ومن جاهلٍ بي وهو يجهل جهله
ويجهل علمي أنه بيَ جاهلُ
المتنبي
محاولة إفهام الأغبياء ضرب من البلاء ، ونوع من العناء ، تستجلب الداء ،
وتستوجب استعمال الدواء ، تلهيك عن مواصلة الطريق ، وتجعلك في بحر الجدال البيزنطي
كالغريق ، تتعلق منه بقشة رجاء أن يفهمك ، وتقاسي من علو موج كلامه السئ إذا كلّمك
فكلَمك ، ولا يابسة بالقرب ، ولا يخلصك منه سوى رحمة الربّ ، تصغي في البداية لكل
ما يخرج من فيه ، حتى تختم الحوار معه بقولك : لقد آن لأبي حنيفة أن يمدّ قدميه .
!
نخطئ خطاً كبيراً حين نقضي وقتاً طويلاً في إفهام بعض الجهال وأهل الغباء
بما نريده ونصبو إليه ونسير في اتجاهه ، ولكننا نعود منهم بخفي حنين دائماً ،
ونتذكر حينها قول الإخوة في مصر : "علّم في المتبلّم يصبح ناسي" ، لأن
المتبلًم لن تجني من محاولة تعليمه وإفهامه سوى التأخر عن المضي قدماً نحو هدفك ،
فدعه ولا تكثر عليه التأسف ، وسلّم له جدلاً بكل ما يقول ، ثم أعطه ظهرك ودعه يفرح
في قرارة نفسه ، ويرفع علامة النصر ظنّاً منه أنه قد انتصر نصراً مبيناً ، بينما
تواصل أنت السير بخطى ثابته تحمل همّ قضيتك ، وتجعل الوصول إلى نهاية الطريق مرادك
الأول لا غير ، ولسان حالك كما قال المتنبي : "نحاول ملكاً أو نموت
فنعذرا" .
إن محاولة إقناع كل مخالف ، وتعليم كل جاهل ، وإفهام كل غبي ، ستبطئ من
سيرك على الأقل ، هذا إن لم توقفك عن المسير أصلاً ، فكم سئمنا من الجدال العقيم
في إفهام بعض المخالفين في بعض القضايا ، وكم تعبنا من حمل السيوف في ساحات الفكر
، وإذا بنا في مؤخرة الركب ، فأصبحنا كالمنبتّ الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى !
في عصر أحد الملوك الأغبياء ، كان هناك حمار – أجلكم الله – لا يمت لجنس
الحمير بصلة إلا في الاسم فقط ، وصادف يوماً أن شاهد الحمار قطعاناً من الأبقار
تجري بسرعة هائلة ، فاستوقف الحمار بقرة وقال لها : ما الخطب ؟! فأجابته البقرة
بأن الملك الغبي قد أصدر أمراً بقتل جميع الأبقار في البلد ! ، عندها جرى الحمار
بأقصى سرعة ليظفر بحياته ، فاستغربت منه البقرة وسألته : ولماذا تجري وأنت حمار
ولست بقرة ؟! ، فأجابها بحكمة : "عاد تعال فهم الملك الغبي إني حمار مو
بقرة" !!
لقد عرف ذاك الحمار – أجلكم الله – أن محاولة إفهام حقيقة الأمر لذلك الملك
الغبي قد تودي بحياته ففضل الهرب على أن يجعل حياته معلقة بشعرة إفهام غبي .
خلاصة القول : إنك إن أكثرت التوقف في محطات الجدال العقيم ، واستراحات
إفهام الأغبياء ، وأضعت الأوقات في الرد على كل مسيء ، فلن تصل إلى هدفك المنشود في
الوقت المحدد ، وربما لن تصل إليه أبداً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق