2012/03/31

طير البدون !


"تجده كالطير مقصوصاً جناحاه" فليسمح لي شاعر هذا الشطر أن أستعير شطر بيته لأنزله على البدون في الكويت ، فالبدون في الكويت شبعوا من الوعود الكاذبة بقدر ما شبعوا من الضيم والقهر ، وطير البدون ليس مقصوص الجناحين فقط ، بل مقصوص الجناحين والذيل وقد نتف ريشه حتى أصبح لا يقوى على المشي فضلا عن أن يقوى على الطيران ، وقد وضعت سكين الظلم على رقبته فلا هي أكملت طريقها لذبحه ولا هي أراحته من كآبة منظرها ، وهو يرمقها ويقول "وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" !
يتقاتل الغالبية في هذا البلد ، يختلفون ويتخالفون ، يتقاتلون ويتصارعون ، يكونون أشتاتاً ، لا يؤلف بين قلوبهم إلا الصمت تجاه ما يتعرض له البدون من انتهاك لحقوقهم وإعدام لإنسانيتهم في اليوم عشرات المرات ، وتلاعب بمشاعرهم آلاف بل ملايين المرات .
يعود البدون "للتظاهر" ، فتعود هراوة رجل الأمن "للتظاهر" بحزم مصطنع لا يعرف طريقه "للظهور" إلا على "ظهور" البدون ، وتعود الصحف "للتظاهر" بالمهنية فترمي التهم على البدون من كل حدب وصوب فهي لا ترقب فيهم إلاًّ ولا ذمّة ، وتعود القنوات التلفزيونية "للتظاهر" بالحيادية في الطرح فتصيب تارة وتخطئ تارات ، ويعود النوّاب "للتظاهر" بإبداء التعاطف ليحفظوا ما تبقى من ماء وجوههم فيطلقونها صيحات لا تتجاوز حناجرهم فيجيبهم صداها "ما كان لله يبقى ويدوم وما كان لغيره ينقطع" ، ويعود بعض المتدينين "للتظاهر" بإلتزامهم بتعاليم الدين الحنيف في الوقوف مع المظلوم لكن تعاطفهم ذاك لا يتجاوز تغريدة في تويتر يسير بها الركبان عبر الريتويت وكأنها النصر المؤزر للبدون ، ويعود التقدميون "للتظاهر" بالتضامن حتى لا تقع آخر ورقة توت تستر عوراتهم ، والعجيب أن الكل "يتظاهر" والوحيد الذي يعاقب على تظاهره هم "البدون" .
قبل أيام قليلة عقد "ملتقى النهضة" رغم أنف وزارة الداخلية ، انتصارا لحرية الرأي – زعموا- ، وفي ذات الوقت كان البدون يضرب لذات السبب الذي من أجله أقيم ملتقى النهضة ! ، شفتوا الهنا اللي احنا فيه ؟! ، وأنصار حرية الرأي يصابون بخرس مؤقت تجاه ما يحدث في تيماء وكأن الأمر لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير التي يعتبرونها قضيتهم الأولى ، ما لكم كيف تحكمون ؟!
أمّا تيماء الحزينة التي أخذت  لون بيوتها الأحمر من لون بدلة الإعدام ، وتكفنت بثياب من الكيربي الأبيض الذي حول المنطقة إلى "صفيح" ساخن ! ، وتداعى الناس من كل حدب وصوب ليحضروا حفلة إجلاسها على الخازوق ، مكتفين بالامتعاض والحوقلة ، فهاهي  تنظر إلى السماء تطلب الغوث من الله وحده ، فقد خاب ظنّها في الجميع .

2012/03/27

ملتقى الدجّة !


من قبل ومن بعد :
أسمع بكلمة "نهضة" فأتنفس الصعداء وأشعر بفرح كبير فمن منّا لا يحب النهضة والنهوض والمضي قدماً برقي ، أرجع الكرة لأقرأ الاسم بتمعن "ملتقى النهضة" يا سلام أجمل وأجمل ، أرجع الكرّة مرتين لأقرأ الإسم مقرونا بصور المحاضرين فأعود القهقرى وأصفق راحاً براح ، وأقول في نفسي : "لقد حان لأبي عبدالله أن يمدّ قدميه" .
"النهضة" اسم جميل ، ولكنه كـ "جميل راتب" لا يحمل من معنى اسمه الأول شيئاً ، وخلف الأسماء الجميلة تختبئ النوايا السود ، وخلف مسمى النهضة تقبع "الدجّة" ، وتضرب جذورها في الأرض فالشجرة "نهضة" والثمر حنظل ! .
كما أن عناوين الكتب وأسماء مؤلفيها في كثير من الأحيان تكفيك عناء سبر أغوارها لمعرفة ما فيها ، فإن نظرة واحدة إلى إعلان "النهضة" تكفيك عناء الحضور لمعرفة ما يخطّط له القوم ، ولتزداد يقيناً بأن القوم لا يبحثون عن دولة "مدنية" بقدر ما يبحثون عن دولة "متدنية" الأخلاق ببعدها عن دينها ، ونحن نكرر ونكرر نريدها "متدينة" لا "متدنية" !
عن أي دولة "مدنية" تبحث يا سعادة الدكتور ؟! يامن أصبحت أشد تلوناً من الحرباء؟! عن أي دولة "مدنية" تبحث يا من أكثرت التنقل بين الآراء فمن تشدد وإرهاصات بالتكفير إلى ملكي أكثر من الملك ، ثم إلى مسلم يحب "إسلام اليوم" لا إسلام الأمس النقي الصافي ، عن أي دولة "مدنية" تبحث وقد أحضرت ما رمته دولتك في سلة مهملاتها لتضعه على طاولة طعام شبابنا وتدعوهم بقولك "دكّوا على عشاكم" ! ، عن أي دولة "مدنية" تتحدث وقد حطبت لنا الضيوف بليل ، ووضعت في جرابك الحية والعقرب ؟! ، نعم نحن نريد دولة "مدنية" نسبة إلى دولة المدينة التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم لا دولة "مدنية" بمفهومك أنت .
يزعمون أنه ملتقى "للحوار" والحوار اسم جميل أيضاً لكنه مظلوم !، فعندما تتلفظ به يتبادر إلى ذهنك ذلك اللحم اللذيذ الخالي من الكوليسترول وبجانبه جدر مضغوط ينتظر طبّاخاً ماهراً ! ، ذاك هو أقصى ما يعرفه البعض عن معنى كلمة "حوار" وتراه ينافح عن هذه الكلمة ليل نهار ، ويحاول أن يربطها بالدين ويصور للناس أن الدين حضّ على الحوار مع المخالف وسماع حججه في كل حال ، ويضرب أمثلة لأناس لا تملك حين تسمعه وهو يشبه نفسه بهم إلا أن تقول "شتان ما بين الثرى والثريا" وهل تملك من العلم والثبات والرسوخ ما كانوا يمتلكون حتى تستدل بفعلهم في الحوار مع المخالف؟! ، ثم مالك تقرأ آية وتترك آيات وأحاديث وآثار سلف كثيرة حضت على عدم الجلوس مع المخالف والبعد عنه بل وهجرانه إن اقتضت المصلحة ، والمصلحة هنا أعني بها مصلحة الهاجر أو المهجور ، وكتب السابقين مليئة بمثل هذا ، حتى جاء عن بعض السلف إغلاقه لأذنيه عن بعض من كان يريد محاورته ، خشية على دينه ، فالدين رأس المال وبضياعه يكون ضياعك ، فلا تجعل رأسك كالوعاء المكشوف تشرب منه الهرة أحيانا ولا تنجسه فهي من الطوافين علينا والطوافات ، وتلوغ فيه الكلاب أحياناً لتنجسه فلا ينفع معه إلا أن "يضرب" سبع مرات إحداهن "بالقبقاب" !
تنتهي جولة أخرى من جولات الصراع بين مجتمع محافظ لا زال يحاول جاهداً الدفاع عن هويته الدينية ، وبين قلّة اختزلوا معنى "المدنية" في كل ما هو ضد الدين ، تنتهي جولة شديدة الضراوة ، لتبدأ بعدها جولة أشد ضراوة منها ، فالصراع بين الحق والباطل باقٍ حتى قيام الساعة ، في هذه الجولة يكتب النجاح كالعادة للشعب المتمسك بدينه وهويته فهو أقوى من أن تقتلعه رياح الهوى ، وقد يقول البعض أن الملتقى سيقام في نفس التوقيت ولكن في مكان آخر والدعوة عامّة ، وأقول هذا لا يقلل من النجاح الذي تحقق بمنع إقامته بشكل رسميّ ، فقد تم توصيل رسالة شديدة اللهجة من قبل الشعب المحافظ للقائمين على الملتقى وللضيوف ، حتى أن بعضهم أظهر دموع التماسيح بكاء على الحال التي وصلت لها الديمقراطية في الكويت ... علينا يا منااااحي ! ، كما أن إقامته في الجمعية "الليبرالية" التي أعلنت استضافته بمواعيده وجدول محاضراته لأكبر دليل على نوايا الحضور مما يغنيك عن مزيد استدلال لإقناع المترددين .
تجمع دعاة الكويت يحب أن يصل متأخراً فذاك في نظره خير من ألا يصل مطلقاً ، في بيانه الجميل من حيث انتقاده لذلك الملتقى أغفل ذكر اسم المشرف على هذا الملتقى ، مما يدل على أن وجود اسمه سبب لهم الكثير من الحرج في انتقادهم لهذا الملتقى وهذا هو سبب تأخر البيان ، لكن هذا لا يمنعني من توجيه الشكر لهم لانتقادهم الملتقى وبيان خطره وكشف ضرره .
قبل الختام ... لتعلم مدى خطورة هذا الملتقى انظر في حال المتباكين عليه ! .

2012/03/23

عذر ملّوح


المتخاذلون عن نصرة قضية ما ، أي قضية ، لا يكفون عن اختلاق الأعذار التي يحاولون من خلالها تبرئة ساحتهم ، فهم يمتلكون مصنعاً لصناعة الأعذار الهشّة التي سريعاً ما تتكسر أمام الحجج القوية التي تدينهم من أفواههم ، والمخطئون والمقصرون يسارعون دائماً إلى اختلاق عذرٍ يشعرهم براحة ضمير مؤقتة ، كأن يرموا غيرهم بذات التهمة حتى يشعروا بأنهم لا يختلفون كثيراً عن الآخرين ، فلا يكيلوا اللوم والتأنيب لأنفسهم ، لسان حالهم كما قالت الخنساء حين رثت صخراً :
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
ومثلهم في ذلك كمثل الطالب الذي يغش وعندما يضبط بالجرم المشهود يقول : "العالم كلها تغش مو بس أنا !" ، لذلك تأتي بعض أعذارهم مضحكة في كثير من الأحيان كـ "عذر ملّوح" .
ما أجمل أن يكون المرء واضحاً صريحاً في مواقفه تجاه القضايا المطروحة ، فلا يلبس ثوب المناصرة الذي لا يستر جسد الخذلان ، ولا يكيل التهم لأصحاب القضايا الحقة من أجل أن يقنع نفسه بأنه يقف مع الحق دائماً وفق قناعاته .
يُسأل أحد نوّاب الأمة ذات "خطاب" عن سبب خذلانه وعدم مناصرته لقضية البدون ، فيجيب بجواب مفحم : "وهل قضية البدون أهم من قضية فلسطين حتى أقف معها ؟! " ، عيني باردة على هيك جواب يلقم السائل الحجر ، ويستحق أن تكتب في شرحه المجلدات وتنظم فيه القاصئد ! ،  وكيف لا وهو قد اعتذر بعذر يجعل من "عذر ملوح" عذراً سميناً ؟! ، فعذره أقبح من ذنبه ومن "عذر ملّوح" في آن واحدٍ معاً .
من خلال جواب النائب الفاضل أفهم أنه – إن صحّت الحادثة – لا يهتم إلا بقضية فلسطين أو بقضية مساوية لها أو تفوقها أهمية ، وأنا هنا أسأل النائب الفاضل هل مامرّت به البلاد من قضايا حظيت بتأييدك ووقوفك معها ودعمك الدائم لها – وهي قضايا حقّة بلا شك – بدءاً من ضرب النواب في ديوان الحربش والوقوف في ساحة الإرادة للمطالبة برحيل رئيس الحكومة السابق وانتهاءً بقضايا إضرابات الموظفين في دوائر الدولة وقضية الثورة السورية كلها أهم من قضية فلسطين أو مساوية لها في الأهمية لذلك تدخلت وناصرت مشكوراً ؟! ، لاأعتقد أنك يمكنك الإجابة بنعم، فقضية فلسطين هي القضية الأهم في قلب كل مسلم ونسأل الله العلي القدير أن يردّها إلى المسلمين ردّا جميلاً ، لذلك فالأجدر بك أن تعلن عن صريح موقفك تجاه قضية البدون بدلاً من إيهام الآخرين بعدم أهمية هذه القضية وأنك لا تقف إلا مع القضايا المصيرية كقضية فلسطين ، أو ابحث لك عن عذرٍ آخر تبرر به تخاذلك عن الوقوف مع قضية أناس مظلومين مضطهدين هم كالغريق يتشبث بقشّة ، تفرحهم كلمة تأييد ، ويشد من أزرهم مقال يعكس بعض همومهم ، ويرفع من معنوياتهم وقوف بعض إخوانهم معهم جنباً إلى جنب ، لكنهم سيبقون عن أهل الخذلان في غنية ، وسامح الله البعض منهم ممن لا زالوا يستجدون التعاطف ، متناسين أن بيدي لا بيد عمرو يكون الحل .

