2013/09/30

وكانت وظيفة !


ما إن أذيع خبر إعلان وزارة الدفاع قبول الشباب البدون كعسكريين إلا وانتشر الخبر أو قل البشارة بين شباب البدون عبر الرسائل الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي انتشار النّار في الهشيم أو كانتشار خبر رؤية هلال العيد ، يبشّر بعضهم بعضاً بفرج قريب وخلاص من الفقر والبطالة والعوز بات وشيكاً ، وطفق بعضهم لتجهيز الأوراق والصور المطلوبة وأصبحت الطوابير أمام محلات التصوير ملفتة للأنظار، وراح البعض بسأل عن  الشروط التي يجب توافرها في المتقدمين والتي كانت تأتي مصحوبة بالخيبة العظيمة مع كل شرط غير متوافر في السائل عن تلك الشروط ليبدأ بعدها رحلة البحث عن واسطة تعفيه من إلزامية وجود هذا الشرط ، ورغم أن الشروط التي أعلنت وزارة الدفاع توافرها في المتقدمين تصلح لأن تكون شروطاً للتجنيس لا للتوظيف إلا أنها متوافرة ولله الحمد في عدد كبير من أبناء البدون والذين هبّوا منذ الصباح الباكر إلى مقرّ التسجيل يدفعهم المثل القائل "اتبع الكذّاب إلى باب التسجيل" .
زحام شديد يبدأ منذ لحظات الفجر الأولى وانتظار يستمر حتى منتصف النهار تحت أشعة الشمس المؤذية لم يكونا ليؤذيا شباب البدون ولا ليثنياهم عن هدفهم المنشود وأعين بعضهم تقول للبعض الآخر "نحاول تسجيلاً أو نُردّ فنعذرا" ، جمعوا أوراقهم وآمالهم وأحلامهم ومستقبلهم ودعاء والديهم في ملف أو ظرف لعله يكون خير شفيع لهم مادامت تضحيات آبائهم وأجدادهم فشلت في أن تكون شفيعاً لهم بسبب اتّزارها وتستّرها بالولاء المجرّد من كل منفعة وشتّان ما بين شفيع متّزر وشفيع عريان ولله درّ القائل : ليس الشفيع الذي يأتيك متّزراً () مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا .
بعد انتهاء فترة الدوام الرسمي ووقف التسجيل وقبول الطلبات وتدقيق الأوراق يأتي الوعد الذي قضى الشباب البدون جلّ أعمارهم وهم يسمعونه عند التقديم على وظيفة وهو : سنتصل بك لاحقاً ! ، ليغادر الشاب البدون وقد قسم قلبه إلى قسمين ؛ قسم بقي معلّقاً هناك أمام بوابة التسجيل يسامر أحلامه وآماله ويبني مستقبلاً من سراب ، وقسم ظلّ معلِّقاً قلبه وسمعه وبصره على سماعة هاتف يشكو خواء الرصيد ينتظر أي رنّة بشارة وقد لا يسلم من مقالب بعض الأصدقاء أحياناً .
وهكذا ينتهي حلم رعاة سريع ما تلبث جرات الفرح أن تتكسر بعده على رؤوس الحالمين الذين باتوا على يقين بأنهم ربما لن يعانقوا أحلامهم تلك على أرض الواقع أبداً وأن أمنياتهم كفاها أن تكون أمانيا ، ليطووا صفحة حلم مضى ، وينتظروا صفحة حلم جديد تفتح ليعانقوا من خلالها بعض أمانيهم وليعيشوا لذّة ربما وأقول ربما تنسيهم ألم انكسار الجرار على رؤوسهم بعد كل حلم .
لطالما عشتُ وعاينتُ من عاش مثل تلك الوعود بالتسجيل في وزارتي الدفاع أو الداخلية والتي سرعان ما تنتهي بقبول أناس آخرين غير شباب البدون ليبقى شباب البدون يقبعون في صالات انتظار الفرج أو الموت ، وإن المتتبع ليعلم يقيناً بأنه من الصعب جداً في ظل النهج الحكومي في التضييق على البدون قبولهم في مثل هذه الوظائف والتي تمنحهم كثيراً من الانفراج المادي وقليلاً من الاطمئنان نحو مستقبل أفضل ، لذا أرجو من إخواني - مع رجائي بأن يخيب ظني بالنهج الحكومي هذه المرة - ألا يعلقوا كل آمالهم بمثل هذه المناورات الحكومية وأبر البنج المؤقتة حتى لا يكون وقع الألم عليهم أشدّ وأقوى فعلى قدر "الهقوات" يأتي عظم الخيبة ، وهذا لا يعني عدم سعيهم في التقديم والتسجيل بل هذا من الأخذ بالأسباب ولكن من باب "إن جت جابها الله" وإن لم تأتِ فما كانت إلا وظيفة ! .


منصور الغايب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق