2012/05/03

أقلامنا وقضية البدون

أقلامنا التي بين أيدينا ويندرج تحتها طبعاً لوحة المفاتيح في الكمبيوتر والجوال ، لا تخرج عن كونها أحد قلمين : قلم يكتبنا ، وقلم يكتب ما نتمنى أن نكون عليه ، فالقلم الأول هو الأكثر صدقاً ، والأكثر أمانة في نقل الواقع لمن يقرؤه ، فهو يصورنا للآخرين بلا رتوش ، وبلا مساحيق تجميل ، وبلا أقنعة فضيلة ، والقلم الثاني هو الأكثر جمالاً ، والأبهى طلة ، تتحسس معه في فمك حلاوة الكلمات ، لكنه يفتقد للمصداقية في كثير من الأحيان وتعتريه المثالية دائماً ، ونحن مع ذانك القلمين في صراع فإن غلبَنا الأول وأخذ بتلابيبنا رغماً عنّا ، كتبنا عن واقعنا ولم نستطع حينها أن نذكر إلا ما نعايشه ، وإن غلبَنا الثاني حلّق بنا عاليا ومكننا من أن نطل برؤوسنا من مكان آخر غير ما نعيشه ، والحرب بينهما سجال .
مهما تطورت الأسلحة وتقدمت ، يبقى سلاح الكلمة سلاحاً لا يقهر وكيف لا وقد قُرن بأعظم الجهاد فقد جاء في الحديث (أعظم الجهاد "كلمة" حق عند سلطان جائر) ، وسمى الله عز وجل شهادة التوحيد كلمة فقال عن إبراهيم عليه السلام (وجعلها "كلمة" باقية في عقبه) ، فلا يستهينن أحد بهذا السلاح ويظن أن مفعول غيره أقوى من مفعوله ، بل للكلمة الحرة الصادقة اليد الطولى في نصرة أي قضية ، وبعض الأقلام أعتى من الأسلحة الرشاشة ، وبعض الحروف تفعل مفعول السحر ، وعند "تويتر" الخبر اليقين .
يعاتبنا البعض على كثرة كتاباتنا حول قضية البدون ، وأننا جعلنا أنفسنا في حفرة لا نستطيع الخروج منها ، وأن أقلامنا عشقت العويل والصراخ واللطم وشق الجيوب وخمش الخدود ، وأن هذا غير نافع بتاتاً لنا ولأقلامنا ، وأننا يجب أن نتناول مواضيع أخرى لأننا في النهاية جزء من هذا المجتمع نتأثر بما يتأثر به ، وندور معه حيثما دار ، نفرح لفرحه ونحزن لحزنه ، وما نحن إلا منه وإليه رغما عن أنف كل من أراد أن يقتطعنا منه ويضرب بيننا وبينه بسور له باب باطنه من جهته الرحمه وظاهره من جهتنا العذاب .
لا أختلف إطلاقاً مع أصحاب تلك النظرة وذلك الرأي ، ولكن لا طاقة لي ولا لأبناء جلدتي بالخروج من ذلك الوضع الذي وضعنا أنفسنا فيه ، فنحن أبناء هذه القضية ، ونرى أن نصرة تلك القضية بالكلمة الصادقة وبالقلم الحر الشجاع هي أقصى ما يمكن أن نقدمه لمن لهم حق علينا ، فنحن لا يمكننا أن نتنصل من هذا الواجب الملقى على أعناقنا ، كما أن كل محاولات النسيان واللامبالاة باءت بالفشل ، وكيف لنا أن ننسى جرحاً كلما اندمل جاءه من يفتحه ، كيف لنا أن ننسى طفلا أميا نراه أمام أعيننا ليل نهار ، كيف لنا أن ننسى أمّا يحترق قلبها في اليوم الواحد عشرات المرات على أولاد عاثت بهم البطالة فسادا ، وعلى بنات طافهن قطار الحياة الزوجية وماتت تحت أقدامهن كل أحلامهن بسماع كلمة ماما ، كيف لنا أن ننسى شيخا تتكلم بالنيابة عنه تجاعيد وجهه ويديه لتحكي فاصلاً من المعاناة لا ينتهي ، كيف لنا أن ننسى أطفالا كانوا بيننا أحياء فغيبهم الموت أمام أعين والديهم ولم يمهلهم رويداً لاستجداء جواز من هنا ومالٍ من هناك ، كيف لنا أن ننسى ؟ أجيبوني ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق