2012/02/05

خشمك عوج !!


ماينسينا الخطا حب "الخشوم"
                              وما يطهرك المطر عشرين عام
                                                                   خالد الفيصل

للخشم (الأنف) مكانة معنوية كبيرة لدى بني البشر، فهو يعتبر من أعز الأعضاء في جسم الإنسان وباستعمال مفردته يعبر عن كثير من الأمور؛ إن رضاً أو سخطاً، فالخشم أحد مكامن العزة في جسم الإنسان، ولولا ذلك لما كان الخشم أول عضو يضعه الإنسان في التراب عند سجوده معبّرا عن تذللـه وخضوعه وخشوعه لله عز وجل واستكانته وحاجته وقلة حيلته وفقره إليه سبحانه وتعالى، ولفظة الأنف وهو الخشم في اللغة الدارجة جاءت في السنة المطهرة أيضاً كدليل على الترغيم فقد جاء في الحديث (رغم أنف امرئ أدرك أبويه ولم يدخل الجنة..... الحديث) وجاء أيضاً (وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبي ذر..... الحديث) وما استعمال مفردة الأنف هنا إلا أنها تشكل جانبًا معنويًا مهمّا لدى الإنسان، والخشم علامة للعزة والرفعة والأنفة ولعلّ هذه المفردة الأخيرة ما سميت بذلك إلا اشتقاقاً من الأنف وهو الخشم باللغة الدارجة، والإنسان المتكبر في اللغة الدارجة يوصف بأنه "رافع خشمه" علامة على تكبره وازدرائه للآخرين، والخشم هو أول ما يتبادر للمرء أن يشير إليه حين يطلبه عزيز أو يحتاج إليه قريب فتجده دون أن يعدّ للسؤال جوابا يقول : "على هالخشم" رغم أنه لا علاقة ظاهرة بين استجابة الطلب وتحقيقه وبين الخشم إلا أن تكون المكانة الكبيرة التي يحظى بها الخشم لدينا، والخشم أحد الأعضاء التي إن أكرمت دلّ ذلك على إكرامك للشخص المقابل، لذلك يبادر البعض إلى قول عبارة "عليه الشحم" حين يشير إنسان إلى خشمه ولا تستغرب من اقتران الإكرام بالشحم فنحن قومٌ لا نشعر بارتفاع مقياس الكرامة لدينا إلا مع ارتفاع معدل الكوليسترول في أجسامنا ، وقبلة الخشم طريقة للسلام لدى البعض ، وقبلة الخشم وسيلة اعتذار وكسب ود المقابل لدى البعض أيضاً، وتستعمل كذلك مفردة الخشم في بعض من أمثالنا الشعبية الدارجة، ففي المثل "إذا انطق الخشم دمعت العين" دليل على التلاحم بين الناس وتأثرهم بما يجري لبعضهم كما تتأثر العين وتدمع عندما يضرب الخشم.

يتبين مما سبق ذكره وغيره مدى المكانة المعنوية والحسية التي يتمتع بها الخشم في مجتمعنا، وماحداني لكتابة هذه الأسطر هو ما ينتشر حالياً على الألسن لدى كثير من الناس عندما تنصحه بالتصويت للرجل المناسب الذي يتمتع بالصفات الطيبة التي تؤهله للدخول في البرلمان والجلوس على كرسي المجلس كنائب عن الأمة، فيجيبك دون تفكير مسبق مستعيراً المثل الشعبي "خشمك عوج مالك غيره" كناية عن أنه سيختار ممثل قبيلته لا محالة وإن كان فيه من سيء الصفات ما يزكم الخشوم جميعًا، وإن كان قبيضاً لا يخشى في القبض لومة لائم، يشفع له في ذلك فقط أنه ابن عمه ومن قبيلته وأنه خشمه الذي وإن كان أعوجاً فليس له غيره بزعمه!!

مثل تلك الحجج الواهية ماهي إلا ذريعة يتذرع بها من لا يريد الخير لهذا الوطن، ولا يريد للأفضل أن يصل إلى البرلمان، ولا يهمه نوعية من يصوت له بقدر اهتمامه بكونه ابن قبيلته أو أحد مخرجات فرعية القبيلة.

ياعزيزي، إن كان خشمك أعوجاً فدعه عنك، واختر عضواً آخر من جسدك؛ لتصوت له في البرلمان، فكلنا هنا في هذا الوطن جسد واحد، والعوج الذي في أنفك إن لم تقومه وتعالجه فلا ينفعه ولا ينفعك إكرامك له، ودمتم ودامت خشومكم على شحم.

 منصور الغايب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق