كثيرة هي الأمور التي أثارت الاستغراب في جلسة الاستجواب التاريخية والتي
تقدّم بها "جهول" لـ "ظلوم" ، ولا تنزعج أخي القارئ من وصفي
لهما بتلك الأوصاف فهي أوصاف ثابتة متحققة في كل بني آدم فقد قال تعالى عن الإنسان
: (إنه كان ظلوما جهولا) .
استجواب تاريخي ساخن رغم أن مدته كانت قصيرة جدّا ولو طالت المدة قليلاً
لأحرق الحضور من شدة سخونته ، ولتكرر مشهد حريق التواير مجدّدا ولكن هذه المرة عبر
عقل – جمع عقال - النواب والوزراء ، استجواب انقلبت فيه الجلسة إلى قعدة ، وخوطب
الرئيس فيه بالطف الألفاظ وأرقها بدءاً من ضبط القعدة وانتهاءً بـ لا تبقق عيونك !
، استجواب طارت من فرط الاعجاب به الأحذية وكادت أن تسقط على رأس المستجوب ،
استجواب أجبر الألسن على إخراج ما تحمله من قبيح الألفاظ والسباب والشتم ، استجواب
جعل من البدو "لفو" ، وجعل من البدون "هيلق" ، استجواب أثبت
أن عين الرضا دائما ما تكون كليلة عن كل عيب حين صفق الجمهور استحساناً لبعض الشتم
وامتعض من البعض الآخر تبعاً لشخص الشاتم والمشتوم ، استجواب أثبت أنّنا بعد كل
جلسة أو قل قعدة يجب أن نقيم على نوّابنا أو قل نوائبنا مأتماً وعويلاً .
مما أثار استغرابي أيضاً الكلمات التي صرّح بها المستجوب – بواو مفتوحة
الله يفتحها علينا وعليه – بعد الاستجواب ، وكأنه قد قام بتفنيد استجواب عجزت عن
حمل محاوره الإبل ، حتى أنني شعرت لوهلة بأن الواقفين خلفه ينتظرون انتهاء كلمته
بفارغ الصبر ، ليقوموا بهوسة (ياحوم اتبع لو جرّينا) .
إن أكثر ما أثار الإستغراب والحزن في آن واحد ، هو أن يتطاول ذلك الجهول
على مائة ألف أو أكثر يعيشون على هذه الأرض الطيبة وينتمون لها ويوالونها ويفدونها
بالغالي والنفيس ، وذلك حي وصفهم بوصف قد يكون هو الأحق به والأجدر ، أمام نواب
الأمة وممثليها ، فيقرونه إقراراً سكوتيا بالإجماع ، ويعجزون عن قول كلمة حق أمام
جهول جائر ، في حين أن أوداجهم انتفخت غضباً وأرعدوا وأزبدوا من أجل
"تفلة" على زميل لهم ، ولو فكّروا مليّا لوجدوا أن ما رُمي به البدون من
وصف قبيح هو أشد وأقبح من تلك التفلة ، فعذراً يانوابنا فقد خاب بكم الظن ، وإن
الأفواه التي تعجز عن الدفاع تكون أشد عجزاً عن طلب الحقوق ، فأكرمونا بسكوتكم .
في نفس الجلسة أو القعدة سمها ماشئت ، مشهد واحد أجبرني على الضحك والحوقلة
معاً ، فشرّ البلية ما يضحك ، وذلك المشهد يتمثل في قيام شخص واحد بالدفاع عن
البدون وأنهم فئة يقدرهم ويعاملهم بكل احترام وإنسانية ، وذلك الشخص هو معالي
الوزير الذي قال يوماً : "البدون في رقبتي" ، لذلك أرى لزاماً علي أن
أتوجه بالشكر الجزيل لمعالي الوزير على دفاعه عن إخوانه البدون لأقول : شكرا
يامعالي الوزير ، شكرا بعدد الورود التي وزعها أطفال البدون على قياديي وزارة
الداخلية في تيماء في جمعة لدي حلم ، وشكرا بعدد الهراوات التي حملها رجال القوات
الخاصة في تيماء ، وشكراً بعدد كريات الدم الحمراء التي تبرع بها شباب البدون في
تيماء في جمعة دمنا واحد ، وشكرا بعدد كريات الدم الحمراء التي نزفت من البدون
جراء التعامل "الإنساني" من رجال الداخلية ، وشكراً بعدد صور صاحب السمو
الأمير حفظه الله التي حملها البدون في اعتصاماتهم ، وشكراً بعدد المقنعين الذين
جابوا شوارع تيماء غدوة وعشياً ، وشكراً بعدد حروف السلام الوطني الذي يردده شباب
البدون دائماً ، وشكراً بعدد التهم الكاذبة التي تلفق لهم بعد كل اعتصام ، وشكراً
بعدد ما يحملونه من حبّ لهذا البلد ، وشكراً بعدد ما يحمله مستجوبك من بغض لهم ،
شكرا يامعالي الوزير على دفاعك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق