يقولون في المثل "أن تصل متأخرا خير من ألا تصل" والحقيقة إن لي وجهة نظر مختلفة حول هذا الموضوع في ظل نطاق خاص ومحدد ربما يتبين للقارىء الكريم لو تكرم علي بقراءة هذا المقال حتى سطره الأخير.
كثيرا ما يتحجج المتأخرون في الحضور لأي مناسبة أو فعالية بترديد "أن تصل متأخرا خير من ألا تصل" فيقولونها مصحوبة بابتسامة عريضة وكأن الوصول كيف كان ومتى كان خير من عدم الوصول، ولكن الحقيقة أن هناك أشياء في الحياة عدم وصولها خير من أن تصل متأخرة لأن في وصولها المتأخر تترتب متاعب كثيرة ومصاعب متنوعة بل ربما يكون وصولها غير ذي منفعة.
وأكثر ما ينطبق عليه القول أعلاه الأحلام التي تتحقق متأخرة عن موعد انتظارها الطويل، والفرص التي تأتي حين لا يكون لك القدرة أو الرغبة في استغلالها، بل ربما تتسبب لك في هذه الحال بألم وصراع طويل مع نفسك فأنت إن تبعتها وحاولت استغلالها أتعبتك وأرهقتك ونالت منك، وإن تركتها فقد تكون فريسة لتأنيب الضمير على إضاعتها.
جاء أن أعرابيا عشق جارية وكانت تتمنع عنه ولا تأبه به فمرض بسبب ذلك وشارف على الموت، فقيل لها: لو أنك زرته وخففت عنه فما أصابه كان بسبب حبه لك، فلما دخلت عليه قالت له: كيف حالك يا فلان؟! فأنشد يقول:
ولما دنا مني السياق تعطفت
عليّ وعندي في تعطفها شغلُ
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصلٍ حين لا ينفع الوصلُ
فلم تك تلك الفرصة السانحة والحلم الذي تحقق متأخرا بذي بال عنده بعد أن تأخر عن الوصول في موعده المحدد.
وذكر الكاتب سلام شماع في كتابه عن العلامة علي الوردي أنه كان له حفل تكريم صادف أن يكون في وقت مرضه الذي أفضى به إلى الرحيل فأرسل شخصا ينوب عنه إلى الحفل وطلب منه أن يلقي على الحضور بيتا واحدا فقط، وكان هذا البيت:
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصلٍ حين لا ينفع الوصلُ
فليس شيء أجمل من يلتقي الحلم والرغبة والقدرة معاً
دمتم بخير