2011/12/27

عذراً تيماء

تبكي خُناسٌ على صخرٍ وحُقّ لها
إذ رابها الدّهرُ إنّ الدّهر ضرّارُ
الخنساء

أصعب اللحظات هي تلك التي تمسك فيها القلم وأنت تشعر برغبة عارمة في الكتابة وشوق فاضح لاحتضان الأوراق ، فتصطدم بخذلان القلم لك ، وتطيش منك الأفكار ، وتتبعثر منك الكلمات ، وتنحبس العبارات ، ولا ينطق قلمك "ببنت حبر" ، فتعود حزينا بخفي حنين ، تجرخلفك أذيال الخيبة ، منكساً رأسك ، مرجعاً الأمر كله لسببين لا ثالث لهما ؛ إما لقلة بضاعتك وكسادها ، وإما لعظم قدر المقام إذا ما قورن بالمقال فيستحي المقال من المقام ويفر على شكل أفكار مشتتة تختبئ خلف ذاكرة مشوشة أكل عليها الحزن وشرب ، تحاول استجماعها ولكن بمجرد أن تلامس أصابعك القلم تتشتت تلك الأفكار منك مرة أخرى مستغلة انشغالك بطريقة مسكك للقلم ومحاولة عدّ أصابعك قبل الكتابة !! ، ولله درّ المبدع محمد الرطيان الذي يقول : "إذا قمت بعدّ أصابعك قبل كتابة المقال فإنك ستخرج بأصابع كاملة وفكرة ناقصة" .
جميل أن تمسك بالقلم لتكتب به ما جاش في صدرك وتجسد به الضحكات والدموع ، الآهات والقهقهات ، على شكل حروف وكلمات ، ولكن الأجمل أن يمسك القلم بيدك ويتشبث بها كما يتشبث الغريق بقشة ، ويجبرك هو على الكتابة ، ويطير بك فوق هامات سحب الأدب ، فتشعر بأن يدك تسابق أفكارك وأن سرعتك في الكتابة قاربت سرعة الضوء ، فتحمد الله على عدم وجود كامرات للسرعة على هوامش الورق ! ، وترى الكلمات تتراقص على صوت وقع خطى القلم فوق الورق ، وترى علامات الترقيم تتناثر ، كل واحدة منهن تعرف مكانها فلا تزاحم أختها ، حتى يجيء دور النقطة الأخيرة التي ما إن تضع نفسها في مكانها إلا ويضج المكان بصوت تصفيق لا يسمع دويّه إلا أنت ، ولا يشبهه إلا صوت تصفيق المستمعين لفرقة أوركسترا بعد فراغها من أداء معزوفتها .
كم كنت أتمنى أن أعيش تلك اللحظات وأنا أكتب مقالا عن تيماء ، عن الصابرة الصامدة في وجه كل عوامل التعرية بأنواعها وأشكالها الحسية منها والمعنوية ، عن تيماء ذات البيوت الحمراء في أول نشأتها ، وعن تيماء التي تحولت إلى بيوت من الصفيح الأبيض رغماً عنها ، عن تيماء الخاوية من الناس في أول نشأتها ، وعن تيماء المكتظة التي لا تجد لك فيها موضع قدم في أوقات الذروة ، عن تيماء الهيل والقهوة والكرم والمجالس الطيبة ، عن تيماء العوز والحاجة والضنك والضيق ، عن تيماء البيوت الضيقة ، عن تيماء الصدور الشمالية الواسعة ، عن تيماء التي تهتز جدرانها التي لم تبنَ على أساس متين مع كل صوت رعد أو مطر شديد ، عن تيماء التي بنيت عادات أهلها على أساس متين لا يتزعزع في وجه رياح التغيير والعولمة ، عن تيماء التي ارتجفت بيوتها بسبب سير الدبابات العراقية بين شوارعها في الغزو الغاشم وعن تيماء التي استقبلت قوات التحالف بأبواب مشرعة وكرم ضيافة غير مستغرب على من يعرفها ويعرف أهلها .
منذ يومين وتيماء تبكي وحُق لها أن تبكي ، بكت تيماء بعد أن رابها الدهركما راب الخنساء قبلها ، بكت تيماء بعد أن استباحت حرمتها آليات وزارة الداخلية وروعت الآمنين فيها ، بكت تيماء يوم أن رأت أبناءها يضربون ويهانون وينكل بهم وهم يحملون أعلام الكويت وصور سمو الأمير حفظه الله ولافتات تطالب بحق المسلم على أخيه المسلم ، بكت تيماء ورفعت رأسها عاليا حتى يرى دموعها الجميع وحتى تنظر من سيأتيها بمنديل ليمسح دموعها ويبشرها ببسمة غابت ولكنها حتماً ستعود .
كم كنت أتمنى أن أقدم كل ما لدي من كلمات لتيماء وأنا ابن تيماء الذي ترعرع بين أزقتها وسبرها وسبر أهلها واكتسب كل ما به من صفات طيبة من تلك البقعة التي يسمع عنها أهل البلد ولم يروها ، كم كنت أتمنى أن أقدم ما يليق بك ياتيماء ، ولكنه القلم أراه يستعصي علي ، والكلمات أراها تفر مني فرار المجذوم من الأسد ، والأفكار أراها تطيش مني ، والشئ الوحيد الذي طاوعني اليوم هي دموعي وها أنا ذا أجود بها كمداد لقلمي ..... لهذا كان العنوان .... عذراً تيماء !! .

2011/12/21

لن تمشي وحيدا بعد اليوم

"لن تمشي وحيدا بعد اليوم" ... بهذه الكلمات التي ملؤها الأمل تصدح جماهير نادي ليفربول الانجليزي محاولة تحفيز لاعبي فريقها وبث روح الحماس فيهم ، وبنفس الكلمات تواسيهم بعد كل خسارة موجعة ، وتخفف من مصابهم ، وتداوي جراحاتهم ، حتى أصبحت تلك الكلمات مع مرور الوقت نشيداً رسمياً للنادي ، وتحديداً بعد حادثة التدافع الشهيرة في ملعب ليفربول عام 1989م والتي أدت إلى مقتل 96 شخصا من مشجعي النادي في يوم لا ينساه أنصار النادي الإنجليزي ، فأصبحوا في كل لقاء لفريقهم يرددون : "عندما تمشي خلال عاصفة ارفع رأسك عاليا ، ولا تخف الظلام ، في نهاية العاصفة هناك سماء ذهبية ، وهناك أغنية المرح الفضية اللطيفة ، امض قدما خلال الرياح ، امض قدما خلال المطر، بالرغم من تأرجح وتبخر أحلامك ، امض قدما امض قدما فلن تمشي وحيدا بعد اليوم" .
استوقفتني تلك الكلمات كثيراً وأنا أقرأها للوهلة الأولى ، شعرت بشئ كبير في داخلي جعلني أتعاطف مع تلك الكلمات التي تخاطب كل جريح لا يجد بجانبه من يواسيه ، وكل مظلوم يطلب النصرة فيقابل باللامبالاة ، وكل دمعة تنهمر فتقابل بالضحكات العالية التي لا تخلو من نبرة سخرية ، ووجدت أن من الظلم حصرها بين جنبات الملاعب الرياضية وهي تحمل بين ثنايا حروفها كل هذا الكم الهائل من الانسانية الصافية .
في بلدي يعاني البدون الأمرين ، يلتفتون يمنة ويسرة يستجدون النصرة بنظراتهم فقد منعهم الحياء من طلب النصرة بأفواههم ، يريدون شخصاً يقول لهم من بعيد "لن تمشي وحيدا بعد اليوم" يريدون من الذين اعتلوا المنابر لفضح الفساد وأهله ، ومن الذين حاربوا الراشي والمرتشي جهارا نهارا ، ومن الذين قضوا الليالي في الاعتصامات دفاعا عن الحقوق المكتسبة ، ومن الذين فزعوا لنصرة كل مظلوم بعيد ونسوا المظلوم القريب رغم أن في نصرته أجرين أجر النصرة وأجر القربى ، يريدون منهم جميعاً أن يقولوا لهم "لن تمشي وحيدا بعد اليوم" ، يريدون من أصحاب الأقلام الحرة التي لم تخش في بيان الحق لومة لائم أن تكتب لهم مانشيتا يقول لهم :" لن تمشي وحيدا بعد اليوم " .
إن لإخوانكم عليكم حقاً أن تنصروهم وتساهموا في رفع الظلم عنهم وأن تقفوا معهم صفا واحدا حتى تتحقق مطالبهم ، فإنكم إن تخليتم عنهم اليوم سيبقون هم "بدون" هوية ، وستصبحون أنتم "بدون" مبدأ ، و"بدون" إنسانية ، و "بدون" ضمير ، فضعوا "بدونيتهم" في كفة و"بدونيتكم" في كفة وانظروا أي الكفتين ستطيش ؟! .
امض أيها البدون فلن تمشي وحيدا بعد اليوم فكل أصحاب الضمائر الحية سيؤيدونك ، وكل أصحاب الأقلام الحرة سيكتبون دفاعاً عنك ، وكل أصحاب القضايا الحقة سيعتبرون قضيتك هي قضيتهم في المقام الأول ، ومن سواهم فلست في حاجة لتلونهم وتناقضهم وكذبهم ، امض أيها البدون فلن تمشي وحيداً بعد اليوم فإنك إن تكُ صاحب حقّ فإن الله عزّ وجلّ سيكون معك ، وإن الله عزّ وجلّ لينظر إلى دعوة المظلوم فيقول لها (وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين) ، امض أيها البدون فلن تمش وحيدا بعد اليوم فمن كان الله معه فماذا فقد ؟! .
أما أصحاب التعاطف الكاذب ممن يتاجرون في قضية البدون ويتكسبون من خلالها فالبدون أغنياء عن تعاطفهم الكاذب ، وهم من العلم والدراية بمكان يستطيعون من خلاله التمييز بين الصادقين والكاذبين في نصرتهم ، وقد صقلتهم نوائب الدهر حتى باتوا يعرفون من يدعمهم حقّا لتحقيق مطالبهم ، وبين من يتسترون خلف صور رمزية يغيرونها في برامج التواصل الاجتماعي ويظنون بعدها بأنهم قد قاموا بما يجب عليهم القيام به ، بل ويتبعون ذلك بالمنّ والأذى ، أو يجعلون قضية البدون أحد نقاط برنامجهم الانتخابي زوراً وبهتاناً .
عزيزي البدون ... قد تكثر الكلمات وتطول العبارات في بيان حجم مأساتك ولكن ثق تماما بأنه لا يعلم عظم ما يقاسي البدون إلا البدون أنفسهم ، ولله در المبدع الوسيم محمد السهلي حين قال :

مع احترامي للقصيدة والخيال .......
ماحسّ باحساس "البدون" إلا "البدون"

عزيزي البدون ... آمُل ألاّ أراك "تمشي وحيدا بعد اليوم" .

