"لن
تمشي وحيدا بعد اليوم" ... بهذه الكلمات التي ملؤها الأمل تصدح جماهير نادي
ليفربول الانجليزي محاولة تحفيز لاعبي فريقها وبث روح الحماس فيهم ، وبنفس الكلمات
تواسيهم بعد كل خسارة موجعة ، وتخفف من مصابهم ، وتداوي جراحاتهم ، حتى أصبحت تلك
الكلمات مع مرور الوقت نشيداً رسمياً للنادي ، وتحديداً بعد حادثة التدافع الشهيرة
في ملعب ليفربول عام 1989م والتي أدت إلى مقتل 96 شخصا من مشجعي النادي في يوم لا
ينساه أنصار النادي الإنجليزي ، فأصبحوا في كل لقاء لفريقهم يرددون : "عندما
تمشي خلال عاصفة ارفع رأسك عاليا ، ولا تخف الظلام ، في نهاية العاصفة هناك سماء
ذهبية ، وهناك أغنية المرح الفضية اللطيفة ، امض قدما خلال الرياح ، امض قدما خلال
المطر، بالرغم من تأرجح وتبخر أحلامك ، امض قدما امض قدما فلن تمشي وحيدا بعد
اليوم" .
استوقفتني تلك
الكلمات كثيراً وأنا أقرأها للوهلة الأولى ، شعرت بشئ كبير في داخلي جعلني أتعاطف
مع تلك الكلمات التي تخاطب كل جريح لا يجد بجانبه من يواسيه ، وكل مظلوم يطلب
النصرة فيقابل باللامبالاة ، وكل دمعة تنهمر فتقابل بالضحكات العالية التي لا تخلو
من نبرة سخرية ، ووجدت أن من الظلم حصرها بين جنبات الملاعب الرياضية وهي تحمل بين
ثنايا حروفها كل هذا الكم الهائل من الانسانية الصافية .
في بلدي يعاني
البدون الأمرين ، يلتفتون يمنة ويسرة يستجدون النصرة بنظراتهم فقد منعهم الحياء من
طلب النصرة بأفواههم ، يريدون شخصاً يقول لهم من بعيد "لن تمشي وحيدا بعد
اليوم" يريدون من الذين اعتلوا المنابر لفضح الفساد وأهله ، ومن الذين حاربوا
الراشي والمرتشي جهارا نهارا ، ومن الذين قضوا الليالي في الاعتصامات دفاعا عن
الحقوق المكتسبة ، ومن الذين فزعوا لنصرة كل مظلوم بعيد ونسوا المظلوم القريب رغم
أن في نصرته أجرين أجر النصرة وأجر القربى ، يريدون منهم جميعاً أن يقولوا لهم
"لن تمشي وحيدا بعد اليوم" ، يريدون من أصحاب الأقلام الحرة التي لم تخش
في بيان الحق لومة لائم أن تكتب لهم مانشيتا يقول لهم :" لن تمشي وحيدا بعد
اليوم " .
إن لإخوانكم
عليكم حقاً أن تنصروهم وتساهموا في رفع الظلم عنهم وأن تقفوا معهم صفا واحدا حتى
تتحقق مطالبهم ، فإنكم إن تخليتم عنهم اليوم سيبقون هم "بدون" هوية ،
وستصبحون أنتم "بدون" مبدأ ، و"بدون" إنسانية ، و
"بدون" ضمير ، فضعوا "بدونيتهم" في كفة و"بدونيتكم"
في كفة وانظروا أي الكفتين ستطيش ؟! .
امض أيها
البدون فلن تمشي وحيدا بعد اليوم فكل أصحاب الضمائر الحية سيؤيدونك ، وكل أصحاب
الأقلام الحرة سيكتبون دفاعاً عنك ، وكل أصحاب القضايا الحقة سيعتبرون قضيتك هي قضيتهم
في المقام الأول ، ومن سواهم فلست في حاجة لتلونهم وتناقضهم وكذبهم ، امض أيها
البدون فلن تمشي وحيداً بعد اليوم فإنك إن تكُ صاحب حقّ فإن الله عزّ وجلّ سيكون
معك ، وإن الله عزّ وجلّ لينظر إلى دعوة المظلوم فيقول لها (وعزّتي وجلالي لأنصرنّك
ولو بعد حين) ، امض أيها البدون فلن تمش وحيدا بعد اليوم فمن كان الله معه فماذا
فقد ؟! .
أما أصحاب
التعاطف الكاذب ممن يتاجرون في قضية البدون ويتكسبون من خلالها فالبدون أغنياء عن
تعاطفهم الكاذب ، وهم من العلم والدراية بمكان يستطيعون من خلاله التمييز بين
الصادقين والكاذبين في نصرتهم ، وقد صقلتهم نوائب الدهر حتى باتوا يعرفون من يدعمهم
حقّا لتحقيق مطالبهم ، وبين من يتسترون خلف صور رمزية يغيرونها في برامج التواصل
الاجتماعي ويظنون بعدها بأنهم قد قاموا بما يجب عليهم القيام به ، بل ويتبعون ذلك
بالمنّ والأذى ، أو يجعلون قضية البدون أحد نقاط برنامجهم الانتخابي زوراً
وبهتاناً .
عزيزي البدون
... قد تكثر الكلمات وتطول العبارات في بيان حجم مأساتك ولكن ثق تماما بأنه لا
يعلم عظم ما يقاسي البدون إلا البدون أنفسهم ، ولله در المبدع الوسيم محمد السهلي
حين قال :
مع احترامي
للقصيدة والخيال .......
ماحسّ باحساس "البدون"
إلا "البدون"
عزيزي البدون
... آمُل ألاّ أراك "تمشي وحيدا بعد اليوم" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق