أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
إني أخاف عليكمُ أن أغضبا
جرير
لا تُعجب عاقلا البتة ، ولا تُرضي حكيماً أبداً ، تلك الإزدواجية التي
"كانت" تتعامل بها الحكومة مع بعض القضايا المصيرية التي من شأنها أن
تضر بالبلد ووحدته الوطنية ، وقلتُ
"كانت" على اعتبار أننا على أعتاب حكومة جديدة للتو انتهينا من ترديد
عبارة "اللهم إنّا نسألك خيرها وخير مافيها ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما
فيها" ، كما أننا نتمنى أن تكون هذه الحكومة ذات نهج جديد مع يقيني بأن
الحكومة تسأل الله العلي القدير أن يكفيها شرّ "نهج" وأخواتها ، ورغم أن
ليالي العيد تبين من عصاريها ، فإني لا أرى بعد عصرنا ليلة عيد ، بل أشعر بليل
طويل سيجعل أعقلنا يردد "ياليل مطولك" ، وكيف لا وأنا أرى رؤوسا قد
أشرفت على الوصول لكرسي البرلمان من شأنها أن تؤجج الصراع من جديد .
كانت الحكومة السابقة – رحمها الله – تتكلم كثيرا عن الوحدة الوطنية
واحترام أبناء القبائل وعدم إثارة الفتنة الطائفية وعدم إثارة كل ما من شأنه أن
يضر بالبلد وأمنه ، وأن يؤجج الضغينة بين أفراد المجتمع ، كل ما سبق كلام جميل
تشعر وأنت تقرؤه أنك تسير بين حدائق من الورود الغنّاء ، وأنك تسرح وتمرح بين
أشجار التين والرمان ، ولكن الحقيقة أن أيّا مما سبق لم يكن يطبق على أرض الواقع ،
بل كانت الحكومة – قصدت أم لم تقصد – هي من تساهم في تأجيج الصراع دائما وأبدا عبر
إطلاق العنان لسفهاء القوم الذي ولغوا في إناء القبايل فنجسوه ، وهتكوا أستار
العيب والحياء ، وراحوا على مرأى ومسمع من الحكومة يقومون بتسديد ضربات موجعة
للوحدة الوطنية حتى أصبحت "الوِحدة" الوطنية من جرّاء تلك الضربات كأنها
"وَحدة" مسكينة تستنجد بالمارّين في الطرقات ، ولولا حفظ الله ورعايته
لهذا البلد ، الذي ولله الحمد لا زال يعج بالكثيرين من أهل الخير وأصحاب الضمائر
الحية وكثير من الأتقياء الأنقياء ، لحدث ما لا يحمد عقباه .
في قضية البدون أيضاً مثال واضح على تلك الازدواجية وذلك التمايز في الطرح
، ففي الوقت الذي كانت الحكومة تحاول تهدئتهم وإطلاق الوعود لهم وتذكيرهم بأنهم
أبناء الكويت ، كان البعض يخوضون في أعراضهم ويرمونهم بأبشع الأوصاف التي تتضمن
ظاهرا وباطنا الطعن في أنسابهم وانتماءاتهم على مرأى ومسمع من نفس الحكومة التي
كانت تخدرهم بالوعود بين الحين والحين ، ولولا حبهم الذي لا يضاهي لبلدهم الكويت ،
لحدث ما يسوء أيضاً .
من تلكم الدروس يجب أن تستقي الحكومة الجديدة الفوائد وتستخرج العبر ،
ولتعلم أن المحافظة على الوحدة الوطنية يبدأ عن طريق إحكام السفهاء وشد الوثاق
عليهم وإلجام أفواههم ، وردعهم عن الافساد في البلاد ونهش أجساد العباد ، وعدم التودد
لهم وإعطائهم أكبر من منزلتهم التي أنزلهم الله إياها ، وتذكيرهم بأنهم وإن
امتلكوا الأموال والقنوات والصحف فهم سقط من القوم كثرت أموالهم وقلّت مروءتهم ،
ارتفعت أرصدتهم وانحطت أخلاقهم ، وشتان بين الحالين .
كما يجب على الحكومة الجديدة أن تعلم أن امتصاص عضب الجماهير مهارة لا
يتقنها إلا الحكماء وأصحاب الرأي السديد ، وأن النزول للغة خطاب الشارع ومواجهة
العناد بالعناد لا توصل إلى برّ الأمان ، وأن السفهاء في كل عصر ومِصر كانت
أقوامهم تحرص على إحكامهم وإلجامهم خشية أن يغضب المقابل ، وأخذا بنصيحة جريرٍ على
الأقل .