2012/08/29

حاربوا البدون بالشبهات


ليس أحد أجبن من إنسان يبطن خلاف ما يظهر ، فيفضحه الله عزّ وجلّ عبر سقطات لسانه وفلتات جوارحه فيصبح كمن يخرج من "حفرة" تصنّعه ليقع في "دحديرة" كذبه ، وليفقد رويداً رويداً قطعة من ملابس ثقة الناس به حتى تبدو عورة أخلاقه فيمشي بين الناس "هواي كما أمرتني" حاله كحال ذاك الملك في قصص الأطفال الذي ظنّ أنه يلبس لباساً فاخراً يراه النّاس ولا يراه هو حتى بات يمشي بين الناس عريانا !

قضية البدون كأي قضية حقة في هذه الدنيا الفانية ، لها أصحاب حق يطالبون بحقهم ليل نهار لا يكلّون ولا يملّون يؤمنون بأنه "ما ضاع حقّ وراءه مطالب" ولكنهم يعلمون بأنه ليس "كل مطرود ملحوق" وأن كل إنسان قد "يموت وحاجته ما قضاها" لذلك هم من أتباع المتنبي في هذا الباب وشعارهم "نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا" .

وهي – قضية البدون – كأي قضية حقة لها أنصار من غير أهلها يستحي منهم قرص الشمس ويعاني من جهدهم المضني ظلهم المسكين ، لا يدّخرون جهداً في نصرة قضية ليس لهم فيها ناقة ولا جمل ، بل جلّ ما يعنيهم هو الإنسان لا شئ غيره ، ومحاولة رفع الظلم عنه رحمةً به أولاً ، ثمّ رحمة بأنفسهم ثانياً إذ أن عواقب الظلم وخيمة والعقوبة حين تنزل تعمّ الجميع فهم يأخذون على يد الظالم وينصرون المظلوم ، ثم رحمة بوطنهم إذ لا يقوم مع الظلم حكم وكم قصم الله من ظهور القرى الظالمة حتى أصبحت أثراً بعد عين "وتلك مساكنهم" شاهدة عليهم .

وهي – قضية البدون – كأي قضية حقة لها أعداء واضحون وضوح الشمس لا يألون جهدا في عرقلة مسيرة القضية التي هي "يالله من فضلك" أبطأ من السلحفاة في زحفها ، ولا يتورعون عن الكذب وتلفيق التهم ، لا يردهم دين ولا يردعهم حياء ، تؤزهم شياطينهم إلى مضايقة هذه الفئة والتنكيل بأهلها أزّاً ، يتحكمون بأرزاق هذه الفئة المغلوبة على أمرها ومصيرها ولو استطاعوا إلى منع الهواء عنهم سبيلاً لما سبقهم إلى ذلك أحد ، وهم وإن كانوا بهذه الغاية من السوء لكنهم واضحون بائنون يحملون لواء المعاداة ولا يبالون ، لهم من الاحترام نصيب إذ أن المواقف الثابتة بغض النظر عن اتفاقك أو اختلافك معها تستحق الاحترام .

وهي – قضية البدون – كأي قضية حقة لها أعداء متسترون يلبسون ثياب التعاطف الكاذب نهاراً ويكشفون عن عورة مواقفهم ليلاً ، يحيكون التهم حياكة خيّاط ماهر ، إصاباتهم تأتي في مقتل وكلماتهم لها من التأثير ما ليس لسواها ، نظراً لاعتبارهم من المتعاطفين ظاهراً فأصبحوا في مقام "وشهد شاهد من أهلها" يكثرون الحديث عن المستحقين وغير المستحقين ولو سبرت أغوارهم لما وجدت لديهم مستحقين أصلاً ، ويكثرون الحديث عن الشرفاء وغير الشرفاء وهم عن شرف الخصومة أبعد وعن مروءة الرجال في معزل ، وهم قد يكونون نوّاباً أو كتّاباً أو شخصيات مشهورة في المجتمع أو حتى مغمورة ، شعارهم ادرؤوا "التجنيس" بالشبهات ، وحاربوا "البدون" بالاتهامات ، فتارة يجعلونهم شيعة ولاؤهم لإيران ، وتارة ينفذون أجندات خارجية ، وتارة يريدون تخريب البلد ، تارة يريدون تمزيق النسيج الداخلي ، وتارة بعثيون ، وتارة لا ولاء لهم ، وسيل جرّار من تهم لا تعدّ ولا تحصى ، لا يستطيع أصحاب الحق مجابهتها إلا بكفين ترفعان إلى السماء في جوف الليل يصحبهما صوت مبحوح أضناه الفقروالعوز يردد : "اللهم إنّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم " ، وأولئك القوم ليس لهم من الاحترام نصيب ، وهم للجبن أقرب منهم للشجاعة ، إذ الشجاعة تشمل شجاعة الرأي وأجبن الناس من جبن عن قول رأيه .

وليتّق الله في نفسه كل ناعق يهرف بما لا يعرف ، ينقل الأخبار عن هذه الفئة ويتلقفها ويزيد معها مائة كذبة ، وليخشى أن تقذف به كلماته تلك في جهنم سبعين خريفاً ، وليعلم بأن أكثر ما يكب الناس على وجوههم في جهنّم حصائد ألسنتهم ، فتثبتوا حين تسمعون منهم الخبر فهم ليسوا مصدر ثقة ، وليكن شعاركم لكل كاذب "اثبت العرش ثم انقش" واعلموا أن آفة الحديث "رواته" ، وأن "الراوي" حين لا يكون ثقة ثبتاً يكون في حديثه نظر .

واعلموا أن النور المنبعث من ثقب الباب إلى غرفتنا المظلمة ، ينبئنا بأن خلف هذا الباب يكون الفرج ، فلا تيأسوا من روح الله  ، واستمروا بالمطالبة بحقوقكم ، ولا تهتموا بهذا الجدار الذي جعلوه بينكم وبينهم ، وأبشروا فقد فتح اليوم من ردمهم قدر كبير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق