2012/01/22

قاتل الله الجحاويين


أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
إني أخاف عليكمُ أن أغضبا
جرير
لا تُعجب عاقلا البتة ، ولا تُرضي حكيماً أبداً ، تلك الإزدواجية التي "كانت" تتعامل بها الحكومة مع بعض القضايا المصيرية التي من شأنها أن تضر بالبلد  ووحدته الوطنية ، وقلتُ "كانت" على اعتبار أننا على أعتاب حكومة جديدة للتو انتهينا من ترديد عبارة "اللهم إنّا نسألك خيرها وخير مافيها ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها" ، كما أننا نتمنى أن تكون هذه الحكومة ذات نهج جديد مع يقيني بأن الحكومة تسأل الله العلي القدير أن يكفيها شرّ "نهج" وأخواتها ، ورغم أن ليالي العيد تبين من عصاريها ، فإني لا أرى بعد عصرنا ليلة عيد ، بل أشعر بليل طويل سيجعل أعقلنا يردد "ياليل مطولك" ، وكيف لا وأنا أرى رؤوسا قد أشرفت على الوصول لكرسي البرلمان من شأنها أن تؤجج الصراع من جديد .
كانت الحكومة السابقة – رحمها الله – تتكلم كثيرا عن الوحدة الوطنية واحترام أبناء القبائل وعدم إثارة الفتنة الطائفية وعدم إثارة كل ما من شأنه أن يضر بالبلد وأمنه ، وأن يؤجج الضغينة بين أفراد المجتمع ، كل ما سبق كلام جميل تشعر وأنت تقرؤه أنك تسير بين حدائق من الورود الغنّاء ، وأنك تسرح وتمرح بين أشجار التين والرمان ، ولكن الحقيقة أن أيّا مما سبق لم يكن يطبق على أرض الواقع ، بل كانت الحكومة – قصدت أم لم تقصد – هي من تساهم في تأجيج الصراع دائما وأبدا عبر إطلاق العنان لسفهاء القوم الذي ولغوا في إناء القبايل فنجسوه ، وهتكوا أستار العيب والحياء ، وراحوا على مرأى ومسمع من الحكومة يقومون بتسديد ضربات موجعة للوحدة الوطنية حتى أصبحت "الوِحدة" الوطنية من جرّاء تلك الضربات كأنها "وَحدة" مسكينة تستنجد بالمارّين في الطرقات ، ولولا حفظ الله ورعايته لهذا البلد ، الذي ولله الحمد لا زال يعج بالكثيرين من أهل الخير وأصحاب الضمائر الحية وكثير من الأتقياء الأنقياء ، لحدث ما لا يحمد عقباه .
في قضية البدون أيضاً مثال واضح على تلك الازدواجية وذلك التمايز في الطرح ، ففي الوقت الذي كانت الحكومة تحاول تهدئتهم وإطلاق الوعود لهم وتذكيرهم بأنهم أبناء الكويت ، كان البعض يخوضون في أعراضهم ويرمونهم بأبشع الأوصاف التي تتضمن ظاهرا وباطنا الطعن في أنسابهم وانتماءاتهم على مرأى ومسمع من نفس الحكومة التي كانت تخدرهم بالوعود بين الحين والحين ، ولولا حبهم الذي لا يضاهي لبلدهم الكويت ، لحدث ما يسوء أيضاً .
من تلكم الدروس يجب أن تستقي الحكومة الجديدة الفوائد وتستخرج العبر ، ولتعلم أن المحافظة على الوحدة الوطنية يبدأ عن طريق إحكام السفهاء وشد الوثاق عليهم وإلجام أفواههم ، وردعهم عن الافساد في البلاد ونهش أجساد العباد ، وعدم التودد لهم وإعطائهم أكبر من منزلتهم التي أنزلهم الله إياها ، وتذكيرهم بأنهم وإن امتلكوا الأموال والقنوات والصحف فهم سقط من القوم كثرت أموالهم وقلّت مروءتهم ، ارتفعت أرصدتهم وانحطت أخلاقهم ، وشتان بين الحالين .
كما يجب على الحكومة الجديدة أن تعلم أن امتصاص عضب الجماهير مهارة لا يتقنها إلا الحكماء وأصحاب الرأي السديد ، وأن النزول للغة خطاب الشارع ومواجهة العناد بالعناد لا توصل إلى برّ الأمان ، وأن السفهاء في كل عصر ومِصر كانت أقوامهم تحرص على إحكامهم وإلجامهم خشية أن يغضب المقابل ، وأخذا بنصيحة جريرٍ على الأقل . 

2012/01/20

إني أخاف عليكمُ أن أغضبا


أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
إني أخاف عليكمُ أن أغضبا
جرير
لا تُعجب عاقلا البتة ، ولا تُرضي حكيماً أبداً ، تلك الإزدواجية التي "كانت" تتعامل بها الحكومة مع بعض القضايا المصيرية التي من شأنها أن تضر بالبلد  ووحدته الوطنية ، وقلتُ "كانت" على اعتبار أننا على أعتاب حكومة جديدة للتو انتهينا من ترديد عبارة "اللهم إنّا نسألك خيرها وخير مافيها ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها" ، كما أننا نتمنى أن تكون هذه الحكومة ذات نهج جديد مع يقيني بأن الحكومة تسأل الله العلي القدير أن يكفيها شرّ "نهج" وأخواتها ، ورغم أن ليالي العيد تبين من عصاريها ، فإني لا أرى بعد عصرنا ليلة عيد ، بل أشعر بليل طويل سيجعل أعقلنا يردد "ياليل مطولك" ، وكيف لا وأنا أرى رؤوسا قد أشرفت على الوصول لكرسي البرلمان من شأنها أن تؤجج الصراع من جديد .
كانت الحكومة السابقة – رحمها الله – تتكلم كثيرا عن الوحدة الوطنية واحترام أبناء القبائل وعدم إثارة الفتنة الطائفية وعدم إثارة كل ما من شأنه أن يضر بالبلد وأمنه ، وأن يؤجج الضغينة بين أفراد المجتمع ، كل ما سبق كلام جميل تشعر وأنت تقرؤه أنك تسير بين حدائق من الورود الغنّاء ، وأنك تسرح وتمرح بين أشجار التين والرمان ، ولكن الحقيقة أن أيّا مما سبق لم يكن يطبق على أرض الواقع ، بل كانت الحكومة – قصدت أم لم تقصد – هي من تساهم في تأجيج الصراع دائما وأبدا عبر إطلاق العنان لسفهاء القوم الذي ولغوا في إناء القبايل فنجسوه ، وهتكوا أستار العيب والحياء ، وراحوا على مرأى ومسمع من الحكومة يقومون بتسديد ضربات موجعة للوحدة الوطنية حتى أصبحت "الوِحدة" الوطنية من جرّاء تلك الضربات كأنها "وَحدة" مسكينة تستنجد بالمارّين في الطرقات ، ولولا حفظ الله ورعايته لهذا البلد ، الذي ولله الحمد لا زال يعج بالكثيرين من أهل الخير وأصحاب الضمائر الحية وكثير من الأتقياء الأنقياء ، لحدث ما لا يحمد عقباه .
في قضية البدون أيضاً مثال واضح على تلك الازدواجية وذلك التمايز في الطرح ، ففي الوقت الذي كانت الحكومة تحاول تهدئتهم وإطلاق الوعود لهم وتذكيرهم بأنهم أبناء الكويت ، كان البعض يخوضون في أعراضهم ويرمونهم بأبشع الأوصاف التي تتضمن ظاهرا وباطنا الطعن في أنسابهم وانتماءاتهم على مرأى ومسمع من نفس الحكومة التي كانت تخدرهم بالوعود بين الحين والحين ، ولولا حبهم الذي لا يضاهي لبلدهم الكويت ، لحدث ما يسوء أيضاً .
من تلكم الدروس يجب أن تستقي الحكومة الجديدة الفوائد وتستخرج العبر ، ولتعلم أن المحافظة على الوحدة الوطنية يبدأ عن طريق إحكام السفهاء وشد الوثاق عليهم وإلجام أفواههم ، وردعهم عن الافساد في البلاد ونهش أجساد العباد ، وعدم التودد لهم وإعطائهم أكبر من منزلتهم التي أنزلهم الله إياها ، وتذكيرهم بأنهم وإن امتلكوا الأموال والقنوات والصحف فهم سقط من القوم كثرت أموالهم وقلّت مروءتهم ، ارتفعت أرصدتهم وانحطت أخلاقهم ، وشتان بين الحالين .
كما يجب على الحكومة الجديدة أن تعلم أن امتصاص عضب الجماهير مهارة لا يتقنها إلا الحكماء وأصحاب الرأي السديد ، وأن النزول للغة خطاب الشارع ومواجهة العناد بالعناد لا توصل إلى برّ الأمان ، وأن السفهاء في كل عصر ومِصر كانت أقوامهم تحرص على إحكامهم وإلجامهم خشية أن يغضب المقابل ، وأخذا بنصيحة جريرٍ على الأقل . 

صوتي صار كلاشنكوف


سهام الليل لا تخطي ولكن
لها أمدٌ وللأمد انقضاءُ
الشافعي
للكلمات وقع في نفوس الظالمين شاء من شاء وأبى من أبى ، ولَبعض الكلمات أشد على الظالمين من وقع الحسام المهنّد والسيف "الشطير" ، وبعض الجمل أشد من طلقات بندقية "كلاشنكوف" ، وبعض أبيات الشعر أعتى من  قذائف "الهاون" ، وإن حاول بعض الظالمين وصفها بـ "كلام عيال" و "هياط زايد" ، لكنها في الحقيقة زلزال بقوة سبع درجات على مقياس رختر ، يزلزل الأرض من تحت أقدام الظالمين ويخبرهم بأنهم لاشئ أمام بضع كلمات ، ويخلف في داخلهم "تسونامي" من الخوف يأكل ما بقي من أمل في نفوسهم في الإستمرار في استعباد العباد الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارا .
ولمن ينتابه الشك في كلماتي تلك فليسأل الطاغية بشار عن المرحوم بإذنه تعالى "إبراهيم قاشوش" صاحب أجمل سمفونية في عام 2011م ، والتي زعزعت كلماتها بشاراً وحزبه ، وإن تظاهر بشار بأنه لا يعرف "قاشوش" أو لم يسمع به فقد كذب وربّ "قاشوش" ، وإني لأكاد أجزم بأن كابوس كلمات "قاشوش" لا يكاد يفارق منام الطاغية ، وأنه كلما أراد أن يوجه خطاباً بلا فائدة ولا عائدة كعادته غير الحميدة لاحفظه الله ، قابلته روح "قاشوش" وهي تنشد "يابشار ويا كذاب تضرب إنت وهالخطاب الحرية صارت ع الباب" ، فيفرّ منها مدبراً وله "ضراط" حتى لا يسمعها ، وإني لأكاد أجزم أن بشاراً حين يستمع إلى النشيد الوطني السوري ، ليخيل إليه من شدة الرعب الذي زرعته فيه كلمات "قاشوش" أن كلمات النشيد الوطني هي "يابشار وياجبان وياعميل الأمريكان الشعب السوري ما بينهان" ولعله يخشى فعلاً أن تصبح كلمات "قاشوش" تلك نشيداً وطنياً لسوريا بعد إسقاطه .
لم يعد المعارض بحاجة لسلاح يقاتل به وهو يملك أعتى سلاح أثبت قدرة فائقة في وجه الطغيان وهو سلاح الكلمة الصارخة في وجه الظلم ، كلمة الحق التي لا تخشى بغي البغاة ولا طغيان الطغاة ، كلمة الحق التي بسببها وُصف صاحبها بأنه يجاهد أفضل الجهاد ، كما جاء في حديث أبي القاسم بأبي هو وأمي حين قال : ( أفضل الجهاد "كلمة" حقّ "عند" سلطان جائر) .
ولقد هالني في الجمعة الماضية ما سمعته من "شيلات" و "أهازيج" يطلقها شباب البدون في اعتصامهم في ساحة الحرية في تيماء ، وهم يرددون "مات الخوف ومات الخوف صوتي صار كلاشنكوف" ، مؤكدين أن مسألة مواجهة الطغيان بجميع أشكاله عبر الكلمات والأهازيج  باتت عدوى تنتقل من مصر إلى مصر وأنها عادة بدأها "قاشوش" رحمه الله ، ولن تتوقف عند حدود تيماء بالتأكيد ، وأن كل من كان يعول من العنصريين على "جبن" هذه الفئة طوال السنين الماضية سيخيب ظنه ، فهاهم يصرخون بأن "مات الخوف" وهاهم يطلقونها مدوية بأن سلاحهم في وجه كل من ظلمهم هي الكلمات الحقة لا غير ، فهم ليسوا أهل عنف وإجرام بل هم الأكثر مسالمة على مر السنين ، وهم الأكثر ولاء للكويت ولحكامها - أدامهم الله - كما أثبتت التجارب في وقت المحن .
الكلمات سلاح فتّاك لا يستهان به ، وأعني بالكلمات هنا الكلمات الصادقة أيّا كان نوعها من النثر والشعر والمقالة والخطابة والأنشودة والأهازيج ، بل وحتى الدعاء للظالم أو عليه ، له بالهداية أو عليه بقصم الظهر ، وهذا كله من الأسلحة التي يستعان بها على تحقيق المطلوب ونيل المقصود ، فلا تحقرن كلمة قد يكون لها من الوقع والأثر ما لا يتحصل مع كثير من الأسلحة الحديثة ، فبادر للتعبير عن رأيك والمطالبة بحقك  ولو بكلمة ، فربّ كلمة دكّت حصون الظالمين .... واسألوا "قاشوش" .

2012/01/12

غباء إعلامي

أعزميَ طال هذا الليل فانظر

أمنك الصبح يفرق أن يؤوبا ؟!

المتنبي

يبدو أن الحكومات العربية كلها وإن اختلفت في أشياء كثيرة، إلا أنها تتفق في أنها تمارس ذات "الغباء" في طريقة تناولها وتعاطيها للقضايا، التي تكون مدانة فيها على الصعيد الإعلامي؛ فتحاول جاهدة عبر قنوات "غبية" تلميع صورتها وتبرئة ساحتها، والظهور بمظهر المظلوم المضطهد الذي أعطى وأعطى وأعطى وقوبل عطاؤه بالنكران ورد الإساءة بالإحسان، فيخيل إليك من شدة "المسكنة" أن الحكومة باتت على شكل فتاة مسكينة تجلس في زاوية مظلمة في غرفة نوم، وقد مزقت ثيابها من جيبها وظهر جزء من صدرها، وظهرت آثار كدمة في وجهها، ودماء على شفتيها المرتجفتين خوفا، وكأنها تريد أن تخبرك بأن "الغوغائيين" على حد زعمها قد عبثوا بأغلى ما تملك.

بمثل هذا "الغباء" حاول الإعلام الرسمي المصري مواجهة المتظاهرين الغاضبين على الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، فوصفهم في حينه بأنهم مجموعة من البلطجية والشباب المندفع الذي أصبح سلاحاً في يد دول معادية، جلّ همهم الوقيعة بمصر العروبة ومصر الإسلام وأنهم ينفذون أجندات خارجية، وبمثل هذا "الغباء" أيضاً وصف الإعلام الليبي الرسمي الثوار بأبشع الألقاب، التي لم تقف عند حدّ الوصف بالجرذان والمقملين وغيرها من عبارات العقيد معمر، التي أصبحت فيما بعد ضربا من الطرائف، وراحت القنوات الرسمية الليبية تبث البرامج الدينية التي تمجد بالعقيد وتلمعه وتحط من قدر معارضيه باسم الدين طبعاً، واستعانت ببعض أصدقاء المهنة "الدينية" من الدول المجاورة ، وبمثل هذا "الغباء" أيضاً وصف الإعلام اليمني الرسمي الثوار في اليمن بأبشع الأوصاف وراح يكيل لهم التهم وراح يصدر البيانات من بعض الجمعيات الدينية متضمنة تجديد البيعة والولاء لعلي عبدالله صالح وتكفير من عاداه ، وبمثل هذا "الغباء" بل وفاقه بعشرات المرات ما يمارسه الإعلام الرسمي السوري تجاه الثوار السوريين الذي خرجوا رفضا للظلم والطغيان والاستبداد فخرجوا بصدور مشرعة تقول للرصاص يامرحبا يامرحبا ، فراح الإعلام الرسمي السوري عبر قنواته يصفهم بأقذع الأوصاف وأبشعها ويصفهم بالإرهابيين المدعومين من قوى الشر الخارجية وراج يجري اللقاءات المفبركة مع رئيس الدولة ليظهر بأن الوضع تحت السيطرة بينما هو يعيش أيامه الأخيرة، وراح يجري اللقاءات مع بعض المواطنين المجبرين ليقولوا أنهم بألف خير ونعمة ، وقام بتحريك بعض الفنانين المتكسبين من بقاء النظام الظالم والذين أبدوا تأييدهم للنظام في وجه ما أسموه بالإرهاب زورا وبهتانا .

ولأننا دائما نقول للعالم: "عندنا وعندكم خير" فليست حكومتنا الموقرة بمعزل عن استعمال ذات "الغباء" في تعاطيها مع القضايا التي تدينها عبر قنواتها الرسمية، ولو عدنا بالذاكرة قليلا وتذكرنا كيف تعامل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وأعني بشبه الرسمي الموالي للحكومة، مع قضية ضرب النواب والمواطنين في ديوانية الحربش، وقضية الميموني رحمه الله وقضية خروج المواطنين إلى ساحة الإرادة لعرفنا أن لدينا من ذلك "الغباء" ما لا يستهان به مقارنة بتلك الدول.

واليوم وفي قضية البدون تحديدا، تمارس القنوات الرسمية وشبه الرسمية أيضاً ذات "الغباء" في تعاطيها مع هذه القضية، عبر لقاءات لا تسمن ولا تغني من جوع ، وعبر استضافات تدور حول فلك القضية ولا تناقش القضية وحلولها، وعبر برامج مليئة بالمن والأذى تارة ، وبانكار الظلم الواقع على هذه الفئة جملة وتفصيلا تارة أخرى.

المصيبة العظمى أن الحكومات لم تقتنع حتى الآن بأن أحدا لم يعد يصدق كذبها الذي تلقيه عبر قنواتها الرسمية ، وأن الإعلام اليوم أصبح أكبر من قناة حكومية "غبية" تتراجع حين يتقدم الآخرون في مجال الشفافية والمصداقية وسرعة نقل الخبر ، وأن المرء أصبح بإمكانه أن يصنع عالمه الإعلامي الخاص به عن طريق العديد من المواقع الالكترونية الإعلامية ومواقع التواصل الإجتماعي ، وأن مقطع يوتيوب واحد قد يخبرنا العديد مما تحاول القنوات الرسمية إخفاءه عبر الكذب والتدليس.

2012/01/04

استجداء التعاطف

وقد كنتُ صبارا على القِرن في الوغى
وعن شتميَ ابن العمّ والجار وانيا

مالك بن الريب

كثيرًا ما يتكرر في الأفلام والمسلسلات العربية القديمة مشهد أهل القرية المظلومين والمضطهدين، ولاسيما كبار السن منهم والذين يرون ألا حيلة لهم ولا وسيلة لدفع الظلم الواقع عليهم سوى الرضا بالواقع، وهم يذهبون إلى كبير القرية الذي دأب على ظلمهم والتلذذ باضطهادهم ويطربه مشاهدة دموعهم تنسكب الواحدة تلو الأخرى ويكيل عبارات السباب والشتم لهم وهم يستجدون عطفه ويركعون له ويحاولون تقبيل قدمه وهو يبعدهم حتى لا يتسخ ثوبه، وكل ذلك على مرأى ومسمع من أبطال القرية الذين غالباً ما يكونون من الشباب المتعلم الواعي، والذين لا يعجبهم ذلك المنظر ويرى ذلك في وجوههم ويعرف من خلال نظراتهم ويحاولون ثني أهل القرية عن محاولة استجداء تعاطف الغير معهم.

أتذكر هذا المشهد جيدًا كلما سمعت عن بعض الشباب من البدون والذين لازالوا يحاولون استجداء تعاطف الآخرين من نواب ومرشحين وكتاب ومثقفين وشيوخ دين للوقوف مع قضيته فيقابلون بالسخرية أحياناً وبالشروط المذلة أحياناً أخرى ناهيك عن الوعود الكاذبة من بعض المتكسبين من هذه القضية لاسيما في هذه الظروف الراهنة التي نمر بها من استعداد للانتخابات البرلمانية، ولكن في المقابل نجد هذا المشهد لايعجب البعض الآخر من الشباب الحر الذي يأبون أن يحنوا رؤوسهم إلا لمن خلقهم والذين عرفوا أن حل القضية يجب أن يكون "بيدي لا بيد عمرو" وأنه "لن يحك ظهرك مثل ظفرك" وأن المسألة برمتها قد تجاوزت مرحلة استجداء التعاطف للوقوف مع قضية حقة ستكون هي الرابحة في النهاية لامحالة وأن الخاسر الحقيقي هو من تخلف عن ركب التأييد والنصرة لمطالب البدون وأنه سيخسر نفسه أولاً وهو يراها تخالف المبادئ التي كان يطلقها ويخسر من حوله ممن كان يحسن الظن به وهو يرى شعاراته الزائفة تتهافت أمام قضية حقة كشفت اللثام عن وجه قبيح حاول ستره بمكياج الكذب.

نصرة القضية - أي قضية - لا تكون عبر استجداء التعاطف واستدرار الرحمة وسكب الدموع، بل تكون بالعمل الدؤوب والمضي قدماً من أجل تحقيق نصر مؤزر، والكلام هنا لا يتوقف عند حدود الاعتصامات كما يظن البعض ويتوهم، بل يجب على الجميع كل من موقعه المساهمة في نصرة قضيته، فالشاعر والكاتب والمثقف لديهم أسلحة لا يستهان بها، ومستخدمي شبكة الانترنت ومواقع اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي أيضاً لديهم الكثير كي يقدمونه لنصرة قضيتهم ، بل حتى في المجالس العامة أنت لديك فرصة لنصرة قضيتك عبر تسليط الأضواء عليها وجعلها مدارا للنقاش والحوار، كذلك يجب لزاما الاكتفاء بالمواقف العامة المؤيدة وعدم الخوض في التفاصيل الدقيقة التي غالباً ما تزعزع الصفوف وتخفت الأصوات المطالبة بحقها.

بهذا وغيره يشعر الإنسان أنه قد قدّم شيئا ولو يسيراً لمن لهم عليه حق النصرة، وساهم ولو بجزء بسيط في محاولة كسب قضيته قبل أن تُحل القضية دون مشاركته وحينها سيعلم بأن التاريخ لا يرحم المتخاذلين.