2012/03/16

خوش ولد !


عندما قالوا : "ليس كل ما يلمع ذهباً" فقد كانوا يعون ما يقولون فعلاً ، فبعض البريق زائف لا يعبر عن جوهر ثمين ، للكلمات بريق أيضاً ولكننا حين نحسن وضعها في المكان المناسب لها فنحن نكسبها القيمة التي تتناسب مع بريقها وإن لم نحسن ذلك فإنها تبقى كلمات ذات بريق زائف لا أكثر ، بعض الكلمات نحمّلها من المعاني خلاف ما يدل عليه ظاهرها وغالباً ما يكون هناك معنى آخر مدفون تحت ثنايا تلك الحروف البرّاقة ، لا يبينها ولا يكشفها ولا يعري معناها المراد إلا تعابير الوجه وحركات الأيدي ، لذلك لا تأمننّ شتيمة أن تغلف في غلاف جميل ولا نقداً أن يقدّم في قالب ثناء ، والمعنى في بطن "القائل" .
مع شديد الأسف نحن من أسّس هذه القاعدة وهذه الطريقة في حوارنا ونقدنا لللآخر فنحن من ابتكرنا أن نجيب من سألنا عن رأينا في شخص ما ، أنّه "ابن حلال" منتقصين منه بكلمة جميلة ، فظاهر الكلمة لا بأس به ولكن باطنها بالتأكيد يدل على الذمّ أكثر منه للمدح ، ونحن من جعلنا من كلمة "الله يهديك" مذمّة ، فلو قلنا لشخص "الله يهديك" يغضب ويتغير لون وجهه فقد اعتاد على سماع هذه الكلمة من أجل انتقاده والتعبير عن سلوكه السئ ، أما في المجالس فحدث ولا حرج ، فحين تحتدم "الغيبة" ويبدأ الحضور في تناول لحم أخيهم ميتاً ، ويكونون كما شبههم ابن فطيس بقوله :
عازمهم الشيطان للذنب ويجون
هذا يقطع له وهذاك يواكله
يأتي أتقى القوم ليقول لهم : "اتركوه اتركوه ما نبي ناخذ غيبته الله يهديه" بعبارات وجه وحركات أيدٍ تدل على الانتقاص ليشاركهم الغيبة دون أن يشعر ولكن بأسلوب ألطف ، فعبارته حوت من الانتقاص الشئ الكثير أيضاً ولم يجمّلها جمال ظاهرها .
تعابير وجوهنا في كثير من الأحيان توصل ما لا تستطيع حروفنا أن توصله واضحا وصريحا ، فالحاجبان المرتفعان المقوسان والفم العابس والأوداج المنتفخة لا تجعل من عبارات "اتق الله" نصيحة أبداً ، وخفض الصوت مع تحريك اليد وتمييل الرأس قليلا لا يجعل من عبارة "خوش ولد" مدحاً أبداً ، فجمال العبارتين ضاع مع قبح الملامح ، وعلى العكس تماماً فلو سبق كلمة "خوش ولد" بقسم مع علو صوت وضرب للأرض بأحد اليدين لأصبحت من عبارات الثناء التي لا يؤثر فيها قدح قادح .!
لذلك في مواقع التواصل الاجتماعي وفي منتديات الأنترنت وعالم الكتابة حيث لا يتواجد مع الحرف تعابير وجه ولا حركات أيدي ، احرص على انتقاء العبارة الواضحة الصريحة التي لا تحتمل وجوهاً عديدة ، ولا تظنن أنك إن أردفت الشتيمة بوجه تعبيري باسم ستصير مدحاً أو نكتةً مثلاً !

2012/03/12

كذبة !

في العالم الإفتراضي الجميل "تويتر" الذي أصبح ملاذاً آمناً لكثير من الهاربين من قسوة الواقع ، يطلق بعض المغردين "هاشتاق" معين يمارسون التغريد فيه وعنه ، وبعض هذه "الهاشتاقات" تنال شهرة كبيرة وتفاعلاً واضحاً أكثر من غيرها إما لمواكبتها لموضوع معيّن يشغل الساحة أو لاحتوائها على موضوع معين لم يطرح من قبل أو لقربها من نفوس المغردين أحياناً .

قبل أيام أطلق بعض المغردين في تويتر هاشتاق حمل عنوان "كذبة" ولاقى تفاعلاً كبيراً لاسيما من مشاهير المغردين الذين يشار إليهم بالبنان ، فضلاً عن بقية المغردين الذين هرعوا إلى ذلك الهاشتاق ليغردوا بالكم الكبير من الكذبات التي جمعوها في حياتهم ولا زالوا ، وليبدوا كثيراً وليس بعضاً من امتعاضهم تجاه واقع مليء بالكذب من أقصاه إلى أقصاه ، وليسلطوا النور حول كذبات نعيّش أنفسنا فيها إلى أن نصدقها مرغمين لتصبح جزءاً لا يتجزء في أذهاننا من الحقيقة .

غالبية الكذبات التي طرحها المغردون كانت تتناول الوضع السياسي للبلد وتسليط الضوء على بعض المشاكل الأزلية التي كانت ولا زالت تعيش معنا ونحن نواجهها بكذبة أنها غير موجودة أصلاً كالطائفية والفئوية والعنصرية على سبيل المثال لا الحصر ، وبعض المغردين تناول الكذبات الاجتماعية ليوضح أن كثيرا من العلاقات الاجتماعية والعبارات التي انتشرت بين أوساط المجتمع ما هي إلا كذبة لا أكثر من نوعية : "أنا حاس باللي أنت حاس فيه" و "لولا غلاك ما شرهنا عليك" و "وإنت من النفس" وغيرها من العبارات التي أصبحنا نقولها لكل أحد وفي أي مناسبة ، وفي نفس الوقت لم يخلُ الهاشتاق من بعض التغريدات الساخرة المضحكة من بعض المغردين الظرفاء كما فعل أحد المغردين حين غرد في الهاشتاق بـ " طالب مصري يغيب .... كذبة" .

الملفت للنظر أن المغردين كانوا لا يعانون ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن تغريدة في هذا الهاشتاق بل كانت التغريدات تنهمر سريعاً في ذلك الهاشتاق مما يدلك على اقتناع الناس بأنهم يعيشون في واقع ممتلئ كذباً وأنهم أصبحوا يجدون مشقة في ذكر الحقيقة أكثر مما يجدونه في ذكر الكذب الذي أصبح يحيط بهم من كل مكان .

في قضية البدون تحديداً ، هذه القضية التي تعتبر الكذبة الأكبر في البلد ، والقضية التي ألصق بها الكثير من الكذبات التي يغار منها الأول من إبريل ، والقضية التي مهما ذكرت من وعود المسؤولين بحلّها فإنه يصلح أن تضعه ضمن هاشتاق "كذبة" ، ولو كلفت نفسك عناء العودة لكثير من قصاصت الجرايد منذ الثمانينات وحتى اليوم والتي تضمنت الوعد بحل هذه القضية خلال فترة وجيزة جداً ، لعرفت الكم الهائل من الكذبات التي تحظى به هذه القضية ، وما أرجوه أن تقف تلك الكذبات والتي يصدقها بعض السذّج مع الأسف عند حدود القضية نفسها وألا تتجاوز ذلك لتصل إلى إيذاء أصحاب القضية رحمة بهم على الأقل ، فهم بما ابتلاهم الله عزّ وجلّ من ضيق وضنك مكتفون وليسوا بحاجة إلى مزيد ألم ! .

2012/03/09

بلاش كلام "هايف"


لكل مجتهد في هذه الدنيا نصيب ، ولكن بالتأكيد ليس كل مجتهد مصيب ، فكم من مريد للخير لم يبلغه وما أكثر الذين ينطبق عليهم المثل القائل "يبي يكحّلها عماها" والذي عبّر عنه الشاعر بقوله :
رام نفعاً فضرّ من غير قصدٍ = ومن البرّ ما يكون عقوقا
أمسِ وفي ندوة "البدون والمليفي في ميزان العدالة أم السياسية" في ديوانية النائب الفاضل أسامة المناور عقّ القائمون على تلك الندوة البدون من غير قصدٍ ربّما ، وتسببوا في فقئ عين قضية البدون بحجة تجميلها بالكحل ، وذلك حين أثاروا حفيظة البدون الذين كلفوا أنفسهم عناء الحضور علّهم يتلقفون كلمة أو وعداً يضيفونهما إلى الكم الهائل من الكلمات والوعود التي جمعوها منذ عقود ، وأكملوا مسيرة خذلان التيارات الإسلامية المتواصل لهذه القضية والتي حمّلوها مالا تحتمل أصلا لا لشئ إلا ليتنصلوا من واجبهم تجاه حل هذه القضية والوقوف مع أصحابها ، وأصبحوا يكثرون من التلميح لفقدهم شجاعة التصريح حول أنهم يرون أن غالبية البدون هم من الشيعة كما نقل عن كثير منهم وهذا ما يجعلهم قلقين حيال حل هذه القضية ، ومع احترامي لشخوص الجميع سنّة وشيعة فإن مثل هذه النقطة أصبحت مكشوفة وكل من كان قريباً من البدون وقبائل البدون يعلم علم يقين حجم الخطأ في هذه المعلومة وأنه حجة لا أكثر من قبل بعض الشخصيات أمام من يثق بهم من أجل عدم الوقوف مع هذه القضية ، أما مسألة الزج باسم "كوهين" في هذه القضية وأنه خلف تجمعات تيماء فهذا أيضا من الحجج التي لا دليل عليها ، وإثاراتها ستؤدي إلى وقوف الكثيرين ضد هذه الفئة المغلوبة على أمرها ، لاقتران اسم سئ الذكر بكل ما فيه الإضرار بمصلحة البلد على مدى السنوات القليلة الماضية ، والزج باسمه يعني تنفيذا لأجندات خارجية كما يرى البعض وهذا غير صحيح جملة وتفصيلاً بل يحتوي طعناً مبطّنا في ولاء البدون تجاه البلد وهو المحور الذي تدور عليه القضية برمتها وهم والله برآء من هذه الفرية العظيمة .
أما الدكتور عبدالله النفيسي وفقه الله ، فمع اختلافي معه إلا أنني أرى أنه كان الأشجع من بين الحضور حين أعلنها مدوية بقوله : "نحن هنا من أجل قضية المليفي" غير مهتم باللوحة الإعلانية الكبيرة خلف ظهره والتي وضعت كلمة البدون قبل اسم المليفي لذرّ الرماد في العيون لا أكثر ، الدكتور النفيسي ذكر الحقيقة فالندوة وضعت في الأساس من أجل المليفي الذي يعتبر الحبل الذي تقام عليه لعبة شد الحبل بين نواب السنة ونواب الشيعة في المجلس حالياً ، ووضع اسم البدون كان من باب الخروج من الحرج أمام الآخرين إذ كيف لنواب إسلاميين أن يناقشوا قضية المليفي وهي محور اهتمامهم بلا نزاع ، ويتركوا قضية شباب بدون معتقلين بلا جرم منذ فترة ليست بالبسيطة ؟!
أما شباب البدون الذي أدى احتجاجهم إلى إلغاء الندوة فأنا شخصياً ألتمس العذر لهم فهم قد ضاقوا ذرعاً بما طرح في تلك الندوة ، وجمعوا خيبة أمل جديدة ليضيفوها إلى الكمّ الهائل من خيبات الأمل التي جمعوها طوال حياتهم ، وردّة فعلهم كانت ردّة فعل طبيعية لأناس جاؤوا ليسمعوا الجديد حول قضيتهم فإذا بهم يجدون أنفسهم مهمّشين أو مخوّنين ، وأخشى أن يُتّهموا خلال الأيام القادمة أنهم تعمدوا إلغاء الندوة مدفوعين من قبل أناس من أجل عدم طرح قضية المليفي ، والأيام بيننا .

2012/03/05

مع حمد ... ألم


قبل ستّ سنوات بالتحديد اتّخذ "حمد" القرار الأصعب في حياته ، حين قرّر أن يهاجر تاركاً وطنه الذي يحبه والذي عاش وترعرع فيه ، وطنه الذي لطالما ردّد نشيده في طابور الصباح ، وطنه الذي لطالما تفاخر بحبه ، وطنه الذي لطالما رسم الأحلام على أرضه ، وطنه الذي لطالما تمنى أن يكبر كي يرد له الجميل الذي أسداه إليه صغيراً ، وطنه الذي حمل والده السلاح من أجل الدفاع عنه في أول أيام الغزو الغاشم ، ومن أجل تحريره مع قوات التحالف ، وطنه الذي بكى حزنا إثر اغتصابه ، وبكى فرحاً بعد تحريره ، وطنه الوحيد الذي لا يعرف غيره وإن حاول المغرضون أن ينسبوه لغيره .
هاجر "حمد" مكرهاً لأنه صدم بوطن رعاه صغيراً وجحده كبيراً ، صدم لأنه اكتشف أن وطنه ينظر إليه على أنه ابن غير شرعي له ، وطن حرم فيه من أبسط حقوقه ، وطن ينسى سريعاً كل التضحيات والعطاءات التي قدمت له ، هاجر حمد ليبحث له عن وطن جديد ، بالتأكيد هو لم يهاجر ليبحث عن وطن يحبه ويشعر بالولاء تجاهه لأنه لم يكن يفتقد هذا الشئ أصلاً ، فهو وإن هاجر فإنه يحمل وطنه في فؤاده يستشعر دفأه ويتلذذ بمناجاته والكتابة عنه وله ، و يشدو بحبه شعراً ونثراً ، لكنه هاجر ليبحث عن وطن يجد فيه قوت يومه ، وطن يعطيه بقدر ما يأخذ منه ، وطن يحتضن أحلامه البسيطة التي تتمثل في بيت وزوجة وأطفال ووظيفة محترمة ليصيرها واقعاً بعد أن كانت سراباً ، وطن ينظر إلى إنسانيته ويحترمها ، وطن لا يقيده بقيود وهمية دافعها الحسد والكراهية .
في غربته لم ينس "حمد" وطنه الذي يحبه ، فقد كان يشتم رائحة ترابه مع كل قادمٍ منه إليه ، وكان يستنشق هواءه مع كل مكالمة هاتفية مع أصدقائه وأقاربه ، وكان يتحسس أخباره عبر برامج التواصل الاجتماعي ، يتألم لألمه و يفرح لفرحه ، يشعر بقربه منه كلما ذكروا اسمه أمامه ، ويشعر بأنه أبعد ما يكون كلما تذكر المسافة البعيدة التي تفصله عنه ، كان ولا زال يطرب لجهرائه ويحن لتيمائه ، يتذكر كل لحظات الفرح التي عاشها هنا ، يحاول أن يستحضرها لحظة تلو لحظة ، متناسياً الكم الهائل من الأحزان الذي ارتبط بها .
"حمد" وبعد أيام قلائل سيعود إلى وطنه ، سيقبل ترابه ، سيستنشق هواءه ، سيناجي أمواج خليجه ، سيعود لا ليستقرّ فليس له هنا مستقرّ ، سيعود على حصانه الأبيض المنهك ، الذي بالكاد يقوى على الحراك ، ليختطف فتاة مثقلة بالهموم مثله ، كانت تمني النفس بالأفضل أيضاً ، يختطفها من جحيم الفقر والعوز والاحتقار ، إلى جحيم الغربة ليحاولا معاً أن يصيراه جنة أحلامهما .
"حمد" عرفته شابّاً محبّا لوطنه ولا زال ، "حمد" الذي كان لا يكف عن إرسال رسالة لي كل مساء يقول لي فيها "تصبح على وطن" ، لا تحزن يا "حمد"  فالكثيرون هنا هم "حمد" بشحمه ولحمه ، يعانون كما عانيت ويقاسون كما قاسيت وينتظرون لحظة فرج أو لحظة اتخاذ قرار مشابه لما اتخذته ، عدت يا "حمد" والعود "حمد" ، عدت لتقول لنا بصوت مبحوح : أخبرونا في المدرسة أن مع حمد قلم ... لكنهم لم يخبرونا أن مع "حمد" ألم .

2012/03/02

عندنا وعندكم خير !


"عندنا وعندك خير" هي أول جملة يسمعها من يشتكي حاله لشخص آخر محسناً به الظن في أنه سيقوم بالتخفيف عنه ومواساته وتذكيره بنعم الله التي تتوالى عليه ومحاولة صرف نظره عن التفكير في مثل هذه الأمور وإدامة النظر في من هو أقل حالا منه حتى لا يزدري نعمة ربه عزّ وجل ، لكنه مع الأسف يخيب ظنه فيه مع أول جملة تنطق بها شفتاه وكأنه يقول له : "زيد من اللطم والعويل زيد هو أنته لسّه شفت حاجة ؟!" ، فيعود ذلك على الشاكي باليأس والإحباط والوقوع في ما حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم وهو إزدراء نعمة الله عز وجل على العبد ، فيصدق في الشاكي قول القائل :
المستجير بزيد عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
في بلدي ... الكل إلا ما ندر ممتعض ومتسخط وغير راضٍ عن وضعه ، والكل يرى نفسه أفقر الموجودين على هذه البسيطة ، ويرى نفسه المظلوم الذي أخذ حقه لأنه لا يملك الواسطة ، ويرى أنه الأجدر بكل شئ ، الأجدر بالمنصب والأجدر بالمال والأجدر بالتقدير والاحتفاء ، بل ويتجاوز ذلك حتى يرى البعض أنه الأجمل في هذا البلد وأنه مظلوم من قبل الفتيات اللاتي ما يعطونه وجه !
الحقيقة أن سياسية التشكي والتظلم وعدم الرضا والقناعة بما عليه المرء مرض فتّاك يغزو غالبية المجتمع ، حتى أصبحت بعض المجالس مملة من كثرة التباكي على الوضع لدرجة يخيل إليك أن الحديث يدور عن بلد آخر ، ولو كلّف بعض المتسخطين أنفسهم ويمموا وجوههم قبل بعض المناطق التي يعيش فيها بعض ضعاف الحال في هذا البلد لعلموا أنهم يعيشون حياة الغنى والبذخ حتى لو حاولوا تغطية ذلك بالكم الهائل من الشكوى والتسخط والتباكي على الوضع المزري بزعمهم ، ولعلموا أنهم في نعمة عظيمة يغبطهم عليها البعض ويحسدهم البعض الآخر ، وإنني لينتابني في بعض الأحيان تساؤل فيما لو قاسى بعض هؤلاء المتسخطين ليل نهار بعضاً مما يقاسيه البدون في هذه الحياة والذين أثبتوا فعلاً أنها عقيدة و"جهاد" ، ما أظنهم إلا أنهم سيفكرون في الإنتحار !!
نعم الله عزّ وجل علينا في هذا البلد لا تعد ولا تحصى ، وهذا لا يعني أنها ستدوم وأنها غير قابلة للزوال ، بل الأصل فيها الزوال لأن دوام الحال من المحال والأيام دول كما قال أبو البقاء الرندي في رثائه للأندلس :
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سرّه زمن ساءته أزمان
فالنعم زائلة لامحالة إلا إن عملت لشكرها واستعملتها فيما يحبه الله عزّ وجلّ ويرضاه ، فهذا مما يساهم في دوامها أو إطالة مدة بقائها ، قال تعالى (اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور) ، فكفكف دموع التسخط والشكوى وارسم على وجهك ابتسامة الرضا فأنت ترفل في نعم حرم منها كثيرون وهم ليسوا ببعيدين عنك بل بعضهم يعيش معك ويخالطك صباح مساء ، واغرس بذور القناعة في قلبك لتجني على أثرها جمال روحٍ يمكنك من رؤية كل ما حولك جميلا كما قال أبوماضي :
أيّهذا الشاكي وما بك داء
كن جميلا ترَ الوجود جميلا


منصور الغايب