2011/12/12

قل لا تمنوا علي تموينكم

ولقد أبيت على الطّوى وأظله
حتى أنال به كريم المأكلِ
عنترة بن شداد

منذ أن فتحت عيني على قضية البدون وأنا أسمع أنها كرة ثلج تتدحرج ، لا أدري كم قطعت كرة الثلج تلك من المسافات أثناء تدحرجها ، لا أدري كم من الحجم بلغت تلك الكرة وهي تتدحرج ، لا أدري متى ستتوقف عن التدحرج ، وهل ستتوقف قسراً أم برغبتها ؟! ، كل تلك التساؤلات تحتاج إلى إجابة وافية بل إجابات ، وهاهم أبناء القضية ينتظرون جهينة ليأتيهم بالخبر اليقين ، وبدلاً من أن يسعفهم الخبر اليقين يفاجؤون بمزيد من الأخبار الكاذبة بين الحين والحين من صحف وقنوات باتت تعشق الرقص على جراحاتهم ، والتكسب من خلال قضيتهم ، عن طريق مانشيتات كاذبة هي للإثارة وتحقيق زيادة في المبيعات أقرب منها للمصداقية ومتابعة القضية عن كثب ، أو عن طريق برامج حوارية هي لدغدغة المشاعر أقرب منها لإيجاد الحلول ، وبدلا من أن يأتيهم جهينة ذو الخبر اليقين ، يطل عليهم رئيس الجهاز المعني بحل قضيتهم ليبشرهم بأن لا بدون في الكويت وأن جهازه المركزي الذي لا يختلف كثيرا عن عمل الجهاز البصري عند المكفوفين لديه من الأدلة والبراهين مايثبت أن من يدعون أنهم بدون هم مقيمون بصورة غير قانوينة ، ويمتلكون جنسيات لدول أخرى ، ليعيد القضية برمتها من جديد إلى المربع الأول ، وليترك كرة الثلج المتدحرجة منذ أمد تستمر في تدحرجها .
يطل عليهم رئيس الجهاز المعني بحل قضيتهم لا ليبشرهم بفرج قريب وحل يلوح في الأفق ، ولا ليصبرهم ويذكرهم بأن النصر مع الصبر ، ولكن ليمنّ عليهم ويذكرهم بالنعم التي تغدق عليهم ليلا ونهارا على حدّ زعمه ، حتى أصبح المواطن الكويتي يتمنى لو أنه بدون ، ويرفع أكف الضراعة مناجياً ربه (ليش ياربّ ما خلقتني بدون) !! ، أوَلا يعلم "فضيلته" بأن ما يؤخذ عنوة وعن طريق الضغط لامنّة فيه للمعطي ولا يحق له أن يتبجح بما أعطى ؟! ، بل المنّة فيه على الآخذ الذي صبر طويلاً حتى مارس ضغطه من أجل الحصول على تلك الحقوق لا الامتيازات كما يحلو للبعض تسميتها ، فكفوا رحمكم الله عن تكرار تلك الأسطوانة المشروخة من ذكر للتموين وشهادات الميلاد وشهادات الوفاة وإعفاء من الرسوم الصحية والتي تتمتع بها حتى بعض الحيوانات – أجلكم الله – في هذا البلد ، وحذارِ من كثرة المنّ بعد العطاء فقد يكون المنّ وبالاً على المانّ كما حصل مع الوزير الراشد والذي تسبب من حيث شعر أم لم يشعر بخروج الآلاف إلى ساحة التحرير بعد لقائه الذي ملأه بالمنّ والتذكير بالمنح والأعطيات ظانّا أن من أجل ماذكر فقط تغضب الشعوب .
حين خرج البدون في فبراير الماضي لم يكن همهم ورقة تثبت أنهم أحياء ، ولا ورقة تثبت أنهم قد وسدوا الثرى ، ولا كيس أرز أو طحين ، فلا أحد منهم مات جوعا قبل تلك المنحة ، ولكنهم خرجوا يحملون أعلام الكويت وصور سمو الأمير من أجل وطن يحبهم ويحبونه ، من أجل وطن يبرون به رغم قلة ما أعطاهم مقارنة بغيرهم ليثبتوا أن الولاء للأوطان لايكون بمبدأ المكافأة وقاعدة خذ وهات ، وأن الفداء والتضحية للأوطان غير مرتبطة بالأوراق الثبوتية ، بل بالمواقف الثابتة ، خرجوا من أجل كرامة سلبت منهم ولم يجدوها من ضمن الامتيازات – زعموا – التي منحت لهم بعد ذلك ، فكفوا رحمني الله وإياكم عن ذكر التموين صبحة وعشيا ، وارحموا عقول الناس قليلا ، فلا شئ أثمن من الكرامة ، ولا ألذ من الجوع إذا غلف بعزة النفس ، واعملوا جاهدين على إيقاف كرة الثلج المتدحرجة والتي أتمنى أن أكون حيّا أرزق حين تتوقف عن التدحرج فكم أعرف من الأحباب من مات وكان يتمنى أن يراها متوقفة إبان حياته لكن الأجل لم يسعفه ، وها أنا ذا أتمنى الأمر ذاته.

منصور الغايب

2011/12/04

من لـ دمّاج ؟!

تبكي دمّاج فلاتجد من يأبه لها ، تقدم كل يوم من أبنائها الصفوة لعلها تلفت انتباه الغيورين من أبناء الإسلام ، فتجازى باللامبالاة ، تطلقها صيحات مدوّية لعلها توقظ النيام من سباتهم العميق : واااإسلاماه ، وااااعروبتاه ، فتواجه تلك الصيحات بأذن من طين وأخرى من عجين .
تطلب الغوث ممن حولها من أخواتها ، فيصدق فيها قول الشاعر :
المستجير بزيد عند كربته () كالمستجير من الرمضاء بالنارِ
فتونس والمغرب وليبيا ومصر وسوريا والسعودية والكويت والبحرين وغيرهن من دولنا العربية ، وأخواتها القريبات منها من محافظات اليمن "غير" السعيد ، كلهن قد شغلن عنها بما ألمّ بهن وما أصابهن ، فأصبحت كل واحدة منهن تصرخ بأعلى صوتها : " نفسي نفسي ، إن "شعبي" قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله " !!
هي دمّاج معقل من معاقل الموحدين في اليمن وقريبة من دار الحديث التي اُسست على التقوى من أول يوم لتكون منارة تنشر بين الناس التوحيد والعلم النافع ، ولتخرج لنا العديد من طلبة العلم الذين عادوا لبلدانهم يحملون بين أيديهم الخير ليبثوا في القلوب الميتة الحياة من جديد ، ويحيوا موات القلوب كما يحيي الماء موات الأرض .
لكن فئة من الناس لا يعجبهم أن يعبد الله وحده دون ما سواه ، ويزعجهم أن ترتفع في الأفق راية لا إله إلا الله خفاقة ، ويصم آذانهم صوت المؤذن وهو يقول حي على الصلاة حي الفلاح ، ويعتبرون مدح صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذمّا لهم ، والذبّ عن عرضه الشريف طعناً في أعراضهم ، فأجلبوا بخيلهم ورجلهم ، وأعدوا العدة والعتاد ، وانقضوا على حين "غفلة" إعلامية ، و "انشغال" عربي واسلامي بقضايا أخرى ، و "ربيع" يذكرنا بالمعيدي الذي أصبحنا نحبذ أن نسمع به ولا نراه ، و "لامبالاة" من قبل البعض بأحوال أمته متناسين أن من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم .
هذه الفئة الظالمة التي كانت من قبل تحاول الظهور في صورة طلاب حق ، نجدهم اليوم يكشرون عن أنياب طائفيتهم البغيضة ، ويشهرون سيوف أحقادهم تجاه أهل السنة والتوحيد في دمّاج ، ويعيثون في الأرض فساداً ، ويعيدون إلى الذاكرة جزءاً مما فعله قبلهم حزب الله في لبنان وما فعله جيش المهدي وفيلق بدر في العراق ، من قتل على الهوية ، وسفك للدماء نتيجة أحقاد طائفية لاترضي مسلماً يتحلّى بالإنصاف .
تبكي دمّاج وحق لها ألا ينقطع بكاؤها ، تنزف ولا يبدو أن نزيفها سيتوقف مالم نبادر في نصرة أهلها ولو بتسليط أضواء الإعلام عليهم ، ليعلم القاصي والداني مدى الوحشية التي يتعرضون لها ، وهي وحشية لا تقل عما يرتكبه بعض الطغاة تجاه العزل من أبناء شعوبهم ، وهم والله في وضع يستحق أن ينال جزءاً من اهتمام قنواتنا الإعلامية لا سيما الإخبارية منها والتي أثبتت فاعليتها في المرحلة الراهنة وأثبتت مقدرتها على إنصاف المظلومين وبيان فداحة الظلم الواقع عليهم .
اللهم انصر إخواننا في دمّاج على عدوك وعدوهم ، اللهم احقن دماءهم ، وصن أعراضهم ، وثبّت الأرض من تحت أقدامهم ، واكسُ عاريهم ، وأطعم جائعهم ، وكن لهم عوناً ونصيراً .

منصور الغايب

2011/11/28

الله لا يغير عليهم

في إحدى دول العالم المتقدم ، اشتكى سكّان إحدى البنايات الشاهقة التي تعانق الغيم وتلثم خدّ السماء ، من تأخر المصعد الكهربائي الذي يستعملونه للصعود والنزول ، وتعالت أصواتهم مطالبين أصحاب القرار في تلك البناية أن يجدوا حلّا سريعا لمشكلتهم ، وبما أن الحل مكلف من وجهة نظر أصحاب القرار فقد فكروا وفكروا وفكروا ، في كيفية إشغال النزلاء وتحويل أنظارهم عن تلك المشكلة ، فقام أحد المهندسين في تلك البناية والذي يبدو أنه من النوع الذي يغار منه إبليس !! ، بوضع مرايا كبيرة في داخل المصعد وبجانب المصعد وفي كل دور من أدوار البناية ، وبالفعل نجحت الخطة ، وخفتت أصوات الشاكين ، ونسي القوم حكاية التأخير الذي سرق منهم أوقاتهم وتسبب في تعطيل أعمالهم ، وأخذ النزلاء أثناء انتظارهم الطويل للمصعد ينشغلون في النظر إلى المرآة ومحاولة تعديل مظهرهم الخارجي ، وترتيب هندامهم ، لاسيما السيدات منهم واللاتي لا يمانعن في الوقوف أمام المرآة لساعات طوال .
وأنا أقرأ تلك الحكاية تذكرت بعض الحكومات التي تنتهج نفس الأسلوب تقريبا  ولكن بصورة مغايرة ، فالحكومات العربية تحاول أن تلفت أنظار الشعوب عن القضايا المهمة ، وعن كشف عوار السلطة ، وإزاحة الستار عن وجهها الحقيقي القبيح الذي لا يختلف كثيرا عن وجه تلك العجوز التي ذهبت إلى العطار ترجو شبابها متناسية أن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر ، وذلك عن طريق إشغالها بأمور أخرى قد لا تكون مهمة أصلا ، أو قد تكون أقل أهمية من القضايا الأساسية المصيرية .
بعض الحكومات تلجأ من أجل إشغال الشعوب إلى تجويعها وجعلها تنهمك في طلب لقمة يسدون بها جوعهم وجوع أبنائهم ، وعما يسترون به عورات بناتهم ، مما يجعلهم في شغل عن متابعة فساد السلطة ، وفي شغل عن المطالبة بالحقوق تزامنا مع أدائهم للواجبات ، ولهذا بتنا نسمع بعض الشعارات التي تصدر من بعض الحكومات من نوعية " جوّع كلبك يتبعك "  !! ، وقد فهم هذه الجزئية دول العالم المتحضر وأنها الطريقة التي يتبعها الطغاة والديكتاتوريون ليحكموا قبضتهم على السلطة وليمارسوا هوايتهم المفضلة في "الدوس" في بطون الشعوب ، حتى قال روزفلت : " إن الفقر والبطالة هما الركائز الأساسية التي تُبنى عليها الأنظمة الديكتاتورية " ، والبعض الآخر يحاول إشغال الشعوب عن طريق إثارة الفتن والقلاقل بين أبناء الشعب الواحد مما يؤدي إلى تفرقهم وتشرذمهم وتقسيمهم إلى فئات من نوعية حضري وبدوي وسني وشيعي وأصلي ومجنّس وغيرها من تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان ، فيصبحون في شغل عن متابعة فساد السلطة ، وبدلا من أن يسلون سيوفهم في وجوه الفاسدين والقبيضة والمرتشين ، تجدهم يسلون سيوفهم في وجوه بعضهم البعض ويصوب كلّ منهم سلاحه نحو الآخر لعله يصيبه في مقتل ، وتختفي قوانين الخلاف الذي لا يفسد للود قضية ، ويصبح طل خلاف مدمرا للود وقاتلا للمحبة والألفة ، وتصبح الأسلحة المحرمة "أخلاقيا" جزءا مهما من اللعبة ، ويصبح الضرب تحت الحزام حنكة ، وهذه الجزئية ليست ببعيدة عنّا .
بذلك يتبين لنا أن الشعوب متى ما كانت تعي مكمن الخلل ، وتنظر إليه متناسية ما سواه ، فإنها ستصل للعلاج إن عاجلاً أم آجلاً ، ومتى ما استطاعت السلطة تشتيت نظر الشعوب بسفاسف الأمور ، وإلهائها بالدون ، انتشرت بين أوساط الشعوب عبارات " كثّر الله خير ابن فلان " ، " وإذا صب لك فلان مرق افرش له شليلك " ، "واليد اللي ماتقدر تقطعها بوسها" ، و" وإذا لك حاجة عند الكلب قوله ياعمّي " ، وغيرها من عبارات الخنوع التي تنبئ عن شخصية لا تعرف ولا تعي معنى المواطنة ومالها من حقوق وما عليها من واجبات ، وتظن أن ما تحصل عليه من حقوق هي من باب المنح التي تصرف من جيوب أصحاب السلطة ، ما كانوا ليحصلوا عليها لولا وجود فلان وفلان ، ويرفعوا أكف الضراعة للمولى سبحانه مرددين " الله لا يغيّر علينا " .

2011/11/22

كشكول ...

.
.
.
.... هل أنت حزين ؟!
هل تعلم أن بسبب حزنك ... كان للضحك ... لذة ... ؟!
.
.
.
رجلٍ بليّا صبر ...
ماله أبد وزن ...
مثل الغريـ ......... ـب ...
اللي مضيع طريقه ...
والضحك ...
ماله طعم ... إلا بعد حـ ..... ـزن ...
رِح علّم اللي ... مانشف يوم ريقه !!
.
.
.
مادمت معكَ / معكِ ....
فأنا لا أهتم بما يدور حولي ...
فهدوء حبك ... ينسيني صخب الأحداث .... حولي ...
.
.
.
شفت الزمان الي من الضيم ... ورّاك ؟!
وشفت الفراق ؟!
اللي بغفلة ... سرقنا ؟!
مادامني يامنية الرّوح ... ويّاك ...
ما همّني ... لونا ... ببحره غرقنا ...
.
.
.
أمطري ... ياغيوم المحبة ....!!
ياكثر نشتاق لـ مطر ...
يغسل همومٍ في الصدر ...
في حضرته ...
في غيبته ...
في رقّته ...
في هيبته ...
في شدّته ...
في طيبته ...
حتى يقينه ... وريبته ...
ما يشبهه أيّة ... بشر ...
يا كثر نشتاق لـ مطر ...
.
.
.
هنا ... كالعادة .. مزقت صفحة الكشكول ... ورميتها ...!!
.
.
.
منصور ...

2011/11/21

امسح دموعك ياوطن

امسح دموعك ياوطن ، فإنما هنّ أيام قلائل سيميز الله فيهن الخبيث من الطيب ،وإنما هو تمحيص لا أكثر ليعلم كل من على أرضك من هم الذين صدقوا ومن هم الكاذبون ، وإنما هي آلام مخاض تسبق ولادة الفرح بقليل ، وتسبق إخراج الأذى من الجسد فهكذا هي الأرض الطيبة دائما تنفي خبثها وتطرد سقطها ، امسح دموعك ياوطن فدموعك غالية على أبنائك البارّين بك ، امسح دموعك ياوطن فمن قوتك نستمد القوة ، ومن صبرك وجلدك على مرّ السنين نستمد الصبر والجلد ، وبوقوفك في وجه رياح المعتدين نذكر أقدامنا دائماً لتظل واقفة في وجه رياح الفاسدين ، ومن عبق ترابك نستنشق رائحة طهرك التي حاول المخربون أن يخلطوها برائحة عفن أفعالهم ، لكنهم خابوا وخسروا .
لا تبكِ يا وطن فهي شدة وستزول ، لا تبكِ يا وطن فلست بالهين على أبنائك ، أنت كالأم ياوطن ، تحن على جميع أبنائها ، ولا يبر بها إلا الصالحون من أبنائها ، وأنت كالأب يطعم كل أبنائه ، ولا يقبل يده إلا البارّون به من أبنائه ، وأنت كالبيت يؤوي الجميع ، ولكن لا يهتم بإصلاحه إلا من عرف قيمته .
أعلم علم يقين يا وطن بأنك تحب أبناءك الصالحين ، ترمقهم من بعيد ، تعرفهم بسيماهم ، تقرأ بين عينيهم كلمة "وطن" ، تعلم ياوطن أن حبك ليس بحاجة أوراق ثبويتة و مستندات رسمية ، لكنّ حبك شئ وقر في القلب وصدقه العمل ، فالوطنية إدعاء إن صلح صلحت سائر أعمال الفرد تجاه وطنه ، وإن فسد فسدت سائر أعمال الفرد تجاه وطنه ، ومن كان يظهر الوطنية ويبطن خلافها فسيفضحه الله بفلتات مواقفه وسقطات حديثه .
ابتسم ياوطن ، فلا بد لليل الفساد وإن طال أن ينجلي ، ولا بد لأصفاد الانبطاح وإن قويت أن تنكسر ، ولا بد لشمس الحق وإن احتجبت مكرهة أن تسطع لتمزق خيوط أشعتها ثياب الظلام البالية ، ولا بد لأذان الفجر أن يصدح ليقطع الكوابيس التي آذت النائمين ، ولا بد من وميض يأتي من بعيد ليخبرنا بأن المخرج من هذا الكهف المظلم بات قريباً جديداً .
لك من يمسح دموعك ياوطن ، لك من يعمل من أجلك ليل نهار لتبتسم ياوطن ، لك من  يمسح عن جبينك عرق الحكومات السبع العجاف التي مرت عليك ياوطن ، لك من هو أكثر حكمة من بعض أبنائك الذين غيّبت غيرتهم تجاهك بعضاً من حكمتهم ، وأساؤوا لك على حين "غيرة" وأنت تلتمس لهم العذر بلاشك ، ابتسم فقط ابتسم فإن لك من يحبك ياوطن .

2011/11/19

حديث الشيب !!

يستيقظ في غيرما دوام ، فيقرر أن يغير بعضاً من روتينه الممل ، وأن يتخلص من بعض رسميته التي طالما قيدته وكبحت جماح شبابه الثائر رغم وسائل القمع العديدة التي يتعرض لها يوميا على يد ظروف زمان لا يرحم ، يقرر بعد شد وجذب في داخله أن يتخلى عن شماغه الأحمر الذي يذكره بالحرية الحمراء على حدّ قول أمير الشعراء شوقي :
وللحرية الحمراء باب () بكل يد مضرجة يدق
فهو لايحب التطرق لمثل هذه المواضيع أو فلنقل لا يمتلك من الوقت ما يكفي للتطرق لها ، فجُلّ ما يمتلكه من وقت وزعه بين السعي في طلب الرزق ، وبين النوم من أجل الاستعداد لطلب الرزق مرة أخرى ! ، كما يقرر أن يتخلى عن عقاله الأسود والذي يظن أنه استمد سواده الحالك من اسوداد الدنيا في عينيه .
يقف أمام جزء مرآة متباهيا بشعره الأسود ، يرجله بفرشاة شعر قد أكل الدهر عليها وشرب وغسّل يديه أيضا !! ، يلفت نظره وجود شعرات بيض في مفرق رأسه ، يصيبه الهلع ، فذاك هو النذير الذي ورد في قوله تعالى (وجاءكم النذير) ، يحاول أن يدسدسهن تحت أخواتهن السود فمنظرهن منافٍ تماما لعمره ، فتلفت انتباهه شعرة بيضاء هناك ، وأخرى هناك ، وأخرى هناك ، يعلم بأن محاولته بلملمة الموضوع كما تفعل وزارة الداخلية مع فضائح قياديها قد باءت بالفشل ، يظل يرمق تلك الشيبات من خلال المرآة ، يحاول أن يقيم معهن علاقة صداقة عله يفلح في اقناعهن بالعودة لسوادهن ، يستمع لهن وهن يتحدثن ، تقوم كل واحدة منهن بسرد فاصل طويل لا ينتهي من المأساة ، وتذكره بما لايحب أن يتذكره عله يغفر لهن بياضهن ، وقبل أن تختم حديثها تقاطعها أختها لتكمل سرد باقي القصة وتذكر أختها ما قد نسيت ، فالموضوع أشد من أن تستحضره ذاكرة شيبة !! ، وهو يستمع في إعجاب تارة لبلاغة حديث ذلك الشيب ، وفي ذهول تارة أخرى إذ كيف لشيب أن يتحدث !! .
حوادث الزمان ومصائبه هي التي أوجدت ذلك الشيب وهي القادرة على إنطاقه ، وصروف الدهر هي التي أزالت سواده وأحالته بياضاً وهي القادرة على أن تزيل عجمته لتقلبها فصاحة ، وعوامل القمع اليومية من همّ وغمّ وحزن هي التي ساهمت في تشكيل جبهات معارضة له وانتشاره بين فئات مجتمع الشعر الأسود .
ييأس صاحبنا من محاولة حل الإشكال بشكل ودّي ويعلم أن الأمر قد خرج عن السيطرة ، ويحاول أن يستذكر من هو أكثر منه ابتلاء بسطوة ذلك الشيب ، فيمر بباله قول الشاعر :
الشيب جاني وأنا جيته () ونفسي من الشيب مستحية
لو هو على الراس غطيته () مير البلا صار باللحية
فيحمد ربه على سلامة شعر لحيته والذي بلا شك يقول لشعر رأسه : أنتم السابقون إلى الشيب وإنّا - الله لا يقوله - بكم لاحقون ، فيعود لشماغه الأحمر ، ويقبله بحرارة ويقدم له اعتذاره ويزينه بعقاله الأسود ، وكأنه يريد أن يقول بأن قراره بترك بعض من رسميته ولو ليوم واحد كان قرارا خاطئاً ، ويتغنى بقول زهير :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش () ثمانين حولاً لا أبا لك يسأمِ
ويقول في نفسه : سئمتها بعد ثلاثين حولا يازهير !!
ذاك هو حديث الشيب ... قف أمام المرآة وحتماً ستسمعه .

منصور الغايب

2011/11/14

على هامش فضيحة !!

تأتي الفضائح تلو الفضائح فيصرخ القوم : "ياللهول" ويصرخ محبو "فارس عوض" : "ياربّااااااه" وكأنهم قد تفاجؤوا بأن البلد يعيش على كف "فضيحة" ، نغمض أبصارنا لأمد غير محدود ولا نفتحها إلا على وميض فضيحة ، فنبدأ بالصراخ والعويل ، الفضائح وحدها هي التي توقظ ضمائرنا ، فكل مخالفة للقانون وكل امتهان لكرامة إنسان لا ينتهي بفضيحة فهو لا يزعجنا بل نودعه بعبارة "مخالفة تفوت ولا حدّ يموت".
كان قدر "الميموني" – رحمه الله – أن يموت ليخبرنا أن خلف الأبواب المغلقة في غرف التحقيق أناساً تصرخ من هول التعذيب والتعسف في استعمال السلطة ، ولو لم يمت "الميموني" - رحمه الله – لقلنا له : كل "تعذيب وأنت طيب" !! ، وكان قدر تلك الفتاة أن يجدها "الوازع" وهو ممتلئ من الوازع الديني والأخلاقي لكي نعلم عن ممارسات لا أخلاقية ممن يتوقع منهم أن يكونوا هم من يحافظ على الأمن في البلد ، ولولا "الوازع" ذو الوازع لما فتحت الأعين ولما استيقظ النوّم ولما أصبح باب النجّار مخلّعا بل ضل موصداً بإحكام لكي لا نعلم ما وراءه ، وهانحن في انتظار فضائح قادمة علّها تكشف عن سوء إدارة أو عن وجود مظلومين في هذا البلد باتوا يرفعون أيديهم قائلين : ياربّ فضيحة ... يارب فضيحة ، لأنهم علموا أن الفضائح وحدها هي من تجعل أصحاب القرار يلتفتون لهم ، ففي بلدي يبقى الحال على ماهو عليه وعلى المتضرر أن يلجأ لـ "فضيحة" .
من المضحك والمثير للاستغراب معاً هو أن ننتظر وقوع الفضائح حتى نتحرك لمعرفة الخلل ومحاولة إصلاحه ، العقلاء لا ينتظرون وقوع المشاكل حتى يبادروا بحلها ، والعقلاء لا يجعلون من المشاكل الواقعة وسيلة للتكسب السياسي والمزايدة السياسية ، والعقلاء لا يرقصون على جراحات الآخرين بل كل همهم أن يصلح الله البلاد والعباد .... وبلا فضائح !! ، والعقلاء يسارعون في تجهيز الدواء قبل الفلعة ، وغير العقلاء والمتكسبون هم من يسارعون في تجهيز العويل والصراخ بعد الفلعة .
ومن باب "الشئ بالشئ يذكر" فقد غرّد النائب الفاضل وليد الطبطبائي معلقا على "الفضيحة" فلم يوفق من وجهة نظري ، وحبّذا لو تمهل أبو مساعد في بعض تغريداته التي تحسب عليه كنائب عن الأمة وراجعها جيدا قبل أن يرسلها ، وهذا أمر مطلوب من كل مغرد لكنه يتأكد في من كان نائبا عن الأمة ، فارجاعه سبب ما حصل نتيجة (الحوبة) أمر يترتب عليه أمور منها تزكيته لنفسه ومن معه بأنهم من الصالحين الذين لهم حوبة والله يقول (فلاتزكوا أنفسكم) وحبذا لو كانت تلك الكلمة صدرت من غيره كتزكية له هو ومن معه من زملائه فالناس هم شهداء الله في أرضه ، كما أنه المفهوم المخالف لعبارته يتضمن التنقص من كل مظلوم لم يتبين أثر حوبته فيمن ظلمه ، فهل البدون – على سبيل المثال - الذين يعانون من الظلم جهارا نهارا ليس لهم حوبة ؟! لاسيما وأن بعضهم من أصحاب العلم ومن المشايخ الفضلاء الذين نعلم من صلاحهم أكثر مما نعلم من صلاح أبي مساعد ، وهل الوافدون الذين يتعرضون للظلم من بعض أرباب الأعمال وبما يشبه تجارة الرقيق ليس لهم حوبة وهم من تحقق في حقهم كثير من أمور استجابة الدعوة كالفقر والسفر والاغتراب وعدم الاكتراث بهم ؟! ، قليل من التروي وقليل من الحكمة قد يعصمان المرء من الزلل .
في الختام ... جنّبكم الله شر الفضائح ورزقكم خيرها فالفضائح في بلدي فيها خير وشر وخيرها أكبر من شرها !! .
منصور الغايب

2011/11/09

عذراً أم كلثوم ..!!

لا أظن انه قد خطر ببال السيدة أم كلثوم وهي تصدح ليلة كل عيد ، فطراً كان أو أضحى " ياليلة العيد آنستينا " بأن مع مرور الوقت لن يكون لليلة العيد كل ذلك الأنس والبهجة الذي ذكرتها أم كلثوم ، تغيرت الأمور وتبدلت الأحوال فلا العيد أصبح عيداً إلا باسمه ولا الفرح أصبح قريناً بالأعياد والمناسبات ، بل على العكس تماماً أصبحنا لا نشعر بقرب قدوم العيد إلا من خلال الزحام الذي نراه في الأسواق ومن خلال تهافت الناس على شراء مستلزمات العيد ، وأصبح العيد لا يتجاوز الساعات الأولى من صباح يوم العيد وبعدها كأن "عيداً" لم يكن !!
صدحت أم كلثوم قائلة " ياليلة العيد آنستينا " لكنها لم يخطر ببالها أن ملايين السوريين هذا العام لا تؤنسهم ليلة العيد فهم يخشون أن يكونوا أضحية العيد التي يقدمها الجيش السوري قربانا لزعيمه "النعجة" ، ولم يخطر ببالها أن ملايين العراقيين لا زالوا يخشون التفجيرات المتعاقبة التي حصدت الأرواح ولا يعرف مصدرها فالكل يرمي التهمة في حضن الآخر ، ولم يخطر ببالها ملايين الفلسطينيين في غزة والذين باتوا يرددون الشهادتين مع كل أزيز للطائرات يسمعونه ، فلعل أن يكون آخر كلامهم " لا إله إلا الله " ، ولم يخطر ببالها ملايين الصوماليين الذين عشق الجوع أجسادهم المنهكة وبات يحصدهم جماعات لا فرادى ، ولم يخطر ببالها ملايين اليمنيين الذين أمطرت عليهم السماء رصاصاً دون أن يصلوا لذلك استسقاءً !! .
في بلدي أيضاً لم تصبح ليلة العيد مؤنسة كما كانت في السابق وأصبحنا نسمع ولا نرى بالمثل القائل " ليالي العيد تبين من عصاريها " ، ولم يعد يطرب أهل بلدي عوض دوخي وهو يردد "العيد هلّ هلاله" ، ففي كل عام نختلف في متى يهل هلال العيد ياعوض وأنت الوحيد الذي لا يعنيك ذاك الاختلاف !! ، لم يعلم عوض دوخي وهو يقول " العيد هلّ هلاله " بأن الغلاء الفاحش في الأسعار سينسي الناس فرحة العيد وسيذكرهم بفرحة التجار الجشعين فقط ، ولم يعلم بأن الشرفاء من أبناء البلد أحزنهم الفساد المستشري في البلد وأتعب حناجرهم النكير ، وأفرغت محابرهم الكتابة ، فلم يعد يفرحهم العيد بل عيدهم هو انتهاء حقبة الفساد ، ولم يعلم عوض دوخي بأن هناك أسيرين كويتيين يقبعان في غوانتنامو لا تأبه لهما الحكومة لا يشعران بفرحة هلال العيد ، وأن هناك محتجزا في إيران نسته أو تناسته الحكومة ، لا يعلم هل هلّ هلال العيد أم لم يهلّ ؟! ، وأن هناك شباباً من أبناء البلد سيقضون العيد في توجس خشية الملاحقات الأمنية لهم بسبب إبداء الرأي الذي كفله لهم دستورهم ، وأن هناك أكثر من مائة ألف من البدون يعيشون بين ظهراني إخوانهم لا تعني لهم فرحة العيد شيئاً سوى الإنهاك المادي لمن لديه راتب ، أو الحرقة في القلب والغصة في الحلق لمن لا يمتلك راتباً ويعول أطفالاً ، أما فرح العيد فهم لا يعرفونه إلا من خلال أغنية عوض دوخي تلك .
اسمحي لي يا أم كلثوم فليلة العيد لا تؤنسنا ، واسمح لي يا عوض دوخي فهلال العيد لم يعد يفرحنا ، واسمحوا لي أيها المضطهدون في عالمنا العربي أجمع فليس لكم الحق في الفرح يوم العيد ، وكل ما يحق لكم هو أن تجتمعوا في صعيد واحد في ساعات الفجر الأولى ليوم العيد لتقولوا بصوت واحد  :
عيدٌ بأي حال عدت ياعيدُ
بما مضى أم بأمر فيك تجديدُ


منصور الغايب

2011/11/04

تجنيس الشيخين ...!!

قبل أيام قلائل حصل الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق والشيخ عبدالله السبت على الجنسية الكويتية التي أسأل الله العلي القدير أن يجعلها فأل خير لهما وأن يعينهما على رد الجميل لهذا البلد المعطاء الذي احتضنهما ، ولست هنا بصدد مناقشة هل يستحق الشيخان الحصول على الجنسية أم أنهما لا يستحقان ذلك ، مع اعترافي بأقدمية تواجدهما في البلد والتي ترجع إلى عام 1965 تقريباً ، وبالنسب الذي يجمعهما بعوائل الكويت ، وبكونهما أصحاب تأثير على العديد من الشباب المتدين ففتوى واحدة منهما قد تفعل ما تعجز عنه العديد من الخطب في ساحة الإرادة ، كما أن الخدمات الجليلة التي قدماها للدعوة السلفية لاسيما في بداية انتشارها في الكويت وتخريج العديد من الشباب طلبة العلم على يديهما بغض النظر عما انتقده كلٌّ منهما على الآخر أو ماانتقد عليهما جميعاً من أخطاء في طريقتهما ومنهجهما فليس هذا بمجال الخوض فيها ، لتعتبر شفيعا لهما من أجل الحصول على الجنسية دون وجود معارضة شعبية كبيرة كما حصل عند حصول آخرين في السابق .
كما أنني أرفض المقارنة بين حصول الشيخين على الجنسية وبين حصول بعض الفنانين والمطربين للجنسية في السابق فشتان بين الأمرين ، لكن ما يثير الدهشة والريبة في آن واحد معاً هو توقيت إعطاء الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق والشيخ عبدالله السبت الجنسية الكويتية ، فالبلد على صفيح ساخن والأوضاع تغلي والتوتر يسود الأجواء على جميع الأصعدة ، ورغم ذلك كله يظهر من بين هذا الركام قرار بتجنيس بعض الأفراد ممن يحملون جنسية دولة أخرى وليسوا من عديمي الجنسية ومن ضمنهم طبعاً الشيخين عبدالرحمن وعبدالله ، وهذا يدعونا للعديد من التساؤلات التي وإن اخترنا ألا نطرحها بأنفسنا فإنها تطرح نفسها رغماً عنّا ، قاتل الله الفضول !!
هل كان قرار منح الجنسية للشيخين عبدالرحمن وعبدالله كتثمين لمواقفهما المناهضة للاستجوابات المقدمة لسمو رئيس الوزراء باعتبار أن تلك الاستجوابات ستقود البلد إلى فتنة ؟! مستذكرين ذلك البيان الذي أنزله الشيخ عبدالرحمن والمتضمن نصيحته للمستجوبين بسحب الاستجواب المقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء ، وهل قرار منح الشيخين عبدالرحمن وعبدالله الجنسية يعتبر مناورة حكومية من أجل استمالة قلوب بعض التيارات في البلد عن طريق كسب ودّ أصحاب التأثير فيهم وأن الشيخين عبدالرحمن وعبدالله عوملا معاملة المؤلفة قلوبهم بمنحهما الجنسية ؟! وهل سيقف الحال عند الشيخين عبدالرحمن وعبدالله أم لا بأس باستعمال نفس الأسلوب مع رموز أخرى ولطوائف أخرى أيضاً ؟! وهل مثل هذا التجنيس يعتبر تجنيساً سياسياً أم لا ؟! وإن لم يكن فماهو التجنيس السياسي ؟! .
إنّ صدور مثل هذا القرار وفي مثل هذا التوقيت ليعطينا مؤشرا واضحا على أن الحكومة باتت تفكر في العديد من الحلول لتقوية شوكتها وباتت تحرص على احتواء العديد من أصحاب التيارات والمناهج الذين عرفت مدى تأثيرهم في الحياة السياسية وإن كانت هذه المعرفة قد أتت متأخرة ولكنها على أية حال خير للحكومة من ألا تأتي البتة ، كما أنه يعطينا مؤشرا على أن الحكومة ستستخدم كل ما بجعبتها من أسلحة للوقوف ضد هدف المعارضة المنشود وهو إسقاط الحكومة عن طريق الشارع فالشيخ عبدالرحمن والشيخ عبدالله لهما من التأثير على الشباب المتدين بالتحديد الشئ الكثير .
وأمّا البدون فأعلم علم يقين أن الخبر وقع عليهم كالصاعقة ، ففي الوقت الذي ينتظرون فيه حل مشكلة تجنيسهم من بين ركام الحجج المتناثرة من نوعية : التجنيس أمر سيادي ، والمحافظة على النسيج الاجتماعي ، والوقوف ضد التجنيس السياسي ، إلا أنهم يجدون أن الجنسية باتت تستعمل كوسيلة للمقايضة السياسية والتكسب السياسي ، ويجدون أن من يتم منحهم الجنسية هم ممن لديهم جنسيات أخرى ، فلا عجب أن يصيبهم الإحباط وأن يشعروا بخيبة أمل ولسان حالهم يقول : لقد حان للبدون أن يمدوا أقدامهم !! .

منصور الغايب

2011/11/01

الإضراب ... "من حيث المبدأ"

الإضراب ... "من حيث المبدأ"

لايكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن إضراب موظفي إحدى وزارات الدولة عن العمل من أجل إقرار كادر لهم أو طلباً لزيادة رواتبهم أو حتى من أجل أمور أخرى كالاعتراض على نظام البصمة مثلاً ، وبتنا نرى المواطنين يتناقلون فيما بينهم أخبار تلك الإضرابات ويحثون بعضهم البعض على إنجاز شؤون حياتهم من معاملات وسفر وغيرها قبل مواعيد تلك الإضرابات .
قبل فترة أرسل لي صديق رسالة مفادها إذا كان لك معاملة في المكان الفلاني فأسرع بإنجازها فسيبدأ إضراب موظفي ذلك المكان ابتداء من يوم الأحد القادم !! ، وأعرف صديقا لي كان مدعواً على عشاء في المملكة العربية السعودية فاضطر إلى السفر ظهراً بسبب الإضرابات !! ، والأمثلة كثيرة وهي أكثر من أن تحصر .
 لست هنا بصدد مناقشة موضوع الإضرابات من جهة شرعية ولا حتى قانونية فأنا من الذين يعطون الخباز خبزه حتى لو أكل نصفه ، ولست بأهل للخوض في ذلك ، ولكنني أريد أن أوجه كلامي لبعض المضربين لمعرفة مدى إيمانهم بالإضراب "من حيث المبدأ" مع تحفظي على العبارة الأخيرة التي صارت مثاراً للسخرية في الآونة الأخيرة وحُقّ لها أن تصير !! .
لا أحد يقلل من قوة الإضرابات والاعتصامات ومدى جدواها في الضغط على أصحاب القرار من أجل إقرار قانون أو إلغاء قانون ، ولكن ياترى هل هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لذلك ؟! أم أن هناك ما يغني عنها ابتداءً على الأقل ؟! وهل هي من الوسائل المطروحة على طاولة الحلول دائماً أم أنها كالميتة يلجأ إليها عند الضرورة فقط ؟! كل تلك الأسئلة تحتاج لأجوبة دقيقة منك أنت بالذات عزيزي المضرِب ، فدعني أرى مدى إيمانك حقيقة بالإضراب "من حيث المبدأ" أولاً ومن ثمّ لك كامل الحق في المضي قدماً في إضرابك .
عزيزي المضرب ، هل كل المهن قابلة لأن يدخل عليها الإضراب كوسيلة للحل ؟! أم أن هناك مهن هي أسمى من أن يتخللها الإضراب والمساومة ؟! ، وماذا لو أضرب الأطباء عن علاج المرضى هل ستقبل ؟! ولو أضرب الخطباء عن إلقاء خطبة الجمعة هل سنلغي الجمع ؟! ولو أضرب رجال الشرطة عن عملهم هل سنكتب على المخافر "مغلق للصلاة" مثلاً ؟! وهل أنت مع كل إضراب يقوم به موظفون يرون أنهم على حق وأن لهم مطالب يجب أن تتحقق ؟! أم أنك تقصر ذلك الحق في المطالبة على أناس دون أناس وتجعل ذلك الحق كالخيمة تدخل فيه من تشاء وتخرج منه من تشاء ؟! ، وهل ستقف جنباً إلى جنب مع الوافدين إذا قاموا بعمل إضراب لنيل بعض الحقوق التي حرموا منها ؟! أم أنك ستتعامل مع ذلك الإضراب بعبارة "قلعتهم نجيب غيرهم" ؟! ، وهل ستتعاطف مع خادمتك ميري وأخواتها إذا أضربن عن العمل بسبب تأخر رواتبهن لأشهر عدّة تحت عدة ذرائع أسخفها "أخشه لك عشان ما تصرفينه" ؟! أم أنك ستتعامل بفوقية وتنسى أن كلنا أبناء تسعة وكأنك لم تسمع قطّ بحديث "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" ؟! ، وهل ستعذر عمال النظافة من الجالية البنغالية الذين يحرمون من أبسط حقوق العمالة حين يضربون عن العمل ؟! أم أنك ستصدمهم بعبارة "زين يسوون فيكم" ؟! ، وهل ستحترم كل إضراب حتى لو أدى لتعطيل مصالحك وتأجيل سفرك وتأخير علاج أطفالك ؟! أم أنك سترفع يديك إلى السّماء وتقول : "الله لا يوفقكم" ؟! وهل ستضمن عدم تكرار تلك الإضرابات بعد سنة أو سنتين ؟! أم أن ماكان وسيلة للضغط اليوم لا بأس بأن يصبح وسيلة للضغط غداً ؟! .
بناء على أجوبتك على تلك الأسئلة عزيزي المضرب ، ستعرف مدى إيمانك بحق الإضراب "من حيث المبدأ" ، وحين تجدك مؤمناً بذلك حق الإيمان فاعلم بأنني سأشد على يديك وسأقف احتراماً لك وأدعو لك بدوام التوفيق وبسرعة تحقيق مطالبك .
أعلم تماماً بأن ضعف الحكومة والفساد الإداري والمالي المستشري في البلد والذي أزكمت رائحة عفنه الأنوف ، هو ما يجعل البعض لا يثق بالوعود الحكومية في تنفيذ مطالب المضربين ، وأنا أعذرهم في ذلك ، ولكنني أقول لهم اصبروا أيها الأخوة فمطالبكم حقّة ولا ريب ، ولكن حذارِ أن تكونوا عوناً "للشيطان" على بلدكم .

منصور الغايب