2013/12/27

لقد جئتم شيئاً إدّا ...!


الجهل نوعان بسيط ومركّب ، فالجهل البسيط هو أن تجهل وتعلم أنك تجهل ، والجهل المركّب هو أن تجهل وتجهل أنك تجهل ، بل ترى نفسك علاّمة زمانك وفقيه عصرك وأوانك ، وأنك سبقت مقاهيم غيرك بآلاف الأميال المعرفية ، حتى يصير القبيح في عينيك حسناً ، ويصير الحسن في عينيك قبيحاً ، ولا بواكي لك حينها .
إن الإحساس بالنقص والعجز ، والجهل بماضي الأسلاف المشرق ، هو أكبر دافع للمرء لتقليد الأمم الأخرى حتى لو كانت تجاهره بالعداوة والبغضاء ، وترفع في وجهه السلاح ، وتحرص على القضاء على مسلّماته ، وما ذاك إلا لأنه ترسّخ في ذهنه أن الحضارة والمدنية والرقي والتقدم لدى أولئك القوم فقط دون غيرهم ، فيهبّ للتشبه بهم والسير خلفهم واتّباع سننهم حذو القذة بالقذة ، حتى يعود مسخاً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، أضاع مشيته ومشية القوم .
في مثل هذه الأيام من كل عام يعاد نفس الحديث عن تهنئة النصارى بعيد "الكريسمس" وهو عيد ميلاد المسيح عليه السلام الذين يزعمون في ديانتهم أنه ابن الله - تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً - ويقومون بإظهار شعائرهم في ذلك اليوم عن طريق توزيع الهدايا ولبس لباس معيّن لا ينفك أساساً عن بعض عقائدهم ، فيهبّ الجهلة من المسلمين ليبادروا بالاحتفال معهم وتهنئتهم بذلك العيد الذي يقوم أساساً على عقيدة كفرية تناقض صريح ديننا .
عجبت ممن قرأ قوله تعالى : ( لم يلد ولم يولد ) ؛ كيف يطيب له أن يقول لمن يرى أن عيسى ابن الله (هابي كريسمس ) ؟! ، وعجبت ممن قرأ قوله تعالى : ( وقالوا اتّخذ الرحمن ولدا () لقد جئتم شيئاً إدّا () تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشق له الأرض وتخرّ الجبال هدّا () أن دعوا للرحمن ولدا () وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) كيف يطيب له أن يحتفل بهذا اليوم مع الكفار الذين يحتفلون فيه معتقدين أن عيسى ابن الله ؟! ، وعجبت ممن أعزه الله بدين الإسلام وعقيدته السمحة ، كيف يذلّ نفسه بالاحتفال بمناسبات دينية لمن لا يرونه هو ودينه شيئاً ، بل ويعادونه علانية ، وأيديهم لا تزال تقطر من دماء إخوانه المسلمين في شتى بقاع الأرض .
لا يضحكنّ عليك شيطانك بأن تهنئة الكفار في أعيادهم من التسامح والطيبة ، فنبيّنا صلى الله عليه وسلم أكثر الخلق تسامحاً وأطيب الخلق قلباً ما أثر عنه مثل هذا الفعل بل أثر عنه قوله ( خالفوا اليهود والنصارى ) ، واعلم أنه ليس من الحضارة والتمدّن والرقي إظهارك لشعائر من يحتقرك ويحتقر دينك ، واعلم بأن نيّتك الطيبة لا تصلح عملك الفاسد بتهنئة الكفار بأعيادهم ، واعلم بأنك دون الاعتزاز بدينك لست سوى ... لاشيء .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2013/12/21

ريماس ... ورقة توت أخرى !

يكون قدر بعض الناس أن يذهبوا إلى الدار الأخرى قبل غيرهم ؛ ليخبروا الأحياء عن ظلم يقع ، وتعسف يطبّق ، وأرواح تزهق بسبب الإهمال تارة وبسبب العنصرية البغيضة تارة وبسبب اللامبالاة تارات وتارات ؛ لهذا كان قدر الميموني أن يموت ليخبرنا أن كثيراً من أحاديث الوفاة بسبب جرعة زائدة هي أحاديث من وحي خيال الظالمين ليس إلاّ ، وكان قدر حميد "البدون" أن يموت على فراشه بسبب مرضه ليخبرنا كم كذب علينا المسؤولون وهم يدّعون بأن البدون ينالون جميع حقوقهم في هذا البلد رغم أن المريض البدون قد يموت بسبب عدم قدرته على الذهاب للعلاج في البلاد المتقدمة صحياً إما بسبب فقره وهو الغالب أو بسبب عدم حصوله على صك رحمه يسمى مجازاً بجواز سفر مادة ١٧ وهو بالمناسبة لا يشبه جوازات غير المغضوب عليهم ولا الضّالين ، وكان قدر أوراد "البدون" أن تموت في حادث سيارة باص كلن يقلها وزميلاتها إلى المدرسة فيتجاهلها المسؤولون في هذا البلد لتخبرنا عن وزارة مسؤوليها بلا تربية لكنهم أسموها زوراً بوزارة "التربية" والتي ترى وتسمع منذ فترة طويلة عن الظلم الواقع على البدون في مدارسها ولكنها تغلق آذانها من باب "من أجل خاطر عين تاجر يهون البدون" ، وكان قدر ريماس "البدون" أن تموت لتخبرنا كم هي رخيصة أرواح البشر لدى بعض المسؤولين ولتخبرنا أن اليوم الذي يتكون من أربع وعشرين ساعة في نظرك أيّها المسؤول التافه هو في الحقيقة أربعة وعشرون أملاً بحياة طفلة وأربع وعشرون دعوة بالشفاء والعافية لطفلة تموت ببطيء ، وأربع وعشرون ساعة عناية وسهر ومتابعة لمريض يصارع الموت ، وآلاف الدموع التي ذرفتها عين أمّ صابرة وعين أبٍ محتسب .
عصر هذا اليوم "السبت" تحتضن مقبرة الجهراء جثمان الطفلة الطاهرة "ريماس" والتي لم تسمع عن عنصريتكم البغيضة ولم تتلوّث بحقدكم الدفين ، لا تعلم بحجم المعاناة التي عاناها أبواها في عمل حملات مناشدة لعلاجها في الخارج من مرض السرطان في الدم ، وهم أيضاً لم يستطيعوا سماع شكواها عن حجم الألم الذي كانت تشعر به حين كان الموت يأكل جسدها الطاهر رويداً رويداً ، ماتت ريماس "البدون" لأن قرار التكفل بعلاجها جاء متأخراً وبعد مناشدات طويلة عريضة خرج فيها صاحب القرار مشكوراً وبات من جرّائها والد ريماس مقهوراً .
هل تظنون أن ما أصاب حميد وأوراد وريماس وغيرهم من أبناء وأطفال البدون الذين ماتوا بسبب عنصريتكم ؛ بمعزل عمّا يصيبكم اليوم وكل يوم ؟! ، كلا والله فالظلم عاقبته وخيمة ونتائجه على البلاد أليمة ، فإن كانت امرأة دخلت النار في هرّة حبستها ، فأين - بالله عليكم - سيكون مصير من تسبب في تردّي حالة ريماس "البدون" وحرمانها من العلاج في الخارج حتى باغتها الموت وفجع قلب أبويها ؟! سلوا قلوبكم ....
ريماس ... ياحبيبتي ... ارقدي بسلام وأبلغي "أوراد" و "حميد" منّا السلام وقولي لهم : "عندالله تجتمع الخصوم" .


شعر :
شاهد على وضع البدون فـ بلدنا
جيش الهموم اللي على القلب حاشد

حتى المرض لامن فتك في ولدنا
لأجل الدوا واجب علينا نناشد ؟!



منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2013/12/14

سوريا تتجمّد

في سوريا تعددت الأسباب والموت واحد ، فكل يوم يمر عليك وأنت مواطن سوريّ  باقٍ في سوريا أو مشرّد في أحد مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة يعني أنه لازال لديك المزيد من الوقت لتتمنى وتطلب من الله ميتةً سهلة لاتتجرع معها مزيداً من الألم في لحظاتك الأخيرة ، ففي سوريا قائمة أصناف الموت مليئة ومتجددة ولك عزيزي السوري الضيف على هذه الحياة أن تتتمنى - إذ ليس لك حرية الاختيار - ما يناسبك منها ، في قائمة الموت هناك الموت بالغازات الكيماوية أو الموت بالصواريخ أو الموت تحت الأنقاض أو الموت تعذيباً بسبب انتمائك المذهبي أو الموت بسبب الأمراض والأوبئة أو الموت في حرب بين الثوّار أنفسهم وأخيراً وليس آخراً تمت إضافة صنف جديد في قائمة الموت في سوريا وهو الموت برداً .
سوريا تتجمد لأن الدماء في عروقنا تجمّدت من قلة الحياء منذ زمن ، سوريا تتجمّد لأننا أبرد الشعوب في التعامل مع ما يمسّ إخواننا في الدين والعقيدة ، سوريا تتجمّد لأننا  لانستطيع إشعال نار الغيرة في قلوبنا على إخواننا ، سوريا تتجمّد لأننا نطفئ كل شعلة خير تشتعل تحت ذرائع عدّة ، سوريا تتجمّد لأننا نتعامل ببرود مع قضايا أمتنا ، سوريا تتجمّد لأننا أحببنا برد العيش في هذه الدنيا ، سوريا تتجمّد لأننا بكل بساطة ... بلا دم .
يا أطفال سوريا ... يامن يفتك وحش البرد بأجسامكم النحيلة التي نال منها الجوع قبل ذلك ؛ بالله عليكم أخبروا أبناء بلدي - وأنتم الأقدر - عن نعمة الأمن والأمان التي نعيشها ويتندّر منّا السفهاء حين نذكّر بها ، وأخبروا أبناء بلدي عن نعمة الجلوس حول مدفأة بجانب آبائهم ليستمتعوا بكلا الدفأين ، وأخبروهم عن نعمة تقبيل آبائهم قبل خروجهم للعمل وهم على يقين بعودتهم ما لم يطرأ طاريء ، وأخبروهم عن نعمة الذهاب للمدارس ونعمة الذهاب للملاهي وغيرها من النعم التي نعيشها ولا نعرف قدرها إلا حين نحرم منها إما بسبب أفعالنا الهوجاء أو بسبب ازدرائها مما يتسبب في زوالها .
ما الذي بقي من عجائبك أيتها الثورة والتي يدفع الشعب السوري أجساد أبنائهم المتجمدة ثمناً لها في حين يجلس من أجّجها في القصور الدافئة ويردّد "الحريّة لها ثمن" لكنّه يمسك عن دفع الثمن ويدع غيره يقوم بذلك ليفرك هو يديه ويردد "كثّر الله خيركم" ! ، وأجزم بأننا لو سألنا أي مواطن سوري منصف عاقل عن أمنياته حاليّا لما وجدناها تخرج عن العودة للوطن وبيت صغير ومدفأة تجتمع حولها العائلة وأمن وأمان ويخرب بيتك يابشّار ويخرب بيت الحريّة ويخرب بيت الثورات التي تجلب على الأمة الدمار .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2013/12/10

دخول المجلس ومداخلة صقر !

فرحت كما فرح كثيرون غيري في هذا البلد بحكم البراءة الذي ناله شباب الحراك في قضية دخول المجلس رغم أنني لا ناقة لي ولاجمل وما أنا إلا من حزب "اللي ما يشتري يتفرج" ولسان حالي "مالي شغل بالسوق مرّيت أشوفك" ! ، وما فرحي ذاك إلا ليقيني بحسن نوايا هؤلاء الشباب وعظم غيرتهم وحبهم لوطنهم ، وللدور الكبير الذي لعبته قضيتهم في إنهاء حقبة القبيضة .
سنتان كاملتان شغل فيهما الرأي العام بأكمله ، وأشغل فيها الشباب ومحاموهم بين روحة وجيئة في أروقة المحاكم ، سنتان خاض فيها من خاض ، وأصبح فيها الجهّال خبراء قانونيين وباتوا يوزّعون الأحكام على شكل توقعات حتى سمعنا عمّن توقع الحكم بالمؤبد على هؤلاء الشباب وكأنهم ارتكبوا أعتى الجرائم ، حتى جاء القول الفصل والحكم بالبراءة والذي نزع فتيل أزمة كانت تلوح في الأفق .
انتهت أزمة وأرجو ألا تبدأ أزمة جديدة حتى ننال قسطاً من الاستقرار يمكننا من التفكير رويداً بأحوالنا وعمل مراجعات سريعة لتوجهاتنا ولنضع ما قدمناه في ميزان الشرع أولاً لنرى قيمته ثم لنضعه في ميزان المكاسب والمخاسر لنرى ماذا كسبنا وماذا خسرنا ؟ .
شباب في عمر الزهور ، هم الوقود لهذا الوطن ويجب عليهم أن يستفيدوا من كل درس يمر بهم وألا يجعلوا حياتهم ومستقبلهم على كفّ عفريت بسبب الإقدام على أفعال قد تضرّهم وتضرّ مستقبلهم وفي المقابل لا تقدم شيئاً كبيراً لهذا الوطن ، وعليهم أن يعوا أن الحياة في جملتها أقصر من أن نقضيها في الانشغال في الأمور السياسية وتبعاتها وأن هناك ماهو أهم بكثير علينا الانشغال به ، وعليهم أن يعتبروا من زميلهم فيصل السويط رحمه الله والذي توفاه الله عزّ وجلّ قبل صدور حكم البراءة ونسأل الله العلي القدير أن يمنحه البراءة من النار ويسكنه الجنة .
في حلقة توك شوك والتي خصصت للحديث حول حكم البراءة استضاف الأستاذ محمد الوشيحي أحد شباب الحراك ممن يحظى بمديح دائم من الوشيحي وغيره من رموز الحراك وذكره الوشيحي أكثر من مرة في مقالاته مادحاً له وأطلق عليه لقب صقر الحراك واقعاً - من وجهة نظري - في ذات الخطأ الذي طالما وقع فيه الحراك ورموزه وهو المبالغة في المدح والإطراء والترفيع وتوزيع الألقاب المجانية لبعض الشباب صغار السن ممن لازال يعتريهم الهوج وتغلب عليهم العجلة وحماس الشباب ومداخلة ذلك الشاب في البرنامج خير دليل على ما ذكرت وأخشى أن تصبح دليل إدانة ضده مستقبلاً ، مع يقيني بأن الطريق أمامه لازال طويلاً حتى يكون ممن يشار إليهم بالبنان سياسياً وأخشى بسبب كثرة المديح أن يتحول إلى حجر  تضع عليه المعارضة قدر خيبتها في المدح بعد أحجار السحلول والكثيري وابن جامع ليتحول صقر الحراك إلى صقير فار في عيون مادحيه سابقاً إذا ما راح يبحث عن حضن دفيان خاسراً لقبه كما خسره من قبله شاعر الدستور وشيخ الشيوخ .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2013/12/07

كل شي موجود بس أمِن ماكو !

الأشياء العظيمة لاتُعرف قيمتها إلا بفقدها ، وأبو فراس الحمداني الفارس والشاعر فهم هذه الجزئية جيداً فقال ردّاً على ازدراء قومه له : وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ ، والمصيبة العظمى أن بعض تلك الأشياء العظيمة إذا ذهبت لا تعود إطلاقاً ، أو لعلها لا تعود إلا بعد أن تذيقنا مرارة الازدراء بها والتقليل من قيمتها ، ولاتَ حين مندم .
يردد كثيرون عبارة "أمن أمان ، والله لايغير علينا" بازدراء واضح مع كل خبر عن سرقة جديدة للمال العام أو تجاوز صارخ للقانون ، أو تفرّد واضح في اتّخاذ القرار ، ناسين أو متناسين أن الازدراء سبب من أسباب زوال النعم والحرمان منها ، وغافلين أو متغافلين أن كلّ ما ذكر أعلاه لا يعدل نعمة أن تخرج من بيتك وتعود إليه سالماً ، ولا تقارن بنعمة أن تسلم على نفسك وعرضك ومالك ، وإن حاول بعض الجهلة التقليل من شأنها .
إن ازدراء نعم الله عزّ وجلّ أمر ممقوت وفي ثناياه اعتراض على الله عز وجل فقد جاء في الحديث الحثّ على النظر لحال من هو أدنى منك في أمور الدنيا وعلّل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله "حتى لا تزدروا نعمة ربكم" ، وإن الأمن والأمان نعمتان عظيمتان لا تقارن بهما أي نعمة مهما بلغت ، ولهذا كانت هاتان النعمتان مصدر منّ من الله عز وجل على قريش في كتابه الكريم حيث قال سبحانه : ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) وقال في موضع آخر ( أولم نمكن لهم حرماً آمناً .....) الآية ، والشاهد أنه لولا عظمة هاتين النعمتين لما اختار الله عزّ وجل المنّ بهما دوناً عن غيرهما .
في لقائه مع جريدة سبر الإلكترونية يُسأل الشيخ فهران الصديد عن الأوضاع في العراق بعد الإطاحة بصدّام ، فيجيب منوّهاً على نعمة الأمن والأمان التي فقدت بعد الإطاحة به ، وهذا كلام رجل خبير عاصر الزمنين وأعطانا عصارة تجربته ( ولا ينبئك مثل خبير ) ، وإن هذا ليشبه ما قاله لي صديق عراقي من أهل "الكوت" حين سألته عن الأوضاع هناك فقال : "كل شيء موجود بس أمن ماكو" ، ولله درّ السلف الأوائل الذين جرّبوا فقالوا : "حاكم ظلوم خير من فتنة تدوم" .
في بلدي ... نعم هناك فساد ، نعم هناك ظلم ، نعم هناك تجاوز للقانون بسبب المحسوبيات والواسطة ، نعم هناك دولة آيلة للتقهقر ، ولكن أيّاً مما ذكرت لا يعدل نعمة الأمن والأمان التي تبقى كفتها هي الراجحة في ميزان العقول السليمة ، وإن الحرب على كل ما ذكر لا يكون طريقه بالطبع عن طريق ازدراء نعمة الأمن والأمان ، فحارب الفساد بالطرق الشرعية وفي ذات الوقت ارفع يديك وقل : "اللهم لك الحمد على نعمة الأمن والأمان والله لا يغير علينا" .


منصور الغايب
twitter : @Mansour_m

2013/11/30

"ذبّان" الكثيري !

تحت رماد تناقض المواقف يُرى وميض جمر المصالح ، وبين تبدل الأقوال بلاتوضيح ؛ يتضح الارتكاز على ذاكرة الجماهير الضعيفة نسبياً ، وبين المبالغة في المدح والفجور في القدح ؛ ترقد المباديء الهلامية التي يحييها التصفيق والتطبيل ؛ ليرقص المتابع المنصف على صوت قرع طبولها مذبوحاً من ألم الحسرة .
شاعر "كثيري" يقف معتذراً أمام رئيس مجلس الوزراء السابق ، تائباً آيباً يلقي باللائمة على زمرة ضالة أضلته عن معرفة الحق حتى هداه الله ليسوق قرابين الشعر أمام الرئيس السابق علّها تشفع له ، حتى هذه اللحظة يبدو المشهد عاديّاً جدّاً ، ولا شيء فيه يثير الحفيظة ، فلكل إنسان الحق في اتخاذ الموقف الذي يتناسب مع قناعاته ، واتباع الرأي الذي يدين الله عزّ وجلّ به ، وكان أحد السلف يقول : " إني لأرى الرأي اليوم وأعود عنه غداً وأرى الرأي غداً وأعود عنه بعد غدٍ" ، ولا يعيب الإنسان كائناً من كان عودته عمّا يراه باطلاً إلى ما يراه حقّاً ، بل هذا دأب الصالحين على مرّ الأزمان ممن يعرضون أقوالهم وآراءهم كل يوم على ميزان الحق ليعرفوا مدى قربها أو بعدها عن الصواب ، ولله درّ أبي الحسن الأشعري الذي صعد على المنبر ليخلع ثوبه أمام الناس معلناً أنه خلع مذهب الأشاعرة كما خلع ثوبه .
لكن لا تغترّ عزيزي القاريء ، فالمشهد الحقيقي لم يكن بذات الجمال الذي ذكرته أعلاه ، وصوت رنين المصالح الذي كان يعلو من بين الأبيات أسمع من به صمم ، ورائحة الفجور في الخصومة مابين الشاعر وأصدقاء الأمس الذين انقلبوا عليه ليصبحوا أعداء اليوم كانت تزكم الأنوف .
نقطتان مهمتان أردت أن أتناولهما بالطرح مما قرأته بين ثنايا تفاصيل القصة أعلاه :
الأولى : أن مبدأ التزلف من أصحاب الأموال والنفوذ عبر الثناء الكاذب المتشكل على هيئة شعر وإن كان هو دأب الشعراء منذ القدم إلا أنه يفقد ما تبقى للشاعر من رصيد هيبة واحترام في قلوب متابعيه ، حتى وإن اعترفوا بشاعريته إلا أنهم لا ينكرون تذللـه وخضوعه ، وهذا يشبه قول الشاعر خلف مشعان : "من ذلّ لو قالوا سلم يبقى بنظرتهم ذليل" ، كذلك من تذلّل وإن قالوا عنه شاعر نحرير سيبقى في نظرة الجماهير ذليل ، والجماهير بدأت تمتعض وتبدي امتعاضها من هذا السلوك المشين الذي يجعل من صاحبه في عيون الناس "مسّاح جوخ" .
وإن عبارات كـ "خذني بحضنك" و "بردان" و "ياحاتم" و "الكفّ النداوية" عبارات لا يمكن أن نفهم منها إلا معاني "الشحذة" التي تسترت بوزن وقافية وهي شبيهة "بشحذة" ابن الذيب لابن مكتوم : "خذني من البدي عندك في القمارة" و "ياطويل العمر ماعندك عمارة ؟!" وقول ابن حمري : "ياسيدي سلطان لا تلحاني" ، والتاريخ يسجل وكلٌّ يقدّم ما يرتضيه لنفسه .
كما أن الشاعر أخطأ حين نال من أصدقاء الأمس ليرضي أصدقاء اليوم ، وكان بإمكانه أن يبدي اعتذاره شعراً ويسطر فيه ما دفعه للرجوع إلى الحق - من وجهة نظره - دون أن يسيء لأصدقاء الأمس ، ولكنه لم يفعل أيّاً من الحسنيين فلا سلم منه أصدقاء الأمس ولا هو بيّن لأصدقاء اليوم سبب رجوعه  وتبدّل آرائه ويادار ما دخلك "شعر" ! .
الثانية : أن مبدأ الفجور في الخصومة مع كونه صفة من صفات المنافقين كما صحت بذاك الأحاديث ، فهو أيضاً صفة لاتنفك عن النزاع السياسي في الكويت ، فكلا الطرفين لا يتورع عن استخدام كل الأسلحة المتاحة ، ولا يمانع من الضرب تحت الحزام ، وتجييش الشبيحة ليشنّوا حرباً شعواء الخاسر فيها لا يسلم على عرضه ناهيك عن أي شيء آخر ، ومن علامات الفجور في الخصومة هو ماتعرض له الشاعر الكثيري من عبارات السب والشتم والطعن في العرض مما نال من عائلته وقبيلته أيضاً لاسيما من عراة الأخلاق الذين يتسترون خلف الأسماء المستعارة التي لا تستر عورات أخلاقهم ، كما أن هذه الحادثة بيّنت لنا جليّاً أننا نتساهل كثيراً في إطلاق عبارات المدح والثناء المبالغ فيه على من يتفق مع آرائنا ابتداءً حتى نجعل منه البطل الذي لايشق له غبار أو الشاعر الذي لا يجارى نظمه أو المحامي الذي ينتصر للمباديء والقيم حتى إذا ما نكص على عقبيه رحنا نبحث عن عبارات قدح بحجم عبارات المدح تلك علّها تنسي المتابعين ما قلناه سابقاً وتستر شيئاً من عورة سذاجتنا التي تكشفت ، و "الكثيري" كان نموذجاً لهذا التخبط في المدح ومنح الألقاب فما ناله من مدح وقدح من كلا الطرفين عند مدحه للنائب السابق مسلم البراك لايقل عما ناله من قدح ومدح من كلا الطرفين أيضاً عند مدحه لسمو رئيس مجلس الوزراء السابق .
تمر الحوادث تلو الحوادث وما إن ننشغل بحادثة وتنقضي إلا ونصبح على أخرى حتى أصبحنا نكره الهدوء ونعشق الصراخ والعويل ، والأهم من هذا كله أننا مع كل حادثة يتبين لنا بأن مشكلتنا أخلاقية بالدرجة الأولى ، وأن الترسبات التي تخلقها فينا مثل هذه الحوادث لن ينتهي أثرها سريعاً ، فطوبى لمن كان له عدو منصف عاقل ولا عزاء لمن ابتلي بعدوّ فاجر لا يراعي فيه إلاًّ ولا ذمّة .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/21

ليبرالي بدويّ !

قبيح جدّا منظر السرج على ظهور البقر ، ولا يقلّ قبحاً عنه منظر الأفكار الليبرالية وهي تلحس مخّ ابن البادية ذاك الذي نشأ في بيئة محافظة ومتّزنة ورأس ماله دينه وسمعته وشرفه ، دون أن يكدّر صفو ذلك كله زحام الحاضرة واختلاط أهلها وتنوع ثقافاتهم ، وما أقذر محاولة الوصول إلى الممنوع شرعاً أو عرفاً عبر انتهاج أفكار لايبدو أن صاحبها مقتنع بها أصلاً ولكنها ليست إلا مطيّة للوصول لهدف غير سامٍ أو حقنة لإراحة الضمير مما يرتكب مملوءة بعقار "كيفي لبرالي" !
ونظراً لأنه "ياشين شيء ما يشابه أهله" ؛ نجد منظر الليبرالي البدوي قبيحاً جدّاً إذا ما قورن بجميع الليبراليين في هذه المعمورة ، فوجهه ولهجته وسحنته وآخر اسمه كلها توحي إليك بأنّه يجب أن يكون مابينه وبين ترّهات الليبراليين كما بين المشرق والمغرب ، ولكنّ حاجة في نفس "مخبول" هي التي دفعته لاعتناق هذه الأفكار التي لو نطقت لتملّصت منه وفرّت من رأسه فرار السليم من المجذوم .
نجد الليبرالي البدوي لايمارس ليبراليّته إلا خارج بيئته ومحيطه الأسري ، فكل قواعده غير قابلة للتطبيق على الأقربين الذين هم أولى بالمعروف ، ولعلّ هذا إقرار ضمنيّ منه بأن ما يحمله من فكر هو إلى المنكر أقرب منه للمعروف ، وهو يحاول أن يكون شاعريّاً أديباً رومانسيّاً يستيقظ على أصوات فيروز وأم كلثوم ، ويستلذّ بفناجيل القهوة التركية مصحوبة بأبيات نزار ومظفّر وأحمد مطر ، وينام على قرع كؤوس الشراب وعلى أغنيات عبدالحليم وعبدالوهاب ، ولكن محاولاته تبوء بالفشل دائماً وتجرّ أذيال الخيبة وراءها فكل ماسبق ليس له "معشّى" في بيئته البدوية ، ومن حوله لا يعطون "سدّاح" الليبرالية فرصة إثبات جدارته أقصد دشارته ، وكل مطربيه السابقين يتساقطون واحداً تلو الآخر أمام أغنية لمزعل فرحان أو محاورة لمستور ولايهون الميزاني ! ، أما قرع الكؤوس فلا يستطيع تطبيقه على كؤوس ملئت لبناً ! ، وتجده يحاول التعبير عما يجول في صدره بأسلوب أدبي راقٍ - بظنّه - فإذا به يرجع بسوء الأدب وقلة الحياء وسواد الوجه ، ولطالما "جاب العيد" دون أن يشعر في عبارة ظنّ أن المنفلوطي سيغبطه عليها وهو في قبره ، وتجده يفرح بزلات المتدينين ويتخيلها باباً يلج منه نحو الطعن فيهم فإذا هو بغبائه يطعن في الدين نفسه دون أن يشعر ولربما وقّع على ورقة خروجه من الدين دون أن يشعر ، وهو - الليبرالي البدوي - بكل بساطة ؛ حاول أن يكون غيرَه فعاد أسوأ مما كان ، فجعل من نفسه أضحوكة يتابعه الآخرون ليضحكوا عليه وليحمدوا الله على نعمة العقل والهداية في حين لايفرق هو لغبائه المفرط بين من يضحك له ومن يضحك عليه .
في كتابه "محاولة ثالثة" لخّص الكاتب محمد الرطيّان حياة الليبرالي البدوي بسخرية في مقال احتواه ذلك الكتاب عنون له بـ "مذكرات داشر سابق" ليتحدث فيه عن "الداشر" السابق والليبرالي الحالي "دحيّم" والذي وصف فيه بداية اعتناقه لليبرالية بعد اعتناقه لكثير من الأفكار قبل ذلك فقال : "وفي ليلة ليلاء غاب فيها القمر النجدي ، وهبّت فيها رياح غربيّة غريبة ، اجتمعنا في إحدى الاستراحات ... دون أن نشعر أصابتنا الحساسيّة الجديدة ، ولفرط ما أصابنا من هذه الحساسية السياسية أخذنا نهرش ونهرش ونهرش ، حتى وصل الهرش إلى المخّ ، فتفتّق الذهن عن فكرة جديدة ، وفجأة ... تلبرلنا ! " .
هذه باختصار طريقة اعتناق الليبرالي البدوي لليبراليّة والتي كانت مرحلة لما بعد الدشارة التي تلاها الهرش ، والتي استطاع أن يمارس فيها دشارته ذاتها ولكن تحت مسمى "ليبرالي" و "مثقّف" ، ليجد من يصفق له ويضحك له لكنهم بالتأكيد أقل بكثير ممن يصفق يديه أسى على حاله ويضحك عليه .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/19

استمتعوا بالموت !

في خضم المعاناة التي عاشها ويعيشها المواطن الخليجي في المملكة العربية السعودية والكويت جرّاء الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال اليومين الماضيين والتي لم تجد لها مصرفاً يكفيها فقررت أخذ جولة في الشوارع والساحات إلى أن تجف على راحتها وعلى أقلّ من مهلها ؛ يطلّ من نافذة تويتر "مغرد مشهور" يحظى بعدد كبير من المتابعين وبعدد قليل من كرات الدم الحمراء في وجهه ؛ ليضع صورة لمواطن إماراتي يمارس هواية ركوب الجت سكي في شوارع عجمان فرحاً بالسيول والأمطار - على حدّ وصفه - ويذيّلها بعبارة مفادها استمتعوا بالسيول بدلاً من التحلطم على البنى التحتية في بلدانكم .
أتفهم تماماً موقف ذلك المغرد لأنه ينطلق من منطلق شرعي وهو عدم استغلال مثل هذه الكوارث في تأليب الناس على ولاة الأمور لأن هذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة ولكنه أخطأ تماماً في التعبير هذه المرّة  فهذا لايعني إبداء الامتعاض من الوضع المزري الذي وصلت إليه دولنا مع مقدرتها على أن تكون أفضل حالاً مما هي عليه الآن لو تخلصت من الفساد المالي والإداري المسيطران عليها ، وهذه المقدرة الهائلة لا تخفف من لومنا لها بل تزيده كما قال الشاعر :
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمامِ
ولو أنا صاحبنا طالب متابعيه تصريحاً بما يريد بدلاً من استخدام عبارة استمتعوا لكن خيراً له وأكثر احتراماً لعقول الآخرين ، ولو أنه انطلق من منطلق ديني بتذكير الناس بالدعاء في هذه اللحظات التي يستجاب فيها الدعاء بدلاً من العويل الذي لن يجدي شيئاً ، أو خوّفهم بآيات الله عز وجلّ الكونية وجنوده التي لا يعلمها إلا هو سبحانه ليعودوا إليه ، أو ذكّرهم بالسنن الواردة في المطر من دعاء نزول المطر وغيره لعذرته ، ولكنه لم يترك لي مجالاً لالتماس العذر له حين طالب الناس بالاستمتاع - على حد تعبيره - بالسيول على غرار ما فعله ذلك المواطن الإماراتي .
استمتعوا - رحمكم الله - كما أمركم - حفظه الله - وأنتم ترون مياه الأمطار تغزو بيوتكم وتتلف أثاثكم وممتلكاتكم ، استمتعوا - رحمكم الله - وأنتم ترون سياراتكم تجرفها السيول ، استمتعوا - رحمكم الله - وأنتم تسمعون أخبار الموتى غرقاً ممن جرفتهم السيول وتسألون الله العلي القدير ألا يكونوا من أقربائكم ، استمتعوا - رحمكم الله - وأنتم تشاهدون الموت يجوب شوارعكم على هيئة مياه غاضبة ، استمتعوا - رحمكم الله - وأنتم تموتون أيضاً ، وابتسموا حال موتكم حتى إذا ما وجد أقرباؤكم جثثكم قالوا : مات مبتسماً - رحمه الله - من شدة الاستمتاع .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/16

الراسبون في اختبار الرميثية

في هذه الحياة ؛ كثيرون يدّعون الذكاء والفطنة ، والحرص على النفس وصونها عن الخطأ ، والالتزام بخط السير الذي يرتضيه الإنسان لنفسه ، والمواظبة على أداء الواجبات المنوطة بهم مما يجعلك تظنهم من الفائقين المتميزين عن أقرانهم ، ولكنهم - ومع الأسف - يرسبون في أول اختبار لكل ادّعاءاتهم السابقة ويغرقون في شبر ماء تناقضهم الممجوج لتسقط عنهم ملابس الكذب والزور التي يلبسونها فتظهر لنا عوراتهم واضحة جليّة ، ولا تنفعهم بعدها محاولة سترها بأوراق أشجار أعذارهم الواهية .
أحداث البارحة التي جرت في الرميثية - بغض النظر عن كل شيء - لم تكن من وجهة نظري سوى اختباراً قصيراً فاجأ به المعلّم طلّابه المتحذلقين الذين كانوا يتباهون أمام أقرانهم بشطارتهم وتفوقهم ، والاختبار رغم قصره وسهولته إلا أن عدد الراسبين فيه كان مهولاً جداً ولم ينجح فيه سوى من صمت وقدّم ورقة الاختبار فارغة إلا من عبارة "اللهمّ سلّم سلّم" .
البارحة اختلطت الأوراق وطاشت العقول وسقطت الأقنعة وتبدلت الشعارات ، فالذين كانوا يفرحون بضرب القوات الخاصة لمسيرات كرامة وطن واعتصامات السفارات ويرونها تخل بالأمن ؛ رأيناهم يؤيدون بل ويحضرون مسيرة قامت لغرض طائفي ، ويكتوون بنار القنابل الدخانية التي أضحكتهم سابقاً ، والذين كانوا ينتقدون اعتصام مقاهي الفساد في الجهراء بحجة أن أسبابه دينية وأن قضايا الوطن أهم رأيناهم البارحة يصفقون لمن خرج في مسيرة لغرض ديني - من وجهة نظر من خرج - وليس لأجل قضايا الوطن فما الذي تغير بالله عليكم سوى أنهم ظنوا أن مثل هذه المسيرات قد تخدم توجههم ، ورأينا ثلّة من شباب الحراك ممن يدّعون الإصلاح ومحاربة الفساد يتنادون بسخرية ومن باب مزح برزح بـ "ولّعها شعللها" في مشهد يعكس قلة وعي هؤلاء الشباب بنتائج الأمور وما سيؤول إليه الحال فيما لو ولعت وشعللت فعلاً ، كما رأينا بعضهم يتحول فجأة ويتقمص دور مباحث أمن الدولة عن طريق نشر تغريدات لمغردين فسروها على أنها مسيئة للذات الأميرية وهم الذين كانوا ينتقدون مثل هذا التصرف وينتقدون تفسير النوايا سابقاً ، ورأينا بعض من كان يضرب الوحدة الوطنية في مقتل عن طريق ضرب القبائل ومكونات المجتمع يتباكى البارحة - بعد غياب - على إثارة مثل هذه النعرات وكأن ما كان يقوم به سابقاً عمل وطني جليل، ورأينا بعض القنوات التي كانت تحارب كل مسيرة يقوم بها شباب الحراك سابقاً تقوم بنقل حيّ ومباشر لتلك المسيرة ، ورأينا بعض النواب الذين مارسوا هوايتهم المحببة وهي التكسب كيف اشتاطوا غضباً من أجل كيربي تم هدمه ولم يؤثر فيهم عشرات الألوف من البشر الذين يعيشون في بيوت أغلبها من الكيربي في تيماء والصليبية ، ورأينا بعض أصحاب اللحى ممن أطلق للسانه العنان غير آبه بما يقول متناسياً أن للكلمة خطراً كبيراً على المجتمع وأن الفتنة النائمة قد توقظها كلمة حقّ يراد بها باطل ! .
مصيبة عظمى حين يفعل اختبار "فتنة" قصير كل هذا ، وطامة كبرى حين يثور مجتمع كامل من أجل أي سبب ليتبادل التهم ويتراشق الشتائم ، وكأنه يبحث عن جنازة "فتنة" يشبع فيها لطماً ، ولكننا لا ننكر أيضاً أن مثل هذه الأحداث مفيدة جداً لنا لأنها تساهم في سقوط الأقنعة الزائفة وتهافت الشعارات الكاذبة لتمحص المجتمع من كثير من الذين يقتاتون على مثل هذه الأحداث ولتبين لنا مدى هشاشة "عظام" هذا المجتمع الذي ربما - وأقول ربما - إن لم تتم معالجة هشاشته سريعاً سيصاب بكسر في عموده الفقري .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/10

ولادة فرج ...!

كان يقضي تلك الساعات الصعبة بين ذهاب وعودة أمام باب غرفة العمليات مطرقاً رأسه وكأنه يقوم بعدّ بلاط الممرّ واحدة واحدة ولا يرفع رأسه إلا ليلقي نظرة على ساعة الحائط المعلقة ليعرف كم مضى من عمره وكم بقي من صبره !
كل ما سبق هو الشيء الوحيد الذي كان يبدو لكل من كان يعاين ذلك المشهد فلم يكن يبدو من الرجل إلا قلقه وذهابه وعودته في الممر ونظراته لعقارب ساعة كأنه يخشى أن تلدغه ، لكن شيئاً آخر كان يحمله ذلك الرجل ولم يكن يبدو للأخرين ؛ إنه ذكريات عام كامل كان قد مرّ به من لدن قراره الزواج وحتى صراخ زوجته الحامل نتيجة آلام حادة في بطنها قرر على إثرها الطبيب إجراء عملية قيصرية لها ، عام كامل يمرّ الآن في مخيلته بمرّه ومرّه إذ لاحلو فيه وكأنه قام بعمل رجيم ضد السعادة فتجنب اللحظات الحلوة ! ، عام كامل من المشاكل الزوجية المتشكلة نتيجة الفقر والعوز والعجز أمام طلبات زوجة عاشت في بيت فقير مع والد فقير تشبثت في أول زوج تقدم لخطبتها ظناً منها أنه سيكون طوق النجاة الذي سيصل بها إلى بر الغنى ، ولكنها انصدمت بفقر لا يختلف كثيراً عن ذلك الفقر الذي عاشت في كنفه منذ الصغر فباتت تخلق المشاكل تلو المشاكل فلاشيء في بيت الزوجية يستحق أن تحافظ عليه ، عام كامل يمر في مخيلته منذ معاناة أول حصوة إيجار لشقته الصغيرة وحتى أصبحت تلك الحصى بعد تجمعها جبلاً من المشقة يقبع على كاهله ، وعام كامل من العمل الشاق المتعب الذي يبدأ منذ الصباح وينتهي بعد المساء والذي لم يكن ليقبل به لولا خطوته غير المدروسة لدخول القفص وقبوله الزواج ، عام كامل قضى أغلبه في مراجعات للحصول على حكم من المحكمة بإثبات زواجه وكأنه قد واقع زوجته على قارعة الطريق كما يفعل الساقطون ، عام كامل من التفكير في المستقبل والخوف من المجهول، عام كامل قضى أشهره الأولى في التفكير بعدم الإنجاب حتى لا يجني على أحد بعده وحتى لا يُرزق بطفل تبدأ أولى خطوات معاناته مع استخراج شهادة ميلاد له ، عام كامل من الركض خلف سراب المانشيتات والجري خلف مواعيد عرقوب والتي لم يكن ليأبه بها لولا كونه ربّ أسرة كما يصفونه ، عام كامل كانت بدايته في ديوانية متهالكة لعقد قران على يد شيخ مسجد بعشرين ديناراً وهاهي نهايته تتمثل في الوقوف بقلق أمام باب غرفة العمليات في انتظار الخبر ، وكأنه وعلى غرار الأفلام المصرية حين كان الدكتور يخرج من غرفة العمليات ليقول للأب "إحنا اضطرينا نضحي بالجنين عشان الأم تعيش" كان يتمنى أن يحضر إليه الدكتور ليقول له "إحنا اضطرينا نضحي بالأم والجنين عشان الأب يعيش" ! ، ولكنه في لحظات قلقه ذاك تأتيه البشارة من الممرضة : "مبروك جالك ولد ... حتسميه أيه ؟!" فيرد وهو مطرق رأسه : سمّوه "فرج" !


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/11/01

كنوز في سلّة المهملات !

وماللمرء خير في حياةٍ
إذا ماعُدّ من سقطِ المتاعِ

قطريّ بن الفجاءة

كثيراً ما نستغني عن أشياء ثمينة نجهل أو نتجاهل قيمتها الحقيقية ، ولطالما قاومنا رغبتنا بالتخلّص من أشياء هي عديمة النفع لنا من وجهة نظرنا عن طريق الصبر على الاحتفاظ بها وتخزينها لعلّنا نقتنع بمدى نفعها لنا وأهميّتها لدينا ولكن بلاجدوى ، حتى تجدنا نلقيها في أقرب سلّة مهملات مع أول لحظة نضيق بها ذرعاً من كثرة الأشياء المخزّنة لدينا دون أن نستفيد منها ، لنعقد حينها جلسة مفاضلة بين تلك الأشياء لاختيار الأول ولوجاً منها لسلّة المهملات وأحيانا وعلى طريقة "خلالات العبد" تجدنا نستغني عنها جميعاً دون أن نشعر لتمتلىء سلّة المهملات لدينا بما لا يعني شيئاً بالنسبة لنا ولكنه قد يشكّل كنزاً ثميناً لدى الآخرين وحينها نضرب أخماساً بأسداس ونحن نرى مهملاتنا تتحوّل إلى ذهب خالص في أيدي الآخرين ولاتَ حين مندم .
هذا هو بالضبط ما تقوم به الكويت مع كثير من المبدعين والعباقرة والموهوبين والمتميزين في شتى المجالات من البدون حين تلقيهم في سلّة مهملاتها غير مبالية بهم لأنها تراهم في عين البصر لا البصيرة عديمي الفائدة مرتزقة لا ولاء لديهم همّهم الأكبر المشاركة في خيرات البلد ، حتى إذا ما أتت دولة أخرى لسلّة المهملات تلك واختارت منها ما يناسبها وبأقل تكلفة بل وبالمجّان أحياناً لتستفيد منه ولتعيد صياغته من جديد لتضع بعد موهبته أو حرفته تلك اللقب الجديد ليسمى حينها بـالشاعر "السعودي" و اللاعب "القطري" والبروفيسور "الأمريكي" والمستشار "الكندي" والدكتور "البريطاني" وهكذا ... على مرأى ومسمع من بلدهم الأم الذي لم يؤمن بموهبتهم وألقاهم مختاراً في سلّة مهملاته .
قد يغضبك هذا الوصف أخي البدون وقد تراه قاسياً بعض الشيء ولكنه والحق أقول لن يكون أقسى من الظروف التي يتعرض لها البدون كل يوم في هذا البلد الذي يقابل العطاء بالجحود ويقابل التضحية بالنكران ويقابل الولاء بالتسفيه ويقابل المحبة بالمضايقة والعشق بالتطفيش ، فقل لي بالله عليك أيهما أقسى ؟! .
كان البدون ولا يزالون كنوزاً قيّمة الثمن احتضنتها سلّة مهملات الوطن الذي لم يؤمن بما لديهم حين راهن الآخرون عليهم ليكسبوا الرّهان وليرفعوا رايات تلك البلدان التي آمنت بما لديهم عالية خفّاقة وليحققوا لها المكاسب تلو المكاسب ولو التفتنا لماحولنا من بلدان شقيقة لوجدنا أن غالبية المبدعين والمتميّزين فيها هم من أبناء هذا. الوطن الذين كانوا حبيسي سلة المهملات ، وإن أكثر المستفيدين بالطبع من هذه الكنوز هم الجيران السعوديون وكما قال الأستاذ محمد الوشيحي سابقاً "عليهم بالعافية" .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/10/18

رفقاً بالإنسان أولاً !

في القناة الأولى للتلفزيون الرسمي للدولة تستضاف فتاة لتتحدث عن حملة جمع تواقيع في أحد المجمّعات التجارية الكبيرة لسنّ قانون يجرّم التعدّي على حقوق الحيوان مستذكرة بعض قصص التعذيب التي تتعرض لها الحيوانات وخصوصاً الكلاب - أجلكم الله - في سوق "الجمعة" في ظلّ تأثر واضح من مقدمي البرنامج والذين ختموا تلك الفقرة بالشكر لها والسعادة التي تنتابهم لوجود فتاة كويتية تهتم بمثل هذا الموضوع .
عند تلك الـ (.) انتهت قصّة مضحكة جديرة بالسخرية والتندر منها ، وابتدأت قصة معاناة لآلاف من البدون على هذه الأرض لايجدون من ينتصر لهم ويطالب بإنصافهم إلا من قبل فئة قليلة من أبناء وطنهم ، في حين يتفرغ التلفزيون الرسمي للدولة للحديث عن حقوق الحيوانات واستضافة ناشطين في هذا الموضوع ، علماً بأن التلفزيون الرسمي لا يسلّط الضوء أبداً على قضية البدون وحجم المأساة التي يعيشونها إلا من خلال نظرة الجهاز المركزي والذي يمثل النظرة الحكومية الظالمة تجاه البدون .
كلما مرت السنين وتعقدت قضية البدون أكثر وأكثر كلّما صُدمنا أكثر بفئة ليست قليلة من الشعب تقف حجر عثرة في طريق حلّ هذه القضية الشائكة إلى جانب عدم الرغبة الحكومية الجادّة في حل القضية أساساً ، فالشعب بين "ضيّق عين" يظن أنه لن يجد له "لقمة عيش" لو تم إعطاء البدون حقوقهم ، وبين عنصري بغيض يعتقد يقيناً بأن "الله خلق وفرق" فكيف يستوي الأوّلون مع الآخرين ، وبين "جاهلٍ" بأصل القضية ابتداءً يردّد ليل نهار "مو ناقصهم شيء" وبين من لا يريد حتى الالتفات لهذه الفئة ولا الاعتراف بآدميتها بل يفضّل الانشغال بماهو أهم منها في نظره كالفتاة سالفة الذكر ضيفة التلفزيون الرسمي ، وبين كل هذه الأنواع من الشعب - هداهم الله - تبقى قضية البدون في محلّها تحاول ألا تتراجع إلى الخلف على الأقل فالتقدم إلى الأمام صار شبه مستحيل ووحدها أعمار أصحاب القضية هي التي تتقدم وتزداد لتنذر بفناء جيل وقدوم جيل جديد لن يكون كسابقه إطلاقاً في الوداعة واللطف .
يحزنهم منظر أربعة كلاب في قفص واحد ، ولايحزنهم منظر العشرات من البشر فيما يسمى مجازاً ببيت شعبي غلفته الصفائح ونظام النوم فيه "شفتات" ! ، يحزنهم منظر صراع الحيوانات بعضها مع بعض ولا يحزنهم منظر آلاف من البشر بعضهم يصارع الفقر ليل نهار وبعضهم يصارع وساوس الشيطان ودعوته للانحراف كل حين وبعضهم يصارع رغبة الانتحار في داخله مستغفراً ربه كل ساعة ، وبعضهم يصارع نظرات الاحتقار التي تأتيه من طرف خفيّ إن غادر بيئته ومجتمعه ! .
إن بلاداً يوجد فيها من لا يمتلك شهادة ميلاد ويوجد فيها أطفال يمنعون من التعليم وفقراء يمنعون من الزكاة ولا تتحصل فيها على عقود الزواج والطلاق وشهاداة الوفاة إلا بشقّ الأنفس ولا يسمح لك فيها بالعمل لتسد جوعك ويعامل فيها الأطفال الذين يبيعون "السيديات" و "الرقي" على الأرصفة كمعاملة بائعي المحرّمات ؛ لا يحق لأحدٍ فيها كائناً من كان التحدّث عن حقوق الحيوان ، بل إن الحيوانات نفسها لن تقبل بمن هذا وصفه أن يكون مطالباً بحقوقها في حين أنه يهمل حقوق أبناء جلدته ... وسلامي للقناة الأولى .


منصور الغايب
@Mansour_m

2013/10/13

مقاهي الفساد في الجهراء

عنوان المقال أعلاه ليس إلا وسماً في "تويتر" وضعه بعض الناشطين في مجال المحافظة على الأخلاق والفضيلة في محافظة الجهراء والتي بدت مؤخراً والله المستعان تعجّ بمناظر لم تألفها الجهراء في السابق حتى وصلنا لمرحلة أصبحت فيها المقاهي المنتشرة في المجمعات التجارية والتي يمتلكها متنفذون أشبه بأوكار الدعارة تؤجر فيها الكابينات بالساعات لإجراء مواعدات غرامية قد لا تخلو من فعل الفواحش ، علماً بأن تلك المجمعات ترتادها العوائل مما يجعل الخطر أشد وأعظم إذ إن تكرار مشاهدة مثل هذه المقاهي من قبل العوائل وتكرار مشاهدة الرجال والنساء يخرجون منها معاً سيجعل الأمر مستساغاً مع مرور الزمن فكثرة المساس تميت الإحساس والعذاب قادم إذا كثر الخبث .
ذلك الوسم "التويتري" سقط في التايم لاين كسقوط القنبلة ، وأجبر دويّ سقوطه الكثير من الأفاعي على الخروج من جحورها لتهاجم الدين والفضيلة باسم الحرية والكرامة ، وأجبرت رائحته الزكيّة الحشرات التي اعتادت أنوفها على شمّ الروائح الكريهة على خلع أقنعتها الزائفة بعد أن أصيبت بالاختناق ، ولله در ابن الوردي حين قال : إنّ ريح الورد مؤذً للجُعَل .
إن أشد من أغاظهم ذلك الوسم هم الليبراليون سنة أولى "ليبرالية" ، والذين يودّ أحدهم لو خلع سراويله وأظهر عورته أمام الملأ ليؤكد للناس على ليبراليته الجديدة فيحظى بعدها بنجمة يرسمها له أساتذته في الليبرالية على "مؤخرته" - كتلك التي ترسمها المعلمات على أيدي الطلبة المتفوقين في الروضة - ليذهب بعدها ويتفاخر بها أمام زملاء المهنة الوضيعة ليشعر بأنه "جاب راس الدريعي" وهو في الحقيقة "جاب العيد" على نفسه باستهزائه الذي تمجّه النفوس والفطر السليمة والذي يجعل منه أضحوكة بين الملأ لاسيما مع قراءة آخر اسمه وربطه بخبيث طرحه .
حاول هؤلاء القلة خائبين ربط انتقادهم للوسم المذكور بربطهم مواقف القائمين عليه تجاه الحرية والكرامة - زعموا - متناسين أن الحرية الحقيقية في كونك عبداً لله وحده ، تمتثل لأوامره وتجتنب نواهيه وتحارب من يبارز الله بنشر الرذيلة ، وأن العبودية في كونك عبداً للشيطان يستعملك كيفما يشاء في محاربة الدين ومعاداة أهله ، وأن أعظم الكرامة صون النفس البشرية عن الامتهان والجري خلف ملذات النفس حتى لا تصبح كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، والعجيب أن بعضهم ممن ينتمي للحراك الذي يحارب الفساد ويدعو لمسيرات واعتصامات لمحاربة الفساد وأهله ، فهل الفساد ومحاربته لا يشمل الفساد الأخلاقي والذي يكون مجال التكسب فيه معدوماً ؟! ، أم أنه حكر على الفساد السياسي والذي يفتح الاشتغال فيه أبواب التكسب على مصراعيها ؟! أفيدونا .  
كما أن هناك صنف آخر من الذين لا نشك بطيب نواياهم قد هاجموا ذلك الوسم ؛ لربطهم مواقف بعض القائمين عليه بتخاذلهم تجاه قضية البدون وضرب المتظاهرين والمعتصمين وهم أكثرية في محافظة الجهراء ، وهذا والله تحجير واسع ! ، إذ إن كلّ ميسّر لما خلق له ، وبعض هؤلاء الناشطين مجالهم بعيد جدّاً عن قضية البدون ولا يعلمون خوافي القضية أساساً ، لذلك سكوتهم خير وأبقى ، وجلّ اهتمامهم كما أعرف عن بعضهم هو القضايا الأخلاقية والظواهر السلبية في المجتمع ومحاولة نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة وهذا جانب عظيم يشكرون عليه ، وحتى لو اختلفنا معهم في قضايا أخرى إلا أننا نشدّ على أيديهم في هذه القضية تحديداً فالهلاك إذا أتى يعم الصالحين وغيرهم .


منصور الغايب
@mansour_m

2013/10/11

فرحة العيد للجميع

من ليس يسخو بما تسخو الحياة بهِ
فإنه جاهلٌ ... بالحرص ينتحرُ
إيليا أبوماضي
أعظم البخلاء هم أولئك الذين يحتكرون الفرح لهم وحدهم ، ويريدون الابتسامة لهم وحدهم ، والسعادة ملكاً حصرياً لهم ، يحتلون من الأنانية المرتبة العليا ، ومن حب الذات الدرجات الأولى ، يظنون أن مراكب السعادة لا تتسع إلا لراكب واحد ، وطائرات الفرح لا بد لركوبها من تذاكر لا يملكها سواهم ، فيبخلون بها على غيرهم من الناس .
يقول الأولون " ياربّ ارزقني وارزق منّي" ، وليتنا سرنا على خطاهم ورددنا اللهم ارزقنا السعادة ووفقنا لنعطيها غيرنا ليصبح المجتمع "جداً سعيد" ، فنقول على غرار البيت الجميل للجميل تركي عواد :
ليتها بعض البشر تعطي سعادة
كان صار المجتمع جدّا سعيد .
يقترب العيد وفي كل مرة نكرر ذات المواضيع التي نتناولها بالطرح في كل عام وفي نفس التوقيت ، وهي ارتفاع أسعار حاجيات العيد والغلاء الفاحش الذي يصاحب اقتراب العيد ، وليتنا سألنا أنفسنا سؤالاً واحداً فقط : إذا كان أصحاب الرواتب من الموسرين يتناولون هذا الموضوع بالطرح الذي يصحبه أسى فماذا عساه أن يقول ذاك المحروم الذي يعيش على هامش الوطن بلا راتب وبلا معيل سوى الله ؟! ، والذي يزداد حزنه مع اقتراب كل عيد ، فيحاول إخفاءه بتهانٍ باردة صباح العيد ، وبابتسامات ضريرة لا تجاوز شفاهه ولا تعرف لقلبه طريقاً ، وأنّى له أن يفرح وهو عاجز عن منح الفرحة لفلذات كبده الذين لا يعرفون قدوم العيد إلا من خلال ملابس العيد الجديدة على أجساد أقرانهم ، ومن خلال حكايات أطفال الجيران عن الملاهي والعيديات .
ننتحر دون أن نشعر ببخل سيقضي على كل فرح في مجتمعنا حين نبخل على مثل هؤلاء بقليل فرح يشاركوننا به ، وبقليل دراهم هي في الحقيقة لاشيء بجانب ما نصرفه دون أن نشعر على ما لانحتاج ولكنه في الحقيقة قد يهب السعادة لأناس هم في غاية الحاجة لانعاش قلوبهم بعمليات فرح سريعة ؛ حتى تتسع فرحة العيد لنا جميعاً فتغمر السعادة مجتمعنا بأكمله ولنشعر أن العيد للجميع وليس لمن يملك شراء فرحة العيد فقط .
في دول الغرب ومع اقتراب أعيادهم تنتشر إعلانات لخصومات كبيرة بل وتوزيع مجانيّ للفقراء لأنهم علموا يقيناً أن العيد لا يكون عيداً مالم يشمل الجميع والفرح لا يكون فرحاً مالم يدخل قلوب العاجزين عن تحصيله قبل غيرهم ليكون عيدهم بالفعل سعيداً وليس كإيانا نحن الذين لا نعرف عبارة عيد سعيد إلا من خلال فواصل الفقرات في القنوات التلفزيونية .
لن يضرك أبداً إن بدأت من اليوم في محاولة تصدير الفرح منك للآخرين ، عن طريق تلمس بعض المحتاجين وتوفير حاجيات العيد لهم ولأطفالهم ، ولو فعل كل واحد منّا ذلك لأصبح عيدنا محل فرح للجميع ، ومحط انتظار الجميع في كل عام بدلاً من أن يأتي ثم يذهب ثم يأتي ثم يذهب دون أن نأبه به أو نشتاق إليه ، جربها هذا العام مع من هم بالقرب منك ويسعكم رؤيتهم صباح العيد لتشعر حين تراهم فرحين مسرورين بأن عيدك هذا العام أصبح بفضل الله عيدين .


منصور الغايب

2013/10/08

جعلوني مجرماً !

لا أعلم لماذا مع كل جريمة تُرتكب ويكون المتهم فيها من البدون إلا ويشهر البعض لسانه ويحدّ سنانه وكأنه قد تحصّل على فرصة كان ينتظرها منذ فترة وهاهي قد أينعت وحان قطافها لينهال بكل ما أوتي من بشاعة على البدون ويصفهم بما ليس فيهم وأنهم المسؤولون عن كل الخراب الحاصل في البلد بل ربما في العالم أجمع بدءاً من قنبلة هيروشيما وناغازاكي وانتهاءً بثقب طبقة الأوزون ولا يهون الاحتباس الحراري وما استاد جابر عنّا ببعيد ! .
جريمة في الأفنيوس وبعدها بعام جريمة في المارينا ثم تلتها بأسابيع جريمة في الرحاب كان المتهمون فيها جميعهم من البدون وقد شُهّر ببعضهم في الصحف حتى قبل أن تثبت الإدانة وهو ما لم يحصل مع أي مواطن كويتي من قبل وكأن المواطن الكويتي بريء حتى تثبت إدانته والبدون مُدان حتى تثبت براءته إذ لا بواكي له .
لا ينكر أي عاقل منصف أن فئة البدون رغم كل الدوافع التي تدفع شبابها للانحراف قسراً تبقى هي الأكثر سلمية والأكثر اتباعاً للقوانين والأكثر مشياً بجانب الحيط ! ، والأقل ارتكاباً للجرائم مقارنة مع جميع مكونات المجتمع من مواطنين ووافدين رغم ما ذكرته ابتداء من مقومات تؤزهم إلى الانحراف أزّاً كالبطالة والفقر والحرمان من أبسط الحقوق وضحالة التعليم والشعور بالاحتقار من المجتمع مما يولّد لديهم رغبة في الانتقام ولولا بقية من إيمان ووعي ووازع ديني مع تمسك بعادات وتقاليد و"سلوم" قلّ نظيرها لاتّجه كثير منهم نحو هاوية الانحراف مبتعدين عن جادة الصواب. .
أنت يا من تطلق لسانك في أعراض البدون مع كل جريمة يُتّهم فيها بدون ، هل سألت نفسك يوماً ماذا عساه أن يفعل شاب بلغ الثلاثين من العمر وهو بلا وظيفة وبلا زوجة وبلا أولاد وبلا مستقبل بل وربما بلا طموح وبلا حلم ، يهيم على وجهه في الطرقات هرباً من بيت لاشيء أضيق منه سوى القبور وصدور العفون من الناس ! ، لا يحمل في جيبه ديناراً واحد حين تصرف أنت الدنانير على أبواب المطاعم الفارهة ، ولا يسمح له بالعمل في بلد تسمح لجميع الجنسيات بالعمل إلا البدون ويصل خيرها للشرق والغرب لكنه لا يعرف طريق المرور بتيماء والصليبية ، يرى قصص الحزن وروايات العذاب كل يوم في شيبات عجوزه وتجاعيد والده وأحلام إخوته التي هي رغم بساطتها غير قابلة لأن تصير واقعاً ، ماذا يفعل بالله عليك لو لم يتحلّ بالإيمان والصبر ؟! ماذا يفعل ؟! أترك الجواب لضميرك النائم بعد أن توقظه ! .
نحن شعوب اعتدنا منذ الأزل على صناعة طواغيتنا بأيدينا ، وعلى صناعة أبطالنا الوهميين بأيدينا ، وعلى صناعة المجرمين أيضاً بأيدينا وذلك حين نرمي أحدهم في بحر الحرمان مكتوفاً ونقول له : إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماءِ ! ، لذلك اعلم بأنك لست إلا أمام جيل من البدون لا زال يردعه إيمان وصبر وعيب ، ولعلّ هذه الثلاثة لا تكون متواجدة في الأجيال القادمة وحينها سيحقّ لكلّ مجرم في ذلك الجيل من البدون أن يقول وبالفم المليان : جعلوني مجرماً .

2013/10/04

سجن رجلٍ شجاع

لست ملمّاً بالأمور القانونية حتى أتحدث عمّا يستحقه أو لا يستحقه الأستاذ محمد الوشيحي والذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة شهور مع النفاذ على خلفية شكوى تقدم بها الشيخ ناصر المحمد ضده ، ولكن من خلال متابعتي الدقيقة لكل ما يكتبه الأستاذ محمد الوشيحي في الصحافة المحلية والخليجية والعربية سابقاً وحتى ما يغرد به في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" فإنني وجدته عنيفاً في نقده ولكن باحترام ، وشديداً على خصومه ولكن بأدب ، ومؤذٍ لأهل البذاءة دون اتخاذ سبيلهم ولا سلوك طريقهم ، ومجادلاً عن رأيه بالتي هي أحسن ، وساخراً بلا تجريح ، ومنتقداً لخصومه بالتصريح تارة وتارة بالتلميح ، ورغم مساحات الاختلاف الشاسعة بيني وبين الأستاذ محمد الوشيحي إلا أنني يجب عليّ أن أقرّ بالفضل لأهل الفضل فهو ذو فضل عليّ لا يسعني نكرانه ، ولا يمكنني لقلة بضاعتي بيانه .
لاشك عندي بأنه مهما بلغت الإساءة التي يدّعي الشيخ ناصر المحمد عبر محاميه أن الأستاذ محمد الوشيحي قد وجّهها إليه فإنها لن تبلغ معشار ولا ربع معشار الإساءات التي كانت توجّه بالجملة من المحسوبين سياسياً على فريق الشيخ ناصر المحمد ضد أبناء القبائل وضد ممثلي الأمة في المجالس السابقة وضد مكوّنات المجتمع الكويتي والذي كان للبدون الحظ الأوفر منها أيضاً حتى سمعنا من يقول عنهم "لفو وهيلق وكواولة" تحت قبة عبدالله السالم ولم نسمع بأن أحداً من أولئك الساقطين قد صدر في حقه حكم بالحبس مع النفاذ إلا فيما ندر على أن يتبعه حكم استئناف مستعجل ليخرج بعدها كالشعرة من العجين وليبقى المتضرر يتحلطم على حظه العاثر حتى إذا ما جاء أحد مثل الأستاذ محمد الوشيحي وعبّر عما يجول في صدور المتضررين ببضع كلمات هي لا تقارن بما يدور في المجالس العامة والخاصة قيل : خذوه فغلّوه ولثلاثة أشهر في السجن اطرحوه .
إن مثل هذه التصرفات تزيد الحنق في قلوب الصامتين غيظاً وكمداً ، وقديماً قيل : اتّق شرّ الحليم إذا غضب ، فإلى متى يتم محاسبة المتضررين على ردّات أفعالهم ولا يتم محاسبة المتسببين في الضرر ابتداءً بل يتم إكرامهم وتبجيلهم على مرأى ومسمع من المتضررين أنفسهم تحت شعار : قل موتوا بغيظكم !
إن حكماً كهذا بالطبع يرفع من قدر الأستاذ محمد الوشيحي في عيون محبيه ومخالفيه من ذوي المروءة ، ولن يفرح به إلا خصم لا يعرف من المروءة إلا اسمها ولا من الشهامة إلا رسمها ، وإن البراءة في حكم الاستئناف للأستاذ محمد الوشيحي تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ ، وإنما هي أيام قلائل ليعود معانقاً سيفه / قلمه مقاتلاً في ساحات الفكر يقارع الحجة بالحجة  ويرد عنه البذاءات بدرعه ، فنصفق له إعجاباً إن وافق الحقّ ، ونبارزه بالسيف إن لاح في الأفق ضوء خلاف كما حصل سابقاً ، ومعه بالذات - ولايهون بعض الأحباب - "الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضيّة" أبداً .

2013/10/03

قناعة "اللصوص" كنز لايفنى !

مثيرة للضحك المسبب للسعال الشديد صورة ذلك اللص الصغير الذي أراد أن يتشبه بالكبار من اللصوص لأنه لم يستطع أن يكون مثلهم والتشبه بالكبار فلاحُ في مهنة اللصوصية ، فاتّجه لأقرب بقالة كيلا يخرج من مولد السرقات التي تعج بها البلاد منذ فترة الغزو بدون حمّص ، حتى ولو كانت السرقة لا تشبع ولا تغني من جوع ولكنها قناعة اللصوص ياسادة !.
أنواع متعددة من الكاكاو وبيبسي وسفن أب ومياه معدنية وعصائر وفطيرة وباكيت زقاير ورجل يجلس على أريكة منكساً رأسه وخلفه لوحة كتب عليها مديرية أمن حولي ، كانت هذه هي محتويات الصورة سالفة الذكر للّص الخطير الذي كان يهدد أمن البلاد والعباد والذي كان يعيث في الأرض فساداً والذي تحلى بخلق القناعة والذي نادراً ما يتحلى به اللصوص لا سيما من أبناء بلدي والذين لو كان لأحدهم واديان من ذهب "لسرق" الثالث .
تلك الصورة عندما تنظر إليها للوهلة الأولى وأنت غريب عن البلد وأحواله المتردية ينتابك شعور رائع بأن يد القانون تطبق على الصغير والكبير وعلى الشريف والضعيف وعلى سارق الكاكاو وسارق الناقلات فالكل سواسية أمام القانون وأنه مادام سارق الكاكاو قد تم التشهير به في الصحف فمن باب أولى أن من سرق الملايين قد تم تعليق جثٌته على أعمدة الإنارة .
ولكن اسمح لي أن أقول لك : لا ياعزيزي ! ما كانش يتعزّ ! ، فتلك الصورة في حقيقة الأمر ليست إلا انعكاساً لواقع بلدٍ إذا سرق فيه الشريف تركوه وإذا سرق فيه الضعيف أقاموا عليه الحدّ ، توضع فيه صورة لصوص "البقالات" في الصفحات الأمنية في الصحف وتوضع فيه صور لصوص "الناقلات" في الصفحات الأولى للصحف ، يلبس فيه اللص الصغير بدلة رياضية تعينه على الجري هرباً من قبضة رجال الشرطة ، بينما يلبس فيه اللص الكبير أفخم أنواع البشوت .
الشيء الإيجابي الوحيد الذي أراد أن يعلمنا إياه ذلك اللص الصغير سارق البقالة هو القناعة والتي لو تحلّى بها جميع لصوص البلد لعاشوا هم بالحرام وتركوا غيرهم من أبناء البلد يعيش حياة كريمة بالحلال ، ولأنه "لو كل من جاء ونجر ما ظلّ في الوادي شجر" فدعونا نستمتع قليلاً بأشجار بلادنا رحمكم الله .

2013/10/01

فاقد "الحلّ" لا يعطيه !


في روايتها "عائشة تنزل إلى العالم السفلي" كررت الكاتبة بثينة العيسى عبارة "فاقد الشيء لا يعطيه" والتي أتت على لسان الدكتور الذي حاول أن يبرر لعائشة " بطلة الرواية" سبب عدم مقدرتها على منح الحب لابنها الوحيد "عزيز" والذي فقدته فيما بعد في حادث سيارة ، فكان معنى جواب الدكتور أن فاقد المحبة لنفسه لا يمكن أن يعطيها للآخر لأنه تبين له أن "عائشة" لم تكن تحب نفسها أساساً حتى تمنح هذا الحب لابنها ولمن هم حولها .
وأنا أقرأ هذه العبارة تذكرت حكومتنا الرشيدة التي نطالبها دائماً بالوقوف مع الشعب وتتفيذ مطالبه أو محبته على الأقل ، لكنّ يبدو أن حكومتنا كعائشة في رواية بثينة العيسى لا تحب نفسها لذلك هي لا تستطيع منح الحب لغيرها وفاقد الحبّ لا يعطيه .
فاقد الحلّ أيضاً لا يعطيه فحكومتنا التي نطالبها ليل نهار بتقديم الحلول للعديد من المشاكل العالقة منذ عقود أو الطارئة على بلدنا ، كل المشاكل ابتداءً من قضية البدون المصيرية والتي يتعلق بها مصير مائة ألف أو يزيد من البشر بينهم وبين الحياة الكريمة صحارى قاحلة لم تنبت شجرها الوعود الكاذبة ، وانتهاءً بقضية الزحمة التي كانت إحدى بركاتها وفاة طفل قبل وصوله إلى المستشفى ، ومروراً بمشكلات السكن والبطالة والتعليم والأمن والمشكلات الاجتماعية من ارتفاع عدد حالات الطلاق وانخفاض معدلات الزواج وانتشار الرذيلة ووو ... شو بدّي أحكي لأحكي ؛ لا تمتلك حكومتنا الرشيدة حلاّ لها لأن فاقد الحلّ لايعطيه .
والصراحة هي أننا نظلم أنفسنا ونظلم حكومتنا الرشيدة بمثل هذه المطالبات المستمرة والتي أصبحت كالدواء المسكن نتعاطاها في اليوم الواحد كثيراً وبلا حاجة لوصفة طبيب ، وظلمنا لأنفسنا سببه أننا نطلب الشيء من فاقده وفاقد الشيء لا يعطيه إطلاقاً لذلك يجب علينا أن نريح أنفسنا من عناء المطالبة على الأقل وأن نقزّرها بحكومتنا "أم شوشة" إلى أن تأتينا الحكومة "المنقوشة" ، وأما ظلمنا للحكومة الرشيدة فسببه أننا نحملها ما لاطاقة لها به ونحن حين نريد أن نطاع فيجب علينا أن نطلب من حكومتنا المستطاع وحكومتنا الرشيدة ليس باستطاعتها حل كل هذه المشاكل العالقة والطارئة والشيء الوحيد الذي تجيده هو الوعود التي خجل منها عرقوب في قبره .
في رواية "عائشة تنزل إلى العالم السفلي" كانت البطلة مقتنعة بأنها ستموت خلال سبعة أيام من بدء كتابتها لأوراقها وهو ما سيصادف الذكرى الرابعة لوفاة ولدها الوحيد عزيز ، لذلك كانت تستعد للموت بكل ما أوتيت من قوة ، وليت حكومتنا الرشيدة تقتنع بقرب انقضاء أجلها لتستعد للموت / للإقالة بعمل يحسن خاتمتها أمام الله والناس فإنما الأعمال بالخواتيم ياحكومتنا الرشيدة .

2013/09/30

وكانت وظيفة !


ما إن أذيع خبر إعلان وزارة الدفاع قبول الشباب البدون كعسكريين إلا وانتشر الخبر أو قل البشارة بين شباب البدون عبر الرسائل الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي انتشار النّار في الهشيم أو كانتشار خبر رؤية هلال العيد ، يبشّر بعضهم بعضاً بفرج قريب وخلاص من الفقر والبطالة والعوز بات وشيكاً ، وطفق بعضهم لتجهيز الأوراق والصور المطلوبة وأصبحت الطوابير أمام محلات التصوير ملفتة للأنظار، وراح البعض بسأل عن  الشروط التي يجب توافرها في المتقدمين والتي كانت تأتي مصحوبة بالخيبة العظيمة مع كل شرط غير متوافر في السائل عن تلك الشروط ليبدأ بعدها رحلة البحث عن واسطة تعفيه من إلزامية وجود هذا الشرط ، ورغم أن الشروط التي أعلنت وزارة الدفاع توافرها في المتقدمين تصلح لأن تكون شروطاً للتجنيس لا للتوظيف إلا أنها متوافرة ولله الحمد في عدد كبير من أبناء البدون والذين هبّوا منذ الصباح الباكر إلى مقرّ التسجيل يدفعهم المثل القائل "اتبع الكذّاب إلى باب التسجيل" .
زحام شديد يبدأ منذ لحظات الفجر الأولى وانتظار يستمر حتى منتصف النهار تحت أشعة الشمس المؤذية لم يكونا ليؤذيا شباب البدون ولا ليثنياهم عن هدفهم المنشود وأعين بعضهم تقول للبعض الآخر "نحاول تسجيلاً أو نُردّ فنعذرا" ، جمعوا أوراقهم وآمالهم وأحلامهم ومستقبلهم ودعاء والديهم في ملف أو ظرف لعله يكون خير شفيع لهم مادامت تضحيات آبائهم وأجدادهم فشلت في أن تكون شفيعاً لهم بسبب اتّزارها وتستّرها بالولاء المجرّد من كل منفعة وشتّان ما بين شفيع متّزر وشفيع عريان ولله درّ القائل : ليس الشفيع الذي يأتيك متّزراً () مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا .
بعد انتهاء فترة الدوام الرسمي ووقف التسجيل وقبول الطلبات وتدقيق الأوراق يأتي الوعد الذي قضى الشباب البدون جلّ أعمارهم وهم يسمعونه عند التقديم على وظيفة وهو : سنتصل بك لاحقاً ! ، ليغادر الشاب البدون وقد قسم قلبه إلى قسمين ؛ قسم بقي معلّقاً هناك أمام بوابة التسجيل يسامر أحلامه وآماله ويبني مستقبلاً من سراب ، وقسم ظلّ معلِّقاً قلبه وسمعه وبصره على سماعة هاتف يشكو خواء الرصيد ينتظر أي رنّة بشارة وقد لا يسلم من مقالب بعض الأصدقاء أحياناً .
وهكذا ينتهي حلم رعاة سريع ما تلبث جرات الفرح أن تتكسر بعده على رؤوس الحالمين الذين باتوا على يقين بأنهم ربما لن يعانقوا أحلامهم تلك على أرض الواقع أبداً وأن أمنياتهم كفاها أن تكون أمانيا ، ليطووا صفحة حلم مضى ، وينتظروا صفحة حلم جديد تفتح ليعانقوا من خلالها بعض أمانيهم وليعيشوا لذّة ربما وأقول ربما تنسيهم ألم انكسار الجرار على رؤوسهم بعد كل حلم .
لطالما عشتُ وعاينتُ من عاش مثل تلك الوعود بالتسجيل في وزارتي الدفاع أو الداخلية والتي سرعان ما تنتهي بقبول أناس آخرين غير شباب البدون ليبقى شباب البدون يقبعون في صالات انتظار الفرج أو الموت ، وإن المتتبع ليعلم يقيناً بأنه من الصعب جداً في ظل النهج الحكومي في التضييق على البدون قبولهم في مثل هذه الوظائف والتي تمنحهم كثيراً من الانفراج المادي وقليلاً من الاطمئنان نحو مستقبل أفضل ، لذا أرجو من إخواني - مع رجائي بأن يخيب ظني بالنهج الحكومي هذه المرة - ألا يعلقوا كل آمالهم بمثل هذه المناورات الحكومية وأبر البنج المؤقتة حتى لا يكون وقع الألم عليهم أشدّ وأقوى فعلى قدر "الهقوات" يأتي عظم الخيبة ، وهذا لا يعني عدم سعيهم في التقديم والتسجيل بل هذا من الأخذ بالأسباب ولكن من باب "إن جت جابها الله" وإن لم تأتِ فما كانت إلا وظيفة ! .


منصور الغايب

2013/09/26

العمّ جابر ... والموظفون البدون


جابر ...
أغلب الطلاب البدون سمعوا بهذا الاسم ، هو رجل بدون يعمل حارساً في مدرسة الجهراء الأهلية الخاصة منذ فترة ما بعد الغزو العراقي على بلدنا الحبيب ، يذهب إلى عمله مشياً على الأقدام كل يوم ، في عام ١٩٩٣م كنت أخرج من المدرسة وأجده جالساً على كرسيّه الخشبي وبيده عصاه التي لا يكلّ من حملها ، أنهيت دراستي الثانوية وتزوّجت وأنجبت أولاداً ، وعندما كبر أولادي و درسوا في ذات المدرسة ، وجدت بأن جابر لا يزال حارساً في مدرسة الجهراء الأهلية الخاصة ، وقد أنهكه كبر السنّ ، فتجده غافياً على كرسيّه ، فلا تقاعد ولا تأمين ولا مستحقات ولا معيل يحفظون له العيش بكرامة فيما تبقى من سنوات عمره ، أتساءل ... عندما كان جابر طفلاً هل كانت لديه أحلام ؟! ، هل كانت لديه أمنيات ، هل ... ؟! هل ... ؟! ... يقطع هذه التساؤلات فتح أبنائي لباب السيارة لنمضي لبيوتنا ويبقى جابر .
تلك الفقرة بأكملها هي نصّ رسالة أرسلها لي أخي وصديقي منيف الشمري بعد أن أشعل فتيل الإبداع في داخله منظر العم جابر غافياً على كرسيّه الخشبي ليختصر بأسطره تلك قصة دامت عشرين سنة يوم كنا ندرس أنا وهو في فصل واحد ونشاهد العمّ جابر كلّ يوم ، يوم أن كان قويّاً نشيطاً واليوم نحن نعيل أسراً وهو شيخ طاعن في السن لا يردّ عدوّا  ولا يخيف لصّاً لكنه محتفظ بمسماه القديم كحارس لمدرسة الجهراء الأهلية الخاصة .
العمّ جابر بشحمه ولحمه ليس إلاّ نموذجاً حيّاً لأي موظف بدون يكدح ويعمل طوال عمره ليؤمن قوته وقوت عياله وهو يعلم أن تعبه هذا غير مخلوف دنيوياً حيث لا مستحقات لك وأنت تعمل بلا عقود عمل و لا تقاعد يلوح في الأفق ولا وظائف متاحة لأبنائه حتى يحملوا لواء الكفاح بعده ويرتاح هو في بيته ، ولا حل قريب مالم يتغمده الله برحمة منه وفضل وسعة في الرزق ، وليس هناك من ينتفض من أجله من أبناء بلده من أجل أن يتم إنصافه ، وليتهم اعتبروه مادة من دستور الإنسانية تم انتهاكها حتى يقولوا لمن انتهكها لن نسمح لك ! . 
في عملي أحرص كثيراً على إنجاز معاملة مندوبي الشركات من الطاعنين في السنّ قبل غيرهم وأرمقهم بنظرة أسى بدت واضحة لزميلي الذي سألني ذات مرة عن سبب تلك النظرة فقلت له بأنني أرى نفسي في المستقبل من خلالهم مالم يتغمدني الله برحمة منه حيث أنني سأظل أعمل وأسعى في طلب رزقي حتى آخر يوم في حياتي حالي كحال كثير من الموظفين البدون الذين يعون هذا بالفعل ويؤرق منامهم التفكير في هذا ، فسؤال من نوعية : إلى متى سأظل أعمل ؟! لا جواب له في قاموس البدون إطلاقاً إلا "حتى أوسّد في التراب دفينا" ، وهذا هو ما يدفع العسكريين البدون وهم الأوفر حظّاً بين أقرانهم حالياً في البحث عن طريقة يتمكنون بها من تمديد فترة خدمتهم إلى سنّ الستين أو أكثر متسترين بشعر مصبوغ لعله يحجب نظر الناظرين عن ظهر محدودب وخدين ذابلين .
إن مجرد التفكير في أنك ستظل تعمل وتعمل وتعمل إلى ما لا نهاية وإلى حيث لا راحة لأمر متعب ومقلق وباعث على الاكتئاب حقاً ، فكيف وأنت تعيشه واقعاً حيّاً من خلال والدك وإخوتك الذين يكبرونك في السن ؟!
وما هذه المعاناة التي يعيشها البدون إلا واحدة من قصص المعاناة الكثيرة في حياة البدون والتي يجهل تفاصيلها مع الأسف كثير ممن يعيشون بين ظهرانيهم من مرددي عبارة "مو ناقصهم شيء" ! ، فرحم الله ضعفك يا عمّ جابر يامن لا أشك بأنك ستظل تعمل حتى آخر يومٍ في حياتك ولو بأجر زهيد ، ورحم الله ضعف الموظفين البدون الذين حرموا من أبسط حقوقهم ، ورحم الله كلّ من دعا للعمّ جابر بخير في نهاية هذه المقالة ورحم الله أخي وصديقي منيف الشمري الذي كان سبباً في كتابتها .


منصور الغايب

2013/09/13

موجة "الجامية" !

ركوب "أمواج المحيطات" رياضة يجيدها أقوياء القلوب أصحاء الأبدان محبو المغامرات ممن لا يثنيهم موج كالجبال عن ممارسة هوايتهم المحببة لقلوبهم ، أما ركوب "أمواج الشهرة" فهي صفة ملازمة للمتسلقين المتكسبين أصحاب المباديء الهلامية والأخلاق الهشّة والمسلّمات اللواتي سواء اجتمعن أو افترقن فإنهن قابلات للتكسّر آحاداً .
كل فترة تأتينا موجة "شهرة" عاتية من تمكن من ركوبها بمهارة لا يجيدها إلا المتكسبون المتلونون فإنه سينال من الشهرة ما ينال بقدر مهارته وتوقيته المناسب في ركوب تلك الموجة ، والأمواج تأتي تباعاً على فترات قد تكون متقاربة وقد تكون متباعدة ، والمتتبع لأحداث البلاد في الآونة الأخيرة سينتبه لذلك وسيرى كم من المشاهير اليوم ما هم إلا نتاج موجة "شهرة" استطاعوا ركوبها أو فلنكن أكثر صراحة ولنقل استخدموا كل ما هو متاح مما حلّ أو حرم لركوبها حتى لو كان تغيير ألوان أجسادهم أو تغيير أقنعتهم ولبس أقنعة جديدة مناسبة لتلك الموجة أو حتى الولوغ في أعراض الناس ونيّاتهم .
قبل فترة كانت موجة الشهرة هي الطعن في القبائل وولاءاتها والتشكيك في انتمائهم وكانت موجة يحتاج ركوبها إلى مزيد خسّة وفائض نذالة ، وانظر إلى من ركبها اليوم فستجدهم من المشاهير بل ممن أوصلتهم شهرتهم لكرسي البرلمان ، وأعداؤهم اليوم أكثر تتبعاً لهم وتلقفاً لأخبارهم من أصدقائهم وكل ذلك بسبب ركوب تلك الموجة مع أنهم وبشهادة الأصدقاء قبل الأعداء من سقط القوم ومن حثالة المجتمع ولن تجد لهم ذكراً في قادم السنين إلا على براميل مزبلة التاريخ .
وبعدها جاءت موجة الوقوف في صف الحراك والكتابة والتأييد والكلام في الحكومة والانتقاد لها على قاعدة "ليش مو لابس طاقية" وعلى نسق "ماتركتم في صاحبكم من خير" وكانت موجة كبيرة تتسع لعدد كبير من الركاب ركبها شيوخ القبائل قبل رعاتها وركبها أهل البادية والحاضرة وهم اليوم من المشاهير الذين يشار إليهم بالبنان في مواقع التواصل الاجتماعي وهم أقل ما يقال عنهم "مع الخيل يا شقرا" ، حتى أصبحنا نراهم بعد وصولهم لمبتغاهم من الشهرة يعودون القهقرى ليتراشقوا التهم بينهم مثلهم كمثل النار التي تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله .
وبعدها جاءت موجة المساس بالذات الأميرية إما تصريحاً أو تلميحاً وهي موجة تحتاج إلى قوة قلب أو إلى سفاهة قلّ نظيرها لاحتمالات عدّة ، وكانت خطواتها تأتي تباعاً على هيئة تغريدة فرتويت فتبليغ فتحقيق فمحاكمة فسجن فمسيرة فاستئناف فبراءة فاحتفاء فشهرة لا تعادلها شهرة ، حتى إن أحدهم ليود كتابة مذكرات "خلف القضبان" من أجل أيام معدودة قضاها في السجن ! ، كما أن تلك الموجة استفاد منها أيضاً المحامون الذين انبروا للدفاع بالمجانّ والذين لو جاءهم طالب حقّ قد سلب حقه لطالبوه بالمبالغ الطائلة ولكنهم تخلوا عنها من أجل شهرة تأتي بعد موجة .
واليوم نرى موجة شهرة جديدة قد لاحت في الأفق تنادي بصوت عالي : شهرة شهرة باقي ٤ راكب باقي ٥ راكب .... على غرار سائقي سيارات الأجرة في مكة أيام الحج ، وهذه الموجة لا تحتاج إلا إلى لسان سليط لا يتورع عن الكذب وقذف التهم ، أو إلى جهل مركّب لقلم لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، أو إلى متحدّث في غير فنّه ليأتيك بالأعاجيب ، أو إلى مهارة في سرد الحكايات على غرار حكايا قبل النوم يرمي فيها الكلام على عواهنه بلا دليل .
وهذه الموجة التي أشرت لها هي موجة انتقاد "الجامية" على حدّ تعبيرهم ووصفهم ، وإكثار الحديث حولهم ورميهم بما ليس فيهم ونعتهم بمشايخ البلاط ووعاظ السلاطين ،  والتي بلا شك ستخلف لنا مجموعة جديدة من المشاهير والتي ستبتلى بهم الساحة الإعلامية أو حتى السياسية ، وإن غداً لناظره لقريب .

2013/07/30

خبزة البدون !

"يمّه خبزِتَك !"
كنت صغيراً إلى حدّ لا يمكنني معه فهم مفردة عمتي - رحمها الله - والتي كانت ترددها على مسامع ابنها كلّما أبدى تذمّراً من وظيفته المرهقة والمتعبة والتي لا تختلف كثيراً عن وظائف أقرانه من البدون حيث أنها تبدأ من السابعة والنصف صباحاً وحتى الثانية عشرة والنصف ظهراً ثم من الرابعة عصراً وحتى الثامنة والنصف مساءً على فترتين تفصلهما راحة تمكّنك من الإحساس بآدميتك قليلاً ، لكن هذا الإحساس قد ينعدم رويداً رويداً عند التفكير بقيمة الوقود الذي ستصرفه للعودة إلى بيتك من أجل أقل من ثلاث ساعات من الراحة ، ليضيع العمر بأكمله في روحة وجيئة وجهاد لا ينقطع من أجل "خبزة" .
ابن عمتي في ذلك الوقت كان يبادل حرص عمّتي - رحمها الله - بعبارة "والله يايمّه كرهتيني بالخبز" ! ، ثم يتلوها بضحكة تضحك على أثرها عمتي - رحمها الله - متيقّنة من وصول المقصود لابنها ثم تسكت - رحمها الله - لتقتنص فرصة أخرى جديدة تردد معها ذات العبارة "يمّه خبزتك" فلله درك ياعمتي ما أحرصك ، ورحمك الله يامن سيمرّ عليّ عيد الفطر الأول الذي لا أراك فيه ولا أقبل رأسك فيه ولكن حتماً سيمر بمخيلتي مع أول أيام العيد صورة فراشك وجهاز الأوكسجين الذي لم يكن يفارقك .
كبرت والتحقت بوظيفة لا تختلف كثيراً عن وظيفة ابن عمتي ولا عن أقراننا البدون مع امتيازات بسيطة أحمد الله عزّ وجلّ عليها ليل نهار وأذكّر نفسي مع كل لحظة تذمّر وعدم رضا من قبلي بأن هناك آلاف من البدون تساهم البطالة مع بقية الأسباب التي لا تخفاكم في قتلهم رويداً رويداً ، وقد أكون ضمن من أنجاهم الله من ذلك بسبب هذه الوظيفة التي هي بالتأكيد لاتعجبني ولكنها تسعدني !
كبرت وبدأت أعي تماماً ما كانت تعنيه عمتي - رحمها الله - وهي تقول لابنها "يمّه خبزتك" ، وبدأت أسمعها أو أشعر بها من والديّ ولكن بأشكال مختلفة وبصور متعدّدة كإيقاظك بصورة مرعبة عندما تتأخر على موعد عملك ، أو سؤالك نفس السؤال مرات عدّ عندما لا تذهب إلى العمل "هل أنت مستأذن اليوم؟!" أو إلقاء المحاضرات الطويلة في ضرورة أن تحافظ على هذه الوظيفة وغيرها من الطرق التي وإن اختلفت فإنها تؤدي إلى "روما" عمّتي وهي "يمّه خبزتك" .
وظيفة الشاب أو الفتاة البدون هي خبزته التي يجب أن يحافظ عليها ويتمسك بها ويعضّ عليها بناجذيه وأن يحمد الله عزّ وجلّ ليل نهار على هذه النعمة / الخبزة والتي بزوالها ربّما سيجد نفسه مضطرّا للتسول المعنوي أو الحسّي تحت شعار "لله يا محسنين" ، فحافظوا على خبزتكم رحمكم الله .

2013/07/26

أيضاً ... صوتك أمانة


"صوتك أمانة" هي جملة نرددها مع اقتراب كل موعد انتخاب جديد لمجلس أمة أو مجلس بلدي أو حتى مجالس الأندية والجمعيات التعاونية وجمعيات النفع العام ، جملة فقدت - ربما - الكثير من تأثيرها مع تتابع المجالس الفاسدة في غالبية الأماكن المذكورة سابقاً ، ومع توالي وصول الفاسدين قبل غيرهم للكراسي المتنازع عليها ، أو مع قابلية كثير من الصالحين للتغير والتنازل عن مبادئهم بعد الوصول .
"صوتك أمانة" جملة رغم إيماننا بقلة فاعليتها وضعف تأثيرها إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين لترديدها مراراً وتكراراً هي ومثيلاتها الأخرى التي تخالفها في التركيب وتشابهها في المعنى وضعف التأثير من مثل "الكويت مو للبيع" ، لأنه وببساطة صوتك - فعلاً - أمانة أثّرت فيك هذه الكلمة أم لم تؤثر ، وأنك حتماً ستقف بين يدي الله يوماً ما وسيسألك عن هذه الأمانة التي لم تحافظ عليها فأعدّ لسؤال المولى عزّ وجلّ جواباً وانتظر النتيجة .
صوتك أمانة قد تفرّط فيه من أجل مبلغ زهيد من المال - وأقول زهيداً لأنه مهما بلغ فإنه لن يساوي قيمتم صوتك الفعلية بالتأكيد - أو من أجل خدمة أسداها لك هذا المرشّح وأوهمتك عاداتك وتقاليدك البالية أنه ملك صوتك حتى يرث الله الأرض ومن عليها بهذه الخدمة التي لم يسدها لك من جيبه الخاص عادة بل من أموال البلد ، أو من أجل "حبة" خشم أمام الجماعة ، أو بسبب كلمة "تكفى" التي اعتاد سمعك عليها منذ الصغر بأنها تهزّ الرجاجيل ، أو من أجل صلة قرابة ودم ، فهذا كله شئت أم أبيت بيع لصوتك ، فالبيع لا يشترط أن يكون بمقابل مادي كما يتوهم الكثيرون .
"صوتك أمانة" فأعطه لمن يستحقه لله تعالى ، وامنعه عن من لا يستحقه لله تعالى ، رضي من رضي وسخط من سخط ، واعلم بأن من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عليه الناس .
لاشك - عندي - بأن من أعطى صوته لمن لا يستحقه فقد خان الأمانة وباع صوته بثمن بخس ، ولكن لا شك - عندي أيضاً - بأن من امتنع عن التصويت وهو يرى من يستحق أن يصوّت له بأنه باع الكويت بأكملها لزمرة قد تجرّ البلد نحو الهاوية .
قبل الختام : في ظل الأخبار المتواترة عن ارتفاع قيمة "الصوت" هناك أناس يعيشون بينكم يحمدون الله عزّ وجل أن جعلهم في عرفكم الانتخابي "خرساً" ... إنهم البدون .

2013/07/22

في كل وادٍ "بنو حنظلة"

في مثل هذا اليوم من عام ١٩٨٧م وجدت رصاصة غادرة طريقها لوجه رسام الكاركتير ناجي العلي أدخلته في غيبوبة انتهت بوفاته يرحمه الله ، ليرحل بعد أن أثبت لنا بأن السلاح الذي تقاوم به عدوّك لا يشترط أن يكون بندقية بل قد يكون قلماً يكتب مقالاً أو قصيدة ، أوقد يكون كلمةً تصدح بها من على منبر فتصمّ آذان الطغاة ، أو قد يكون ريشةً ترسم لوحة تلخّص لنا معاناة أمة ، أو حتى وردةً تقتل بسلميّتها أشواك العدو .
رحل ناجي العلي رحمه الله وترك لنا من بعده يتيمه الذي عايش جُلّ لوحاته "حنظلة" ؛ ليعيش من بعد غيبوبةً وغياباً لا ندري بأي شيء سينتهي ؛ هل بنصر مؤزر وحق مُستردّ ، أم بموت إحساسنا به وبكل من هو على شاكلته والمسارعة في إصدار شهادة وفاة للضمير في داخلنا ... من يدري ؟! .
حنظلة ذلك الطفل الذي رحل ناجي العلي نحو ربّه دون أن يرينا وجهه ، حنظلة ذلك الطفل الذي كان شاهداً على كل لوحات ناجي العلي مقبلاً عليها بوجهه ومعطياً إيّانا ظهره وكأنه يريد منّا أن ننتبه لتلك الأحداث معه لا أن ننتبه له هو ، ليجعل منّا شهوداً على حقبة من التاريخ مرّت وهذه الحقبة ستكون شاهدة لنا أو علينا ولا ريب .
حنظلة ناجي العلي عيّنة ليس إلاّ ، ففي كلّ وادٍ في بلادنا العربية والإسلامية "بنو حنظلة" ، وحيثما يمّمت وجهك وجدت حنظلة بثوب مرقع وقلب كاد أن يتقطع ، يراقب وضعاً مأساوياً في بلده ينتظر من يغيثه ويستجيب لصرخاته ، وما أطفال فلسطين وسوريا والعراق وبورما وغيرهم وغيرهم إلا حنظلة مهما اختلفت الأسماء والأشكال واللغات .
في بلادي يتواجد حنظلة من نوع آخر أيضاً لكنه في النهاية حنظلة ، يقاسي ويعاني ويشاهد ويراقب كما كان يفعل حنظلة ناجي العلي ، إنه حنظلة البدون الذي وُلد بلا شهادة ميلاد ومن أبوين تزوّجا بلا عقد زواج موثّق وفي بيت لا يعكس شكله مضمون اسمه ، وحُرم حتى عهد قريب من حق التعليم والعلاج المجاني ، وحُرم من اللعب في الساحات كحال أقرانه وبات يقضي جُلّ وقته يبيع الخضار والرّقي والبَنَك والألعاب على الأرصفة لا يثنيه عن ذلك حر ولا برد ويستوي في عينيه الصحو والغبار .
حنظلة البدون يقف مراقباً عن كثب معطياً ظهره لخصومه الذين يعيثون في أرض الوطن فساداً وهم عن قضية حنظلة في شغل وهو ينظر إلى صنيعهم به وبالوطن وما هو في عين نفسه إلا نتاج جيل رابع لمأساة ليس له فيها يد ، فتارة تجده يقول : هذا ما جناه أبي عليّ ، وتارة يقول : ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، وفي كل الأحوال يجد نفسه مضطرّاً لدفع ثمن خطأ لا يعرف من ارتكبه ولماذا ؟! .
حنظلة ناجي العلي كانت قضيته "فلسطين" ، وحنظلة البدون في ظل هذا التناحر بين أبناء الوطن صارت قضيته "بفلسين" ، وسيبقى حنظلة البدون معطياً ظهره لكم منتظرا إنصافكم له ، دون أن يريكم وجهه كما فعل حنظلة ناجي ، مع أن حنظلة في كلا الحالين له وجه واحد وليس وجوهاً متعددة مثلكم ، ووجه حنظلة بل ووجهته هي المعاناة أينما وجدت لأنه يؤمن حق الإيمان بأنّ في كل وادٍ "بنو حنظلة" .

2013/07/16

رغيف يساوي دنياكم




حين يخلدون هم إلى فرشهم بعد يوم مترف مليء بكل ما لذّ وطاب تكونين أنتِ الأكثر راحة وطمأنينة وأنتِ تضعين رأسك على وسادتك لأنك الأنقى قلباً والأطهر روحاً ولا تعادل دنياهم التي يتسابقون عليها في عينيك أكثر من قيمة رغيف خبز كذاك الذي تقفين تحت لهيب الشمس في رمضان لتبيعيه وتشترين بثمنه ما تستقيم به حياتك وحياة إخوتك .

واصلي البيع ياصغيرتي ودعي لهم دنياهم المنتنة

2013/07/15

كفاية ... حرام !



اطّلعت على صورة من الكتاب الذي نشرته جريدة سبر الإلكترونية والموجه من الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية (البدون) إلى السيدة ذكرى الرشيدي وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل يحثها للوقوف في وجه أي تحركات سواء كانت محلية أو دولية لتغيير وإعاقة مسار المعالجة - بزعمه - !
الدافع الحقيقي لهذا الكتاب هو إعلان (٢٢) جهة من جهات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام وبعض التيارات السياسية واللجان والحركات الطلابية تشكيل هيئة وطنية لعديمي الجنسية ، ونظراً لأن القائمين على الجهاز المركزي يعلمون ما سيترتب على اعتماد مسمى عديمي الجنسية للبدون من إلزام الدولة بإعطائهم كافة حقوق المواطنة التي حرموا منها على مدى عقود ، ولهذا السبب سعت الدولة منذ فترة على تغيير المسمى القانوني للبدون من بادية الكويت ابتداءً إلى غير كويتيين ثمّ إلى بدون ومن بعده إلى غير محدد الجنسية إلى أن رسى الأمر أخيراً على تسميتهم بالمقيمين بصورة عير قانونية - زعموا - وما ذاك إلا هرباً من الدخول في معمعة مسمى عديمي الجنسية أو ما في معناه ، ولهذا درج الجهاز المركزي منذ بداية نشأته تحت مسماه القديم ولا يزال إلى إلصاق جنسيات متعددة بالبدون تحت ذرائع وحجج واهية بل ودفعهم أحياناً إلى الحصول على جنسيات وجوازات مزورة لدول عدة ، وذلك هرباً من بقاء كونهم عديمي الجنسية .
الجهاز المركزي الحالي بمسؤوليه الحاليين سار على نفس النهج ولم يشذّ عن درب الظلم الذي سار عليه من سبقه وأصبح في كل مناسبة يصرح بكشف جنسيات الآلاف من البدون وامتلاكه للوثائق والأدلة والتي طالبه الجميع بالكشف عنها وأولهم البدون أنفسهم ولكن مطالبهم ذهبت أدراج الرياح كالعادة وأصبح خصمهم صادقاً مصدوقاً وبلا أدلة ولا عزاء لـ "البيّنة على المدّعي" و لا قيمة للأيمان المغلّظة بل ولا للأحكام القضائية التي حصل عليها المنكرون .
الجهاز المركزي في قضية البدون أصبح هو الخصم والحكم في الوقت نفسه ، وفجوره في الخصومة بات واضحاً للعيان ، ومحاولته عرقلة أي جهود لحل القضية لا ينكرها مطّلع ، حتى أن لسان حال الجهاز أصبح "لا أريكم إلا ما أرى" و "لا أريد أن أحل القضية ولا أسمح لأحد غيري بحلها" فلا هو رحم البدون ولاهو الذي سمح لغيره أن يرحمهم ، ومنّا للناشطين في محال حقوق الإنسان والذين يجب أن يكون لهم دور أكبر للوقوف في وجه ظلم الجهاز المركزي الذي جاوز حدّ المعقول .

2013/07/13

متى تبتلّ العروق ؟!


الصوم لغة الإمساك ومنه قوله تعالى عن مريم ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) أي أنها ستمسك عن الكلام وفاءً بنذرها ، ومنه أيضاً قول الشاعر :
خيلٌ صيامٌ وخيل غير صائمة * تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي أنها ممسكة عن الصهيل ، فالإنسان إذا أمسك عن فعل شيء ما فقد صام عن أدائه ومن هذا المعنى أُخذ المعنى الشرعي للصوم لأنه إمساك عن المفطرات من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس .
حكومتنا الرشيدة - هداها الله للحق - استعارت هذا المعنى اللغوي أيضاً في أدائها وفي علاقتها مع الشعب فهي كانت ولا زالت صائمة ، بل إن صيامها - كتب الله لها الأجر - قد طال أمده لدرجة أنه يُخيّل إليك أن كل شهور السنة في عرف حكومتنا رمضان ، فهي صائمة عن المضي قدماً في مشاريع التنمية وتطوير البلد منذ سنوات طوال رغم كثرة ترديد عبارة التنمية في السنوات الأخيرة على لسان الحكومة وممثليها حتى صدق فينا المثل "أن تسمع "بالتنمية" خير من أن تراها" ، وهي صائمة أيضاً عن الكلام حين يقتضي المقام الكلام والبيان في قضيّة تهم البلد ومن فيها مما يسمح لكثيرين من الخوض في ذلك وترويج الإشاعات وزعزعة الأمن في البلد ، وصائمة أيضاً عن السكوت حين يقتضي المقام السكوت و كفّ الأذى عن بعض مكونات المجتمع من قبائل وعوائل وذلك عن طريق تسليط قنوات الإعلام الفاسد لضرب مكونات المجتمع وتأجيج النار في صدور شريحة ليست بالقليلة من شرائح المجتمع حتى إذا انفلت الأمر وغضب الناس جاءت لتعاقب الغاضبين ، وهي صائمة عن حل المشكلة الإسكانية ويروق لها رؤية أسعار الإيجارات قد بلغت مبلغاً خطيراً وسعر البيوت في الكويت ينافس بل ربما يتغلب على أسعارها في الدول ذات الماء والخضرة والوجه الحسن حتى أن حلم امتلاك بيت للكويتيين - فضلاً عن غيرهم - أصبح حلماً يصعب تحقيقه ، وهي صائمة أيضاً عن حل مشكلة البدون التي مضى عليها عقود من الزمن وهي من تأجيل إلى تأجيل ومن خمس سنوات تنتهي إلى وعد بالحل خلال خمس سنوات قادمة وهكذا حتى أن الواحد من البدون أصبح يفكر في عمره كم خمس سنوات يحتوي ! ، مع أن الحل أبسط مما نظن والقضية ليست بحاجة إلا لكلمة واحدة فقط مفادها " أعطوا البدون حقّه قبل أن تزهق روحه " وكفى الله الحكومة شرّ الظلم ، وهي صائمة وصائمة وصائمة - وضع العدد الذي تريد من كلمة صائمة - عن حل العديد من المشاكل والقضايا العالقة منذ زمن ليس بالقصير ، والتي أصبحت سبباً رئيسياً لدى العديد من مؤيدي خوض غمار تجربة الحكومة المنتخبة والتي قد يكون في جعبتها ما هو أفضل ... من يدري ؟!.
 لا أدري متى ستعلن الحكومة نهاية صومها ، ولكنني أتمنى قبل أن أموت أن أسمع القائمين على البلد يقولون لمن هم تحت أيديهم : جاهز ؟! ... نفّذ ! ، لينطلق مدفع العمل مؤذناً بالفطر ومخبراً عن نهاية حقبة الصوم ومبشراً بقرب العيد ليمد الجميع أيديهم على مائدة الإنجازات سعداء فرحين وهم يقولون : ذهب الظمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله .

2013/07/11

وظّف البدون


لا تعطه مالاً ولكن اعطه فأساً وعلّمه كيف يحتطب ، ولا تعطه سمكة ولكن أعطه سنّارة وعلّمه كيف يصطاد ، مثل هذه القيم والمُثل كانت غائبة تماماً عن قضية الكويتيين البدون الذي يعيش جزء كبير منهم تحت خطّ الفقر وتتلذذ الحكومة - ومن وافقها - برؤيتهم يقفون في طوابير أمام بيت الزكاة وأمام اللجان الخيرية التي لا تسمنهم ولا تغنيهم من جوع الفقر الذي بات ينهش أحلامهم وعمّا قريب سيخلص إلى أجسادهم التي لم تعد قادرة على توفير أساسيات الحياة الكريمة من قيمة إيجار مسكن مناسب وتوفير قيمة ملبس يستر عورات أطفالهم ناهيك عن بعض الثانويات والتي أصبحت لدى غيرهم لرغد العيش من الأساسيات .
سنوات تتلوها سنوات والكويتيون البدون يطالبون بإيجاد مصادر رزق لهم بدلاً من دفعهم مكرهين نحو التسوّل المبطّن على أبواب أهل الخير وبدلاً من دفعهم نحو افتراش أرصفة المستشفيات والدوارات لبيع الرّقّي والبنك وألعاب الأطفال ، وكان هذا المطلب يواجه دائماً بتطنيش حكومي ولا مبالاة شعبيّة مع استقطاب كثير من الوافدين لسدّ النقص الموجود في دوائر الدولة والذي كان بالإمكان الاعتماد على أبناء البلد من البدون في سدّه ، حتى أنك حين ترى العدد الكبير من الأئمة والمؤذنين الوافدين - على سبيل المثال - يُخيّل إليك أن البدون لا يجيدون أداء مثل هذه المهمّة والتي تعطي عليها الدولة راتباً لو صرف على أسرة من البدون لكفاهم وأعانهم ، ولكنها السياسة الحكومية البغيضة التي انتُهجت منذ عقود لتطفيش هذه الفئة عن طريق التضييق عليهم في أرزاقهم ، مما جعلهم شيئاً منبوذاً حتى من المجتمع والذين أصبحوا لا يحبّذون توظيفهم في شركاتهم ومحلاتهم الخاصة بل لدرجة أننا وجدنا من لا يرغب في تأجير بيته على أسر من البدون لأنهم فقط بدون !
"وظّف بدون" حملة جميلة كريمة أطلقها الشيخ عبدالعزيز العويّد المشرف العام على مشروع بسمة لتعليم وتوظيف البدون والتابع لجمعية فهد الأحمد الإنسانية والهدف منها إيجاد فرص توظيف لشباب وبنات البدون يعفّون أنفسهم من خلالها عن سؤال الناس أو التفكير في ذلك ، حملة "وظّف بدون" حملة تهدف إلى إعطاء شباب وبنات البدون فؤوساً ليقتلعوا بها أشجار اليأس من حياتهم ويحتطبوا على ظهورهم حطب أمل يوقد لهم ناراً يطبخون عليها قليلاً من مشاريع حياتهم التي باتت حبيسة أدراج النسيان ، حملة "وظّف بدون" حملة تهدف إلى إعطاء شباب وبنات البدون سنّارة أمل يصيدون بها أحلامهم السابحة في بحر مليء بالخيرات وخيراته قد غطّت مشارق الأرض ومغاربها لكنه عجز أن يشمل بخيراته تلك قلّة من أبنائه .
"وظّف بدون" حملة مباركة جزى الله القائمين عليها خير الجزاء ، وأتمنى أن تجد لها تعاطفاً من أبناء هذا الوطن الذين كلّما وضعوا على المحك في اختبار جديد لإنصاف هذه الفئة المغلوبة على أمرها نكصوا على أعقابهم حتى باتوا شركاء - ولا شكّ - في الذنب .

2013/07/07

طاير في العجة !


حين تكون خفيف الوزن كالقرطاس فلا غرابة أن تطير في عجة تويتر مع أول خبر يشغل ويشعل التايم لاين ، لدرجة أنك تحلّل وتفسّر وتشرح وتبيّن موقفك ورأيك في شيء لم يحدث أصلاً أو حدث بصورة مغايرة لما كنت تتوهم ، حتى إذا انجلى الغبار واكتشفت بأنك لا تركب الفرس بل الحمار ، وركدت العجّة ، وتبين خيط الصدق الأبيض من خيط الكذب الأسود ، واكتشفت أنك لم تكن أكثر من قرطاس ؛ خرّ عليك سقف تحليلاتك وتفسيراتك من فوق رأسك ، وعدت من محاولتك لفت الأنظار بخفّي حُنين .
والمصيبة الأعظم والداهية الأطم أن البعض يظن بأن ذاكرة الآخرين من حوله لا تختلف كثيراً عن ذاكرة الذّباب - مع إيماني بإصابة الآخرين بزهايمر حفظ المواقف ولكن ليس بهذه الصورة - لذلك تجده ينكص على عقبيه سريعاً ليبدّل موقفه بسرعة البرق دون تقديم اعتذار للآخر ودون احترام لنفسه ينبني عليه احترام للآخرين وشعاره "عجّة تفوت ولا حدّ يموت" .
التثبت والتبين شيمة الصالحين ، ووصية رب العالمين ، قال تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) وفي الحديث الصحيح ( كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع ) ولا يخفى على عاقل ما في تناقل الأخبار الكاذبة والتعليق عليها والزيادة فيها من خطر كبير على المجتمعات لا سيّما ممن يحملون في قلوبهم الفجور في الخصومة فيتلقفونها لأنها وافقت أهواءهم ويزيدون عليها مائة كذبة متطبعين بأطباع إخوانهم الشياطين ثم ينشرونها في الآفاق غير آبهين بضررها متناسين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً ) نسأل الله السلامة .
والحلم والتروي والأناة شيم سادة أقوامهم ، ممن حازوا من الفضل أعلاه ، ومن النبل أقصاه ، وحازوا من الأخلاق ما يحبه الله عزّ وجلّ ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشجّ عبد القيس : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله ؛ الحلم والأناة ) .
فتثبتوا رحمكم الله عند سماعكم للأخبار ، وتأنّوا قليلاً قبل نشرها ، وتذكّروا أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : ( أمسك عليك هذا ) يعتي لسانه ، ويصلح في زمن العولمة والتطور التكنولوجي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع صنع الخبر أن يقول أحدنا للآخر : "أمسك عليك هذا" يعني أصبعه .


‏منصور الغايب