2013/06/29

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ "ومنزلِ"



الزمان : ليلة صيفية حارة من ليالي شهر يونيو
المكان : بيت جديد جميل من طابقين لا يعكّر صفو جماله سوى أنّه بيت "إيجار"
كعادتي في الليلة الأولى لي في أي مكان جديد ترفض عيوني الانصياع لأوامر جهازي العصبي المرهق جدّا هذه المرة جرّاء ثلاثة أيام من التعب المتواصل بسبب الرحيل من .... إلى ....
من عناء إلى عناء أشدّ منه ، ومن همّ إلى همّ ينسيك الهمّ الأوّل ، ومن رحمة مخلوق جرّبته وخبرته إلى رحمة مخلوق أنت على وشك تجربته .
تتراقص أمامي الذكريات السعيدة التي عشتها في ذاك البيت ، وتنوح بالقرب من رأسي الذكريات الحزينة التي عشتها في ذاك البيت نفسه ، ابتسم إن طغت الأولى ، وينتابني وجوم مشوب بحزن إن طغت الأخرى ، وبينهما الحرب عليّ سجال ، زواجي ... ولدي عبدالله ... ابنتي حور ... ولحظات أخرى سعيدة هي كل ما بقي لي من ذكريات سعيدة في ذاك البيت الذي بتّ متأكداً بأنّ شيئاً منه لن يبقى كما هو سوى موقعه الجغرافي لأن صاحبه يحاول أن يشبع نهمه في زيادة مدخوله منه عبر هدّه وبنائه على شكل شقق تبيض له كل شهر بيضاً ذهبيّاً هو ناتج عناء وتعب المستأجرين المساكين على مدى شهر كامل ومابين انتظار الأوّل وانتظار الآخرين لأول الشهر يكمن الفرق الكبير .
بيتٌ سيزول وذكريات معرّضة للمحو من الوجود الحسّي والاكتفاء بالوجود المعنويّ في ذهني الذي هو أيضاً لم يسلم من عوامل التعرية أيضاً ، ربما هم يحسدوننا حتى على الذكريات ... لا يريدوننا أن نقف على الأطلال ... ولا يريدوننا أن نزعجهم ونحن نقول : "قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ" ، يريدوننا أن نتعب على مدى شهر كامل لنختزل ذاك التعب كله على شكل "إيجار" ندفعه ، ثمّ ننشغل مجدّداً بتجميع إيجار جديد وهكذا تستمرّ الحياة وتستمرّ معها المعاناة .
يستمر جهازي العصبي في إرسال أوامره لعينيّ كي يناما ، وتستمر هي بعصيان أوامره مرددة "لن نسمح لك" ، وأبقى أنا حبيس الذكريات ، مبتسماً حيناً ، ومقطّباً حاجبيّ حيناً آخر ، ليبقى الحال على ماهو عليه حتى تأتي الليلة التي تليها ، وأبقى أنا أردد "قفا نبكِ من ذكرى ...... ومنزلِ .

2013/06/07

الثقة المفرطة خطأ


في الصغر وفي أيام الصّبا وفي عصر الشلّة وعصر شجايبك حارتنا وغيرها من الأمور التي تميز بها ذلك العصر عاينت بعض الصبيان المشاكسين المؤذين للناس والذين لم يسلم المسلمون من ألسنتهم وأيديهم ، وكان أكبر دافع لأولئك المشاكسين لفعل ما يحلو لهم دون اكتراث لعواقب الأمور هي الثقة المفرطة من أولياء أمورهم بأنهم الأحسن أخلاقاً على مستوى العالم ، والأفضل تربية بين أقرانهم وأنهم لا يغدرون بذمّة ولا يظلمون النّاس حبّة خردلِ ! ، ولطالما شاهدت بعض أولياء الأمور يضرب أيماناً مغلّظة نافياً فعل ولده لما يشين ، لكنّ أمّ عيني كانت تقول غير ذلك وقد كانت حاضرة حين حدوث الواقعة وهي الآن حاضرة أيضاً لتشاهد ابتسامة خبث من ذلك الصبي يرافقها أيمان مغلّظة من وليّ أمره يعقبها بقوله : مستحيل ولدي ما يسوّيها !.
مرت السنون تتلوها السنون وكبرنا وأصبحنا نشاهد مثالاً آخر لتلك الثقة المفرطة والتي تسببت أيضاً في وقوع الظلم على كثير من الناس ، وأصبحنا حين نذهب للدوائر الحكومية لإنجاز معاملة ما ونشعر بظلم يقع علينا من قبل أحد الموظفين ونقوم بتقديم شكوى لدى مسؤوله نفاجأ بذات الكلمة الناتجة عن ذات الثقة المفرطة التي وضعت في غير محلّها وهي : مستحيل فلان ما يسوّيها ، فلان كفاءة ، فلان من خيرة الموظفين ... وغيرها من العبارات التي تسببت في جعل "فلان" يعيث في أرض المراجعين فساداً .
ينبغي على كل راعٍ في رعيّته ، وعلى كل مدير في إدارته ، وعلى كل وزير في وزارته ، وكل أمير في إمارته ألاّ يفرط في ثقته في من دونه وأن يغلّب فيهم جانب إساءة الظنّ ابتداءً وأن يتحسس سيرتهم ويستمع لشكاوى النّاس ضدهم ليعطي كل سائل مسألته ويرد على كل مظلوم مظلمته وألا يكتفي بترديد : فلان ما يسوّيها وفلان من خيرة الموظفين وفلان من رجالات الدولة ونحن لن نظلم أحداً وغيرها من العبارات التي تعين الظالم على مواصلة ظلمه ولا تسمن المظلوم أو تقيه من جوعه لساعة إنصاف .