2012/05/25

أبوالطيب والجزيرة والبدون !

ظلمٌ لذا اليوم وصفٌ قبل رؤيته
لا يصدقُ الوصفُ حتى يصدقَ النظرُ
المتنبي
أشعر بأن أبا الطيب حين قال بيته ذاك كان يشاهد التقرير الذي بثته قناة الجزيرة عن قضية البدون في الكويت ، وكيف صنعت منهم جناةً وهم الضحية ، وكيف جعلت منهم مواطنين لدول الجوار ، مستدلين بأرقام ودول لطالما ردّدها الجهاز المركزي لكنها لم تحظ بتصديق من قبل غالب من يعيشون على هذه الأرض لأنهم آمنوا بقول أبي الطيب رحمه الله : لا يصدقُ الوصفُ حتى يصدقَ النظرُ .
كم هو محبط أن تمد يديك "ذات غرق" لمن تظن أن بإمكانه أن يساهم في إنقاذك وإذا به يكتفي بالتبسم في وجهك لأن التبسم في وجهك صدقة ، ويحوقل ، ويدعو الله عزّ وجل من أجلك ، ثم يعطيك ظهره وينصرف ، وأنت تقول في نفسك : ياليتني فيها حيّا وجذعاً حين أقابلك المرة القادمة ، فوالذي نفسي بيده لأنصرن رغبات الإنتقام في داخلي نصراً مؤزراً .
في علم الجغرافيا تعرف شبه الجزيرة بأنها قطعة من اليابسة تحيط بها المياه من ثلاث جهات ، وفي علم العدل والإنصاف تعرف شبه "الجزيرة" بأنها قناة يحيط بها ضوء الإنصاف من ثلاث جهات ، ويغيب عن الجهة الرابعة ليبقى أهل تلك الجهة يقبعون في ظلام اللانصرة ولو بكلمة حقّ عند إعلام جائر .
الجزيرة حيال قضية البدون في الكويت أبت إلا أن تحذف إحدى النقطتين لتصبح (حزيرة) تحتاج إلى مزيد حل وتفكير وهي التي سوقت نفسها على أنها الملاذ الآمن للمواطن العربي من بطش حكوماته ، أو لتصبح غير منصفة فتشارك في تحمل (جريرة) ما يقع على هذه الفئة المغلوبة على أمرها من ظلم وتعسف وسلب للحقوق .
في جزيرة الرأي والرأي الآخر ، حضر الرأي وغاب الرأي الآخر ، حضر الجلاد وغاب الضحية ، حضر السجّان وترك المسجون في غياهب السجن لا بواكي له ولم تُسمع أقواله ، كل ذلك حصل في تقرير أعده مراسلها في الكويت والذي لمّع من حيث شعر أو لم يشعر الجهاز المركزي على حساب الإنصاف والعدل الذي تدّعيه القناة ، "سعد" هو من أعدّ التقرير ،  ولعّله استعان بـ "صالح" ، ليصبح الظلم أشد مضاضة على البدون ، وكيف لا ومصدره "ذوو القربى" !
من خلال ذلك التقرير يتضح جليّاً أن الجهاز المركزي بدأ يكثف جهوده لتلميع موقفه من خلال الاستفادة من علاقاته الطيبة مع بعض الإعلاميين العاملين في قناتي الجزيرة والعربية ، وهذا الأمر يؤمنه للجهاز من يقود الجانب الإعلامي فيه عن طريق قرابته للأولى وقربه من الثانية ، وأراه – أي الجهاز -  نجح ولو مؤقتاً في جعل جانبه الأسود ناصع البياض أمام الإعلام الخارجي ، فتلك القناتان كقول حذامِ عند العرب لا يسعهم إلا أن يصدقوها ، ولكنه كما قدمت نجاح مؤقت إذ أن ذلك البياض سرعان ما سيزول مع أول تقرير صادق تبثه أي قناة تقدم جانب المهنية والشفافية على جانب المداراة والمجاملة واستغلال النفوذ ، وعلى الباغي ستدور الدوائر حتماً .

2012/05/17

اصـ...تجواب !!


كثيرة هي الأمور التي أثارت الاستغراب في جلسة الاستجواب التاريخية والتي تقدّم بها "جهول" لـ "ظلوم" ، ولا تنزعج أخي القارئ من وصفي لهما بتلك الأوصاف فهي أوصاف ثابتة متحققة في كل بني آدم فقد قال تعالى عن الإنسان : (إنه كان ظلوما جهولا) .

استجواب تاريخي ساخن رغم أن مدته كانت قصيرة جدّا ولو طالت المدة قليلاً لأحرق الحضور من شدة سخونته ، ولتكرر مشهد حريق التواير مجدّدا ولكن هذه المرة عبر عقل – جمع عقال - النواب والوزراء ، استجواب انقلبت فيه الجلسة إلى قعدة ، وخوطب الرئيس فيه بالطف الألفاظ وأرقها بدءاً من ضبط القعدة وانتهاءً بـ لا تبقق عيونك ! ، استجواب طارت من فرط الاعجاب به الأحذية وكادت أن تسقط على رأس المستجوب ، استجواب أجبر الألسن على إخراج ما تحمله من قبيح الألفاظ والسباب والشتم ، استجواب جعل من البدو "لفو" ، وجعل من البدون "هيلق" ، استجواب أثبت أن عين الرضا دائما ما تكون كليلة عن كل عيب حين صفق الجمهور استحساناً لبعض الشتم وامتعض من البعض الآخر تبعاً لشخص الشاتم والمشتوم ، استجواب أثبت أنّنا بعد كل جلسة أو قل قعدة يجب أن نقيم على نوّابنا أو قل نوائبنا مأتماً وعويلاً .

مما أثار استغرابي أيضاً الكلمات التي صرّح بها المستجوب – بواو مفتوحة الله يفتحها علينا وعليه – بعد الاستجواب ، وكأنه قد قام بتفنيد استجواب عجزت عن حمل محاوره الإبل ، حتى أنني شعرت لوهلة بأن الواقفين خلفه ينتظرون انتهاء كلمته بفارغ الصبر ، ليقوموا بهوسة (ياحوم اتبع لو جرّينا) .

إن أكثر ما أثار الإستغراب والحزن في آن واحد ، هو أن يتطاول ذلك الجهول على مائة ألف أو أكثر يعيشون على هذه الأرض الطيبة وينتمون لها ويوالونها ويفدونها بالغالي والنفيس ، وذلك حي وصفهم بوصف قد يكون هو الأحق به والأجدر ، أمام نواب الأمة وممثليها ، فيقرونه إقراراً سكوتيا بالإجماع ، ويعجزون عن قول كلمة حق أمام جهول جائر ، في حين أن أوداجهم انتفخت غضباً وأرعدوا وأزبدوا من أجل "تفلة" على زميل لهم ، ولو فكّروا مليّا لوجدوا أن ما رُمي به البدون من وصف قبيح هو أشد وأقبح من تلك التفلة ، فعذراً يانوابنا فقد خاب بكم الظن ، وإن الأفواه التي تعجز عن الدفاع تكون أشد عجزاً عن طلب الحقوق ، فأكرمونا بسكوتكم .

في نفس الجلسة أو القعدة سمها ماشئت ، مشهد واحد أجبرني على الضحك والحوقلة معاً ، فشرّ البلية ما يضحك ، وذلك المشهد يتمثل في قيام شخص واحد بالدفاع عن البدون وأنهم فئة يقدرهم ويعاملهم بكل احترام وإنسانية ، وذلك الشخص هو معالي الوزير الذي قال يوماً : "البدون في رقبتي" ، لذلك أرى لزاماً علي أن أتوجه بالشكر الجزيل لمعالي الوزير على دفاعه عن إخوانه البدون لأقول : شكرا يامعالي الوزير ، شكرا بعدد الورود التي وزعها أطفال البدون على قياديي وزارة الداخلية في تيماء في جمعة لدي حلم ، وشكرا بعدد الهراوات التي حملها رجال القوات الخاصة في تيماء ، وشكراً بعدد كريات الدم الحمراء التي تبرع بها شباب البدون في تيماء في جمعة دمنا واحد ، وشكرا بعدد كريات الدم الحمراء التي نزفت من البدون جراء التعامل "الإنساني" من رجال الداخلية ، وشكراً بعدد صور صاحب السمو الأمير حفظه الله التي حملها البدون في اعتصاماتهم ، وشكراً بعدد المقنعين الذين جابوا شوارع تيماء غدوة وعشياً ، وشكراً بعدد حروف السلام الوطني الذي يردده شباب البدون دائماً ، وشكراً بعدد التهم الكاذبة التي تلفق لهم بعد كل اعتصام ، وشكراً بعدد ما يحملونه من حبّ لهذا البلد ، وشكراً بعدد ما يحمله مستجوبك من بغض لهم ، شكرا يامعالي الوزير على دفاعك .

2012/05/11

الساقي ... محمد سالم


شاهدته لأول مرة رفقة الكاميرا في احتفالية يوم الشعر في جمعية الخريجين ، كنت أرمقه عن بعد ، كان ضوء عدسة الكاميرا التي يحملها يضيئ المكان في كل مرة يلتقط فيها صورة لفعاليات الحفل فتلتفت إليه الأبصار دون أن نشعر ، ضايقني بين إقبال وإدبار أمامي بينما كنت منهمكاً في متابعة الشعر ، فللشعر وحده أتيت لا لشئ آخر ، أحسَّ بمدى الإزعاج الذي سببه لي ، التفت إلي وبادرني بابتسامة واعتذر ، قبلت عذره لأن ابتسامته كانت نعم الشفيع له ، ثم عدت إلى متابعة الشعر من جديد ، وكان كل شاعر مشارك عند فراغه من مشاركته يقدم الشاعر الذي يليه ، حتى جاء الدور على أحد الشعراء فقدم زميله الذي يليه قائلاً : والآن جاء دور الشاعر "محمد سالم" ، وإذا بصاحبي ذي الابتسامة يضع الكاميرا جانباً ويرتقي المنصة ليلقي قصيدة جميلة جداً ، قصيدة تغزل فيها بمعشوقته "تيماء" دون أن يسمي ، نالت قصيدته استحسان الحضور وضجت القاعة بالتصفيق له ، وبعد الأمسية اتجهت صوبه ، صافحته ، شكرته على قصيدته الجميلة ابتسم مرة أخرى وقال لي : لم أستطع أن أسمي معشوقتي ، لكنها بدت لي ولمن يشاركنا ذاك العشق واضحة المعالم يا محمد .

ذاك هو لقائي الأول والأوحد بالمبدع محمد سالم وهو لا يعرفني حتى هذه اللحظة ، لكنني تشرفت بمزاملته في "تويتر" ، فأحسست بأنني أعرفه عن قرب ، فوجدته إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، يحمل همّ قضيته كما أفعل أنا ، يحاول التخفيف عن المضطهدين من أبناء جلدته ، يشارك في كل فعالية تدفع بعجلة القضية إلى الأمام ، سخر جميل قصائده لنصرة قضيته ، كان يشجع الجميع ويشد من أزرهم ، كان يثني عليّ بعد كل مقالة يقرؤها عن قضية البدون ، كنت أفرح بثنائه لا لشئ إلا لأنني أعرف ذائقته الجميلة فأعرف بأنني قدمت ما يليق .

"محمد سالم" شاعر جميل ، ومغرد مميز ، وأب رائع لورود جميلة تتغنى صباح مساء بكتاب الله عز وجل حفظاً وتلاوة ، فحق له أن يرفع بهن رأساً كحافظات لكتاب الله ، وحق لهن أن يرفعن به رأساً كأب وشاعرٍ مميز ، وإنسان يمارس إنسانيته بلا تكلف .

محمد سالم يقبع الآن خلف قضبان السجن في متر مربع ، لأنه لم يرتكب ذنباً ! ، لا تستغربوا ... فهو مسجون لأنه لم يرتكب ذنباً فهذا هو قدره أن يسجن حين يكون الكثيرون ممن يرتكبون الذنوب طلقاء خلف أسوار السجون ، وكل ما فعله هو أنه طالب بحقه بطريقة يراها هو مشروعة ويقره عليها الدستور الذي يرتضونه بينهم حكماً ، ولكن الآخرين ضاقوا ذرعاً به وبمن معه ، ونسوا أن محمداً ومن معه ضاقوا ذرعاً أيضاً بالممارسات اللاإنسانية التي تمارس في حقهم ، وعلموا أنه لا حيلة للمضطر إلا ركوب الأسنة ، فخرجوا وخرج محمد لكنه لم يعد ، وربما يكون هو من اختار عدم العودة إلا برأس مرفوع .

قبل أيام قلائل كرمت وردة من ورود "محمد سالم" لإتمامها حفظ أحد عشر جزءاً من كتاب الله عز وجل ، حضرت الوردة ، وحضر القرآن المحفوظ في صدرها ، وحضر الجميع ، وغُيِّب "محمد سالم" الساقي لتلك الوردة  الجميلة ، ليحرموا وردته من اكتمال فرحتها بوجود أبيها ، وليحرموا أباها من أن يكحل عينه برؤيتها ترفرف في رحاب القرآن .

في جمعة (لدي حلم) قام أطفال البدون بتوزيع الورود على قياديي وزارة الداخلية المتواجدين في ساحة الحرية في تيماء ، إحدى ورود محمد سالم كانت توزع الورود ، لكنها لم تكن تعلم أنها تقدم الوردة لمن سيعتقل الساقي ! .

سيخرج محمد من معتقله لأنه دخله بلاذنب ، وحتماً سيخرج منه ليخبرنا الحقيقة ، وليعلم الجميع حينها ، أيّنا ذو ذنب ، فمحمد ليس إلا واحد من آلاف يعانون ويقاسون ، ويرمون في بحر المعاناة ويقال لهم : حذارِ أن تبتلّوا ، وماهو إلا نموذج أراد هو بنفسه أن يسلط الضوء عليه ليعلم الجميع أن في الزوايا المظلمة أنين جرحى لا يعيه إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فشكراً محمد لأنك أثبت لهم المقولة التي تقول : أنا هنا أعاني .. إذن أنا بدون !

2012/05/03

أقلامنا وقضية البدون

أقلامنا التي بين أيدينا ويندرج تحتها طبعاً لوحة المفاتيح في الكمبيوتر والجوال ، لا تخرج عن كونها أحد قلمين : قلم يكتبنا ، وقلم يكتب ما نتمنى أن نكون عليه ، فالقلم الأول هو الأكثر صدقاً ، والأكثر أمانة في نقل الواقع لمن يقرؤه ، فهو يصورنا للآخرين بلا رتوش ، وبلا مساحيق تجميل ، وبلا أقنعة فضيلة ، والقلم الثاني هو الأكثر جمالاً ، والأبهى طلة ، تتحسس معه في فمك حلاوة الكلمات ، لكنه يفتقد للمصداقية في كثير من الأحيان وتعتريه المثالية دائماً ، ونحن مع ذانك القلمين في صراع فإن غلبَنا الأول وأخذ بتلابيبنا رغماً عنّا ، كتبنا عن واقعنا ولم نستطع حينها أن نذكر إلا ما نعايشه ، وإن غلبَنا الثاني حلّق بنا عاليا ومكننا من أن نطل برؤوسنا من مكان آخر غير ما نعيشه ، والحرب بينهما سجال .
مهما تطورت الأسلحة وتقدمت ، يبقى سلاح الكلمة سلاحاً لا يقهر وكيف لا وقد قُرن بأعظم الجهاد فقد جاء في الحديث (أعظم الجهاد "كلمة" حق عند سلطان جائر) ، وسمى الله عز وجل شهادة التوحيد كلمة فقال عن إبراهيم عليه السلام (وجعلها "كلمة" باقية في عقبه) ، فلا يستهينن أحد بهذا السلاح ويظن أن مفعول غيره أقوى من مفعوله ، بل للكلمة الحرة الصادقة اليد الطولى في نصرة أي قضية ، وبعض الأقلام أعتى من الأسلحة الرشاشة ، وبعض الحروف تفعل مفعول السحر ، وعند "تويتر" الخبر اليقين .
يعاتبنا البعض على كثرة كتاباتنا حول قضية البدون ، وأننا جعلنا أنفسنا في حفرة لا نستطيع الخروج منها ، وأن أقلامنا عشقت العويل والصراخ واللطم وشق الجيوب وخمش الخدود ، وأن هذا غير نافع بتاتاً لنا ولأقلامنا ، وأننا يجب أن نتناول مواضيع أخرى لأننا في النهاية جزء من هذا المجتمع نتأثر بما يتأثر به ، وندور معه حيثما دار ، نفرح لفرحه ونحزن لحزنه ، وما نحن إلا منه وإليه رغما عن أنف كل من أراد أن يقتطعنا منه ويضرب بيننا وبينه بسور له باب باطنه من جهته الرحمه وظاهره من جهتنا العذاب .
لا أختلف إطلاقاً مع أصحاب تلك النظرة وذلك الرأي ، ولكن لا طاقة لي ولا لأبناء جلدتي بالخروج من ذلك الوضع الذي وضعنا أنفسنا فيه ، فنحن أبناء هذه القضية ، ونرى أن نصرة تلك القضية بالكلمة الصادقة وبالقلم الحر الشجاع هي أقصى ما يمكن أن نقدمه لمن لهم حق علينا ، فنحن لا يمكننا أن نتنصل من هذا الواجب الملقى على أعناقنا ، كما أن كل محاولات النسيان واللامبالاة باءت بالفشل ، وكيف لنا أن ننسى جرحاً كلما اندمل جاءه من يفتحه ، كيف لنا أن ننسى طفلا أميا نراه أمام أعيننا ليل نهار ، كيف لنا أن ننسى أمّا يحترق قلبها في اليوم الواحد عشرات المرات على أولاد عاثت بهم البطالة فسادا ، وعلى بنات طافهن قطار الحياة الزوجية وماتت تحت أقدامهن كل أحلامهن بسماع كلمة ماما ، كيف لنا أن ننسى شيخا تتكلم بالنيابة عنه تجاعيد وجهه ويديه لتحكي فاصلاً من المعاناة لا ينتهي ، كيف لنا أن ننسى أطفالا كانوا بيننا أحياء فغيبهم الموت أمام أعين والديهم ولم يمهلهم رويداً لاستجداء جواز من هنا ومالٍ من هناك ، كيف لنا أن ننسى ؟ أجيبوني ...

2012/05/02

مكروهة وجابت بنت !


الذين يصطادون في الماء العكر أصبحوا لا يبحثون عن ماء عكر لكي يصطادوا فيه فرائسهم فهذه "موضة" قديمة جدّاً ، فالموضوع تطور تبعاً لموجات التطور التي يشهدها العالم اليوم ، فالذين يكرهونك اليوم هم من يصنعون الماء العكر لكي يصطادوك فيه ، فلا وقت لديهم للبحث عن ماء عكر بالقرب ، والفرائس قد لا تنتظر طويلاً .
تتوجه "السهام" تجاه جسد البدون الميت ، رغم أن الضرب في الميت حرام ، فلا يدري ما يتقي منها ، فمن حياة صعبة ، وضيق في الرزق ، وسعي حثيث لطلب لقمة العيش ، إلى جهاز مركزي يسيمهم سوء "الاتهامات" ، إلى صحف تتلاعب بهم عبر بثّ أخبار كاذبة تحت ذريعة "مصدر مسؤول" ، إلى نضال حثيث في كل مكان من أجل إقناع البعض بشرعية قضيتهم ، وهكذا يستمر جهاد البدون ليقينهم أن الحياة عقيدة وجهاد ، وليتهم يُعذرون .
يسب "زنديق" بدون عرض النبي صلى الله عليه وسلم ، وينتقص من أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها ، فيستغل بعض من لا خلاق له هذه الحادثة ليوغر صدور البعض تجاه هذه الفئة ، وليغير من مواقف بعض المتعاطفين معها ، عن طريق إيهامهم بأن غالبية البدون يحملون هذا الفكر ويسيرون على هذا النهج ... وكذبوا وربّ عائشة .
الزندقة لا علاقة لها بالجنسيات ، والكفر لا يبتعد عن "عيال بطنها" ويقترب من غيرهم ، والفسق لا يستحي من أبناء القبائل ويلتصق بمن سواهم ، والخيانة لا تعترف بعرق ولا أصل ولا نسب إن ترعرعت في القلوب ، وكل إناء بما فيه ينضح ، وكل عقل بما أشرب ينشر للناس ، بغض النظر عن أي شئ آخر ، فهاهو "حبيب" لم تمنعه جنسيته من الولوغ في عرض النبي صلى الله عليه وسلم فأصبح "بغيضاً" ، وهاهو "نقي" لم تنقّه كلمة "كويتي" في خانة جنسيته ، وهاهو "علاء" خفضته خيانته لوطنه ولم ترفعه جنسيته ، وهاهو "جهول" لم تطهر فحش لسانه مادة جنسيته الأولى ، والأمثلة كثيرة يراها كل بصير ، ولكنه العمى !
البدون اليوم "مكروهة وجابت بنت" ، فكل فعل يصدر من أبناء هذه الفئة المغضوب عليها منذ خمسة عقود يعمّم على باقي أبناء هذه الفئة ، ويستغله البعض لدعم مواقف سابقة له تجاه قضيتهم ، رغم أن مواقفه معلومة مسبقاً ولا تحتاج لزلة من هنا أو من هناك ، ولا غرابة إن رأينا بعض أصحاب اللحى عقب هذه الحادثة يمسح على بطنه ويرسم ابتسامة على محياه وهو يقول : "مو قلنالكم البدون أغلبهم شيعة" ! .
تمر القرون تلو القرون ولا يزال بعض "الكلاب" أجلكم الله يزعجوننا بمزيد نباحهم ، ويكررون فرية ابتدعها جدهم الأول ، وما ضرّ "عائشة" نباح الكلاب ، وهي الطاهرة المطهرة التي برأها الله عزّ وجل من فوق سبع سماوات ، وأنزل في شأنها قرآناً يتلى آناء الليل وأطراف النهار ، وعاقب من خاض في عرض نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعل فيهم الزنا يسمونه بغير اسمه ، فداك أبي وأمي وعرضي يا رسول الله متمثلا بقول شاعرك الفحل حسّان بن ثابت رضي الله عنه :
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاءُ