2013/07/30

خبزة البدون !

"يمّه خبزِتَك !"
كنت صغيراً إلى حدّ لا يمكنني معه فهم مفردة عمتي - رحمها الله - والتي كانت ترددها على مسامع ابنها كلّما أبدى تذمّراً من وظيفته المرهقة والمتعبة والتي لا تختلف كثيراً عن وظائف أقرانه من البدون حيث أنها تبدأ من السابعة والنصف صباحاً وحتى الثانية عشرة والنصف ظهراً ثم من الرابعة عصراً وحتى الثامنة والنصف مساءً على فترتين تفصلهما راحة تمكّنك من الإحساس بآدميتك قليلاً ، لكن هذا الإحساس قد ينعدم رويداً رويداً عند التفكير بقيمة الوقود الذي ستصرفه للعودة إلى بيتك من أجل أقل من ثلاث ساعات من الراحة ، ليضيع العمر بأكمله في روحة وجيئة وجهاد لا ينقطع من أجل "خبزة" .
ابن عمتي في ذلك الوقت كان يبادل حرص عمّتي - رحمها الله - بعبارة "والله يايمّه كرهتيني بالخبز" ! ، ثم يتلوها بضحكة تضحك على أثرها عمتي - رحمها الله - متيقّنة من وصول المقصود لابنها ثم تسكت - رحمها الله - لتقتنص فرصة أخرى جديدة تردد معها ذات العبارة "يمّه خبزتك" فلله درك ياعمتي ما أحرصك ، ورحمك الله يامن سيمرّ عليّ عيد الفطر الأول الذي لا أراك فيه ولا أقبل رأسك فيه ولكن حتماً سيمر بمخيلتي مع أول أيام العيد صورة فراشك وجهاز الأوكسجين الذي لم يكن يفارقك .
كبرت والتحقت بوظيفة لا تختلف كثيراً عن وظيفة ابن عمتي ولا عن أقراننا البدون مع امتيازات بسيطة أحمد الله عزّ وجلّ عليها ليل نهار وأذكّر نفسي مع كل لحظة تذمّر وعدم رضا من قبلي بأن هناك آلاف من البدون تساهم البطالة مع بقية الأسباب التي لا تخفاكم في قتلهم رويداً رويداً ، وقد أكون ضمن من أنجاهم الله من ذلك بسبب هذه الوظيفة التي هي بالتأكيد لاتعجبني ولكنها تسعدني !
كبرت وبدأت أعي تماماً ما كانت تعنيه عمتي - رحمها الله - وهي تقول لابنها "يمّه خبزتك" ، وبدأت أسمعها أو أشعر بها من والديّ ولكن بأشكال مختلفة وبصور متعدّدة كإيقاظك بصورة مرعبة عندما تتأخر على موعد عملك ، أو سؤالك نفس السؤال مرات عدّ عندما لا تذهب إلى العمل "هل أنت مستأذن اليوم؟!" أو إلقاء المحاضرات الطويلة في ضرورة أن تحافظ على هذه الوظيفة وغيرها من الطرق التي وإن اختلفت فإنها تؤدي إلى "روما" عمّتي وهي "يمّه خبزتك" .
وظيفة الشاب أو الفتاة البدون هي خبزته التي يجب أن يحافظ عليها ويتمسك بها ويعضّ عليها بناجذيه وأن يحمد الله عزّ وجلّ ليل نهار على هذه النعمة / الخبزة والتي بزوالها ربّما سيجد نفسه مضطرّا للتسول المعنوي أو الحسّي تحت شعار "لله يا محسنين" ، فحافظوا على خبزتكم رحمكم الله .

2013/07/26

أيضاً ... صوتك أمانة


"صوتك أمانة" هي جملة نرددها مع اقتراب كل موعد انتخاب جديد لمجلس أمة أو مجلس بلدي أو حتى مجالس الأندية والجمعيات التعاونية وجمعيات النفع العام ، جملة فقدت - ربما - الكثير من تأثيرها مع تتابع المجالس الفاسدة في غالبية الأماكن المذكورة سابقاً ، ومع توالي وصول الفاسدين قبل غيرهم للكراسي المتنازع عليها ، أو مع قابلية كثير من الصالحين للتغير والتنازل عن مبادئهم بعد الوصول .
"صوتك أمانة" جملة رغم إيماننا بقلة فاعليتها وضعف تأثيرها إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين لترديدها مراراً وتكراراً هي ومثيلاتها الأخرى التي تخالفها في التركيب وتشابهها في المعنى وضعف التأثير من مثل "الكويت مو للبيع" ، لأنه وببساطة صوتك - فعلاً - أمانة أثّرت فيك هذه الكلمة أم لم تؤثر ، وأنك حتماً ستقف بين يدي الله يوماً ما وسيسألك عن هذه الأمانة التي لم تحافظ عليها فأعدّ لسؤال المولى عزّ وجلّ جواباً وانتظر النتيجة .
صوتك أمانة قد تفرّط فيه من أجل مبلغ زهيد من المال - وأقول زهيداً لأنه مهما بلغ فإنه لن يساوي قيمتم صوتك الفعلية بالتأكيد - أو من أجل خدمة أسداها لك هذا المرشّح وأوهمتك عاداتك وتقاليدك البالية أنه ملك صوتك حتى يرث الله الأرض ومن عليها بهذه الخدمة التي لم يسدها لك من جيبه الخاص عادة بل من أموال البلد ، أو من أجل "حبة" خشم أمام الجماعة ، أو بسبب كلمة "تكفى" التي اعتاد سمعك عليها منذ الصغر بأنها تهزّ الرجاجيل ، أو من أجل صلة قرابة ودم ، فهذا كله شئت أم أبيت بيع لصوتك ، فالبيع لا يشترط أن يكون بمقابل مادي كما يتوهم الكثيرون .
"صوتك أمانة" فأعطه لمن يستحقه لله تعالى ، وامنعه عن من لا يستحقه لله تعالى ، رضي من رضي وسخط من سخط ، واعلم بأن من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عليه الناس .
لاشك - عندي - بأن من أعطى صوته لمن لا يستحقه فقد خان الأمانة وباع صوته بثمن بخس ، ولكن لا شك - عندي أيضاً - بأن من امتنع عن التصويت وهو يرى من يستحق أن يصوّت له بأنه باع الكويت بأكملها لزمرة قد تجرّ البلد نحو الهاوية .
قبل الختام : في ظل الأخبار المتواترة عن ارتفاع قيمة "الصوت" هناك أناس يعيشون بينكم يحمدون الله عزّ وجل أن جعلهم في عرفكم الانتخابي "خرساً" ... إنهم البدون .

2013/07/22

في كل وادٍ "بنو حنظلة"

في مثل هذا اليوم من عام ١٩٨٧م وجدت رصاصة غادرة طريقها لوجه رسام الكاركتير ناجي العلي أدخلته في غيبوبة انتهت بوفاته يرحمه الله ، ليرحل بعد أن أثبت لنا بأن السلاح الذي تقاوم به عدوّك لا يشترط أن يكون بندقية بل قد يكون قلماً يكتب مقالاً أو قصيدة ، أوقد يكون كلمةً تصدح بها من على منبر فتصمّ آذان الطغاة ، أو قد يكون ريشةً ترسم لوحة تلخّص لنا معاناة أمة ، أو حتى وردةً تقتل بسلميّتها أشواك العدو .
رحل ناجي العلي رحمه الله وترك لنا من بعده يتيمه الذي عايش جُلّ لوحاته "حنظلة" ؛ ليعيش من بعد غيبوبةً وغياباً لا ندري بأي شيء سينتهي ؛ هل بنصر مؤزر وحق مُستردّ ، أم بموت إحساسنا به وبكل من هو على شاكلته والمسارعة في إصدار شهادة وفاة للضمير في داخلنا ... من يدري ؟! .
حنظلة ذلك الطفل الذي رحل ناجي العلي نحو ربّه دون أن يرينا وجهه ، حنظلة ذلك الطفل الذي كان شاهداً على كل لوحات ناجي العلي مقبلاً عليها بوجهه ومعطياً إيّانا ظهره وكأنه يريد منّا أن ننتبه لتلك الأحداث معه لا أن ننتبه له هو ، ليجعل منّا شهوداً على حقبة من التاريخ مرّت وهذه الحقبة ستكون شاهدة لنا أو علينا ولا ريب .
حنظلة ناجي العلي عيّنة ليس إلاّ ، ففي كلّ وادٍ في بلادنا العربية والإسلامية "بنو حنظلة" ، وحيثما يمّمت وجهك وجدت حنظلة بثوب مرقع وقلب كاد أن يتقطع ، يراقب وضعاً مأساوياً في بلده ينتظر من يغيثه ويستجيب لصرخاته ، وما أطفال فلسطين وسوريا والعراق وبورما وغيرهم وغيرهم إلا حنظلة مهما اختلفت الأسماء والأشكال واللغات .
في بلادي يتواجد حنظلة من نوع آخر أيضاً لكنه في النهاية حنظلة ، يقاسي ويعاني ويشاهد ويراقب كما كان يفعل حنظلة ناجي العلي ، إنه حنظلة البدون الذي وُلد بلا شهادة ميلاد ومن أبوين تزوّجا بلا عقد زواج موثّق وفي بيت لا يعكس شكله مضمون اسمه ، وحُرم حتى عهد قريب من حق التعليم والعلاج المجاني ، وحُرم من اللعب في الساحات كحال أقرانه وبات يقضي جُلّ وقته يبيع الخضار والرّقي والبَنَك والألعاب على الأرصفة لا يثنيه عن ذلك حر ولا برد ويستوي في عينيه الصحو والغبار .
حنظلة البدون يقف مراقباً عن كثب معطياً ظهره لخصومه الذين يعيثون في أرض الوطن فساداً وهم عن قضية حنظلة في شغل وهو ينظر إلى صنيعهم به وبالوطن وما هو في عين نفسه إلا نتاج جيل رابع لمأساة ليس له فيها يد ، فتارة تجده يقول : هذا ما جناه أبي عليّ ، وتارة يقول : ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، وفي كل الأحوال يجد نفسه مضطرّاً لدفع ثمن خطأ لا يعرف من ارتكبه ولماذا ؟! .
حنظلة ناجي العلي كانت قضيته "فلسطين" ، وحنظلة البدون في ظل هذا التناحر بين أبناء الوطن صارت قضيته "بفلسين" ، وسيبقى حنظلة البدون معطياً ظهره لكم منتظرا إنصافكم له ، دون أن يريكم وجهه كما فعل حنظلة ناجي ، مع أن حنظلة في كلا الحالين له وجه واحد وليس وجوهاً متعددة مثلكم ، ووجه حنظلة بل ووجهته هي المعاناة أينما وجدت لأنه يؤمن حق الإيمان بأنّ في كل وادٍ "بنو حنظلة" .

2013/07/16

رغيف يساوي دنياكم




حين يخلدون هم إلى فرشهم بعد يوم مترف مليء بكل ما لذّ وطاب تكونين أنتِ الأكثر راحة وطمأنينة وأنتِ تضعين رأسك على وسادتك لأنك الأنقى قلباً والأطهر روحاً ولا تعادل دنياهم التي يتسابقون عليها في عينيك أكثر من قيمة رغيف خبز كذاك الذي تقفين تحت لهيب الشمس في رمضان لتبيعيه وتشترين بثمنه ما تستقيم به حياتك وحياة إخوتك .

واصلي البيع ياصغيرتي ودعي لهم دنياهم المنتنة

2013/07/15

كفاية ... حرام !



اطّلعت على صورة من الكتاب الذي نشرته جريدة سبر الإلكترونية والموجه من الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية (البدون) إلى السيدة ذكرى الرشيدي وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل يحثها للوقوف في وجه أي تحركات سواء كانت محلية أو دولية لتغيير وإعاقة مسار المعالجة - بزعمه - !
الدافع الحقيقي لهذا الكتاب هو إعلان (٢٢) جهة من جهات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام وبعض التيارات السياسية واللجان والحركات الطلابية تشكيل هيئة وطنية لعديمي الجنسية ، ونظراً لأن القائمين على الجهاز المركزي يعلمون ما سيترتب على اعتماد مسمى عديمي الجنسية للبدون من إلزام الدولة بإعطائهم كافة حقوق المواطنة التي حرموا منها على مدى عقود ، ولهذا السبب سعت الدولة منذ فترة على تغيير المسمى القانوني للبدون من بادية الكويت ابتداءً إلى غير كويتيين ثمّ إلى بدون ومن بعده إلى غير محدد الجنسية إلى أن رسى الأمر أخيراً على تسميتهم بالمقيمين بصورة عير قانونية - زعموا - وما ذاك إلا هرباً من الدخول في معمعة مسمى عديمي الجنسية أو ما في معناه ، ولهذا درج الجهاز المركزي منذ بداية نشأته تحت مسماه القديم ولا يزال إلى إلصاق جنسيات متعددة بالبدون تحت ذرائع وحجج واهية بل ودفعهم أحياناً إلى الحصول على جنسيات وجوازات مزورة لدول عدة ، وذلك هرباً من بقاء كونهم عديمي الجنسية .
الجهاز المركزي الحالي بمسؤوليه الحاليين سار على نفس النهج ولم يشذّ عن درب الظلم الذي سار عليه من سبقه وأصبح في كل مناسبة يصرح بكشف جنسيات الآلاف من البدون وامتلاكه للوثائق والأدلة والتي طالبه الجميع بالكشف عنها وأولهم البدون أنفسهم ولكن مطالبهم ذهبت أدراج الرياح كالعادة وأصبح خصمهم صادقاً مصدوقاً وبلا أدلة ولا عزاء لـ "البيّنة على المدّعي" و لا قيمة للأيمان المغلّظة بل ولا للأحكام القضائية التي حصل عليها المنكرون .
الجهاز المركزي في قضية البدون أصبح هو الخصم والحكم في الوقت نفسه ، وفجوره في الخصومة بات واضحاً للعيان ، ومحاولته عرقلة أي جهود لحل القضية لا ينكرها مطّلع ، حتى أن لسان حال الجهاز أصبح "لا أريكم إلا ما أرى" و "لا أريد أن أحل القضية ولا أسمح لأحد غيري بحلها" فلا هو رحم البدون ولاهو الذي سمح لغيره أن يرحمهم ، ومنّا للناشطين في محال حقوق الإنسان والذين يجب أن يكون لهم دور أكبر للوقوف في وجه ظلم الجهاز المركزي الذي جاوز حدّ المعقول .

2013/07/13

متى تبتلّ العروق ؟!


الصوم لغة الإمساك ومنه قوله تعالى عن مريم ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) أي أنها ستمسك عن الكلام وفاءً بنذرها ، ومنه أيضاً قول الشاعر :
خيلٌ صيامٌ وخيل غير صائمة * تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي أنها ممسكة عن الصهيل ، فالإنسان إذا أمسك عن فعل شيء ما فقد صام عن أدائه ومن هذا المعنى أُخذ المعنى الشرعي للصوم لأنه إمساك عن المفطرات من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس .
حكومتنا الرشيدة - هداها الله للحق - استعارت هذا المعنى اللغوي أيضاً في أدائها وفي علاقتها مع الشعب فهي كانت ولا زالت صائمة ، بل إن صيامها - كتب الله لها الأجر - قد طال أمده لدرجة أنه يُخيّل إليك أن كل شهور السنة في عرف حكومتنا رمضان ، فهي صائمة عن المضي قدماً في مشاريع التنمية وتطوير البلد منذ سنوات طوال رغم كثرة ترديد عبارة التنمية في السنوات الأخيرة على لسان الحكومة وممثليها حتى صدق فينا المثل "أن تسمع "بالتنمية" خير من أن تراها" ، وهي صائمة أيضاً عن الكلام حين يقتضي المقام الكلام والبيان في قضيّة تهم البلد ومن فيها مما يسمح لكثيرين من الخوض في ذلك وترويج الإشاعات وزعزعة الأمن في البلد ، وصائمة أيضاً عن السكوت حين يقتضي المقام السكوت و كفّ الأذى عن بعض مكونات المجتمع من قبائل وعوائل وذلك عن طريق تسليط قنوات الإعلام الفاسد لضرب مكونات المجتمع وتأجيج النار في صدور شريحة ليست بالقليلة من شرائح المجتمع حتى إذا انفلت الأمر وغضب الناس جاءت لتعاقب الغاضبين ، وهي صائمة عن حل المشكلة الإسكانية ويروق لها رؤية أسعار الإيجارات قد بلغت مبلغاً خطيراً وسعر البيوت في الكويت ينافس بل ربما يتغلب على أسعارها في الدول ذات الماء والخضرة والوجه الحسن حتى أن حلم امتلاك بيت للكويتيين - فضلاً عن غيرهم - أصبح حلماً يصعب تحقيقه ، وهي صائمة أيضاً عن حل مشكلة البدون التي مضى عليها عقود من الزمن وهي من تأجيل إلى تأجيل ومن خمس سنوات تنتهي إلى وعد بالحل خلال خمس سنوات قادمة وهكذا حتى أن الواحد من البدون أصبح يفكر في عمره كم خمس سنوات يحتوي ! ، مع أن الحل أبسط مما نظن والقضية ليست بحاجة إلا لكلمة واحدة فقط مفادها " أعطوا البدون حقّه قبل أن تزهق روحه " وكفى الله الحكومة شرّ الظلم ، وهي صائمة وصائمة وصائمة - وضع العدد الذي تريد من كلمة صائمة - عن حل العديد من المشاكل والقضايا العالقة منذ زمن ليس بالقصير ، والتي أصبحت سبباً رئيسياً لدى العديد من مؤيدي خوض غمار تجربة الحكومة المنتخبة والتي قد يكون في جعبتها ما هو أفضل ... من يدري ؟!.
 لا أدري متى ستعلن الحكومة نهاية صومها ، ولكنني أتمنى قبل أن أموت أن أسمع القائمين على البلد يقولون لمن هم تحت أيديهم : جاهز ؟! ... نفّذ ! ، لينطلق مدفع العمل مؤذناً بالفطر ومخبراً عن نهاية حقبة الصوم ومبشراً بقرب العيد ليمد الجميع أيديهم على مائدة الإنجازات سعداء فرحين وهم يقولون : ذهب الظمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله .

2013/07/11

وظّف البدون


لا تعطه مالاً ولكن اعطه فأساً وعلّمه كيف يحتطب ، ولا تعطه سمكة ولكن أعطه سنّارة وعلّمه كيف يصطاد ، مثل هذه القيم والمُثل كانت غائبة تماماً عن قضية الكويتيين البدون الذي يعيش جزء كبير منهم تحت خطّ الفقر وتتلذذ الحكومة - ومن وافقها - برؤيتهم يقفون في طوابير أمام بيت الزكاة وأمام اللجان الخيرية التي لا تسمنهم ولا تغنيهم من جوع الفقر الذي بات ينهش أحلامهم وعمّا قريب سيخلص إلى أجسادهم التي لم تعد قادرة على توفير أساسيات الحياة الكريمة من قيمة إيجار مسكن مناسب وتوفير قيمة ملبس يستر عورات أطفالهم ناهيك عن بعض الثانويات والتي أصبحت لدى غيرهم لرغد العيش من الأساسيات .
سنوات تتلوها سنوات والكويتيون البدون يطالبون بإيجاد مصادر رزق لهم بدلاً من دفعهم مكرهين نحو التسوّل المبطّن على أبواب أهل الخير وبدلاً من دفعهم نحو افتراش أرصفة المستشفيات والدوارات لبيع الرّقّي والبنك وألعاب الأطفال ، وكان هذا المطلب يواجه دائماً بتطنيش حكومي ولا مبالاة شعبيّة مع استقطاب كثير من الوافدين لسدّ النقص الموجود في دوائر الدولة والذي كان بالإمكان الاعتماد على أبناء البلد من البدون في سدّه ، حتى أنك حين ترى العدد الكبير من الأئمة والمؤذنين الوافدين - على سبيل المثال - يُخيّل إليك أن البدون لا يجيدون أداء مثل هذه المهمّة والتي تعطي عليها الدولة راتباً لو صرف على أسرة من البدون لكفاهم وأعانهم ، ولكنها السياسة الحكومية البغيضة التي انتُهجت منذ عقود لتطفيش هذه الفئة عن طريق التضييق عليهم في أرزاقهم ، مما جعلهم شيئاً منبوذاً حتى من المجتمع والذين أصبحوا لا يحبّذون توظيفهم في شركاتهم ومحلاتهم الخاصة بل لدرجة أننا وجدنا من لا يرغب في تأجير بيته على أسر من البدون لأنهم فقط بدون !
"وظّف بدون" حملة جميلة كريمة أطلقها الشيخ عبدالعزيز العويّد المشرف العام على مشروع بسمة لتعليم وتوظيف البدون والتابع لجمعية فهد الأحمد الإنسانية والهدف منها إيجاد فرص توظيف لشباب وبنات البدون يعفّون أنفسهم من خلالها عن سؤال الناس أو التفكير في ذلك ، حملة "وظّف بدون" حملة تهدف إلى إعطاء شباب وبنات البدون فؤوساً ليقتلعوا بها أشجار اليأس من حياتهم ويحتطبوا على ظهورهم حطب أمل يوقد لهم ناراً يطبخون عليها قليلاً من مشاريع حياتهم التي باتت حبيسة أدراج النسيان ، حملة "وظّف بدون" حملة تهدف إلى إعطاء شباب وبنات البدون سنّارة أمل يصيدون بها أحلامهم السابحة في بحر مليء بالخيرات وخيراته قد غطّت مشارق الأرض ومغاربها لكنه عجز أن يشمل بخيراته تلك قلّة من أبنائه .
"وظّف بدون" حملة مباركة جزى الله القائمين عليها خير الجزاء ، وأتمنى أن تجد لها تعاطفاً من أبناء هذا الوطن الذين كلّما وضعوا على المحك في اختبار جديد لإنصاف هذه الفئة المغلوبة على أمرها نكصوا على أعقابهم حتى باتوا شركاء - ولا شكّ - في الذنب .

2013/07/07

طاير في العجة !


حين تكون خفيف الوزن كالقرطاس فلا غرابة أن تطير في عجة تويتر مع أول خبر يشغل ويشعل التايم لاين ، لدرجة أنك تحلّل وتفسّر وتشرح وتبيّن موقفك ورأيك في شيء لم يحدث أصلاً أو حدث بصورة مغايرة لما كنت تتوهم ، حتى إذا انجلى الغبار واكتشفت بأنك لا تركب الفرس بل الحمار ، وركدت العجّة ، وتبين خيط الصدق الأبيض من خيط الكذب الأسود ، واكتشفت أنك لم تكن أكثر من قرطاس ؛ خرّ عليك سقف تحليلاتك وتفسيراتك من فوق رأسك ، وعدت من محاولتك لفت الأنظار بخفّي حُنين .
والمصيبة الأعظم والداهية الأطم أن البعض يظن بأن ذاكرة الآخرين من حوله لا تختلف كثيراً عن ذاكرة الذّباب - مع إيماني بإصابة الآخرين بزهايمر حفظ المواقف ولكن ليس بهذه الصورة - لذلك تجده ينكص على عقبيه سريعاً ليبدّل موقفه بسرعة البرق دون تقديم اعتذار للآخر ودون احترام لنفسه ينبني عليه احترام للآخرين وشعاره "عجّة تفوت ولا حدّ يموت" .
التثبت والتبين شيمة الصالحين ، ووصية رب العالمين ، قال تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) وفي الحديث الصحيح ( كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع ) ولا يخفى على عاقل ما في تناقل الأخبار الكاذبة والتعليق عليها والزيادة فيها من خطر كبير على المجتمعات لا سيّما ممن يحملون في قلوبهم الفجور في الخصومة فيتلقفونها لأنها وافقت أهواءهم ويزيدون عليها مائة كذبة متطبعين بأطباع إخوانهم الشياطين ثم ينشرونها في الآفاق غير آبهين بضررها متناسين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً ) نسأل الله السلامة .
والحلم والتروي والأناة شيم سادة أقوامهم ، ممن حازوا من الفضل أعلاه ، ومن النبل أقصاه ، وحازوا من الأخلاق ما يحبه الله عزّ وجلّ ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشجّ عبد القيس : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله ؛ الحلم والأناة ) .
فتثبتوا رحمكم الله عند سماعكم للأخبار ، وتأنّوا قليلاً قبل نشرها ، وتذكّروا أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : ( أمسك عليك هذا ) يعتي لسانه ، ويصلح في زمن العولمة والتطور التكنولوجي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع صنع الخبر أن يقول أحدنا للآخر : "أمسك عليك هذا" يعني أصبعه .


‏منصور الغايب

2013/07/05

مبدأ وصاحبه غايب !


في زحمة "مولد" ميدان التحرير وزحمة "مولد" ميدان رابعة العدوية "تاهت" الآراء وتضاربت الأفكار وتم العثور على "مبدأ" متناقض وصاحبه "غايب" عن الوعي بما قاله سابقاً متناسياً أنه سيقع في شرّ تناقضه إن عاجلاً أو آجلاً ؛ لأن الشعوب وإن كانت تعاني من الزهايمر المزمن ، إلا أن هناك بقية منهم أسعفتهم التكنولوجيا الحديثة في توثيق المواقف الأولى التي لا تجتمع ولو بحب الخشوم مع المواقف التي تليها ... سارت مشرّقة وسرت مغرّباً * شتّان بين مشرّق ومغرّبِ .
في الكويت تبدلت المواقف فجأة ، وتبادل الممثلون الأدوار فيما بينهم دون سابق علم من قبل المتابعين الذين فغروا أفواههم وحكّوا عيونهم محاولين "بلع" السالفة والتي تبين أنها "ماتنبلع" ، فمن كان ضد التظاهرات والخروج على الشرعية أصبح مؤيداً وبقوة لها في مصر حتى يُخيّل إليك أن "سرّه" ألقي في ميدان التحرير ، ومن كان يتشدق بحرية الشعوب ورغبتها في التغيير وبـ "لابد للقيد أن ينكسر" أصبح ينادي باحترام الشرعية والسمع والطاعة لولي الأمر وعدم الانجرار خلف الفتن والسعي في حقن دماء المسلمين حتى يُخيل إليك أنه رضع من ثدي "رابعة العدويّة" ، ومن كان ينتقد البدون ويطالبهم بالقبول بالوضع القائم والصبر وأن مطالبهم ستتحقق وحقوقهم ستعود إليهم وجدناه يتحدث عن عدم مقدرة الشعوب على الصبر على جور الحكومات وأن الصبر ضعف وذل وأن "من يتهيّب صعود الجبال *يعش أبد الدّهر بين الحفر" .
ينشغل الشارع الكويتي برمّته بما يحدث في مصر وكأن أوضاع البلد يخزي العين تسرّ الناظرين  مع أننا جميعاً نلاحظ بأن لون استقرار البلد "فاقع" مرارة الجميع ، والأوضاع هنا من سيء إلى أسوأ ، وفي جعبة "مشاكل" بلدنا الكثير مما يستحق أن نشبعه طرحاً ونقاشاً وعلى رأسها مشاريع التنمية التي "بدها دفشة" منذ زمن ، وقضية البدون التي أصبحت طريحة فراش النسيان إلا في مشفى تويتر ، ولو حظيت هذه القضية بمثل ماحظيت به الأحداث في مصر من اهتمام من الشارع الكويتي خلال الأيام القلية الماضية لربما - وأقول ربما - ساهم ذلك في دفع عجلتها "المغرزة" منذ عقود رويداً نحو الأمام .
يزدحم ميدان التحرير ، ويزدحم ميدان رابعة العدوية ، ويزدحم التايم لاين الكويتي بالتغريد ، وتزدحم المشاهد أمامنا بتناقض رائحته تزكم الأنوف وضجيجه يصمّ الآذان ليدل على أرض رخوة تقف عليها أقدام تلك الآراء وأن أصحابها من الممكن أن ينكصوا على أعقابهم في أي لحظة ويبدلوا جلودهم بصورة أسهل من تبديلهم لثيابهم ... يوماً يمانٍ إذا لاقيتُ ذا يمنٍ * وإن ألاقي معدّياً فعدناني ...!


‏منصور الغايب