2013/01/18

وفي ليلة الظّلم ينتحر "البدرُ" !


حين يتعبك البحث عن وطن لك بين الأحياء ، وحين تضيق بك الأرض بما رحبت ، وتشعر أنّك قد أوشكت على أن تكون من سقط المتاع ، وحين يتخيّل إليك أنّك سائر نحو الّلاّشيء ومتّجه نحو اللاّ معلوم ، فإنّ شعوراً غريباً ينتابك مفاده : أنه لا مناص لك من البحث عن وطن بين أجساد الأموات ، وفي الزوايا المظلمة للمقابر ، ونظراً لأنّ أحداً من الأموات لم يعد ليخبرك الحقيقة ، فإنك تجد نفسك مضطرّا للذهاب بنفسك للبحث هناك ، وحتماً أنت كغيرك إن ذهبت فلن تعود حتى تخبرنا الحقيقة ، مما سيضطرّ غيرك للسير على خطاك ليذهب إلى حيث ذهبت ويستقرّ هناك ويتركنا لنفس التساؤل : "هل هناك من وطن" ؟! ، وهكذا حتى تغطّي كثبان الرمال هنا آثار أقدام ذهبت ولم تعد .
صفعة هناك أضرمت ناراً في جسد هزيل فوجّهت صفعات على خدود البشرية نتج عنها بركان غضب ما لبث سريعاً أن انفجر ليحول المكان بأسره إلى نار تلظّى يصطلي بنارها الأسعد والأشقى على حدّ سواء .
وهنا ... صفعات تتلوها صفعات وركلات تعقبها ركلات ، وقلوب تموت في اليوم آلاف المرّات حزناً وكمداً ، وأحلام تغتال على مرأى ومسمع من أصحابها ، وطفولة تبيع الابتسامات على شفاه الأرصفة ، وشباب يقرأ في تجاعيد شيبانه وعجائزه ما لم يخطر ببال غاندي وجيفارا ، ولولا مزيد صبر وبقيّة إيمان يبدو أن الله قد خصّ بهما قلوب المصفوعين ، لعانقت ألسنة النيران عنان السّماء ، ولأضاءت لها أعناق الإبل ببلاد سام .
جسد هزيل سرعان ما اشتعل وسرعان ما انطفأ ، اختار بنفسه النهاية التي يريد وسيحاسبه الله الذي هو أرحم به من الجميع ، لكنّه لم يعلم بأن رسالته التي أرسل لم يتجاوز تأثيرها نصف ليلة ، قام البعض على إثرها بإقامة حفل شواء من التصاريح الكاذبة على تلك النار التي أضرمت في ذاك الجسد الهزيل ثمّ ! .... عادت ريمة لعادتها القديمة ، وكأنّ ناراً لم تضرم ، وكأنه لا يوجد أجساد قد أيبستها السنون العجاف وهي قابلة للاشتعال حزناً وكمداً في أي لحظة .. والله المستعان .
غادر وترك لأهله إكمال بقية فصول المعاناة بعده والتي ستكون أوّلها بلا شك معاناة استخراج شهادة وفاة لرجل مات حرقاً قبل أن يشعل النّار في نفسه ! ، غادر وترك لنا النقاش في الأسباب المؤدية لمثل هذا الفعل مع أنها واضحة وضوح العيان للجميع وإن كان أولها ضعف التوكل على الله ولا شكّ ، وأنها مهما تعددّت فإن مصدرها واحد ، وهو نفسه مصدر الحزن الذي يشتعل في صدور الكثيرين منذ عقود ، والذي أضعفهم عن مواجهة أي حزن آخر فباتوا كالجمل المتعب والذي ظنّ السفهاء أن ظهره قد انقصم بسبب قشّة !.
غادر في ليلة ظلماء .. أم ليلة ظلم ؟! لا أحد يدري .. ولكنّه ربما أراد أن يعيد صياغة ذاك المثل الشهير مرة أخرى ليصبح : وفي ليلة "الظلم" ينتحر "البدرُ" !.

2013/01/11

أنت في حساباتهم .. لا شيء !

حين يتجاهلون قضيّتك ويضعونها على هامش اهتماماتهم ويجلسونك في الصفوف الخلفية لمطالبهم ، فإنّ المسؤولية الملقاة على عاتقك تكون مضاعفة لجذب اهتمامهم نحو قضيّتك ، لأنّك تكون حينها أمام خيارين كلاهما بالنسبة إليك شرّ ، إمّا أن تحرجهم عن طريق تذكيرهم بتناقضهم الذي لم يعد لك طاقة على تحمّله ، أو تجبرهم على الوقوف في صفّك عن طريق الضغط عليهم مراراً وتكراراً ، وإن فعلت فإنك ستكسب من قبلهم ومحبيهم عداءً قد لا ينتهي بسبب الأولى ، أو تكسب تعاطفاً كاذباً لا يسمن ولا يغني من ظلم بسبب الثانية .
هم لا يهتمّون بك ولا يضعونك في الحسبان ، لأنك في مقياس النّفع والضرّ لا شئ ، وفي مجال الكسب والخسارة تساوي في دفاتر شيكاتهم صفراً ، وفي نسيجهم الاجتماعي أنت "دخيل" ممزِّق ، وما أنت في حقيقة الأمر إلا "داخل" على الله من ظلم مزّق أحشاءك ، وفي مجال خدماتك الجليلة لوطنك ما أنت إلا أجير يجب أن يعطى أجره قبل أن يطول لسانه ليطالب بالمزيد ، وفي مجال الإدانة ما أنت إلا متّهم مدان حتى تثبت براءته .
حين يتجاهلون ضربك وإهانتك مراراً وتكراراً ويصرخون من أجل ضرب أحدٍ غيرك ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها ؛ فاعلم بأنّك في أعينهم لا شيء ، وحين يستدلون على أن البلد بات قمعيّا بوليسيّا بسبب ضربهم علماّ بأنك قد ضربت مرارً وتكراراً قبلهم ؛ فاعلم بأنّك في أعينهم لا شيء ، وحين يتباكون ويشتكون الزمان الذي بات فيه المواطن "يضرب" ، بينما هم يشاهدون العصي "تضرب بالخمس" على ظهرك منذ فترة ؛ فاعلم بأنّك في أعينهم لا شيء ، وحينما تجد بعض من يطالب بالإصلاح منهم ينال منك ويستهزئ بك وكأنّ كلمة الإصلاح التي يطلقونها لا تشمل إصلاح حياتك التي أتلفتها الوعود الكاذبة ، وكلمة كرامة لا تشملك أبداً بل هي حصر عليهم ؛ فاعلم بأنك في أعينهم لا شيء ، وحين يتنادون بينهم من أجل سداد ديون ناشطٍ منهم ، في حين يعجز "عبداللطيف" عن جمع تكاليف علاج عينه المفقوءة لولا رحمة الله ثم بعض المحسنين فاعلم بأنّك في أعينهم لا شيء .
مخطئ أنت ياعزيزي إن صبرت على ظمئك من أجل أن تحظى بشربة ماء من سراب وعودهم الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، بينما كان الأجدر بك أن تأخذ بقول شيبانك "العطشان يعرك الحوض" ، ومخطئ أنت حين تصدم بمواقف ذات الشخص مرّتين ، فالمرّة الأولى كفيلة بمنحك درساً مجّانياً تتذكره مع كل موقف خذلانٍ جديد عنوانه "لا جديد" ، ومخطئ أنت حين تطالبهم بالنظر إلى قضيّتك بعين الحقيقة ، وكان يتوجب عليك فقط أن تطالبهم بالنّظر إلى قضيتك عبر عين "عبداللطيف" لتعلم الذين صدقوا وتعلم الكاذبين .
هم – كلّهم أو بعضهم - يرونك لا شئ ، وأنت الوحيد القادر على أن تصنع منك في حساباتهم شيئاً مهمّا ، وإلا فإن لسان حالهم معك على الدوام كلّما طالبتهم بحقّ النّصرة سيكون كما قال الشاعر مطلق النومسي :
يا شئ ما لك شئ دامك ولا شئ
ومقابل اللا شئ والله غميضة ..!