2012/03/16

خوش ولد !


عندما قالوا : "ليس كل ما يلمع ذهباً" فقد كانوا يعون ما يقولون فعلاً ، فبعض البريق زائف لا يعبر عن جوهر ثمين ، للكلمات بريق أيضاً ولكننا حين نحسن وضعها في المكان المناسب لها فنحن نكسبها القيمة التي تتناسب مع بريقها وإن لم نحسن ذلك فإنها تبقى كلمات ذات بريق زائف لا أكثر ، بعض الكلمات نحمّلها من المعاني خلاف ما يدل عليه ظاهرها وغالباً ما يكون هناك معنى آخر مدفون تحت ثنايا تلك الحروف البرّاقة ، لا يبينها ولا يكشفها ولا يعري معناها المراد إلا تعابير الوجه وحركات الأيدي ، لذلك لا تأمننّ شتيمة أن تغلف في غلاف جميل ولا نقداً أن يقدّم في قالب ثناء ، والمعنى في بطن "القائل" .
مع شديد الأسف نحن من أسّس هذه القاعدة وهذه الطريقة في حوارنا ونقدنا لللآخر فنحن من ابتكرنا أن نجيب من سألنا عن رأينا في شخص ما ، أنّه "ابن حلال" منتقصين منه بكلمة جميلة ، فظاهر الكلمة لا بأس به ولكن باطنها بالتأكيد يدل على الذمّ أكثر منه للمدح ، ونحن من جعلنا من كلمة "الله يهديك" مذمّة ، فلو قلنا لشخص "الله يهديك" يغضب ويتغير لون وجهه فقد اعتاد على سماع هذه الكلمة من أجل انتقاده والتعبير عن سلوكه السئ ، أما في المجالس فحدث ولا حرج ، فحين تحتدم "الغيبة" ويبدأ الحضور في تناول لحم أخيهم ميتاً ، ويكونون كما شبههم ابن فطيس بقوله :
عازمهم الشيطان للذنب ويجون
هذا يقطع له وهذاك يواكله
يأتي أتقى القوم ليقول لهم : "اتركوه اتركوه ما نبي ناخذ غيبته الله يهديه" بعبارات وجه وحركات أيدٍ تدل على الانتقاص ليشاركهم الغيبة دون أن يشعر ولكن بأسلوب ألطف ، فعبارته حوت من الانتقاص الشئ الكثير أيضاً ولم يجمّلها جمال ظاهرها .
تعابير وجوهنا في كثير من الأحيان توصل ما لا تستطيع حروفنا أن توصله واضحا وصريحا ، فالحاجبان المرتفعان المقوسان والفم العابس والأوداج المنتفخة لا تجعل من عبارات "اتق الله" نصيحة أبداً ، وخفض الصوت مع تحريك اليد وتمييل الرأس قليلا لا يجعل من عبارة "خوش ولد" مدحاً أبداً ، فجمال العبارتين ضاع مع قبح الملامح ، وعلى العكس تماماً فلو سبق كلمة "خوش ولد" بقسم مع علو صوت وضرب للأرض بأحد اليدين لأصبحت من عبارات الثناء التي لا يؤثر فيها قدح قادح .!
لذلك في مواقع التواصل الاجتماعي وفي منتديات الأنترنت وعالم الكتابة حيث لا يتواجد مع الحرف تعابير وجه ولا حركات أيدي ، احرص على انتقاء العبارة الواضحة الصريحة التي لا تحتمل وجوهاً عديدة ، ولا تظنن أنك إن أردفت الشتيمة بوجه تعبيري باسم ستصير مدحاً أو نكتةً مثلاً !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق