2012/09/22

دافع عن أحلامك


في صغري ، كنت كلّما حدثت بعض كبار السنّ عن أحلامي وأخذت أذكر لهم أدق التفاصيل في تلك الأحلام يقاطعوني متهكمين ساخرين : حاذر أن تكون مثل "أبو حصان" ! ، أتوقف بعدها عن الحديث المشوق من جهتي والممل من جهة المستمعين ربما ، لأنشغل بشئ آخر ، دون الحاجة لأن أسألهم عن "سالفة أبو حصان" لأنني مللت من سماعها كما ملوا هم من سماع حديثي عن أحلامي .

وقصة "أبو حصان" لمن لا يعرفها ، هي قصة رجل فقير كان يحدث زوجته في ليلة هادئة ساكنة عن حلمه في شراء حصان أصيل وأخذ يذكر من صفاته الحسنة وماذا سيطعمه ويسقيه وكيف سيمتطيه حتى توقف به الحديث عن حلمه/حصانه عند جزئية أين سيربطه إذا قدم به إلى البيت ؟ ، فأشارت إليه زوجته التي أحبت أن تشاركه بعض تفاصيل الحلم بأن يربطه في الشجرة الموجودة أمام البيت ، فما كان جزاؤها بعيداً عن جزاء "سنمار" ، لأن صاحب الحلم عاقبها بضربة موجعة على الرأس من "مقوار" لا يراعي في الأقربين إلاًّ ولا ذمّة ، وذلك لأنها وبحسب فهم "أبو حصان" ستتسبب في فقئ عين حصانه بسبب أغصان الشجرة إن هو طاوعها وربطه في تلك الشجرة .

قد يبدو الأمر في البداية ضرباً من الجنون ، إذ كيف له أن يغضب بسبب "حلم" لا أكثر ؟! ، ولكنني حين أفكر جيّداً أجد أنه فعل ما هو مشروع له ، بل ما هو مطلوب منه أصلاً ، وهو أن يدافع عن أحلامه ويحميها حتى لو كانت حبيسة عقله وسجينة مخيلته لا أكثر ، وأنّه إن تنازل أو تخلى عن حلمه ، فسيرضى يوماً ما بذلّ واقعه .

كثير من الأحلام التي لم ندافع عنها ولم نقاتل دونها تبخّرت وتلاشت ، ولو أننا فعلنا كما فعل "أبو حصان" ودافعنا عنها وآمنّا بإمكانية وجودها وبثّ الروح فيها لتحولت ربما إلى واقع نعيشه اليوم ، ولكننا تخاذلنا وسمحنا لغيرنا بأن يزهّدنا في أحلامنا ويجعلها تبدو أمامنا صعبة المنال وأن عشمنا بتحقيقها "عشم إبليس في الجنّة" حتى أصبحنا نقول لكل حلم يمرّ في مخيلتنا "العين بصيرة والإيد قصيرة" فاذهب إلى من يؤمن بك ويدافع عنك ويحتضنك حتى تصير حقيقة ، ولا تغضب فبين الحلم والحالم "يفتح الله" ونحن قوم لا نحسن "شراء" الأحلام ، ولكننا نتفنن في "التفرّج" عليها وهي تحلق في السماء أسرابا تذهب ولا تعود .

ألا ليت الزمان يعود يوماً لا لأحدثه بما فعل المشيب ، بل لأدافع عن أحلامي وأقاتل دونها متسلحاً بـ "مقوار" العزيمة والإيمان بمقدرتي على تحويل تلك الأحلام إلى واقع متّخذاً من ذات الرجل الذي حذروني أن أكون مثله قدوة لي في صنيعه حين غضب من تسبب زوجته في فقئ عين حصانه الذي لم يخلق بعد .

 

قبل الختام :

ياناس يا عالم .. أنا عندي أحلام

لكنّ وقتي صاير اليوم ضدّي

رغم العنا ... رغم التعب .. رغم الآلام

برفع سلاح "المرجلة" و "التحدّي"

 

منصور ...

2012/09/16

أربعون حرامي بلا علي بابا !


كما أن لكل زمان دولة ورجال فإن لكل زمان أيضاً "حرامية ولصوص" ، يتغيرون بتغير الزمان ، ويتطورون مع تطوره ، يواكبون عصر "الحرمنة" غير متناسين في الوقت نفسه أنّ "من فات قديمه تاه" فلا بأس بأن يستعينوا بحيل الماضي لسرقة الكحل من عين المستقبل ، لا يحتاجون إلى مزيد تعليم على السرقة فالمال "السايب" كثير ، ولأنهم لم يجدوا من ينهاهم عن السرقة فهم لم يكونوا بحاجة إلى وجود من يأمرهم بها ، يسري حب السرقة في دمهم ، لا يتلذذون إلا بالحرام ، ويتفاخرون في تكبير أجسادهم من أكل السحت ، وما علموا أن النار أولى بها .

لم يكن جدي كاذباً حين حدثني عن "الحرامية" الذين يسطون على "العرب" بليل وهم يخفون وجوههم ويتجنبون الليالي ذات "البدر" وواحدهم يردد "ساري وأخاف القمر يظهر عليّا" ، فجدي كان يصف حرامية زمانه ، وهو لم يكن يعلم بأنه سيأتي على الناس زمان يلبس فيه "الحرامي" أفخم البشوت وأجملها ، ويركب أفضل السيارات ، ويجلس في "صدر" المجلس ، ولا يمنع أن يجلس تحت "قبة" المجلس أيضاً ، ويتبعه "حرامية" ناشئون في رحاب السرقة ، شعارهم "بوقوا" ونحن من خلفكم ، أنتم "السارقون" وإنا إن شاء الله بكم لاحقون .

ذهب الماضي بخيره وشره ، وكما أن الجميع يردد "راحوا الطيبين" فأنا أردد أيضاً "راحوا الحرامية الطيبين" ، فحرامية ذاك الزمان أكثر شرفاً من حرامية زماننا ، فأحدهم كان يسرق "ليأكل" ، بينما "حرامي" اليوم يسرق "ليقتل" كل أمل بقيام دولة متطورة متقدمة ينعم فيها الجميع برفاهية ورغد عيش ، ويريد أن يستأثر بخيرات البلد بحعلها له هو دون غيره ، فهو إن سرق لا يبقي ولا يذر ، وكأنه يقول للأموال والمناقصات "لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا" !

لا أدري كيف يصلح الحال في بلد يكرم فيه السارق ويجلس في الصفوف الأمامية ويعلو من أجله التصفيق والهتاف ، وينشد له الحضور "احترامي للحرامي" ، بالتأكيد بلد هذا شأنه لا يصلح حاله أبداً ، وكأني بالشاعر أراد أن يقول :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا "سُرّاقهم" سادوا

لكن لعله لم يدر في خلده أن السارق قد يسوّد يوماً ما ، لذلك تجده استساغ فكرة أن يسود الجاهل قوماً لكنه ربما لم يستسغ أن يسود السارق قوماً ، أقول ربما .

يتنوع اللصوص ولا شك ، وتتنوع السرقات ولا شكّ أيضاً ، وتتنوع الضحايا ولا شك أيضاً وأيضاً ، ولكن أخس أنواع اللصوص وأحقرهم هم أولئك الذين يسرقون من المرء سنوات عمره ، يعطونه الوعود الزائفة على طبق من ذهب ، ويسرقون منه طفولته وشبابه ولا يرحمونه حال شيخوخته ، يصنعون منه صديقاً لحرّ الشمس رغماً عنه ، ويجعلون منه عاشقاً للغبار رغم أنفه ، يشغلونه بطلب قوت يومه ، حتى لا ينشغل بطلب حقّه .

وأخس أنواع السرقة هي سرقة الأحلام من مخيلة أصحابها ، وسرقة كل نظرة مستقبلية صاحبتها ابتسامة بغدٍ أفضل ، وسرقة كل أمل لاح في عين صاحبه حتى يدبّ اليأس فيه ، وينزرع في قلبه القنوط ، فيصبح باطن الأرض أحب إليه من ظاهرها ، ليمشي على غير هدف وهو يردد "ألا موتٌ يباع فأشتريه" ؟! ، وكيف لا وقد أصبح في عين نفسه من سقط المتاع ، يلوح أمام عينيه قول قطري بن الفجاءة :

وما للمرء خير في حياةٍ

إذا ما عُدّ من سقط المتاعِ

وإن أبأس الضحايا هم أولئك الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا يملكون إلا الصبر والدعاء ، أعمارهم والشيب في رؤوسهم كفرسي رهان لا تدري أيهما أسبق ، يدّخرون فرحهم ليوم قد لا يأتي ولكنّهم يمنّون النفس بقدومه ، لا يحزنهم وجود أربعين حرامي يعيثون في حياتهم فساداً ، بقدر ما يحزنهم عدم وجود "علي بابا" واحد يعيد إليهم حقوقهم ، ويخلّصهم ويخلص البلد من شرّ "الحرامية" .

 

2012/09/04

جذور البدون راسخة


تلك الأشجار الواقفة بشموخ ذات الجذور الراسخة الثابتة التي تضرب في عمق الأرض ، لا تحمل همّ محاولات اجتثاثها من تربتها الطاهرة ، بل هي تنظر بعين المشفق على تلك الأيدي المعتدية ولسان حالها : ارفق على الرأس لا ترفق على الجبلِ ! .

في العديلية مساء يوم السبت الماضي ، وعلى مسرح رابطة الأدباء تحديداً ، وفي حملة من حملات التعاطف الحق الذي تنعم به قضية البدون من بعض أصحاب القلوب الرحيمة الذين كانوا في ركب هذه القضية لأن الخاسر من تخلّف عن الركب والمحروم من حرمه الله عزّ وجل من رقة القلب والمبتلى من ابتلاه الله بالقسوة ، كانت جذور البدون أكثر رسوخاً وأكثر جمالاً هناك ، حين عبّرت عن مطالبها الحقة بأسلوب أدبي رائع ، سحر الحضور وأبهرهم ، ونال منهم عبارات الإعجاب فضلا عن صخب التصفيق المتواصل .

جذور البدون أبدعت لتؤكد للجميع أن جذورنا كجذوركم ، ومنبتنا كمنبتكم ، لا فرق بيننا وبينكم ، ولنا هنا كما لكم أنتم هنا ، ولا فضل لأحد على أحد هنا بعد التقوى إلا بالولاء لهذه الأرض ، وفي العمل من أجل الوطن .

جذور البدون العطشى لرشّة تعاطف ، حظيت برشة مطر جميلة من ابنة "المطر" الدكتورة الفاضلة فاطمة التي تعلم علم يقين بأن في كل "جذور"رطبة أجر ، فبادرت بتلك المبادرة الإنسانية الراقية لتخفف عن "جذور" البدون بعضاً مما لحق بها من جفاف ، ولتعينها على التشبث أكثر وأكثر ببارقة أمل تلوح في الأفق ، ولتسلي تلك الجذور نفسها بصوت أصبح مسموعا أو كاد أن يصبح .

مسابقتي جذور وإبداعات بدونية ، هي مسابقة كريمة من دكتورة كريمة حفرت اسمها في قلوب البدون لما وجدوا لديها من كريم تعاطف وجميل معونة ، مسابقة تكفلت فيها الدكتورة بكل شئ بدءاً من الجوائز المادية التي تكفلت بها من جيبها الخاص وانتهاءً بكل تفاصيل حفل التكريم الدقيقة منها قبل الواضحة الجلية .

لم أستغرب من حجم الإبداع الذي عرض في تلك الأمسية فرحم البدون ولاّدة للإبداع والساحة تشهد ، لكنني صدمت بصغر سنّ المبدعين وافتخارهم بحمل لواء المطالبة بحقوقهم والمدافعة عن قضيتهم ، بعد أن كان أحدهم يستحي من ذكر كلمة بدون حين يسأل عن جنسيته ، وصدمت بحجم الهمّ الذي يحمله كل منهم في قلبه ، وكيف أن هذه القلوب الصغيرة قد جعلتها المعاناة تبدو أكبر من عمرها عن طريق حروفها المليئة حزناً وأسى ، وعجبت لشدة الحب الذي يحبونه لوطنهم وأرضهم وأنه حب لا يخضع لمبدأ الأخذ والعطاء ولا يزيده البرّ ولا ينقصه الجفاء .

فشكراً جزيلاً للدكتورة فاطة المطر التي أعطت هذه الفئة المغلوبة على أمرها من وقتها وجهدها ومالها ، وشكراً لطاقم العمل المتميز الذي كان برفقتها وأغلبهم من طلابها الذين ساروا على نهج أستاذتهم في العامل مع هذه القضية ، وشكراً لكل من قدم شيئا ولو يسيراً لمناصرة البدون ، وشكراً لتلك الأقمار الجميلة من البدون التي سطعت في سماء العديلية في ليلة استحى فيها القمر من الظهور وسط حضور بهي لتلك الأقمار .