله درّ زهير بن أبي سلمى حين قال :
ومهما تكن عند امريء من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ

كتبت هذه الحروف تحت تأثير الحمّى وبعد يوم كامل قضيته مع الأدوية وأنا حبيس "البطانيات" لذلك أنصحك عزيزي القاريء حين تقرأه بـ "لاتنقله عنّي ولا تاخذه جدّ" كما يقول الشاعر نزهان الشمري .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2014/05/07

تخيل معي !


أغمض عينيك لدقائق حاول أن تتخيل معي ما سأقوله لك فلربما ترى بعين بصيرتك ما لم تستطع رؤيته بعين بصرك ، ولربما تستشرف عبر خيالك ماذا سيحدث لو صلحت فعالك ، وربما سترى الوضع من حولك جميلاً حتى لو لم تكن جميلاً .
تخيل معي لو أن كل هذا الكم الهائل من المشكلات العالقة منذ سنوات طويلة تمّ حلّه ، تخيل لو تمّ حلّ مشكلة البدون وأعطي كل ذي حقّ حقّه وسُمح لمن حُرم باللجوء للقضاء ، تخيل لو تم حلّ المشكلة الإسكانية وتحصّل كل مواطن على بيت بعد زواجه بفترة يسيرة ومن لم يجد بيتاً يتملكه وجد ما يؤجره بسعر مناسب ، تخيل لو تم حلّ المشكلات الصحية وأصبح المواطن والمقيم على حدّ سواء يتمتعان بخدمة صحيّة مممتازة وتم بناء مستشفيات على نمط حديث تنافس تلك التي نراها في الدول المتقدمة  ، تخيّل لو تم حل المشكلات التعليمية وتم بناء جامعات تتسع لحجم المخرجات التعليمية من المدارس الثانوية وتم تعديل المناهج بما يتناسب مع مستوى الطلبة ، وتخيّل لو دارت عجلة التنمية بسرعتها القصوى غير آبهة بكاميرات الانتقاد والتحبيط ، وتخيّل وتخيّل وتخيّل ....
عندها لن يكون هناك حكومة فاسدة لأنها لن تجد البيئة القذرة التي تستطيع العيش فيها ولن يكون هناك متكسبون يصعدون على ظهر الفساد ليقتربوا من المفسدين ويسمون أنفسهم البطانة ، ولن يكون هناك معارضة تجيد مهارة الصراخ لتدغدغ عواطف الناس ومشاعرهم وتختبيء خلف عبارات محاربة الفساد وطلب العزة والكرامة ، ولن نكون بحاجة لهذا الكم من القنوات والصحف الفاسدة التي تروّج لهذا تارة ولهذا تارة والأولوية لمن يدفع أكثر ، ولن نكون بحاجة لزيادة عدد أفراد القوات الخاصة بين فترة وأخرى لأننا سنضمن استقامة النّاس فالنّاس يقوّمهم العدل ، ولن نكون بحاجة ندوات ومحاضرات عن الأداء الحكومي وتسليط الضوء على الفساد لأنه سيصبح ضرباً من الخيال ، ووووو....
توقف قليلاً ياعزيزي وافتح عينيك لتنصدم بواقع أنت صنعته أو ربما ساهمت بصنعه بحسب حجم الفساد في داخلك ، فما كان كل ذلك إلا مركب خيال سرعان ما تحطمه أمواج الواقع العاتية ، والدول لا تبنيها الأحلام أبداً .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m